الخبير د. ياسين محيسي: التكنولوجيا صارت اكبر حليف للشفافية لتغيير قواعد لعبة الفساد (3) .. كيف اطاح انقلاب البرهان بكل مكاسب ثورة ديسمبر

 


 

صديق محيسي
11 February, 2023

 

الحلقة الثالثة

* التكنولوجيا صارت اكبر حليف للشفافية لتغيير قواعد لعبة الفساد
* على الحكومات ان تكون سريعة التكيف مع هذه الثورة الجديدة
*مطلوب من القطاعين العام والخاص التعاون لتحقيق القفزة الهامة

حوار صديق محيسي:

"أصبحت التكنولوجيا أكبر حليف للشفافية لترسيخ النزاهة في القطاع العام، وبتوفر الإرادة السياسية يمكن للثورة الرقمية أن تعطل الفساد بطرق لم نتخيلها أبدًا." - كارلوس سانتيسو

إن التكنولوجيا الجديثة ووسائل استخراج وتحليل البيانات بالإضافة الى تطبيقات الهواتف المحمولة التي تسهل إمكانية الوصول إلي المعلومات لديها القدرة على خلق فرص لا مثيل لها للشفافية ومكافحة الفساد. ولكن مع ذلك، التكنولوجيا ليست حل سريع أو حل نهائي. لتسخير هذه الاتجاهات، يتعين على الحكومات والمنظمات أن تكون سريعة التكيّف وجادة في العمل. في بعض الحالات، ستكون الاستثمارات المالية والتقنية في الابتكار مطلوبة على جميع المستويات لإحداث هذه التغييرات، إلى جانب تعاون القطاعين العام والخاص لمساعدة المسؤولين والوكالات على تحقيق قفزة نحو التكنولوجيات الجديدة.

