البنوك الإسلامية: التحايل على مقاصد الشرع وابتزاز العملاء دينياً! 

 


 

 

* قال أحد العارفين بالمجتمع العربي:- "لو خَيَّروا العرب بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية"!


* الهروب من الدولة الدينية (المفترضة) إلى العلمانية هروب من سطوة السلطان الذي يحتال على المجتمع باسم الدين لدوافع دنيوية تتعارض مع مقاصد الشرع، وتتعدى على حقوق المواطن لتعظيم منفعة السلطان  الحزبية أوالشخصية أو الاثنتين معاً..


* يُقال أن الإمام محمد عبده ذهب لحضور مؤتمر في باريس عام ١٨٨١، ولما عاد إلى مصر أعلن على الملأ :- «ذهبتُ للغرب فوجدتُ إسلامًا ولم أجد مسلمين.. ولما عدتُ للشرق وجدتُ مسلمين ولكننى لم أجد إسلامًا!!».


* وكلنا نعلم أن القرآن الكريم والحديث الشريف يحثان على حسن المعاملة، ابتداءاً من معاملة السلطان لرعيته كي يترسخ حسن المعاملة بين  الرعية، بحيث لا تتأسس سعادة البعضِ على شقاء الآخرين..


* لكن من منا لا يعلم سوء معاملة حكام السودان للرعية، على مدى ثلاثة عقود، سوءاً أحدث تصدعات مالية واجتماعية خطيرة ظاهرة للعيان.. إذ أن النظام كان يفسد و(يتحلل) ويضِّل ثم يضلل غمار الناس، ويخدع نفسه ومعه الكل بمشروع وهمي أسماه (المشروع الحضاري) ويتمشدق أنْ : " لا لدنياً قد عملنا!" والدنيا نصب عينيه، على الدوام، بمنآى عن  الآخرة..


* إستشرت ظاهرة الخداع والكذب المّدَّعم بأغلظ الأيمان.. ورائد الكل في الكذب والنفاق مكاسب دنيوية تجرف الفضائل وتزيل القيم فتنحدر الأخلاق إلى الدرك الأسفل..


* وكانت الخدعة الكبرى، قبل ذلك، هي إضفاء الشرعية على بنوك أسموها البنوك الاسلامية، إسلامية في ظاهرها، لكن في باطنها يجيش الربا ويتمدد جشع يضاهي جشع المرابي شايلوك، في رواية تاجر البندقية، حيث تمارس الربا المحرَّم في الإسلام تحريماً قطعياً وتمتص دماء المقترضين بلا رحمة..


* أيها الناس، إن الربا هو الآلية المحركة لاقتصاد السودان منذ افتتاح بنك فيصل  (الاسلامي) السوداني في ثمانينيات القرن العشرين.. وقد شرع البنك، أول ما شرع، في احتكار سلعة الذرة، في موسم الوفرة، واصطنع الندرة في السوق، ثم باع الكمية المحتكرة، عقب ارتفاع الأسعار، وكسب من المال أضعاف ما دفع..


* ومنذها صارت عمليات احتكار السلع جزءاً هاماً من مهام البنوك (الاسلامية) ووسيلة للتكسب إلى جانب مهامها الأساسية في توظيف الأموال المودعة لديها بسعر (فائدة) يتفق عليه مع العملاء باسم (المضاربة)..


* ويزعم (العلماء) أن (المضاربة) في الأموال المودعة ليست رباً.. وفي (شريعتهم) أن الفائدة التي يضعها البنك التقليدي على الأموال المودعة لديه تتغير مع تغيرات بيئة الاقتصاد صعودا وهبوطاً، بينما الفائدة في البنك  الاسلامي ثابتة ولذلك لا يمكن وصفها بالربا..


* هذا الزعم مردود عليه، فالمال المودع (يزيد) بعد فترة زمنية محددة، أي (يربو) خلال تلك الفترة بنسبة مئوية متفق عليها بين البنك والشخص المودِع للمال، إذن، فما يناله المودِع يدخل في حرمة رِباً ويشاركه البنك في ارتكاب معصية الربا..


