التدخل الدولي: الصراع والتفكك الاقتصادي والدور المتسيد للجهات الفاعلة المهجمنة (2-3)

 


 

 

النزاعات وتدخلات صنع السلام
في حين أن العلاقات الدولية التقليدية تسم النظام الدولي بأنه نظام من الفوضى ، الا انه وفي نفس الوقت تميل المفاهيم التقليدية لجهاز الدولة إلى افتراض منطقة-إقليم يتألف من شعب وسيادة وحكومة فعالة ، تمنع الفوضى المحلية أو تحافظ على تماسك الدولة (بول ، 1984 ؛ والتز ، 1979). ومع ذلك ، فإن تجربة حقبة ما بعد الحرب الباردة ، على وجه التحديد ، تتميز بحضور قوى طرد مركزي قادمة من القومية الإثنية الحاملة للسلاح، تنطلق من فهم معياري لحقوق الإنسان ومطالب راسخة بالديمقراطية ، وهى بالتحديد القضايا التي تنتج بدورها استجابات من النظام الدولي – مثلا -كالاستجابة المتعلقة بتدخلات حفظ السلام . وهى استجابة تعكس تحولا مشهودا، يمضى بعيدا عن الالتزام الصارم بمبدأ سيادة الدولة ومبدأ عدم التدخل. إن اتساع نطاق وشدة الصراعات العنيفة التي تبرر تدخلات القوة العظمى وتدخلات الأمم المتحدة في الحروب الأهلية، تؤكد حقيقة أن المبادئ والمذاهب والممارسات المؤسسية من خلال تطبيقها المستمر ، تتعرض لتعديلها أو انتهاكها أو تغييرها استجابة لحال التوازن بين القوى المتصارعة، في اختلاله او ثباته. وتأتى هذه التغييرات استجابة لزيادة التركيز على دعاوى الحماية الدولية أو الوطنية لحقوق الإنسان: وهي الفكرة التي اكتسبت اهتماما أكبر بعد عام 1945. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن مثل هذه التعديلات-التطورات الفكرية التي تتحول إلى ممارسات جديدة تنتهك أساليب العمل المعتادة - تنشأ عن تطورات داخلية بحتة (على سبيل المثال ، المطالب من أجل التحول الديمقراطي الذي ينتج عنها صراعات أهلية عنيفة) ، أو عن تطورات خارجية ، او المفاهيم المتغيرة للسياسة، مثل ربط التحول الديمقراطي بشروط صندوق النقد الدولي. وتقوم الجهات الفاعلة الرئيسية بالتدخلات ، سواء كانت قسرية أو غير قسرية ، كجزء من وظيفتين توأمتين هما "التنشئة الاجتماعية" و "التجانس" في المجتمع الدولي.

دفعت نهاية الحرب الباردة واضطراباتها إلى تغيرات فى التفكير النظري والممارسة الدولية فيما يتعلق بالتدخل لحماية حقوق الإنسان . داخليا ، تعرضت سيادة الدولة النامية للهجوم من خلال التحديات السياسية الإثنية وغيرها ؛ وخارجيا جاءت التدخلات كرد فعل على الحرب الأهلية المتسعة التي تنتج الإبادات الجماعية وأشكال متكاثرة من المعاناة الجسيمة. لقد وسعت القوى العظمى الآن- تحت مظلة الأمم المتحدة - عملياتها لحفظ السلام ، لتشمل التدخلات المباشرة في الحروب الأهلية. لقد أنتجت نهاية التنافس الأيديولوجي بين القوى العظمى نوعا من الوحدة في السعي لتحقيق الاستقرار ، وزيادة في التعاون الدولي تحت رعاية الأمم المتحدة والآليات الدولية الأخرى. والنتيجة هي زيادة التحكم الاجتماعي الدولي من قبل القوى العظمى ومجلس الأمن الدولي على الدول النامية. وهى ممارسة عكستها التجربة الفكرية لغرامشي وانتجت مفهوم السيطرة الاجتماعية ( او الهجمنة) التي تحدث على مستويين: في مستوى المجتمع المدني ، ومستوى آخر من خلال جهاز الدولة (المجتمع السياسي) (روبنسون ، 1996 ؛ أجويلي ، ومورفي ، 1988). فقدت من خلال تدخلات حفظ السلام دولا مثل يوغوسلافيا والصومال وأنغولا ورواندا، السيطرة الاجتماعية يفرضها جهاز الدولة (المجتمع السياسي) ، و تواقت ذلك مع محاولات بسط فيها مجلس الأمن ، والشمال الغني المتعاون ، سيطرتهم المهجمنة في محاولة وقف التفكك الكامل للدولة في تلك البلدان.