توصيات هامة عند تطبيق الحكومة الرقمية

نقدّم فيما يلي مجموعة من التوصيات العامة الممكن اعتمادها عند تطبيق مبادرات الحكومة الرقمية، وهي مستقاة من مجموعة من الدراسات التخصّصية، ومن أفضل الممارسات في هذا المجال:
1. يجب على السودان استخدام التكنولوجيا لمطاردة الفساد والعمل على تطبيق التحول الرقمي للخدمات الحكومية وتسريع الابتكار عن طريق الشراكة الاستراتيجية بين الحكومة والقطاع الخاص. كذلك يتطلب نجاح الحكومة الرقمية توفر الإرادة السياسية الداعمة على أعلى المستويات، وعلى مستوى الإدارة العليا في كل جهة معنية بتطبيقاتها.
2. اعتماد أسلوب التنفيذ المرحلي: من المفيد عند الانتقال من مرحلة إلى أخرى البدء أولاً بوضع مشاريع تجريبية إرشادية محدّدة النطاق، وتنفيذها، بغية تقييم إمكانات التنفيذ والحد من احتمال الفشل وبذلك يصبح الانتقال من مرحلة إلى أخرى أكثر سلاسة.
3. تغيير الهياكل المؤسسية: لا بد من أن تقوم الإدارات الحكومية بدراسة تطوير الهيكليات المؤسسية بغية تبسيط الإجراءات ودمج الأدوات والعمليات الخاصة بالحكومة الرقمية فيها قدر الإمكان، وتحديد المهام والمسؤوليات الجديدة الناجمة عنها وإضافة إلى العمل داخل كل إدارة حكومية، لا بد أيضاً من تنسيق التعاون فيما بين الإدارات الحكومية المختلفة. ويعد إحداث مؤسسة مركزية مختصة أو مجلس أعلى أو لجنة توجيهية عليا تخوّل بمهام الإشراف على مبادرات الحكومة الرقمية والتنسيق بين الإدارات الحكومية المعنية عاملاً مساعداً في إنجاح تطبيق التحول الرقمي الحكومي.
4. تغيير الثقافة المؤسسية والمجتمعية السائدة: إن ما تتطلّبه الحكومة الالكترونية الرقمية من تغييرات كبيرة في البنى والهياكل المؤسسية، وفي إجراءات العمل، وفي سلسلة اتخاذ القرار، يعدّ تحدياً كبيراً في الدول التي ما زال العمل الحكومي فيها يقوم على إجراءات بيروقراطية صلبة؛ وهو ما قد يؤدي إلى توليد شعور بالخوف من الانفتاح وإلى تعزيز "ثقافة السرية". لهذا السبب، قد تُواجَه مبادرات الحكومةالرقمية المفتوحة بمقاومة كبيرة للتغيير يبديها الموظفون الحكوميون (بخاصة الكبار منهم) لأنهم سيرون فيها - في البداية على الأقل -تحدياً لسلطاتهم التقليدية.
5. بيئة العمل: قد يكون من المناسب في البداية اللجوء إلى العمل مع مجموعات مختارة من المواطنين الذين يتمتعون بالوعي اللازم، أو لديهم بعض المهارات المتطورة، أو مع عدد من منظمات المجتمع المدني/الأهلي أو المنظمات غير الحكومية أو التجمعات المهنية، وذلك لإطلاق بعض مبادرات الحكومة الرقمية المفتوحة وضمان نجاحها، قبل تعميمها على جمهور المواطنين.
6. التمويل وتوفير الموارد: مع أن العديد من الأدوات التكنولوجية المستخدمة في تنفيذ مبادرات الحكومة الالكترونية مثل وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الهواتف المحمولة، أصبحت منخفضة الكلفة أو مجانية، إلا أن بعض النشاطات قد تتطلب استثمارات ليست بالقليلة، من حيث الموارد البشرية، والبنى التحتية، والوقت المطلوب للتنفيذ. وهكذا فإن قدرات المؤسسة وكفاية البنى التحتية التكنولوجية في الإدارات الحكومية هي متطلبات أساسية لنجاح تلك البرامج. لا بدّ إذاً من تقييم كفاية وجاهزية البنى التحتية لدى الإدارة الحكومية، وضمان جاهزيتها والعمل على ترقيتها عند الحاجة. ولا بدّ أيضاً من وضع خطط واضحة لتوفير الموارد اللازمة، مع الأخذ في الحسبان ان هنالك العديد من المنظمات والحكومات الإقليمية والدولية تتوفر لديها منح لدعم مبادرات التحول الرقمي للحكومات في الدول النامية ومبادرات مكافحة الفساد والشفافية.
7. لا بدّ أيضاً من انتقاء الموارد البشرية الأكْفأ، أو توظيف موارد بشرية جديدة بمهارات جديدة ترتبط بمهام الحكومة الالكترونية، وتكليفهم بإدارة المبادرات والبرامج المقرّرة والعمل فيها، وذلك لضمان حسن التنفيذ والوصول إلى الأهداف الموضوعة. ومن المفيد تصميم دورات تدريبية خاصة بالحكومة الاكترونية، سواء من ناحية تفهّم الأهداف العامة، أم تطوير إجراءات العمل وتقديم الخدمات، أم استخدام الأدوات التكنولوجية، وإخضاع العاملين في الإدارة الحكومية لها. وقد يساعد وجود مجلس أو لجنة توجيهية أو بنية تنظيمية للحكومة الالكترونية في تنسيق الإنفاق على برامج التحول الرقمي وترشيدها.
8. الحكومة الالكترونية على المستوى المحلي: ثمّة توجه كبير لدى معظم الدول نحو تعزيز اللامركزية المحلية وتطويرها، وهذا التوجه ينسحب أيضاً على الحكومة الالكترونية. ويؤدي اعتماد مفاهيم التحول الرقمي والحكومة المفتوحة، وآليات تعزيز الشفافية والمساءلة والمشاركة والتشميلية، على المستوى المحلي (مستوى الولايات)، إلى تحسن مباشر في حياة مواطني الولاية.
9. تشريعات الحكومة الالكترونية: ثمّة جانب تشريعي للحكومة الالكترونية لا يجب إهماله. لا بدّ أولاً من أن تقوم الحكومة بدراسة "التشريعات الإلكترونية" النافذة لديها (التشريعات المتعلّقة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، والإعلام وحرية التعبير، والمعاملات الإلكترونية، ومعالجة البيانات الخصوصية، وأمن المعلومات والجرائم السبرانية، وحقوق الملكية الفكرية، وغيرها) لضمان كفايتها لتنظيم تطبيق الحكومة الالكترونية، وتعديلها عند الحاجة. ويُعد وجود تشريع خاص بحق الوصول إلى المعلومات والنشر الاستباقي من أهم التشريعات المؤسِّسة للحكومة المفتوحة، لذلك لا بد من الإسراع في إصدار هذا التشريع في حال عدم وجوده، وتوسيع نطاق الانفتاح الذي ينصّ عليه إلى أبعد مدى ممكن.
10. التعاون الإقليمي: ثمّة تجارب في الحكومة الالكترونية لدى إدارات حكومية أخرى، أو لدى دول أخرى، يمكن دراستها والبناء عليها. ويجدر بوجه خاص الاطّلاع على التوجّهات والأهداف المعلنة، وآلية توفير الموارد اللازمة، والحلول المعتمدة على الشبكة لنشر البيانات أو جمع المعلومات الراجعة أو استخدام الأدوات التشاركية والتعاونية، وإطلاق حوار مع الإدارات الحكومية الأخرى، ومع المستخدمين، لتحقيق قدر أكبر من الكفاءة والفعالية. ومن المهم تنسيق النشاطات السابقة في إطار برنامج للتعاون الإقليمي، بهدف تبادل قصص النجاح، والوصول إلى اتفاق على المبادئ والمفاهيم الأساسية للحكومة المفتوحة، ووضع إطار عمل مشترك، ومعايير إقليمية لتقييم الأداء.

