البرهان مسخ مشوّه يجسّد وجه النخب الفاشلة
طاهر عمر
19 March, 2022
19 March, 2022
المجتمع البشري كظاهرة يرتقي في سلالم الوعي بوتيرة تصاعدية بفضل فلاسفة و علماء اجتماع و اقتصاديين يرصدون فلسفة التاريخ الحديثة و كيف يرتفع مستوى الفكر السياسي في مجابهة مشاكل المجتمع. و كثير من الاحيان نجد لفتات مبهرة من علماء اجتماع كهشام شرابي في كتابه النقد الحضاري ينصح القارئ العربي بدراسة تاريخ الشعوب الاوروبية و تجربتها لأن تجربة الشعوب الاوروبية تكاد تكون قد قدمت مختصر تاريخ الانسانية. خاصة فيما يتعلق بتمرحلها في تجاوز فكرة الدولة الالهية و كيف تتأهب الآن لمغادرة فكرة الدولة الأمة لكي تتجه باتجاه الدولة الحقوق.
لماذا نذكر اهتمام هشام شرابي و نصيحته التي قدمها للنخب لكي تهتم بدراسة تاريخ الشعوب الاوروبية و الاستفادة من تجربتهم؟ لأن الذي يدور الآن في ساحة الفكر السودانية في وسط نخب قد فقدت بوصلتها التي تحدد لها اتجاه مسيرة الانسانية في ظل غياب مفاهيم حديثة كمفهوم الدولة و السلطة كظاهرة مصاحبة لظاهرة المجتمع البشري و كيفية ضبطها و أي المعادلات السلوكية تحدد مسارها و في نفس الوقت نجد وسط النخب السودانية من يقول بأن تجربة الشعوب الاوروبية لا تتماشي مع تجربة الشعب السوداني و نجد ذلك في كتابات الدكتور النور حمد في نقده و معارضته للديمقراطية الليبرالية التي يحاول فيها المثقف السوداني تقليد الانجليز بعد خروجهم أي بعد الاستقلال و كذلك تجد ذكر ذلك في كتابات الشفيع خضر رغم انه قد قضى اربعة عقود تحت نير نسخة شيوعية لا تقل بشاعتها عن أفكار وحل الفكر الديني و كأن الماركسية من نسيج تجربة المجتمع السوداني.
و نجد في محاورة النور حمد و مداورة الشفيع خضر محاولة رفع نماذج كنوذج الصين و فكرة النظام الذي يزاوج مابين نظام شمولي و نظام رأسمالي و نسى النور بأن الصين الآن قد وصلت الى مستوى رأسمالية الدولة و على المدى البعيد ستتواجهها مسألة الاصلاح السياسي الذي يواكب تقدمها الاقتصادي لأن علاقة الرأسمالية بالديمقراطية علاقة طردية و علاقتها عكسية مع الشيوعية لذلك على المدى البعيد ستواجه الصين مشكلة الاصلاح السياسي و مسألة تطور الفكر السياسي و لا مخرج لها غير طريق معادلة الحرية و العدالة و لا يمكن تحقيقة بغير الفكر الليبرالي.
لهذا لا تستغرب في أن النخب السودانية قد تجاهلت الهياكل التي يقوم عليها نشاط المجتمع و قد كرست كل جهدها في صراعها على المحاصصة و تقاسم المناصب قبل أن تحدد هيكل الدولة و مفهوم السلطة و خاصة في ظل مجتمع تقليدي في تراكيبه الاجتماعية بالغة الهشاشة.
و من المؤسف أن النخب السودانية و بعد ثورة عظيمة كثورة ديسمبر لم تفكر لحظة واحدة بأن أفكارها القديمة التي تريد ان تحقق بها شعار حرية سلام و عدالة أفكار قد أكل عليها الدهر و شرب. واضح من نشاط النخب السودانية و فشلها الذي أوصلها الى فشل لا يمكن تصوره الى درجة فشلهم للوصول بالفترة الانتقالية الى منتهاها. و هذا بسبب غياب النقد سواء كان فيما يتعلق بالنهوض بالفكر على جميع الاصعدة و كيفية الوصول به الى مستوى التجاوز و مفارقة الافكار التقليدية التي يرزح تحت نيرها المثقف السوداني و تظهر في عدم قدرته على أي المثقف السوداني على مفارقة ظلال الدولة الارادة الألهية و نجد المثقف السوداني يستريح تحت ظلال مرشدها لدي اتباع الحركة الاسلامية و امامها كطائفية الصادق المهدي و مولانا لاتباع الميرغني و استاذها كما نجد الميوعة الفكرية لاتباع النسخة الشيوعية السودانية و هم تحت ظل أكبر صنم ذهني و هو أستاذهم الذي ينسب له الحزب .
