وُلِدَ الدكتور منصور خالد في حي الهجرة بمدنية أمدرمان، في يناير1931م، فجده من جهة أبية الشيخ محمد عبد الماجد الذي كان صوفياً مالكياً، وجده من جهة أمه الشيخ الصاوي عبد الماجد الذي كان فقيهاً وقاضياً شرعياً في المحاكم السودانية. وقد أشار الراحل منصور إلى هذه الخلفية الأسرية في تحقيقه لمخطوط السيرة الماجدية، الذي وصفه الأستاذ محمد الشيخ حسين: بأنه "يمثل فتحاً جديداً" في قراءة المخطوطات القديمة، يسمح لقارئه بالخروج من دائرة الانقياد إلى روح النص الإطرائية بوعي أو غير وعي إلى دائرة القراءة الحديثة، الناقدة للمحتوي في سياقه التاريخي. وأشار أيضاً إلى ذلك في مذكراته التي أنجزها عام 2018م، في أربع مجلدات بعنوان "شذرات من وهوامش على سيرة ذاتية". وختم المجلد الأخير منها بفقرة مفادها: "إن إدمان الحديث عن الاستهداف الخارجي [في السودان] لا يكشف إلا عن واحد من شيئين: الأول هو العجز الكامل عن نقد الذات بالمعنى الصحي للكلمة، أي مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ؛ والثاني هو الالتزام بالعهد طالما كنا لا ننتوي الإيفاء بذلك الالتزام، وبعدم الالتزام؛ لأننا نرتكب خطأين، أو قل سؤاتين: الأولى هي خيانة العهد، والثانية هي الجبن."
ماذا تقول سيرته الذاتية في الأسافير؟ تلقى منصور جميع مراحل تعليمه حتى المرحلة الجامعية بالسودان. درس الأولية (حقاً الابتدائية) بأمدرمان، ثم مدرسة أمدرمان الأميرية الوسطى، ثم مدرسة وادي سيدنا الثانوية العليا، ثم كلية الحقوق جامعة الخرطوم، والتي زامل فيها الدكتور حسن الترابي، والاستاذ خلف الله الرشيد، ورئيس القضاء الأسبق، الاستاذ عبد العزيز شدو، وزير العدل الأسبق. حصل على الماجستير في القانون من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية، والدكتوراه من جامعة باريس.
حياته العملية بعد التخرج بعد تخرجه في جامعة الخرطوم بدأ منصور حياته العملية في مجال المحاماة لفترة قصيرة، وبعد انتقل للعمل سكرتيراً خاصاً لرئيس الوزراء عبد الله بك خليل (1956-1958)، وبعد سقوط حكومة خليل وقيام حكومة الفريق إبراهيم عبود (1958-1964م)، التحق موظفاً برئاسة هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، ثم انتقل منها إلى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في باريس. كما عمل استاذاً زائراً للقانون الدولي بجامعة كلورادو بالولايات المتحدة.
منصور خالد والعمل السياسي نشر سلسلة من المقالات الصحافية المهمة في صحيفة الأيام ومجلة الخرطوم قبيل انقلاب مايو 1969م، تنبأ فيها بزوال الحكم الديموقراطي، نسبة للمشاحنات الحزبية، والعداء الطائفي، وعدم احترام الأحزاب لمبدأ الديموقراطية واستقلالية القضاء، مشيراً في ذلك إلى حادثة طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان، والصراع بين السلطات الثلاث (التشريعية والتنفيذية والقضائية)، والذي من وجهة نظره قد أفسد نظام الحكم البرلماني وقوض ثوابت الديمقراطية، كما أظهر في تلك المقالات نوعاً من التأييد لفكرة الحزب الواحدة في بلد مثل السودان، يعاني من الصراعات القبلية والطائفية، ومشكلات الفقرة والجهل والمرض.
