الدابي في بلاد الشام

 


 

د. عمر بادي
7 February, 2012

 


عمود : محور اللقيا
حدثني بعض الإخوة العرب عن النكات التي أطلقت في الفريق محمد مصطفى الدابي رئيس بعثة المراقبين التابعة لجامعة الدول العربية للتحقق في مدى إلتزام سوريا بتنفيذ خطة السلام العربية . الدابي لم يستمر في موقعه طويلا , فحلت لجنته مؤخرا بعد أن تبين إنحيازه إلى جانب الحكومة السورية و تعديله في تقارير المراقبين عن العنف و التقتيل الذي تمارسه السلطة الحاكمة في سوريا ضد شعبها . لقد صار امر الدابي مثارا للسخرية و الضحك عند الإخوة العرب فقالوا : ( إن الدابي قد تحول من مناصرة الجنجويد إلى مناصرة الشبيحة ) ! في إشارة إلى فترة عمله في دارفور و إنحيازه دائما إلى المليشيات الحكومية , ثم قالوا بعد أن إزداد الفتك بالشعب السوري و إبادته بالمئات من قبل الجيش و أمن النظام : ( إن من علامات الساعة ظهور ( الدابة ) في بلاد الشام ) !
بين النظامين السوداني و السوري توجد علاقات خاصة أظنها قد نبتت في ظل المقاطعة التي فرضتها الدول الغربية على النظامين , ثم تمددت على مدى أكثر من عقدين رغم الفارق الإيدولوجي الكبير بينهما , فالنظام السوري نظام علماني إشتراكي يقوده حزب البعث العربي الإشتراكي – القيادة القطرية , بينما النظام السوداني نظام إنقاذي إسلامي يقوده حزب المؤتمر الوطني ذو الأصول المنقولة من الجبهة الإسلامية القومية . رغم ذلك نجد أن أوجه التقارب بين النظامين تكمن في كونهما قد تأسسا نتيجة لإستيلائهما على السلطة بواسطة إنقلابين عسكريين , و قد أوجدت المقاطعة أرضا للتبادل التجاري و للإستثمار بينهما , ففتحت الحدود للتنقل بدون تأشيرة . حتى في حالة المؤتمرات السياسية في كل من البلدين نجد ممثلي الحزب الحاكم في البلد الآخر يشاركون مشاركات فعالة رغم الإختلاف الإيديولوجي بين النظامين .
في هذه الأيام إزدادت دموية ثورة الربيع العربي في كل من سوريا و مصر . في سوريا إزدادت خسائر الشعب في الأرواح , فإنه و برغم سلمية مظاهراته ,كان مصيره القتل بدم بارد من جيش و امن و شبيحة النظام كالذي يحدث خاصة في حمص , و في تطور جديد إنحاز جزء من الجيش للشعب المغلوب على أمره و أطلق على نفسه الجيش السوري الحر , و ظهرت المقاومة المسلحة و المناطق المحررة كالزبداني في ضواحي دمشق , و صار الأمر يقترب إلى ما كان عليه في ليبيا بعد إحتلال الثوار لبنغازي و الزاوية . في سوريا إزدادت الان معاناة الثوار من ضربات طيران النظام السوري و لذلك فلن يحققوا نصرا إلا بعد حظر الطيران داخل سوريا أو تدخل طيران خارجي من دون إذن مجلس الأمن الذي رفعت فيه كل من روسيا و الصين حق النقض ( الفيتو ) ضد إقرار عقوبات ضد سوريا . ربما يأتي الطيران الخارجي من تركيا , أو من القواعد الأمريكية في المنطقة , بإيعاز من جامعة الدول العربية .
أما في مصر فقد إزدادت دموية ثورة الربيع العربي حتى بعد عام من عمر الثورة , و هذه المرة بفعل الصراعات الطائفية و الدينية و الرياضية , و كأن هنالك أيادي خفية تحرك كل تلك الفتن في سبيل إشعال الفوضى الخلاقة . لكن من المستفيد من كل ذلك ؟ إن أصابع الإتهام تشير إلى فلول النظام البائد الذين لا زالوا على مواقعهم و لا زالوا طلقاء بين الناس , و الذين يلقون الدعم من المجلس العسكري الحاكم , ربما في مسعى لإطالة مدته القانونية إذا ما أعلن قانون الطواريء , و بذلك سوف تنتهي محاكمات قادة النظام البائد إلى إخلاء سبيلهم بسبب عدم كفاية الأدلة ضدهم !
في السودان و نتيجة للضائقة الإقتصادية التي تزداد يوما بعد يوم , و لا أدري إلى أي مدى ستصل في نهاية هذه السنة الكبيسة التي أعلن أنها ستكون الأصعب , أحس تململ الشعب الذي شارف على الغليان . ترى , الى أين تقود قراءة مستجدات الأحداث في الساحة ؟ أمام ناظري المذكرات الإصلاحية الخمس التي صدرت من أعضاء حزب المؤتمر الوطني و أيضا مذكرة قادة الجيش . هذه المذكرات تدعو إلى التغيير عن طريق الإصلاحات الداخلية في بنية الحزب الحاكم و في توجهاته , و تحذر من إستفحال مشاكل السودان إذا سارت الأمور كما هي . إذن , أي الحالتين أقرب إذا ما زار الربيع العربي السودان , الحالة المصرية أم الحالة السورية الراهنة ؟ الإجابة ترجح كفة الحالة المصرية . لقد صارت حكومة المؤتمر الوطني مهيأة لحركة تصحيحية قبل أو بعد قيام الإنتفاضة المرتقبة , ربما تعيد دور المشير سوار الدهب لإنقاذ الإسلاميين و قطع الطريق على تسونامي التغيير الجذري .
أخيرا , الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم و هو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك أفريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأسمى المثل , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني . إن العودة إلى المكون السوداني القديم تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى و في الوجوه المحفوظة التي ملها الناس !
omar baday [ombaday@yahoo.com]
//////////////

 

آراء