الباحث والناقد صديق محيسي يتحدث عن قضايا الابداع … حوار عيسي الحلو

 


 

 

التوثيق الكتابي يحفظ  ذاكرة الحركة الثقافية من الثقوب

 

الاستاذ صديق محيسي الصحفي بقناة الجزيرة، هو ناقد أدبي سوداني نشط داخل الحركة الابداعية السودانية منذ الستينيات وحتى الآن . كتب العديد من الدراسات النقدية في الشعر والقصة والرواية . التقت به (كتابات) وادارت معه هذا الحوار، وذلك بغرض اضاءة المشهد الثقافي الراهن الذي يبدو للاجيال الجديدة كما لو كان مقطوعاً عن جذوره الحضارية والتاريخية على المستويين المحلي والعربي. والاستاذ محيسي هنا من موقعه كشاهد على عصرنا الثقافي في كل ابعاده الزمانية يلقى الاضواء على هذا الموقف محاولاً ان يجد ذاك

* ماذا عن حركة التوثيق الثقافي السوداني.. كإهتمام بذاكرة الأمة؟

- اعتقد ان الحركة الثقافية، منذ نشوئها لم تهتم بحركة التوثيق الأدبي، لرموز الابداع . وهذا كان من شأنة ان يحدد ملامح كل مرحلة، وعلاقتها بالمراحل السابقة. واذا دققنا النظر في المسألة السودانية ، حتماً سنكتشف ان هناك تعقيداً كبيراً في هذا الجانب، مما ترتب عليه عدم وضوح ملامح كل مرحلة.

* ماذا يترتب على هذه القطوعات؟

- ان هذه القطوعات بين الاجيال تؤدي الى عدم معرفة بدايات الظاهرة الثقافية ومن ثم يؤدي هذا بدوره الى عدم السيطرة على الفكرة الابداعية وتطويعها داخل برامج التطوير ودفعها في مسارها التقدمي الطبيعي . واذا قارنا الحركة الثقافية في السودان والحركة الثقافية في مصر مثلاً، نجد ان الحركة الثقافية المصرية، لم تمهل هذا الجانب، بدليل، انه كانت هناك عشرات الكتب والبحوث والدراسات والمؤلفات عن التراتب التاريخي للثقافة المصرية. فمنذ عصر الرومانسية مروراً بالمرحلة التسجيلية، وانتهاء بحركة الواقعية الاشتراكية.

* ما فائدة توثيق التراتب هنا؟

- هذا التراتب التاريخي في الثقافة المصرية استطاع ان يحدد حركة سيرها ومحطات صعودها وهبوطها. لقد أسهم عدد كبير من الكتاب والمبدعين السودانيين في الحركة الثقافية المصرية.. معاوية نور، محجوب باشري وجيل الواقعية الاشتراكية.. فيتوري، تاج السر الحسن، ومحيي الدين فارس، وشابو وبوكاب.

تجاه هذه الجبهة الثقافية المتقدمة، فان المؤرخين الثقافيين ، لم يسجلوا هذه الحركة .

* تعني ان عدم التدوين لم يمكن من قراءة هذه الاضافة؟

- نعم.. فحركة التحديث التي قام بها هؤلاء، والتي تركت اثراً كبيراً في الحركة الثقافية المعاصرة (عربياً) .. كان ينبغي ان تسجل، وان تتم عملية اسكانها او تشريح هذا الدور الكبير الذي لعبه المبدعون السودانيون في حركة الابداع العربية كلها.

* لماذا لم يهتم المؤرخون الثقافيون المصريون بهذا الدور؟

- ان المؤرخين المصريين المعنيين بهذا تعمدوا الاهمال وتجاوز هذه الاسماء لقد كان جيلي عبد الرحمن رئىساً للقسم الثقافي في جريدة (المساء) القاهرية. وفي هذه الفترة أسهم جيلي اسهامات كبيرة في رصد حركة الشعر الحديث. محيي الدين فارس كان مسئولاً عن الصفحة الثقافية في (الجمهورية) وسواء بسواء كان لكل من الفيتوري وفارس وجيلي دور كبير في المعارك الادبية التي نشبت بين التيار التقليدي بقيادة العقاد وتيمور والتيار الثوري. وفي هذا السياق، اسهم هؤلاء في تحديث البناء الفني للقصيدة ، شكلاً ومضموناً، وذلك بجانب جبهة اخرى في الطرق على رأسها السياب وبلند الحيدري والبياني ونازك، ومما لا يذكره الكثيرون ان شاعراً كمحي الدين فارس دخل في معارك نقدية شهيرة مع شاعر آخر هو نزار قباني. فجرت هذه المعركة في مجلة (الآداب) البيروتية. فمحيي الدين فارس هو الذي اطلق لقب (شاعر الفراش) على نزار قباني . على الجانب الآخر، وهو الجانب النقدي أسهم المفكر السوداني محيي الدين محمد وهو الذي قدم (زكريا تامر) الروائي والقاص السوري الى القراء العرب. وذلك من خلال دراسة وافية اسمها (صهيل الجواد الابيض). وقد كان محيي الدين احد ابرز كتاب (الآداب) البيروتية.