في نشاطه الفكري نجد هشام شرابي وفقا لمنهجه المواكب قد أوصى مثقفي العالم العربي و الاسلامي و المثقف السوداني قد إرتضى بالتخوم بأن تنسى ماضيها الفكري و تركز في فكر العالم في الثلاثة عقود الاخيرة و الغريب الآن كتاب هشام شرابي قد بلغ عمره الثلاثة عقود و ما زالت حالة الفكر بائسة بسبب غياب النقد كفضيلة لم يصبر المثقف السوداني على مكارهها سواء نقد لتجربتهم كافراد وسط أحزاب طائفية و نسخة متخشبة للشيوعية السودانية أو نقد لحالة فكر المجتمعات التقليدية.
و لغياب النقد نجد أن المثقف السوداني لا يستطع الشب عن طوق عجزه الفكري الذي يجعله رهين محبسه الابدي و هشام شراب يدرك بان أكبر فضيلة قد درب عليها المجتمع الغربي نفسه و ارتكزت عليها قيمه هي فكرة النقد و بسبب غيابه قد ساد في مجتمعنا السوداني و وسط نخبه الوعي الزائف و اول علاماته أن ترزح تحت احزاب تقليدية لم تبارح بعد حيز العرق و الدين و تكرر تجارب قد فشلت فيها النخب السودانية منذ قيام مؤتمر الخريجيين لأن مؤتمر الخريجيين و اتباعه لا يختلف حالهم عن حال النخب السودانية الراهنة في عدم قدرتها على مجابهة سوح الفكر.
و نقول ذلك لان أتباع مؤتمر الخريجيين لم يدور في خيالهم بأن زمنهم كان مفصل مهم و نقطة إنقلاب للفكر حيث انتهت فيها ملامح فلسفة التاريخ التقليدية و بدأت ملامح فلسفة التاريخ الحديثة التي لم نجد لها أي أثر في كتابات النخب السودانية لا على مستوى المؤرخيين الذين قد غاب عن أفقهم دراسة تاريخ الاجتماع و تاريخ الاقتصاد و لا على مستوى تطور الأفكار السياسية لكي تواكب أفكار الفلسفة السياسية المعاصرة.
هنا نجد أن نصيحة هشام شرابي للنخب بالاهتمام بالفكر في ثلاثة عقود الاخيرة لحظة كتابة كتابه تخرج أتباع مؤتمر الخريجيين من ان يكونوا خلفية يمكن الاعتماد عليها لأن أفكارهم لم تخرج من إطار التقليدية التي لم تفرق ما بين الليبرالية التقليدية و الليبرالية الحديثة و هنا ينام سر فشل النخب السودانية و مسخها المشوه الذي يظهر كبعاتي يقوم بدوره العسكري السوداني بانقلابات بليدة تقطع مسيرة نخب فاشلة لم تفرق حتى اللحظة بين الليبرالية الحديثة و الليبرالية التقليدية كانقلاب البرهان و هو يجسد وجه مشوّه لنخب لم تلاحظ كيف تكون لحظات الانقلاب في تاريخ الشعوب حيث تكون لحظات الانقلاب لحظات مخاض لميلاد الفلاسفة و الحكماء و الانبياء و ليس ميلاد المسوخ المشوة كما تمخض انقلاب البرهان عن ميلاد البرهان كأقبح عسكري يتبعه أجهل رجل فقير في تاريخه الاجتماعي و تاريخه الاقتصادي و هو المدعو حميدتي الذي نزل من ظهر الدابة و جاء الى المدينة كبدوي لا يسنده لا تاريخه الاجتماعي و لا تاريخه الاقتصادي في أن يفهم ملامح المجتمعات الحديثة و فكرها الذي تحتاجه و كله بسبب عدم تطور الفكر الذي لا يمكن ان يكون بغير النقد و هو العمود الفقري لانتاج فكر أخلاقي و عقلاني.
