التحرك المدني لإنهاء الحرب في السودان

 


 

 

بدء تكوين جسم مدني سياسي يهتم بالتحول المدني الديمقراطي والانتقال السلمي في السودان هي الخطوة الحاسمة التي تصب في نبع مصلحة السودان ونماؤه. هكذا كانت شرارة البدء التي اشتعلت خلال يومي 24-25 يوليو 2023 حين التقت قوى الحرية والتغيير في القاهرة مع مجموعة من المنظمات والأحزاب السياسية لمناقشة أهمية العمل المشترك وبناء تحالف وطني عريض ليمثل أكبر كتلة ديمقراطية سودانية، تهدف إلى قيادة عملية الانتقال المدني وسط تفرق منابر التفاوض لتجمعهم من جديد على الوحدة وسعياً على إيقاف الحرب.
منذ أن شهد السودان احتجاجات كبيرة في ديسمبر 2018، واستمرت حتى العام 2019، تطورت الأوضاع بشكل كبير مما أدت إلى الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير، الذي حكم البلاد بقبضة من حديد "ديكتاتورية" لأكثر من ثلاثة عقود. بعد الإطاحة به، تم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي للسيطرة على البلاد، ولكن المحتجين طالبوا بتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. تمثل قوى الحرية والتغيير (قوى المعارضة الرئيسية والحركات المدنية) مجتمعة للمطالبة بالديمقراطية والحكم المدني. ومع ذلك، بعد الانتقال إلى الحكم المدني، كان هناك تحديات جسيمة تتعلق بتفرق المواقف بين القوى السياسية والحركات المختلفة.
من أجل التصدي لتلك التحديات وتحقيق التوافق والعمل المشترك، عُقد اجتماع مهم في القاهرة بين قوى الحرية والتغيير وعدد من الأحزاب السياسية والمنظمات المدنية. كخطوة تهدف إلى بناء تحالف وطني عريض، يضم الجميع تحت راية الديمقراطية والتطلع نحو المستقبل. وتسعى هذه المناقشات إلى التوافق على الخطوات اللازمة لتحقيق الانتقال المدني السلمي في السودان، والعمل على إنهاء النزاعات الدائرة في البلاد، بما في ذلك الحروب المستمرة في مناطق مثل الخرطوم ودارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان. كما تركزت المناقشات على توحيد الجهود في المفاوضات مع الجماعات المسلحة المختلفة لإحلال السلام والاستقرار في المناطق المنكوبة. إن توحيد الرؤى التفاوضية ووضع الجميع على مسافة واحدة من المفاوضات يمكن أن يعزز من فرص التوصل إلى اتفاقات شاملة ودائمة تحقق السلام والعدالة الاجتماعية في البلاد. علاوة على ذلك، يُرجح أن تناولت المناقشات أيضًا قضايا أخرى تتعلق بتحقيق التنمية المستدامة وتعزيز حقوق الإنسان في السودان، حيث يمثل العمل المشترك بين الأطراف السياسية والمدنية الخطوة الأساسية نحو بناء مستقبل أفضل للبلاد.
إن تحقيق التوافق بين قوى الحرية والتغيير والأحزاب السياسية والمنظمات المدنية قد يكون تحديًا بالنظر إلى التنوع السياسي والاجتماعي في السودان. لكن العمل المشترك والتضافر في المبادرات الوطنية قادرة على تجاوز تلك العقبات وتحقيق نتائج إيجابية. يمثل اجتماع قوى الحرية والتغيير بالقاهرة خطوة هامة نحو بناء سودان ديمقراطي ومستقر، يعمل من خلاله جميع المكونات بروح التعاون والتضحية من أجل تحقيق التقدم والازدهار. فالتحول المدني الديمقراطي والانتقال السلمي في السودان يمثلان خطوة مهمة نحو بناء مجتمع مدني سياسي يعمل على تحقيق التقدم والاستقرار في البلاد. لذلك تعد هذه العملية خطوة هامة في تاريخ السودان الحديث، حيث تسعى البلاد إلى تجاوز عقود من النزاعات والمرارات التاريخية والاضطرابات والاستبداد السياسي، وتحقيق التنمية المستدامة والازدهار لشعبها.
من العوامل الرئيسية التي تساهم في تكوين جسم مدني سياسي يهتم بالتحول المدني الديمقراطي هو التوافق والحوار بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية السودانية؛ بالتعاون والتفاهم المشترك، تمكن السودانيون من الوصول إلى اتفاقات سياسية تمهد للانتقال الديمقراطي وتحقق احتياجات وتطلعات الشعب. يجب أن يكون الحوار والتفاوض سمة مميزة لهذا الجسم المدني الجديد لضمان المشاركة الشاملة للمجتمع وتجاوز الخلافات بطرق سلمية وبنّاءة.وفي سبيل بناء هذا الجسم المدني السياسي، يجب أن تكون هناك جهود مضنية لتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة. يتطلب الأمر تعزيز نظام العدالة ومكافحة الفساد بكل أشكاله. الفساد يهدد استقرار البلاد و يعوق تحقيق التنمية الشاملة. من خلال بناء مؤسسات ديمقراطية قوية وضمان حكم القانون، يمكن للسودان تحقيق التقدم المنشود وتحسين مستقبله. كما يجب إحقاق العدل بمحاكمة مرتكبي الجرائم في حق الشعب السوداني. بالتالي يمكن للتحول المدني الديمقراطي أن يعزز الاستقرار السياسي والاقتصادي في السودان ويدعم فرص الاستثمار والتجارة الخارجية. إذا نجح السودان في بناء نظام ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان ويعزز العدالة الاجتماعية، فإن ذلك سيعزز مكانة البلاد على المستوى الإقليمي والدولي ويجذب الاهتمام والدعم من الشركاء الدوليين.
د. سامر عوض حسين
26 يوليو 2023

samir.alawad@gmail.com
/////////////////////////

 

آراء