* هل كان ناقداً ناشطاً ومعروفاً كرصفائه الآخرين؟

- كان يعكف دائماً على كتابة بحث الشهر في مجلة (الآداب) كتب عن وليم فولكنر (عار وليم الخصوصي) وهو اول من كتب عن الفنتازيا، ثم اول من اطلق صرخة في مجال الحريات الديمقراطية، عندما كتب في الستينيات من القرن الماضي كتابه الشهير (ثورة على الفكرالعربي المعاصر)

* ماذا عن ذات الدور في السودان .. ذاك الدورالذي لعبه المبدعون السودانيون؟

  - اذا تركنا مصر وجئنا الى السودان ، نكتشف ان هذا التقصير لا يزال جاثماً على صدر الثقافة السودانية. ففي مصر ساعدت كل الحكومات الادباء وفرغتهم للقيام بهذه المهمة (في فترة عبد الناصر) .. مثلاً.. محجوب عمر باشري الذي لم يكتب عنه ما يضئ سيرته الابداعية بينما محجوب باشري ومعاوية نور من أبرز القريبين من العقاد وهما يحضران ندوته باستمرار. اما الاجيال التي أتت ما بعد الاستقلال (محمد عبد الحي، علي عبد القيوم، علي عمر قاسم، صلاح أحمد ابراهيم ، علي المك).. حتي الآن لم نستطع ان نوثق لهم.

* هل تم التأصيل والتوثيق لهؤلاء؟

- لم يتم هذا التوثيق. وهذا ما نسميه بالقطوعات التاريخية في مسيرة الحركة الثقافية السودانية؟

* ولكن لماذا؟

- هذا بسبب طبيعة المثقف السوداني. فهو شفاهي. ولكن هناك تحولاً بدأ في هذا الاتجاه ، بظهور مراكز الدراسات ، وأهمها مركز الدراسات السودانية، الذي قدم اسهامات مقدرة في التأصيل والتاريخ للحركتين الثقافية والسياسية.

* ما هو المطلوب بعد كل هذه السنوات؟

- اعتقد انه من المهم جداً ان يتداعى الكتاب والمبدعون الى قيام مؤتمر ثقافي سوادني، وهذه ربما تكون اول بادرة لعمل حقيقي لاكتشاف الواقع الثقافي في الحياة السودانية وأرى ان من شأن مؤتمر كهذا اذا رأى النور ان تطرح أمامه كافة القضايا التي أثرناها هنا.

* المؤسسات الفكرية والسياسية الأخرى.. ما هو دورها؟

- من المدهش ان عدداً كبيراً من القادة السياسيين لاتأبة احزابهم لا في فكرها ولا برامجها بقضية الثقافة، حيث توضع الثقافة دائماً في مؤخرة القائمة.. بينما ان الثقافة هي التي تصنع السياسة وليست السياسة هي التي تصنع الثقافة.

* من يستطيع ان يقوم بعمل التوثيق من المؤسسات الراهنة؟

- اطالب اتحاد الكتاب السودانيين ان يتبني الفكرة وان يدعو لهذا المؤتمر الثقافي كافة مفكري وشعراء وادباء السودان، وان يحققوا هذا المؤتمر ، لأن هذا المشروع هو الذي يحدد مستقبل الحركة الثقافية والفكرية في السودان.

* يرتبط التوثيق بترك الشفاهية؟

- نحن نطالب بالتحول من المشافهة الى الكتابة والتوثيق. إلاَّ وان هذه القطوعات التي احدثتها الانظمة السياسية مدنياً وعسكرياً، ستظل سبباً رئيسياً في تفكك الحركة الثقافية في السودان.

* من هو صاحب المبادرة.. في محارلات توصيل الابداع خارج الحدود؟

- لقد لعب الكاتب والناقد حسب الله الحاج يوسف دوراً كبيراً في اشهار الحركة الثقافية السودانية، وتوصيلها الى العالم العربي، وقد كان مراسلاً لمجلة (الأداب)  البيروتية في السودان.

* أهم الامور التي ينبغي ان يهتم بها المؤتمر الثقافي المقترح؟

- من المهام التي ينبغي ان يهتم بها المؤتمر الثقافي المقترح ، اضاءة سير الكتاب السودانيين المهمين في مسار الحركة الابداعية السودانية المعاصرة كان تعمل صور فوتوغرافية تجمع في متحف تعريفي بهؤلاء .. وهكذا.. وهناك مبدعون سودانيون في المهاجر.

 

-           نقلا عن الرأي العام        

 

آراء