ظهور حميدتي و البرهان ما هو إلا ظهور وجه المسخ للنخب الفاشلة و عدم مقدرتها أي النخب على نقل المجتمع من مجتمع تقليدي الى مجتمع حديث يقطع الطريق أمام مغامر تقليدي متهور كحميدتي بان يظن بأنه قادر على حكم مجتمع حديث و بالمناسبة يضرب مثل على ذلك مثلا في المجتمعات الحديثة لا يتجراء رجل الدين و يحاول اعادة ارجاع عقارب الساعة الى الوراء و ينادي بعودة حكم الكنيسة و هذا بسبب الوعي نتاج النقد الذي أسس له فلاسفة كثر من ضمنهم عمانويل كانط و غياب الوعي نتاج النقد يجعل بدوي طائش كحميدتي ان يكون له طموح ان يحكم و هذا الذي يضحك عالم الاجتماع العراقي على الوردي في قبره و يجعله يتحرك بأن يسمع ببدوي كحميدتي مجسد للتناشز الاجتماعي و ازودواج الشخصية يحلم بأن يكون له دور فيما يتعلق بالحكم في العصر الحديثة و ما زال سرواله لين حيث لم تطول لحظة نزول من ظهر الدابة و معروف أن فكر علي الوردي قد ركزه في نقد ازدواج الشخصية و التناشز الاجتماعي نتاج روح البداوة و هي التي تقيد المجتمع التقليدي و تحد حركته و سيره باتجاه المجتمع الحديث و و الدولة الحديثة.
على العموم أن تأخر النخب السودانية عن مواكب المجتمع السوداني المتقدم عليها و قد أنجز ثورة عظيمة كثورة ديسمبر و أفشلوها بخيباتهم الفكرية يدل على عدم مسؤلية النخب السودانية و عدم قدرتها على خلق قيادة موحدة تنزل شعار ثورة الشعب ثورة ديسمبر و شعارها على أرض الواقع و كله بسبب عدم مواكبتهم للفكر في العالم و لذلك ينبغي على النخب السودانية ان تلاحظ ما يفصل ما بينها و مستوى الحد الادني للوعي الذي يجعل النخب مواكبة و هذا ما دعى له هشام شرابي بان تلاحظ النخب في العالم العربي و الاسلامي بان تاريخها القديم لا يجزي عنها شئ و عليها ان تهتم بتاريخ العالم في الثلاثة عقود الاخيرة حيث لا يستقيم عوده بغي النقد الذي قامت عليه تجارب الشعوب المتحضرة و قد أنجزت إزدهارها المادي.
و يجب ان أذكر بأن نصيحة هشام شرابي للنخب بان تهتم بالتاريخ الحديث و فلسفته في الثلاثة عقود الاخيرة لفتت انتباهي الى مقارنتها بكتابات عالم الاجتماع الفرنسي مارسيل غوشيه في حديثه عن الثورة الخفية و كيف تغيرت الأفكار في العالم و يؤرخ لها منذ عام 1970 و لو تلاحظ أيها القارئ المحترم بأنها حقبة تجسد توهان النخب السودانية و هي في أيام انقلاب جعفر محمد نميري و بعدها انقلاب هاشم العطا مما يدل على النخب السودانية لم تلاحظ ملامح الثورة الخفية التي قد تحدث عنها ماسيل غوشيه و حتى اللحظة إن النخب السودانية لا تجيد غير تفويت الفرصة و ها نحن قد انجزنا ثورة قد أبهرت أحرار العالم و لكنها لم ترى نورها نخب سودانية قد ادمنت الفشل.