داخليا ، يتم تحدي الدولة من قبل ما وصفه د. هورويتز (1985) بأنه" بنية قوية ، نافذة ، عاطفية ومنتشرة " (ليفنسون ، 1993:4) هى قوة المجموعة الإثنية المحلية. أدى الصراع المستمر على السلطة والموارد في العديد من الدول التي تعانى شح الموارد ، إلى وضع لجأت فيه المجموعات الإثنية إلى السياسة القائمة على الضغوط، وبناء التحالفات كوسيلة لبناء القوة السياسية والاقتصادية. تلعب تلك الصراعات المستعصية تأثيرا مزعزعا للاستقرار و تماسك الدولة الوطنية. تنتج جهود حل النزاعات في بعض الأحيان اتفاقات رسمية ، إلا أنها نادرا ما تسفر عن سلام مستقر طويل الأمد. وكثيرا ما أدت مدة وشدة ونطاق هذه الصراعات العنيفة إلى حالة شبه انهيار للدولة ، وفى بعض الحالات الى سقوطها الكامل. تنبع هذه العواقب أولا من الجوانب النفسية العاطفية المتعمقة ، بتأسس عليها التضامن الإثني، والذي يقوم على فهم للمخاطر الكبيرة -متوقعة او متصورة - بسبب الحروب الأهلية، وهى المخاطر المتعلقة ببقاء المجموعة الإثنية ، أو سقوطها تحت هجمنة مجموعة اخزي .

تلعب المشاعر الإبدائية النفسية والعوامل السياسية الإثنية في المجتمعات متعددة الإثنيات، دورا في توسع الصراعات العنيفة إلى ما هو أبعد من النضال المباشر من أجل السيطرة السياسية والاقتصادية، وتتعداها إلى التعبيرات النفسية القوية، مثل كراهية الأجانب والكراهية العرقية. والنتيجة هي أن مثل هذه الصراعات تصبح مستعصية على الحل العقلاني. وهكذا ، على الرغم من المهاجمة الداخلية لها باعتبارها مركزية إثنية غليظة ، فإن الاستجابة الدولية (عبر الأمم المتحدة) كانت تدخلا من مسرب مختلف قائم أساسا ضمن حد مختصر هو هدف الحفاظ على بنية الدولة . وفي معظم الحالات ، يتعين على المنظمات الدولية والجهات الفاعلة الرئيسية في الدولة أن تتعامل مع الدولة نفسها ، التي تكون في معظم الحالات أيضا طرفا في النزاع ، أو لها مصلحة في انتصار مجموعة على حساب مجموعة أخرى. كان على قوات التدخل الخارجية لحفظ السلام في بعض الأحيان ، تنفيذ مهام إنفاذ السلام (خوض معركة إذا لزم الأمر مع الدولة أو المتمردين) في جهودها للقيام بمهام الإنقاذ والمهام الإنسانية.

