الحديث عن الوحدة والانفصال في الزمن الضائع … بقلم: هاشم بانقا الريح

 


 

 


hbrayah@yahoo.com

لا حديث للساسة والإعلاميين هذه الأيام غير الوحدة والانفصال، أراهم يقومون ويقعدون يتوجهون شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، لا حديث لهم غير الاستفتاء، ومآلاته، وتداعياته.. التصريحات تجدها في كل مكان.. فجأة انتبه ساستنا – على اختلاف توجهاتهم - وبما فيهم أهل الحكم – وكذلك انتبهت أجهزة إعلامنا إلى أن يناير 2011 بات قاب قوسين أو أدنى.. ماذا حدث بالضبط؟ لم أكن أتخيّل أبداً أن يكون حالنا في شأن مصيري كالاستفتاء شأنه شأن الاستعداد للخريف الذي درجنا على جعل أصابعنا في آذاننا حتى تأتي السيول ونبدأ عندها في الصياح والعويل.. هذا ما حدث بالضبط الآن.. فجأة تحوّلنا جميعنا إلى تلاميذ مهملين، يبحثون عن كتبهم ومذكراتهم ومقرراتهم أيام الامتحانات، أصبحنا هكذا رغم أننا نردد دوماً المثل الذي يقول: (علوق الشدّة ما بنفع).
نصت اتفاقية السلام الشامل، المعروفة أيضاً باتفاقية نيفاشا التي تم توقيعها عام 2005م بين الحكومة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني، والحركة الشعبية لتحرير السودان، نصت على إجراء استفتاء في يناير 2011م يختار بموجبه إخوتنا في الجنوب ما إن كانوا يريدون الانفصال وتكوين دولتهم المستقلة أو البقاء ضمن السودان الموحد.
النص كان واضحاً لا لبس فيه، ولم تكن به عبارات يكتنفها الغموض أو تحتمل أكثر من تفسير. طويت الصحف، أو بالأحرى طوى شريكا الحكم، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، صحف اتفاقية السلام، ومضيا في خلافاتهما طيلة السنوات الماضية من عمر الاتفاقية. فكم مرة خرجت الحركة الشعبية مغاضبة من الحكومة، واعتصم السيد سلفاكير بجوبا في انتظار أن تأتيه الوفود تسترضيه وترجوه أن يعود؟  كم مرة اتهم فيها أقطاب نافذين في المؤتمر الوطني الحركة الشعبية بتبديد أموالها المصروفة لها في إطار بند قسمة الثروة؟
ظلت هذه الأمور وغيرها ديدن الشريكين، وظلت "حكومة الوحدة الوطنية" بمنأى عن المشاكل والصعاب التي يواجهها المواطن، وهي مصاعب جأر الناس بها وكتب كثيرون عنها، وتحدث بها المتحدثون في الحضر والبوادي.. مصاعب في الحياة اليومية، في لقمة العيش الكريمة، والحصول على الخدمات الصحية، والتعليم، ولا أقول صحة البيئة التي أضحت من الأولويات التي توفر لها الدول الأموال اللازمة، أما عندنا فهذا ترف لم نرق إليه حتى الآن، ودونكم عاصمتكم القومية فامشوا في شوارعها وأزفتها ثم أحكموا بأنفسكم.
بعد كل هذا الذي جرى ويجري انتبه ساستنا فجأة إلى أن يناير 2011م قد داهمهم وأن الأمور تجري في طرق متشعبة، فراحوا يجأرون بالشكوى للأشقاء العرب والأفارقة يطلبون العمل على إنقاذ الوضع وإصلاح ما يمكن إصلاحه.. وفات على هؤلاء وأولئك أنهم يلعبون في الزمن الضائع وأن الحكم قد أوشك على إطلاق صافرة النهاية التي ظللنا – كشعب نتابعها ونحن نركض وراء المتطلبات الحياتية اليومية!!
خطاب قيادات الحركة الآن ينادي بالانفصال، بل إنه ورد أن النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس حكومة الجنوب الفريق سلفا كير ميارديت قال: (إن بقاء السودان موحدا يجعل من الجنوبيين مواطنين من الدرجة الثانية). وأشار في كلمة ألقاها في ختام قداس أقيم في وقت سابق في كاتدرائية القديسة تريزا في مدينة جوبا: "إن مهمتي تقتضي قيادتكم إلى استفتاء 2011، وأن هذا اليوم قريب جدا وإني على ثقة بأننا سنشارك فيه"، وتناقلت أجهزة الإعلام الداخلية والإقليمية تصريحات سلفا كير التي حث من خلالها المواطن الجنوبي بالقول: "عندما تصل إلى صندوق الاقتراع سيكون الخيار خيارك، هل تريد التصويت للوحدة لتصبح مواطنا من الدرجة الثانية في بلدك؟"، وتابع قائلا: "إذا أردت التصويت للاستقلال فستصبح عندئذ شخصا حرا في بلد مستقل وسيكون الخيار خيارك وسنحترم خيار الشعب." (1)  
الرئيس عمر البشير قال في خطابه داخل المجلس الوطني (البرلمان) في دورته الجديدة في شهر أكتوبر الجاري: (على الرغم من التزامنا باتفاق السلام الشامل، فإننا لن نقبل بديلا عن الوحدة). وشدد على أن (الوحدة هي الخيار الراجح للجنوب إذا أتيحت له حرية الاختيار في استفتاء حر ونزيه).
ومن العاصمة القطرية الدوحة وهو في طريقه للاستشفاء في باريس، قطع الدكتور حسن الترابي، زعيم حزب المؤتمر الشعبي المعارض، الشك بانفصال جنوب السودان، ، وحذر  في الوقت نفسه من انتقال المثال شرقا وغربا في إشارة إلى دارفور، ولم يستبعد أن يتفتت السودان على غرار الاتحاد السوفيتي أو يوغوسلافيا، أو أن ينفلق كما حدث في تشيكوسلوفاكيا. وقال الترابي: " الانفصال واقع لا محالة، ولا رجعة للجنوب، والتنازلات لا تجدي." (2)
هذه بعض الغيوم المتلبدة في سماء الوطن، وهي – بالطبع – من صنع أيدينا وأي محاولة أو محاولات لتعليق هذه التداعيات على شماعة المؤامرات الخارجية لن يضيف إلا إلى إخفاقاتنا السياسية، وفشلنا التام – حكومة ومعارضة وشعب -  في ترتيب بيتنا الداخلي، والاستفادة من تجربة أكثر من نصف قرن من تخبط الحكم ومراوحته من مدني إلى عسكري إلى ألوان من الحكم ربما يصعب على علماء السياسة تصنيفها بين الأنظمة.  لقد أخفقنا في حكم بلادنا وفي إدارة ثرواتنا وأزماتنا، ونجحنا في التباكي على الماضي، فكيف يا تُرى تكون صورتنا عند الأجيال القادمة؟   


هوامش:
(1)    أنظر محمد سعيد محمد الحسن: الخاسرون والرابحون في انفصال جنوب السودان- الحلقة "5" صحيفة الشرق الأوسط – 27 أغسطس 2010م.
(2)  سودانايل – 15 أكتوبر 2010م

 
 

 

آراء