الساحة الفكرية اليوم بعد انقلاب البرهان و الشعب يقدم خير أبناءه في تضحية نادرة لا يقدر عليها غير شعب عريق كالشعب السوداني من العار ان تتفرج النخب السودانية و هي عاجزة عن خلق قيادة موحدة ترتقي الى انزال روح ثورة الشعب على أرض الواقع و من العار ان يهتم كل حزب بفكرة المحاصصة و كيف يكون نصيبه من السلطة في وقت قد قال لهم تاريخ فشلهم ان دربكم القديم و فكركم القديم لا علاقة له بالحاضر و لا يفضي الى مفهوم الدولة الحديثة دولة الحق في الحقوق حيث يكون الفكر منتصر للفرد و العقل و الحرية.
taheromer86@yahoo.com
///////////////////////////
لماذا نذكر اهتمام هشام شرابي و نصيحته التي قدمها للنخب لكي تهتم بدراسة تاريخ الشعوب الاوروبية و الاستفادة من تجربتهم؟ لأن الذي يدور الآن في ساحة الفكر السودانية في وسط نخب قد فقدت بوصلتها التي تحدد لها اتجاه مسيرة الانسانية في ظل غياب مفاهيم حديثة كمفهوم الدولة و السلطة كظاهرة مصاحبة لظاهرة المجتمع البشري و كيفية ضبطها و أي المعادلات السلوكية تحدد مسارها و في نفس الوقت نجد وسط النخب السودانية من يقول بأن تجربة الشعوب الاوروبية لا تتماشي مع تجربة الشعب السوداني و نجد ذلك في كتابات الدكتور النور حمد في نقده و معارضته للديمقراطية الليبرالية التي يحاول فيها المثقف السوداني تقليد الانجليز بعد خروجهم أي بعد الاستقلال و كذلك تجد ذكر ذلك في كتابات الشفيع خضر رغم انه قد قضى اربعة عقود تحت نير نسخة شيوعية لا تقل بشاعتها عن أفكار وحل الفكر الديني و كأن الماركسية من نسيج تجربة المجتمع السوداني.
و نجد في محاورة النور حمد و مداورة الشفيع خضر محاولة رفع نماذج كنوذج الصين و فكرة النظام الذي يزاوج مابين نظام شمولي و نظام رأسمالي و نسى النور بأن الصين الآن قد وصلت الى مستوى رأسمالية الدولة و على المدى البعيد ستتواجهها مسألة الاصلاح السياسي الذي يواكب تقدمها الاقتصادي لأن علاقة الرأسمالية بالديمقراطية علاقة طردية و علاقتها عكسية مع الشيوعية لذلك على المدى البعيد ستواجه الصين مشكلة الاصلاح السياسي و مسألة تطور الفكر السياسي و لا مخرج لها غير طريق معادلة الحرية و العدالة و لا يمكن تحقيقة بغير الفكر الليبرالي.
لهذا لا تستغرب في أن النخب السودانية قد تجاهلت الهياكل التي يقوم عليها نشاط المجتمع و قد كرست كل جهدها في صراعها على المحاصصة و تقاسم المناصب قبل أن تحدد هيكل الدولة و مفهوم السلطة و خاصة في ظل مجتمع تقليدي في تراكيبه الاجتماعية بالغة الهشاشة.
و من المؤسف أن النخب السودانية و بعد ثورة عظيمة كثورة ديسمبر لم تفكر لحظة واحدة بأن أفكارها القديمة التي تريد ان تحقق بها شعار حرية سلام و عدالة أفكار قد أكل عليها الدهر و شرب. واضح من نشاط النخب السودانية و فشلها الذي أوصلها الى فشل لا يمكن تصوره الى درجة فشلهم للوصول بالفترة الانتقالية الى منتهاها. و هذا بسبب غياب النقد سواء كان فيما يتعلق بالنهوض بالفكر على جميع الاصعدة و كيفية الوصول به الى مستوى التجاوز و مفارقة الافكار التقليدية التي يرزح تحت نيرها المثقف السوداني و تظهر في عدم قدرته على أي المثقف السوداني على مفارقة ظلال الدولة الارادة الألهية و نجد المثقف السوداني يستريح تحت ظلال مرشدها لدي اتباع الحركة الاسلامية و امامها كطائفية الصادق المهدي و مولانا لاتباع الميرغني و استاذها كما نجد الميوعة الفكرية لاتباع النسخة الشيوعية السودانية و هم تحت ظل أكبر صنم ذهني و هو أستاذهم الذي ينسب له الحزب .