وضع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتعاون مع القوى العظمى والمنظمات الإقليمية ، سابقة استخدام القوة المادية لأداء مهمة صيانة النظام العالمي، وهى المهمة والتي غالبا ما تتحدى سيادة الدولة المقصودة . منذ أوائل عام 1990 ، شجع التفاؤل بدور استخدام القوة المدعوم من مجلس الأمن والدول الأخرى (والمنظمات الإقليمية) على استمرار وترسيخ استخدام نفس الأسلوب. ففي عام 1992 ، سعى متعمدا الأمين العام السابق للأمم المتحدة بطرس بطرس غالي ، إلى توسيع سلطات إنفاذ السلام في مجلس الأمن الدولي. و تضمن برنامج السلام في عام 1992 توصية بالسماح باستخدام القوة (بطرس غالي ، 1992). ضخمت وسائل الإعلام هذه التطورات في استخدام "ورقة تين" تدخلات الأمم المتحدة العسكرية في الحروب الأهلية، كما ضخمت نتائجها في الاستجابة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في النزاعات المسلحة الداخلية: كما حدث في يوغوسلافيا السابقة وهايتي وليبيريا والصومال وغيرها. إلا أن كثيرا من نتائجها كانت المساهمة في تحول الغضب الشعبي المحلى والعالمي ، إلى ضغط سياسي ضد كل من القوى العظمى والأمم المتحدة، وطرائقها فى التدخل من أجل وقف انتهاكات حقوق الإنسان، ترتكبها الدولة أو غيرها من المعتدين .
مع نهاية الحرب الباردة واتساع نطاق العنف داخل الدول ، تطور تبرير استخدام التدخل في الشؤون الداخلية بالرغم من تعارضه مع مبدأ عدم التدخل واحترام السيادة الوطنية، بحيث اصبح توجها مستقرا في العلاقات بين الشمال والجنوب. ويتم الآن تبرير أنه على الرغم من أن المادة 2(7) من ميثاق الأمم المتحدة تؤيد بقوة مبدأ عدم التدخل ، الا أن النزاعات العنيفة الداخلية تشكل "تهديدا للسلم والأمن الدوليين" بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، وبالتالي تبرر استخدام مجلس الأمن الدولي للقوة. وهكذا ، يمارس مجلس الأمن في كثير من الأحيان ولاية واسعة في تقرير وجود تهديد للسلم الدولي أو خرق له ، بدون الوقوف أو التردد أمام نتائج تقويض تماسك سيادة الدولة.

يبدو أن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية قد تم تعديله جذريا ، وبالتالي تم أُصباغ الشرعية على تدخل الأمم المتحدة/القوى العظمى لأغراض إنسانيه في النزاعات ذات الطبيعة المحلية (هاريس ، 1991). فمثلا تم اعتماد القرار 688 في 5 أبريل 1991 مرتبطا بقمع العراق للمدنيين الأكراد في أعقاب التمرد الكردي في مارس 1991 ، بعد هزيمة العراق على يد تحالف حرب الخليج. بالنسبة للعراق ، فإن القرار نفسه يرقى إلى " تدخل صارخ وغير مشروع في الشؤون الداخلية للعراق ، وانتهاك للمادة 2 من الميثاق."القرار 688 ، كان أول قرار لمجلس الأمن يحدد وجود تهديد للسلم والأمن الدوليين ، بسبب انتهاك دولة لحقوق الإنسان لمواطنيها. في المقابل لم تثر الفظائع التي ارتكبها عيدي أمين من أوغندا ، أو بول بوت من كمبوديا ، مثل هذا التصميم أو الرد الحاسم أو استخدام القوة من قبل الأمم المتحدة أو الدول القوية.

و قد أدى الصراع الطاحن وسيرة الإبادة الجماعية في يوغوسلافيا إلى إصدار القرار 713 بتاريخ 25 سبتمبر 1991 الذي فرض حظرا على المنطقة بأسرها ، ثم لاحقا القرار 757 بتاريخ 30 مايو 1992 الذي فرض عقوبات اقتصادية شاملة على صربيا و مونتينيغرو (الجبل الأسود فى يوغسلافيا). حوّل كلا القرارين الصراع الداخلي اليوغوسلافي إلى صراع دولي (الأمم المتحدة ، 1995). وبحلول عام 1992 ، تدخلت قوى خارجية عسكريا في الحرب الأهلية.

