التأرجح الإعلامي بين القائمة الرمادية والسوداء

 


 

 


بسم الله الرحمن الرحيم


تخاذلت (بعض) الأقلام الإعلامية، التي ظنت أن سفينة الإنقاذ ستغرق، فكان اختبار المظاهرات السابقة ليكشف المتسلقين والنفعيين وليكشف من يعانون من سوء تقدير الموقف وليكشف الخلايا النائمة في زوايا وأعمدة المؤسسات الإعلامية والسياسية.. فرأينا من انسحبوا وانزووا خلف جدران بيوتهم ولاذوا بالصمت في انتظار ما تؤول إليه الأحداث، ورأينا مشاركين في السلطة يظهرون في سرائها و يختفون في ضرائها... ورأينا قلة آخرين يتسابقون إلى إخراج المذكرات الشورية السرية إلى الإعلام بعلم الموقعين وبدون علمهم، ويضيفون عليها من أحلامهم... ورأينا آخرين من دونهم قد استلوا سهامهم وطفقوا يهاجمون إخوانهم في سفينة الوطن التي لا تبالي بالرياح ظنا منهم أن هناك سفينة أخرى قادمة، وأعدوا أنفسهم وسترات نجاتهم ليقفزوا من هذه ويتسابقوا في ركوب تلك السفينة الجديدة المتوهمة.
هذه الأقلام لم يكن تخاذلها عن حركة الإنقاذ فحسب، بل كان تخاذلا عن واجبها (الوطني) في الدفاع عن مكتسبات الأمة وأمنها في اللحظات الحرجة التي تمحص معدن الرجال.. هي الأقلام التي لم تفرق بين متطلبات الأمن القومي وحفظ أمن البلاد والمواطنين، وما بين أمنها الشخصي وأحلامها لضمان مستقبلها المهني !!
وفي الوقت الذي كان الوطن ينتظر منهم أن يكونوا جزءا من إعلام الأزمة للخروج من النفق النفسي الذي دخله الجميع، قاموا بخذلان الجميع (لأجل مصلحتهم) وكانوا جزء من الأزمة نفسها، وانجرفوا وراء رغباتهم ومشاعرهم فجعلوا الأزمة تقودهم فاقدين صفات القيادة، ناسين أن دورهم في الإتصال الجماهيري يحتم عليهم التعامل بأخلاق الإعلام الرسالي أثناء أزمة الوطن المتصاعدة وقتها، فسقطت في النهاية الأزمة وسقطوا بذلك معها.

لم يكن من الأخلاق والأخوة ولا معاني الصمود والحكمة أن يتعجل بعض ضعاف القلوب والنفوس حكمهم حين لاحت نذر حرب أهلية في أفق السودان في سبتمبر تم إطفاؤها ووأد شرارها بجهود المخلصين، فكان تعجلهم حين نصبوا أنفسهم في الإدعاء قضاة، وأقروا بالشائعات في اتهامهم لحماة الوطن بأنهم مخربوه!
حكموا بالذنب والإقصاء على بعض حماة الوطن وأجهزة حفظ أمن عامة المواطنين، دون تثبت ودون بينات، وقبل اكتمال التحري والتحقيقات، ودون انتظار الدفاع والدفوعات !
بل تجاوز هؤلاء الإعلاميون خطوط المهنية الحمراء مرات ومرات، في تكرار مشين ومهين للشائعات وحبكها وتحوير تصريحات مسؤولي هذه البلاد، فلم يكن همهم إنقاذ الوطن، بقدر اهتمامهم بشهوة السبق الصحفي المعيب !!! ولم يكونوا إلا مثل الصحفي الذي يرى الغريق أمامه فينسى إخراج طوق النجاة، ويتذكر أن يخرج (الكاميرا) لتصوير المشهد قبل زملائه الصحفيين !! بل تمنى بعضهم موت الغريق وانتشار الحريق كي ترتفع قيمة الصورة والخبر، فلا زالوا يعيشون مراهقة السبق الصحفي !
خابت آمالهم، وتم إنقاذ الوطن على أيدي الرجال المخلصين، وخرج الوطن من نار الفتنة ومن رماد الشائعات المتطاير في البلاد.
نقول لهؤلاء ومن ساح سياحتهم، إن الوطن وعالم الإعلام لا يحتاج لأمثالكم، فليست هذه المهنة المربحة لديكم إلا شهرة ومحافظة على الأعمدة و ضمان مستقبلكم الشخصي، قبل مستقبل الوطن والمواطنين.