في نشاطه الفكري نجد هشام شرابي وفقا لمنهجه المواكب قد أوصى مثقفي العالم العربي و الاسلامي و المثقف السوداني قد إرتضى بالتخوم بأن تنسى ماضيها الفكري و تركز في فكر العالم في الثلاثة عقود الاخيرة و الغريب الآن كتاب هشام شرابي قد بلغ عمره الثلاثة عقود و ما زالت حالة الفكر بائسة بسبب غياب النقد كفضيلة لم يصبر المثقف السوداني على مكارهها سواء نقد لتجربتهم كافراد وسط أحزاب طائفية و نسخة متخشبة للشيوعية السودانية أو نقد لحالة فكر المجتمعات التقليدية.
و لغياب النقد نجد أن المثقف السوداني لا يستطع الشب عن طوق عجزه الفكري الذي يجعله رهين محبسه الابدي و هشام شراب يدرك بان أكبر فضيلة قد درب عليها المجتمع الغربي نفسه و ارتكزت عليها قيمه هي فكرة النقد و بسبب غيابه قد ساد في مجتمعنا السوداني و وسط نخبه الوعي الزائف و اول علاماته أن ترزح تحت احزاب تقليدية لم تبارح بعد حيز العرق و الدين و تكرر تجارب قد فشلت فيها النخب السودانية منذ قيام مؤتمر الخريجيين لأن مؤتمر الخريجيين و اتباعه لا يختلف حالهم عن حال النخب السودانية الراهنة في عدم قدرتها على مجابهة سوح الفكر.
و نقول ذلك لان أتباع مؤتمر الخريجيين لم يدور في خيالهم بأن زمنهم كان مفصل مهم و نقطة إنقلاب للفكر حيث انتهت فيها ملامح فلسفة التاريخ التقليدية و بدأت ملامح فلسفة التاريخ الحديثة التي لم نجد لها أي أثر في كتابات النخب السودانية لا على مستوى المؤرخيين الذين قد غاب عن أفقهم دراسة تاريخ الاجتماع و تاريخ الاقتصاد و لا على مستوى تطور الأفكار السياسية لكي تواكب أفكار الفلسفة السياسية المعاصرة.
هنا نجد أن نصيحة هشام شرابي للنخب بالاهتمام بالفكر في ثلاثة عقود الاخيرة لحظة كتابة كتابه تخرج أتباع مؤتمر الخريجيين من ان يكونوا خلفية يمكن الاعتماد عليها لأن أفكارهم لم تخرج من إطار التقليدية التي لم تفرق ما بين الليبرالية التقليدية و الليبرالية الحديثة و هنا ينام سر فشل النخب السودانية و مسخها المشوه الذي يظهر كبعاتي يقوم بدوره العسكري السوداني بانقلابات بليدة تقطع مسيرة نخب فاشلة لم تفرق حتى اللحظة بين الليبرالية الحديثة و الليبرالية التقليدية كانقلاب البرهان و هو يجسد وجه مشوّه لنخب لم تلاحظ كيف تكون لحظات الانقلاب في تاريخ الشعوب حيث تكون لحظات الانقلاب لحظات مخاض لميلاد الفلاسفة و الحكماء و الانبياء و ليس ميلاد المسوخ المشوة كما تمخض انقلاب البرهان عن ميلاد البرهان كأقبح عسكري يتبعه أجهل رجل فقير في تاريخه الاجتماعي و تاريخه الاقتصادي و هو المدعو حميدتي الذي نزل من ظهر الدابة و جاء الى المدينة كبدوي لا يسنده لا تاريخه الاجتماعي و لا تاريخه الاقتصادي في أن يفهم ملامح المجتمعات الحديثة و فكرها الذي تحتاجه و كله بسبب عدم تطور الفكر الذي لا يمكن ان يكون بغير النقد و هو العمود الفقري لانتاج فكر أخلاقي و عقلاني.