وأخيراً، نلخص هنا بعض أهم عوامل النجاح في تطبيق برامج التحول الرقمي:
1. التأكيد على أن الحكومة المفتوحة (مثلها في ذلك مثل الحكومة الإلكترونية) هي برنامج مستمر في صلب أعمال الحكومة، وليس مجرد مشروع محدود الأمد؛
2. التأكيد على توفّر الالتزام والإرادة السياسية الداعمة لبرنامج التحول الرقمي الحكومي، على أعلى مستوى ممكن؛
3. إصدار وثيقة سياسات معلنة ترسم بموجبها الحكومة الإطار العام للحكومة الالكترونية على المستوى الوطني، وتبيّن فيه رؤيتها في هذا الصدد، والمبادئ التي تستند إليها في التطبيق، والتي توجه اتخاذ القرار.
4. إصدار أو استمرار إصدار التشريعات اللازمة لضمان تطبيق الحكومة الالكترونية وخطط العمل الخاصة بالحكومة المفتوحة؛
5. وضع خطط عمل مفصّلة، على المستوى الوطني ومستوى الولايات ومستوى الإدارات الحكومية، لتطبيق الحكومة الالكترونية، وفق المراحل المعتمدة، بحيث تكون واقعية، وذات مخرجات واضحة وقابلة للقياس. وتعدّ خطة الحكومة المفتوحة خطة العمل الوطنية المعتمدة لتحقيق الشفافية والمساءلة والتشميلية؛
6. التأكّد من إشراك الموظفين الحكوميين وكافة فئات المواطنين في جميع عمليات تصميم وتنفيذ وتقييم برامج ونشاطات الحكومة الرقمية.


* كيف اطاح انقلاب البرهان بكل مكاسب ثورة ديسمبر
* رفع اسم السودان من القائمة الأمريكية للدول الداعمة للأرهاب
* إعفاء مليارات الدولارات راكمها نظام البشير
* البنك الدولى يعد بفتح خزائنه من جديد فى ظل حكومة مدنية

فى الحلقات السابقة قدم لنا الدكتور ياسين التنوير العلمى لتطبيق الثورة الرقمية فى السودان ودورها فى تحويل البلاد من عصر الكربون والفايلات الى عصر شفافية الأرقام مستعرضا فى ابانة علمية عناصر هذه الثورة وانزالها الى ارض الواقع.

أفاد الدكتور ياسين انه كان قد قدم محاضرة بعنوان "نحو تحديث ورقمنة الخدمات الحكومية" في نوفمبر 2016 وذلك بدعوة من مركز النيل للأبحاث التقنية. ولكن نسبة للأوضاع الاقتصادية والسياسية التي كانت سائدة، لم تكن هنالك جدية من نظام الإنقاذ لتطوير المعاملات الالكترونية بالدولة وخاصة اذا كانت ستؤدي الى ضبط المعاملات والحد من الفساد والرشوة.

يقول الدكتور ياسين: "بعد انتصار ثورة ديسمبر والأطاحة بنظام "الإنقاذ " بعثت بورقة الدراسة التى أشرنا اليها فى بداية هذا التحقيق الى المهندس هاشم حسب الرسول الذى اختير وزيرا للإتصالات والتحول الرقمي، اذ لم تكن فى الحكومة الاولى وزارة بهذا المعنى، الذى اطلع عليها، والرجل خبير ممتاز فى هذا المجال فاقترح علي التعاون معهم كخبير واستشارى وبالفعل جرى تكوين فريق من ثلاثة خبراء لنعمل سويا وشرعنا فى عقد اجتماعات عن بعد وتم تقديم عدد من المقترحات للبدء في رحلة التحول الرقمي لكافة مؤسسات الدولة مع وضع تصور وبرنامج على حسب الأولويات المستعجلة.”