أدى فشل الدولة أو انهيارها او شبه انهيارها، الذي يدل عليه الغياب التام لسيادة الدولة ، وهى تلك السيادة التي امتلكتها الدولة في حقبة ما بعد الحرب الباردة، أدي إلى تدخل الأمم المتحدة/القوة العظمى في الدولة النامية. ولكن ، فإن حالة غياب الدولة لا تثير – بالضرورة - مشاكل تتعلق بسيادة الدولة و ولايتها القضائية ؛ وفي هذا الصدد يقدم الصومال مثالا ممتازا . لقد تكرست سابقة التدخل في الأزمة الداخلية وتم تسجيلها بالفعل في حالة العراق والأكراد وفي يوغوسلافيا السابقة. وهكذا ، عندما فرض مجلس الأمن لأول مرة الحظر الإلزامي على الأسلحة بموجب الفصل السابع (القرار 733) ، لم يكن هناك سوى خلاف صغير - لا يستحق الذكر - بين الدول الأعضاء في مجلس الأمن حول مبدأ عدم التدخل.

يمكن التعجيل بتدخل الأمم المتحدة/القوى العظمى في دولة نامية إذا تم الاعتراف بـ "ظرف استثنائي". فعلى سبيل المثال ، قرر مجلس الأمن في عام 1993 أن الحالة في هايتي تهدد السلم والأمن الدوليين. وبناء على ذلك ، فرض في القرار 841 بتاريخ 16 يونيو 1993 حظرا على التجارة مع هايتي. كانت الظروف الاستثنائية في هايتي ناتجة عن العوامل التالية: انقلاب 24 يناير 2001 الذي أجبر الحكومة الشرعية للرئيس جان بيتراند أريستيد على اللجوء إلى المنفي ؛ بيئة من الخوف والاضطهاد والاضطراب الاقتصادي التي هددت بتوليد مجموعات متكاثرة من اللاجئين تتدفق إلى البلدان المجاورة ؛ طُلِب من الحكومة الشرعية لهايتي أن تنادى بفرض حظر تجاري من قبل الأمم المتحدة ؛ وحقيقة أن الحظر الذي فرضته منظمة الدول الأمريكية كان موجودا في السابق ، وكان مطلوبا فقط أن يتم تعميمه وفرضه بموجب عقوبة تصدر من مجلس الأمن. وبالتالي ، اتى القرار 841 في عجالة على اثر الانقلاب ، ومن ثم كان بمثابة تغيير في ممارسة مجلس الأمن في مجال التدخل في الشؤون الداخلية ، حيث لم يشارك المجلس من قبل بشكل مباشر في استعادة نظام مخلوع بواسطة انقلاب في دولة ذات سيادة ، وهي مسألة كانت تعتبر في السابق شأنا داخليا محضا. ورغم أن رئيس مجلس الأمن أعلن أنه لا ينبغي اعتبار القرار سابقة، فإنه مع ذلك مثل تغيرا ضخما في ممارسات مجلس الأمن.

وفي فبراير 1998 ، وفي أعقاب سابقة التدخل التي أعقبت الحرب الباردة ، لمنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان و لاستعادة الديمقراطية ، قام فريق الرصد التابع للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا ، المعروف باسم فريق المراقبين العسكريين ، باستخدام قواته التي يهيمن عليها إلى حد كبير الجنود النيجيريون، للإطاحة بالمجلس العسكري في سيراليون المجاورة ، وهو الذي أطاح انقلابه في مايو 1997 بحكومة منتخبة ديمقراطيا. وتدخل فريق المراقبين العسكريين لاستعادة النظام المخلوع بدعم كامل من منظمة الوحدة الأفريقية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وبعبارة أخرى ، اصبح عدم الاستقرار الداخلي ، والفظائع الجماعية ، والحفاظ على الديمقراطية مصدر قلق للجهات الفاعلة الخارجية وبشكل كتزايد ، ولم يعد الحفاظ الحصري على السيادة الداخلية ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية ، هما المصادر الحصرية لاثارة القلق . وبين عام 1990 وحتى رغبة تهيئة بيئة مستقرة في ليبيريا في عام 1997 ، تدخلت ذات قوات فريق المراقبين العسكريين لوقف المذابح وسفك الدماء الإثنية التي حرضت عليه جماعات غيو/مانو الإثنية من جهة ، وجماعات كران/ماندينغو من جهة أخرى (ماغيار وكونتيه-مورغان ، 1998) .