ظهور حميدتي و البرهان ما هو إلا ظهور وجه المسخ للنخب الفاشلة و عدم مقدرتها أي النخب على نقل المجتمع من مجتمع تقليدي الى مجتمع حديث يقطع الطريق أمام مغامر تقليدي متهور كحميدتي بان يظن بأنه قادر على حكم مجتمع حديث و بالمناسبة يضرب مثل على ذلك مثلا في المجتمعات الحديثة لا يتجراء رجل الدين و يحاول اعادة ارجاع عقارب الساعة الى الوراء و ينادي بعودة حكم الكنيسة و هذا بسبب الوعي نتاج النقد الذي أسس له فلاسفة كثر من ضمنهم عمانويل كانط و غياب الوعي نتاج النقد يجعل بدوي طائش كحميدتي ان يكون له طموح ان يحكم و هذا الذي يضحك عالم الاجتماع العراقي على الوردي في قبره و يجعله يتحرك بأن يسمع ببدوي كحميدتي مجسد للتناشز الاجتماعي و ازودواج الشخصية يحلم بأن يكون له دور فيما يتعلق بالحكم في العصر الحديثة و ما زال سرواله لين حيث لم تطول لحظة نزول من ظهر الدابة و معروف أن فكر علي الوردي قد ركزه في نقد ازدواج الشخصية و التناشز الاجتماعي نتاج روح البداوة و هي التي تقيد المجتمع التقليدي و تحد حركته و سيره باتجاه المجتمع الحديث و و الدولة الحديثة.
على العموم أن تأخر النخب السودانية عن مواكب المجتمع السوداني المتقدم عليها و قد أنجز ثورة عظيمة كثورة ديسمبر و أفشلوها بخيباتهم الفكرية يدل على عدم مسؤلية النخب السودانية و عدم قدرتها على خلق قيادة موحدة تنزل شعار ثورة الشعب ثورة ديسمبر و شعارها على أرض الواقع و كله بسبب عدم مواكبتهم للفكر في العالم و لذلك ينبغي على النخب السودانية ان تلاحظ ما يفصل ما بينها و مستوى الحد الادني للوعي الذي يجعل النخب مواكبة و هذا ما دعى له هشام شرابي بان تلاحظ النخب في العالم العربي و الاسلامي بان تاريخها القديم لا يجزي عنها شئ و عليها ان تهتم بتاريخ العالم في الثلاثة عقود الاخيرة حيث لا يستقيم عوده بغي النقد الذي قامت عليه تجارب الشعوب المتحضرة و قد أنجزت إزدهارها المادي.
و يجب ان أذكر بأن نصيحة هشام شرابي للنخب بان تهتم بالتاريخ الحديث و فلسفته في الثلاثة عقود الاخيرة لفتت انتباهي الى مقارنتها بكتابات عالم الاجتماع الفرنسي مارسيل غوشيه في حديثه عن الثورة الخفية و كيف تغيرت الأفكار في العالم و يؤرخ لها منذ عام 1970 و لو تلاحظ أيها القارئ المحترم بأنها حقبة تجسد توهان النخب السودانية و هي في أيام انقلاب جعفر محمد نميري و بعدها انقلاب هاشم العطا مما يدل على النخب السودانية لم تلاحظ ملامح الثورة الخفية التي قد تحدث عنها ماسيل غوشيه و حتى اللحظة إن النخب السودانية لا تجيد غير تفويت الفرصة و ها نحن قد انجزنا ثورة قد أبهرت أحرار العالم و لكنها لم ترى نورها نخب سودانية قد ادمنت الفشل.
الساحة الفكرية اليوم بعد انقلاب البرهان و الشعب يقدم خير أبناءه في تضحية نادرة لا يقدر عليها غير شعب عريق كالشعب السوداني من العار ان تتفرج النخب السودانية و هي عاجزة عن خلق قيادة موحدة ترتقي الى انزال روح ثورة الشعب على أرض الواقع و من العار ان يهتم كل حزب بفكرة المحاصصة و كيف يكون نصيبه من السلطة في وقت قد قال لهم تاريخ فشلهم ان دربكم القديم و فكركم القديم لا علاقة له بالحاضر و لا يفضي الى مفهوم الدولة الحديثة دولة الحق في الحقوق حيث يكون الفكر منتصر للفرد و العقل و الحرية.
taheromer86@yahoo.com
///////////////////////////