وقد أفاض الدكتور ياسين في وصف ما تم إنجازه مع فريق البنك الدولي والمشاريع التي وافق البنك الدولي على تمويلها وكيف ان هذه الفرصة، التي كانت متاحة للسودان والسودانيين للخلاص من حالة الفقر والشقاء والمعاناة التي لازمتهم طويلا، تم نسفها والقضاء عليها نتيجة انقلاب أكتوبر 2021. وفيما يلي حديث الدكتور ياسين:

"كان لدى الحكومة الانتقالية الثانية خطط طموحة للديمقراطية والانتعاش الاقتصادي، وقد اتخذت خطوات مبكرة نحو تحقيق هذه الأهداف. في مارس 2021، قام السودان بتسوية متأخراته المستحقة للمؤسسة الدولية للتنمية (IDA)، مما مكنه من إعادة مشاركته الكاملة مع مجموعة البنك الدولي بعد ما يقرب من ثلاثة عقود، ومهد الطريق للبلاد للوصول إلى ما يقرب من ملياري دولار أمريكي من منح المؤسسة الدولية للتنمية للحد من الفقر وتحقيق الانتعاش الاقتصادي المستدام. من خلال تسديد متأخراته، يكون السودان قد أكمل أيضاً خطوة رئيسية للحصول على إعفاء شامل من الديون الخارجية في إطار مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون (HIPC). وأعقبت هذه الخطوة المهمة زيارة بعثة من المؤسسة الدولية للتنمية عبر الشراكة العالمية العامة إلى البلاد، في مطلع أبريل 2021، والتي ناقشت عدداً من المبادرات المحتملة.

إن انضمام السودان الى المجتمع الدولي بعد الثورة مكن له أيضا الانضمام الى مبادرة الاقتصاد الرقمي لأفريقيا(DE4A) والتي تشكل جزءًا من دعم مجموعة البنك الدولي لاستراتيجية الاتحاد الأفريقي للتحول الرقمي (DTS) لأفريقيا، والتي تطمح إلى تمكين كل فرد أفريقي ورجال الأعمال والحكومات من انجاز كل الاعمال رقمياً بحلول عام 2030، وقد التزمت مجموعة البنك الدولي بقيمة 25 مليار دولار أمريكي لاستراتيجية التحول الرقمي للاتحاد الأفريقي.

هذا وقد تم بالفعل إجراء دراسات تقييمية في حوالي 30 دولة إفريقية، وقد تبع ذلك توفير دعم مالي كبير لعدد من مشاريع التحول الرقمي لعدد من الدول منها اثيوبيا (300 مليون دولار)، كينيا (500 مليون دولار)، يوغندا (200 مليون دولار)، رواندا (100 مليون).
يعتمد التقييم التشخيصي، والذي يهدف الى تقييم حالة الاقتصاد الرقمي للدول على 5 عناصر أساسية:
الركيزة 1: البنية التحتية الرقمية Digital Infrastructure
• التوافر والجودة والوصول إلى النطاق العريض لشبكات الاتصالات والانترنت بتكلفة معقولة والتي تشمل: -الميل الأول: الربط الدولي، - الميل الأوسط: شبكات العمود الفقري، - الميل الأخير: الوصول إلى الشبكات، - البيئة القانونية والتنظيمية (الميل غير المرئي).
الركيزة 2: المهارات الرقمية Digital Skills
• إطار المهارات الرقمية: - مهارات رقمية أساسية ومتوسطة ومتقدمة وعالية التخصص
• الطلب الحالي/المستقبلي على المهارات الرقمية - تحليل سوق العمل للقطاعات التقليدية والمكثفة لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات
• الوصول إلى عوامل التمكين الرئيسية في المدارس - الإنترنت، والأجهزة، والمحتوى الرقمي، والكهرباء، وقدرة المعلم الكافية
الركيزة 3: المنصات الرقمية العامة Public Digital Platforms
• الأطر المؤسسية والسياسات للحكومة الإلكترونية
• طبقات قابلية التشغيل البيني والخدمات المشتركة (مركز البيانات والشبكات الآمنة وما إلى ذلك)
• الهوية الرقمية وخدمات الثقة (مثل التوقيعات الإلكترونية)
• تقديم الخدمات الحكومية الرقمية للجمهور
• البيانات المفتوحة