وفي أعقاب حرب الخليج، اقتصرت أهداف التدخل القسري في البداية على الأغراض الإنسانية، ولكنها توسعت تدريجيا استجابة للاحتياجات العسكرية المتغيرة في تلك الصراعات . ولقد كانت لتلك القرارات الجديدة - التي نتجت عن تزايد حدة حالات الصراع - آثارها البارزة على سيادة الدول. ولكن بعد انتهاء الحرب الباردة ، استحدث مجلس الأمن الإذن باستخدام القوة من جانب الدول لأغراض إنسانية. وكثيرا ما لا تكون ضحية النزاع المسلح دولة ذات سيادة ، بل مدنيين داخل إقليم دولة واحدة. وبناء على ذلك ، كان الهدف من استخدام القوة في القرار 770 بتاريخ 13 أغسطس بشأن الصراع البوسني هو: "تسهيل إيصال المساعدة الإنسانية" من أجل ضمان حد ادنى من توفرها للسكان (الأمم المتحدة ، 1992). وبالمثل ، فإن القرار 794 (3 ديسمبر 1992) بشأن الصومال والقرار 929 (22 يونيه 1994) في رواندا ، وفي حالة هايتي (القرار 940 بتاريخ 31 يوليه 1994) كلها قرارات بررتها الاحتياجات الإنسانية كأحدالأسباب المعلنة لتدخل الأمم المتحدة. على الرغم من تردد الولايات المتحدة الأولي في التدخل في عام 1992 ، فإن الوضع الإنساني المتدهور في هايتي والزيادة السريعة في عدد اللاجئين هو الذي دفع الأمم المتحدة أخيرا إلى التحرك. و تحركت الولايات الأمريكية المتحدة عندما طالب الرئيس بيل كلينتون القيادة العسكرية في هايتي بالتخلي عن السلطة على الفور ، وأكد عزمه: "عندما تحدث وحشية منفلتة بالقرب من شواطئنا ، فإنها تؤثر على مصالحنا الوطنية. وعلينا مسؤولية التصرف " (كلينتون ، 1993). كانت جميع العمليات العسكرية -تقريبا -القائمة على الاستخدام المصرح به للقوة من قبل مجلس الأمن ، ومنذ الحرب الكورية ، ، تقودها وتهيمن عليها القوى العظمى ، وخاصة القوات الأمريكية. يجادل بعض النقاد بأن تفويض مجلس الأمن لم يخدم إلا كأداة لإنجاز وظيفة صيانة الأنظمة وفقا للمصالح الذاتية للدول العظمى. ومع ذلك ، فإن استخدام القوة المأذون به من قبل مجلس الأمن ، لا يمكن أن يعمل بفعالية بدون القيادة السياسية للدول العظمى ومشاركة قوتها العسكرية الساحقة. وإن تعارض التدخل مع السيادة الوطنية للدولة .

وعلى المستوى الجزئي ، تشكلت الأنماط الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية بسبب ميل الشعوب (المجموعات الإثنية والدينية والإقليمية) إلى اللجوء للمساعدة الذاتية في بحثها عن الأمان (هورويتز ، 1994 ؛ غور ، 1993). وقد انتج ذلك نوعا من الهجوم التدريجي على سلامة الدولة، وممارسة في تقويض عملية التكامل الوطني. تؤدي فكرة المساعدة الذاتية إلى تأكيد عدم قدرة الدولة والكيانات الفرعية على مواجهة وحل المشكلات الكبيرة للعنف السياسي الجماعي. والنتيجة هي التدخل الإنساني لوقف إراقة الدماء الإثنية ، او حفظ السلام ، ولم شمل الدولة المنهارة إلى وحدتها مرة أخرى ، أو لإطعام اللاجئين وضحايا المجاعة. وبناء على ذلك ، فإن الإحساس الناتج لدى الناس هو أن مسؤولية الأمم المتحدة والدول الصناعية هي منع المعاناة الهائلة والمذابح الصراعات المتصاعدة التي لا يمكن السيطرة عليها. وبعبارة أخرى ، في حين أن مفهوم سيادة الدولة هو المبدأ الأساسي للتفاعلات الاقتصادية- الاجتماعية والسياسية في النظام العالمي ، فإنه موعود ومهدد في الوقت نفسه بالخوف من انعدام الأمن ، ومهدد بتزايد مشاكل النظام العالمي المرتبطة بالصراعات الإثنية وغيرها من أشكال العنف السياسي. لقد أصبحت الدولة الماثلة في الدول النامية أكثر هشاشة في حقبة ما بعد الحرب الباردة من أي وقت مضى (جاكسون وروزبرغ ، 1982).