*  ومن ناحية أخرى، فإن البنوك الإسلامية تقرض المال المودع لديها لعملاء آخرين بغرض تمويل استثماراتٍ ما في السلع أو الخدمات، ولا تستثمر تلك الأموال بنفسها مباشرة.. وبعد ذلك تتقاسم الأرباح الناتجة عن عملية الاستثمار وفق عملية أسمتها ( المرابحة).. ويفترض في عملية المرابحة هذه أن تكون شراكة بين البنك والعملاء شراكة في الربح أو الخسارة

( profit/loss sharing)

لكن الواقع هو أن البنك يشارك في الربح ولا يشارك في الخسارة.. ففي حوزته ضمان للقرض في شكل عقار أو قطعة أرض قيمتها أعلى أو مساوية لقيمة القرض.. ومتى فشل المقترض في الإيفاء بدفعيات القرض عُرض العقار او الأرض في مزاد علني..


* إن في تسمية تلك العملية بالمضاربة، عكس ما كان مأثوراً عند العرب قبل وبعد الإسلام، هو أن البنك لا يشغِّل المال المودع لديه بنفسه بل يمنحه لغيره بغرض تشغيله.. وهنا تنتفي صفة (المضاربة) التي كانت بين تجارة سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، بأموال السيدة خديجة، رضي الله عنها.. والتي يعتمد (علماء) الدين عليها مصدراً لدفوعاتهم عن المضاربة في البنوك المسماة إسلامية..


* أيها الناس، إن البنوك المسماة إسلامية تربو رباً أضعاف ما تربوه البنوك الربوية التقليدية.. فإذا افترضنا أن البنك التقليدي يفرض  10%، مثلاً،  فائدة على القرض وأن البنك الإسلامي يعمل بأسلوب المرابحة دون تحديد نسبة فائدة، فسوف نجد أن في باطن هذه المرابحة رباً فاحشاً Usury وظلماً واضحاً يقع على المقترص.. إذ أن عوامل الإنتاج تتمثل في الأرض rent، والعمل labour، ورأس المال capital ، والشخص المنظِّم للعمل entrepreneur  ...


*  فالبنك الإسلامي يشارك في عملية الإنتاج بمنح العميل قرضاً (رأس المال) بشروط من ضمنها أصول ثابتة مثل قطعة الأرض، (زراعية أو عقار)، شريطة أن تكون قيمتها أعلى أو مساوية لقيمة رأس المال الممنوح.. أما  المقترض، (المنظِّم)، فيشارك  بتكاليف إيجار الأرض  land rent والعمالة والإدارة .. أي أن المقترض يساهم في ثلاثة من عوامل الانتاج بينما تنحصر مساهمة البنك في رأس المال فقط.. ورأسمال البنك غير قابل للخسارة طالما بحوزته ضمان في شكل الأصول الثابتة المذكورة.. أي أن البنك كالمنشار، كما يقولون:- (طالع يأكل ونازل يأكل!).. والربح الذي يناله من كل عملية لا تقل عن 20- 30% من قيمة القرض!


* هذا هو (البَكَش) على الناس بعينه وهو التستُّر على ما نهى عنه الاسلام.. وهو التلاعب بالشرع وتجرؤ على مقاصد الدين حين حرم الربا للتخفيف على المقترضين ..


* وكم من مقترض خسر استثماره الممول من أحد البنوك وخسر حتى روحه بسقطة قلبية يوم ضُرب الجرس في شارع بيته إيذاناً ببيع البيت لمن يدفع للبنك مبلغاً تغطي القرض الممنوح..


* إننا نعيش في أرض النفاق، حقيقة، ولا غرابة في أن العديد من السودانيين "لو خُيَّروا بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية"!


osmanabuasad@gmail.com

 

آراء