الركيزة 4: الخدمات المالية الرقمية Digital Finance
• التوافر والوصول إلى الخدمات المالية الرقمية - اتساع نطاق الخدمات المقدمة (المدفوعات والمدخرات والإقراض وما إلى ذلك)
• استخدام الخدمات المالية الرقمية - من قبل الحكومة وشركاء التنمية
• القوانين والسياسات واللوائح - دخول السوق وقناة التسليم وابتكار المنتجات وما إلى ذلك.
الركيزة 5: الأعمال الرقمية Digital Business
• ريادة الأعمال الرقمية والنظام الإيكولوجي للأعمال
• دعم النظم البيئية والبنية التحتية. الوصول إلى التمويل والإرشاد والثقافة ورأس المال البشري للشركات الرقمية المبتدئة والوصول إليها وتوافر الدعم المطلوب

قام فريق البنك الدولي، بالتعاون مع فريق وزارة الاتصالات والتحول الرقمي، بإجراء دراسة تفصيلية استغرقت 6 اشهر (من مارس الى سبتمبر 2021) بغرض تقييم جاهزية السودان للتحول الرقمي والنواقص والتحديات وتقديم التوصيات لسد الفجوات.
تم عقد العديد من الاجتماعات مع الجهات المعنية التالية خلال مدة التقييم:
 القطاع العام: وزارة الاتصالات والتحول الرقمي، المركز القومي للمعلومات، هيئة تنظيم الاتصالات والبريد، وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي، وزارة البنية التحتية - ولاية الخرطوم، وزارة التربية والتعليم، وزارة التعليم العالي، وزارة الصحة الاتحادية، وزارة التنمية الاجتماعية، وزارة العدل، وزارة الحكم الاتحادي، الهيئة الاتحادية للجمارك، الغرفة التجارية، مصلحة الضرائب، هيئة تنمية الموارد الموحدة والتحصيل - ولاية الخرطوم، فريق الاستجابة للطوارئ الحاسوبية في السودان والهيئة الوطنية للمصادقة الرقمية والمكتب الوطني للإحصاء وغيرها.
 قطاع الاتصالات: هواوي، كنار، زين، إم تي إن، سوداتل، سوداسات، إريكسون، مجموعة سابال، ماسي القابضة، ماكس نت، مركز النيل للبحوث التكنولوجية وغيرها.
 القطاع المالي: بنك السودان المركزي، النظام المصرفي الإلكتروني، بنك الخرطوم، بنك رأس المال المتحد، بنك فيصل الإسلامي، بنك العائلة (مؤسسة التمويل الأصغر)، شمول، عناية، سايبر بي، شيكان للتامين، النيل الأزرق للتامين، المتحدة للتامين، وغيرها.
 المجال الأكاديمي: جامعة الخرطوم، جامعة المستقبل، جامعة الأحفاد للبنات وغيرها.
 الشركات الرقمية الناشئة: ترحال، مختبر سافانا للابتكار، العواسي للخدمات الطبية، أطباء تحت الطلب، يالا نطلب .
 المنظمات غير الحكومية وشركاء التنمية: منظمات دعم رواد الأعمال، سودا، سيكتا، سودان ديجيتال، أصدقاء السودان - مجموعة المانحين، غرفة التجارة الأوروبية، وغيرها