فالحروب الأهلية وآثارها الممتدة، وظاهرة اللجوء ، والزيادة في حالات النزاعات الفعلية والمحتملة ، ليست سوى عدد قليل من القضايا العابرة للحدود الوطنية، التي يبدو أنها تجعل أساليب حفظ السلام التقليدية غير كافية إلى حد ما ، وتحفز على اعتماد جهود جديدة، لا تنجوا من الشكوك على قدرتها في حفظ السلام. ويبدو أن هناك ثلاثة احتمالات جديرة بالملاحظة بشكل خاص من بين العواقب الواسعة للتحديات التي تواجه الاستقرار العالمي : (1) قد تعانى وحدة وسلطة وشرعية العديد من الدول القومية من التفكك ، تحت الثقل المتكاثف لقوى الطرد المركزي تطلقه الإثنية والحركات القومية ، فيزداد التشكيك في الأساليب التقليدية لحفظ السلام؛ (2) قد يصبح التمييز بين قضايا الصراع المدني المحلى ، وقضايا الصراع الدولي غامضا ومربكا بشكل متزايد؛ (3) قد يكون تقاطع المشكلات المحلية المرتبطة بالهجمنة الاجتماعية ، وقضايا الاعتماد المتبادل العالمي ، جزءا لا ينفصم من مشكلة الأمن الدولي تسببها الصراعات الإثنية ، مآسي اللجوء، المجاعة وتفشي الأمراض الفتاكة في العديد من البلدان.

ليس من المستغرب أنه مع نهاية الحرب الباردة ، أن أطلقت الأمم المتحدة ما يقرب من ضعف بعثات حفظ السلام التي أطلقتها في ما يقرب من أربعين عاما من وجودها. وينعكس توسع جهود حفظ السلام في قرارات حفظ السلام الصادرة عن مجلس الأمن ، وفي مشاركة الأمم المتحدة النشطة في الدبلوماسية الوقائية ، وفي زيادة مشاركة المنظمات الإقليمية وشبه الإقليمية في عمليات حفظ السلام النشطة. إلى جانب هذا التوسع في أنشطة حفظ السلام ، يبدو أن مفهوم وممارسة حفظ السلام يخضعان لتحول في بنيته النموذجية ، أو في كفاءته على التأقلم في ممارسات حفظ السلام المتعددة ، من (نشر القوات العسكرية لمنع تصعيد النزاع) إلى الدبلوماسية الوقائية (الجهود المبذولة لإجهاض النزاعات قبل توسيعها وتكثيفها) إلى صنع السلام (التدخل الاستباقي لتشجيع الأطراف المتحاربة على تسوية نزاعها) إلى إنفاذ السلام (ولاية " فرض " وقف إطلاق النار، أو خوض الحروب مع المخالفين (إذا لزم الأمر) او لبناء السلام (المساعدة في جهود إعادة الإعمار بعد حل النزاع من أجل منع اندلاع الصراع من جديد). حدثت حالات في خضم اضطرابات ما بعد الحرب الباردة ، حيث كان سفك الدماء أو المذبحة أو المجاعة من ذلك النوع الذي تم فيه تشجيع وفرض إنفاذ اتفاقات السلام. وقد قدمت الصومال وليبيريا وسيراليون (تدخل فريق المراقبين العسكريين التابع للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا) والبوسنة وغيرها، أمثلة على ذلك .

isamabd.halim@gmail.com
////////////////////////

 

آراء