بعد قيام حكومة مايو (1969-1985م) عينه الرئيس جعفر نميري وزيراً للشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية، شهدت قطاعات الشباب إبان وزارته نهضة كبرى، تمثلت في تفعيل الشباب في الخدمة الطوعية (صيانة الطرق، بناء المشافي والمدارس)، وفي إنشاء مراكز الشباب، ومراكز التأهيل، ومحو الأمية. كما أنه قد أسهم في خلق علاقات قيمة ومفيدة مع (هيئة اليونسكو، ومنظمة العمل الدولية، وحكومات مصر والجزائر وكوريا الشمالية). فضلاً عن المهرجانات الشبابية نظمتها الوزارة، وفي عهد تمَّ تشييد العديد من دور للثقافة والأنشطة الشبابية.
في أغسطس 1970 استقال من الشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية، متعللاً بالصراعات الأيديولوجية بين التيارات السيارية التي أنهكت النظام الحاكم، وشغلته عن تنفيذ برامجه الإصلاحية. وبعدها انتقل الدكتور منصور للعمل ممثلاً لمدير عام هيئة اليونسكو، "رينيه ماهيو"، ضمن برامج التعليم لهيئة غوث اللاجئين الفلسطينيين. وعاد بعد ذلك ليعمل سفيراً للسودان بهيئة الأمم المتحدة. وبعد عودته من الأمم المتحدة تقلد العديد من المناصب السيادية في السودان، والتي شملت وزير وزارة الخارجية، وزير وزارة التربية والتعليم، ثم مساعد لرئيس الجمهورية، وأخيراً عضواً في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي. كما اشترك مع صديقة الدكتور جعفر محمد علي بخيت وآخرين في مفاوضات أديس أبابا 1972م التي أفضت إلى حل مرحلي لمشكلة جنوب السودان، وساهم في إعداد دستور السودان الدائم لسنة 1973م. وفي العام 1978 استقال من آخر مناصبه في حكومة مايو، المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي، وخرج مغاضباً من السودان. وأثناء فترة إقامته بواشنطن عمل في مركز ودرو ويلسون العالمي للعلماء (Woodrow Wilson International Center for Scholars)، وبعدها انتقل للعمل نائباً رئيس للجنة الدولية للبيئة والتنمية، التي انشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1982م، ومقرها جنيف. وقبل استقلال جنوب السودان في 2011م، انضم إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان، مستشاراً لرئيسها الدكتور جون قرنق ديمبيور. وفي الفترة التي قضاها الدكتور منصور في العمل السياسي قد واجه نقداً شديداً من كثير من الذين كانوا لا يزالوا يخالفونه في الرأي، لكن اختلاف وجهات نظرهم في السياسة لا ينفي أن الدكتور منصور خالد يُعدَّ من المفكرين السودانيين القلائل من أبناء جيله، ومن جيل الدبلوماسيين الرائعين أمثال المرحوم جمال محمد أحمد.
ألف الدكتور منصور العديد من الكتب المهمة في تاريخ السياسة السودانية المعاصر والراهن باللغتين العربية والإنجليزية. ونذكر منها: "حوار مع الصفوة" (1974م)؛ "لا خير فينا إن لم نقلها" (1980؟)، "السُّودان النفق المظلم: قصة الفساد والاستبداد" (1984)؛ "الفجر الكاذب: نميري وتحريف الشريعة" (1986)؛ "النُخْبَة السُّودانيَّة وإدمان الفشل" (1993م)؛ "جنوب السُّودان في المخيلة العربية: الصورة الزائفة والقمع التاريخي" (2000)؛ "السُّودان، أهوال الحرب وطموحات السلام: قصة بلدين" (2007)؛ "تكاثر الزعازع وقلة الأوتاد" (2010)، وآخرها سيرته الذاتية الموسومة بـ " شذرات من وهوامش على سيرة ذاتية". ألا رحم الله الدكتور منصور خالد رحمة واسعة، بقدر ما قدم للسودان، وللمناصب الأممية التي تقلدها خارج السودان.