صدر التقرير النهائي في سبتمبر 2021 من 134 صفحة وكان يحتوي على العديد من التوصيات لسد الفجوات لتمكين السودان من المضي قدما لإنجاز مشاريع التحول الرقمي. وقد جاء في مقدمة التقرير ما يلي:
 تلتزم حكومة السودان بتطوير استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد بدأت بتوفير الإمكانيات والتخطيط لتنفيذ أجندة الاقتصاد الرقمي. إن إنشاء وزارة الاتصالات والتحول الرقمي، المكلفة بأجندة التحول الرقمي، يشير إلى الأهمية التي يتم وضعها على الأجندة الرقمية في الدولة. تركز الرؤية الأكبر للوزارة على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار. لتحقيق هذه الرؤية، ستحتاج الحكومة إلى معالجة التحديات الرئيسية التي تواجه الاقتصاد الرقمي.
 السودان هو ثالث أكبر بلد في أفريقيا حيث يتزايد عدد سكانه بسرعة - أكثر من نصفهم من الشباب. يشغل السودان 1.9 مليون كيلومتر مربع من الأرض ويقع على مفترق طرق إفريقيا والشرق الأوسط. تتمتع البلاد أيضًا بموارد طبيعية ومادية كبيرة مثل الأراضي الصالحة للزراعة والمياه (من نهر النيل وموارد المياه الجوفية) والغابات والثروة الحيوانية وكذلك النفط والذهب. تشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد السكان قد بلغ 42.81 مليون في عام 2019 وكان ينمو بمعدل سنوي قدره 2.5 في المائة على مدى السنوات العشر الماضية. حوالي 61٪ من السكان تحت سن 25 سنة.
 أدى إرث سوء الإدارة الاجتماعية-الاقتصادية في ظل الحكومة السابقة إلى تراجع البلد من وضع البلدان المتوسطة الدخل إلى المنخفضة الدخل في عام 2020. ولم تُستخدم الموارد من فترة الازدهار النفطي (1999-2011) في الاستثمارات العامة في قطاعات مثل البنية التحتية أو رأس المال البشري. بالإضافة إلى ذلك، أدت الخيارات السياسية من قبل النظام السابق، إلى تعطيل النشاط الاقتصادي وأدت إلى عزل السودان عن معظم الاقتصاد الدولي بسبب العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة. ونتيجة لذلك، فقد السودان عدة عقود من النمو الاقتصادي وانخفض نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي من 1,690 دولار أمريكي في عام 2015 إلى 590 دولار أمريكي في عام 2019، مما يضع السودان في فئة البلدان منخفضة الدخل.
 بشرت ثورة 2019 بتغيير إيجابي مع الانتقال إلى حكومة انتقالية ديمقراطية. في أبريل 2019، أطيح بحكومة الرئيس عمر البشير، وتولت حكومة انتقالية جديدة السلطة. بعد عصيان مدني مستمر وسلسلة من الاحتجاجات العنيفة في الشوارع أحيانًا، أطاحت "الثورة السودانية" بحكم الرئيس البشير الذي استمر 30 عامًا. في أغسطس 2019، تم تشكيل حكومة تكنوقراط ومجلس وزراء مدني بقيادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك. هذه الحكومة لديها تفويض لرئاسة الانتقال السياسي حيث تتبنى السياسات والإصلاحات والمؤسسات اللازمة لتحقيق السلام والاستقرار والنمو الاقتصادي الشامل وإعادة الانخراط مع المجتمع الدولي.
 غير أن الحكومة الانتقالية الجديدة ورثت بيئة اقتصادية بالغة الصعوبة. لا تزال الاختلالات الرئيسية المرتبطة بفقدان ثلاثة أرباع صادرات النفط بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011 تلقي بثقلها على الاقتصاد. أدت أسعار الصرف المتعددة لتقنين العملات الأجنبية الموجودة إلى اختلالات تجارية. إن إرث العزلة العالمية وبيئة الأعمال الضعيفة يقيد الاستثمار الخاص. كان معدل التضخم في ارتفاع في العام الماضي ليصل إلى 304٪ في يناير 2021.
 لا يزال السودان يتأثر بالنزاع، والأداء منخفض في مؤشرات التنمية البشرية. احتلت البلاد المرتبة 168/189 على أساس مؤشر التنمية البشرية (2018) متخلفة عن جيرانها. بلغ معدل انتشار الفقر المدقع - النسبة المئوية للسكان الذين يعيشون على أقل من 1.90 دولار في اليوم حوالي 20 في المائة في عام 2020.

حوى التقرير كذلك العديد من التوصيات المبنية على نتائج التقييم التشخيصي. تشمل الإجراءات المقترحة ما يلي: (1) مكاسب قصيرة الأجل ذات فائدة فورية، والتي يمكن تحقيقها بسرعة مع النتائج ؛ (2) الإجراءات متوسطة الأجل التي لا ينبغي التنازل عنها؛ و (3) الإجراءات طويلة الأجل التي تركز على بناء إطار السياسة والبنية التحتية والأنظمة والقدرات اللازمة لتحقيق الأهداف.

تلى ذلك قيام الفريق المشترك بتحويل التوصيات الى مشاريع قابلة للتنفيذ تكفل البنك الدولي بتمويلها بالكامل، وشملت هذه المشاريع في المرحلة الاولي ما يلي:
 توسيع شبكة الاتصال الإقليمية والوطنية ، بما في ذلك في المقام الأول شبكات الميل الأوسط والميل الأخير لربط الوزارات والمؤسسات الحكومية بشبكة ألياف ضوئية Fiber Optics بتكلفة 52 مليون دولار.
 البنية التحتية للحكومة الرقمية وتقديم الخدمات بتكلفة 84 مليون دولار وتشمل:
o دعم الهوية الرقمية، وتوسيع تغطية نظام الرقم الوطني بتكلفة 15 مليون دولار.
o دعم مشاريع البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات بتكلفة 10 مليون دولار.
 دعم الجاهزية الرقمية في الحكومة من خلال برنامج المهارات الرقمية للعاملين في المؤسسات الحكومية بتكلفة 5 مليون دولار.
 تنفيذ نظام المشتريات الحكومة الالكتروني بتكلفة 10 مليون دولار.
 دعم إدارة البيانات من خلال 1) إرشادات حماية البيانات 2) نماذج تخزين البيانات 3) ترقية مركز البيانات أو خدمات الاشتراك السحابية – 8 مليون دولار.
 دعم الرقمنة الكاملة وإنشاء منصة موحدة للخدمات الإلكترونية الحكومية - 30 مليون دولار.
 المساعدة الفنية لتقييم بيئة الأمن السيبراني الحالية، ودعم تفعيل آليات الأمن السيبراني – 5 مليون دولار.
 دعم تصميم وتشغيل نظام عنونة وطني لتمكين خدمات البريد والتوصيل وغيرها - 15 مليون دولار.
 دعم البيئة التنظيمية للتجارة الإلكترونية، إرشادات حماية المستهلك، إلخ. – 5 مليون دولار.
 المساعدة الفنية بشأن تطوير استراتيجية وطنية للتدريب على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، بما في ذلك إنشاء إطار لتقييم المهارات الرقمية - 15 مليون دولار.