يتحدث فيلسفوف المثاليات الألماني البروسي المشهور هيغل وهو أحد مطوري المذهب الديالكتيكي وممن أدخلوا عمقا على الجدل في دراسة الظواهر الإجتماعية، وفي المواقف من نظريات الحقوق الطبيعية للمواطنين والعقد الإجتماعي بين المحكوم والحاكم، حيث يرى أنه لا قيمة للإرادة الفردية أمام الإرادة العامة والجماعية، كما يرى أن حرية الأفراد خارج إطار الدولة هي نوع من الخيال و العبث. فبالتالي يؤطر لتقييد حرية الفرد عندما تتجاوز الكيان الجامع للدولة.

ونقول للإعلاميين الذين ينادون بحرية رأيهم (مهما كان) ومهما كانت أضراره على الدولة: إن سخرية الرأي العام العالمي منكم أصابت صورة الإعلام كله لدينا، بما فيهم الإعلاميين الوطنيين الشرفاء الذين ظهروا لنا أثناء هذه الأزمة، فضحك العالم سخرية من مواطنين بدرجة إعلاميين في الصحافة الورقية والإلكترونية يشعلون الحريق في البيت الكبير للسودان الذي يسكنونه...
وسخروا من رجال أعمال بدرجة رجال إعلام يحملون القلم حربا على بلادهم في أصعب أوقات الوطن، لا يفرقون بين وقت السلم ووقت الحرب، لا يضعون الكلمات في موازينها لانتقاء أحاديثهم وكتاباتهم وقت الكوارث ووقت الأزمات.

انطفأت الأزمة، وبعضهم تاب و آب سريعا، فعفا الله عما سلف منه ولكن الصبغة الرمادية ستلطخه حتى يغتسل بماء أمن الوطن، فرماد الشائعات الذي أطلقوه أو نشروه أو صدقوه، يحتاج زمنا حتى تنجلي الصورة، وتظهر الحقائق كلها، وتظهر مراكز إطلاق الشائعات، ويظهر من يدعون أنهم أطهار المعارضة!

أما البعض الآخر في قائمة السواد ممن يضخمون حجم أنفسهم لتضخم حسابهم المصرفي بأموال الصحف، فقد أخذتهم العزة بالإثم، أصابهم الإحراج بعد أن أطفأ الله نار الحرب، ولكنهم استكبروا استكبارا، فواصلوا في نهجهم حتى يومهم، لم يستفيقوا بعد من صدمة انجلاء أزمة (اللساتك) وتظاهرات التخريب والتحريق والتعطيل لشؤون العباد والبلاد، ولم يستيقظوا من إغماءة الخروج على الحاكم ذي الشوكة! ولم يتوبوا من الولوغ في وحول شائعات رواكيب الفيسبوك والصور المفبركة والإتهامات الباطلة والكلمات الملقاة في أسافير الإعلام وهي تهوي بالمرء سبعين خريفا في النار... بل واصلوا التربح من أعمدتهم دون وازع، وواصلوا فلسفة باطلهم !
هؤلاء لا يصلح أخلاقهم وجود مجلس للصحافة أو اتحاد للصحافيين أو أمن إعلامي أو ميثاق شرف، فمعايير الشرف المهني ومعايير العمل الوطني لديهم مختلة، ومجسات الأمن القومي والأمن الوطني لديهم منعدمة.
هؤلاء المتكبرون يتجاوزون كل الخطوط الحمراء، ويمارسون الإعلام المثير بطريقة الغريق و(الكاميرا)، يمارسون الحريق يوما تلو يوم، وعندما يأتي إطفاء الحريق ومقص الرقيب وحافظ أمن البلاد، يهرعون لبريدهم الإلكتروني وهواتفهم مستنجدين ببعض القنوات، وبالمشرفين على ترتيب السودان في قائمة منظمة Transparency ، وبالمستنفعين من الظهور في بطولة مسلسلات حرية الإعلام والتعبير والرأي الآخر.
تبا لهكذا بطولات ! وتبا لهكذا رأي آخر و إعلام يسهم في تحويل الوطن إلى مسارح للحرائق وللفتن ! وتبا لمن يخاف على نفسه من الغرق، فيقوم بإغراق الوطن في سيناريو الشرق الأوسط الجديد !
وطوبى لكل من عمل بصدق وصمود وإخلاص نية لله تعالى لإخراج الوطن من أجندة الإستهداف، لإلحاقه بدول المنطقة التي تساقطت وضاع أمنها وأمانها، وصارت لا تدري في صباحها ما يخبئ لها مساؤها، وفي مسائها ما يخبئ لها يوم غد.

م.أُبي عزالدين عوض – 5 نوفمبر 2013
Obay1975@gmail.com

 

آراء