المبلغ المرصود للمرحلة الأولى 198 مليون دولار والمبلغ المرصود لكل المراحل لبرنامج التحول الرقمي هو 700 مليون دولار.
أيضا رصد البنك الدولي مبلغ 2 مليار دولار للمشاريع الأخرى (البنية التحتية – طرق وجسور وسكة حديد، مشاريع زراعية وصناعية، إعادة تأهيل الخدمة المدنية، مشاريع الطاقة – كهرباء وطاقة شمسية). هذا بالإضافة الى الدعم المقدم من جهات اخري كالمعونة الامريكية، الاتحاد الأوربي، ودول اخري مثل النرويج والسويد واليابان.

أيضا يدعم البنك الدولي والاتحاد الأوربي برنامج "ثمرات" لمساعدة الأسر الفقيرة. يوفر البرنامج دعما ماليا بقيمة 5 دولار امريكي (من المقرر ان يرتفع الى 15 دولار) لكل فرد من الأسر المستهدفة، نحو 32 مليون مواطن أي حوالي 80% من جملة سكان البلاد.

وصل فريق البنك الدولي الى الخرطوم يوم 24 أكتوبر 2021 وذلك لتوقيع الاتفاق لتمويل مشاريع المرحلة الأولى صباح يوم 25 أكتوبر. فؤجئنا بحدوث الانقلاب العسكري واعتقال حمدوك ووزرائه. غادر فريق البنك الدولي بعد فتح مطار الخرطوم وتم اعلان تعليق كل المساعدات والدعم لكل مشاريع البنية التحتية والإصلاح الحكومي وكذلك تعليق نظام مساعدة الاسر الفقيرة. وبهذا يكون الانقلاب العسكري قد تسبب في إضاعة فرصة تاريخية للسودان للنهوض من وهدته وللحاق بركب الأمم المتقدمة.

يواصل الدكتور ياسين ويشرح فوائد مشروع التحول الرقمي اذا تم تطبيقه فى السودان، فبالاضافة الى إنهاء الفساد الذى اصبح ثقافة سائدة، وسد الطريق أمام اللصوص الذين استباحوا البلاد طوال ثلاثون عاما، فانه ينقل البلاد من مرحلة الفايلات الورقية الى مرحلة البيانات الرقمية ومن ثم تتحول كل المعاملات الى تقنية جديدة تقضى على الصفوف امام وزرات الخدمة، ومكاتب حجوزات السفر، وتجديد الرخص فى ادارات المرور، وتوثيق الشهادات عند جهات الأختصاص، والأكثر اثارة للدهشة ان هذه الخدمة ستشمل حتى الدوائر القضائية حيث يستطيع المواطن ان يرفع دعواه من منزله، ويستطيع المحامى ان يقدم مرافعاته من مكتبه، ويستطيع القاضى سماع اطرا ف القضية عن بعد أيضا – أي محكمة افتراضية بالكامل.
و ثمة ميزات اخرى مثال:
 رفع مستوى رضا المستفيدين عن الخدمات التي تقدم لهم وذلك عن طريق تسهيل استخدام الخدمات الحكومية وتقليل الوقت المستغرق في حصول المستفيد على الخدمة التي يحتاج إليها.
 تقديم بيانات دقيقة وفي الوقت المناسب حسب الحاجة.
 مساندة برامج التطوير الاقتصادي وذلك عن طريق تسهيل التعاملات بين القطاعات الحكومية وقطاعات الأعمال.
 تقليل تكاليف التنسيق والمتابعة المستمرة.
 زيادة الفرص الوظيفية.
 زيادة العوائد الربحية للتعاملات الحكومية مع قطاعات الأعمال.
 فتح فرص استثمارية جديدة خاصة بقطاع المعلومات.
 تحقيق درجة عالية من التكامل بين المشاريع الحكومية والقطاعات الخاصة فيما يخدم الاقتصاد الوطني.

وفي الختام سألنا الدكتور ياسين عن رأيه وتوقعاته لمستقبل السودان.
د. ياسين: السودان بلد غني بالموارد المائية والزراعية والحيوانية والنفط والمعادن النفيسة ويمكن ان يصبح من اكثر الدول تقدما في افريقيا والشرق الأوسط. كل هذا يعتمد على توفر حكومة مدنية مقتدرة وقادرة على العمل بجدية لإعادة تأهيل وتطوير المؤسسات الإدارية والعدلية والأمنية بالسرعة المطلوبة. انظر الى دول الجوار، كينيا، أثيوبيا، يوغندا، رواندا، التي تنطلق بسرعة هائلة في بناء دولها ونمو اقتصادها ورفاهية شعوبها وذلك بفضل دعم المجتمع الدولي الذي يتطلب في الأساس الاستقرار السياسي والقيادة الرشيدة.
ما زال المجتمع الدولي وبخاصة البنك الدولي والاتحاد الأوربي على استعداد للوفاء بالوعود والالتزامات لدعم وتمويل كل المشاريع التنموية بالسودان في حال تولي حكومة مدنية للسلطة بالبلاد.
في رأيي أن دعم العملية السياسية الجارية حاليا والاتفاق الاطاري المقترح، من جميع الأطراف هو أفضل حل للخروج من حالة الانسداد السياسي والاقتصادي وانهاء الانقلاب العسكري، وربما تكون هذه آخر فرصة متاحة للسودان للنهوض بالاقتصاد القومي وتحسين حياة مواطنيه. وفي حالة ضياع هذه الفرصة مرة أخرى، فسيكون مستقبل السودان أسوداً قاتماً والله أعلم بما ستؤول اليه الأمور مسقبلاً. ولا يسعنا في الوقت الحالي إلا أن ندعو الله ان يهدي قادتنا السياسيين والعسكريين للتحلي بالوطنية ووضع مصلحة الوطن والمواطنين فوق مصالحهم الذاتية.

نبذة مختصرة عن دكتور ياسين
الدكتور ياسين محيسي، الذي أحرز المركز الأول في امتحان الشهادة السودانية في العام 1969، تخرج من كلية الهندسة – جامعة الخرطوم عام 1974 بمرتبة الشرف الأولى وتم ابتعاثه من جامعة الخرطوم الى بريطانيا للدراسات العليا. وبعد حصوله على درجة الدكتوراة عاد الى الوطن حيث عمل محاضرا بجامعة الخرطوم لمدة عشر سنوات.
غادر السودان بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في 1989 حيث استقر بالمملكة المتحدة.
في العام 1991، عمل مع عدد من النشطاء السودانيين على اطلاق المنظمة السودانية لحقوق الانسان بمدينة لندن بعد حظر نشاطها في السودان. تولى منصب الأمين العام للمنظمة لعدة سنوات وقد قامت المنظمة في وقتها بنشاط فعال في كشف الانتهاكات الفظيعة لنظام الإنقاذ في السودان ونشرها وتزويد المعلومات الموثقة لهذه الانتهاكات للمنظمات العالمية والدول المهتمة بقضايا حقوق الانسان.
كذلك قام دكتور ياسين بإنشاء اول موقع الكتروني عن السودان وأول صحيفة الكترونية Sudan News & Views في عام 1993.
بعدها انتقل الدكتور ياسين للعمل بدولة الامارات العربية المتحدة كخبير تقنية المعلومات حيث ساهم، على مدى أكثر من 20 سنة، في برامج ومشروعات التحول الرقمي للعديد من الجهات الحكومية بالأمارات.
عمل أيضا بصورة تطوعية مستشارا لوزارة الاتصالات والتحول الرقمي بالسودان وقد كان ضمن الفريق الذى عمل في 2021 بصورة لصيقة مع فريق البنك الدولي والذي قام بعمل دراسة متكاملة لمتطلبات تحول السودان الى الاقتصاد الرقمي الحديث وقد اصدر البنك الدولي تقريره النهائي في سبتمبر 2021 ووافق على تمويل مشاريع تحول عديدة بتكلفة 700 مليون دولار.
siddiqmeheasi20@gmail.com
//////////////////////////

 

 

آراء