السودان أولاً 

 


 

 

كيف كان تجاوب الفرقاء لاهتمام المجتمع الدولي قاطبةً بقضية السودان؟

تجاوب ينقص بعضه الحياء، وينقص بعضه الكياسة، وبعضه يرفل في الغباء.

الحياء غاب عن هتّافة العسكر من طرق صوفية والإدارة الأهلية مع فلول الكيزان، فبينما وفود العالم المتحضّر تتجاوب مع السودان في كفاح شعبه المشهود والذي جذب كل انتباه العالم، حشد الجموعية وحشودهم من الإدارة الأهلية والطرق الصوفية، يهتفون للعسكر ورغبتهم في حكم العسكر (وهي مناداة صريحة بأن الشعب السوداني خسئ لا يستطيع إدارة شئونه بنفسه ولا صدر له للتحاور بين أبنائه، وأنهم أفضل ليكونوا رعاعاً بدلاً من رعاة)، وقفة مخجلة تذكرنا فقط بحكم الطاغية البشير الذي قامت هذه الثورة لخلعه.


والكياسة كانت في عوز عملاء دول الجوار، الذين اعتادوا على إكراميات ولاتهم ودفعهم الرباعي لمركباتهم المتعسّرة "صلى على النبي لزّة"

والغباء كان تجاوب العساكر والعسكريين، حيث بدأ زعيم الانقلاب بتكوين جيش جرار لمحاربة الإرهاب بتقتيل لا مثيل له واعتقالات جمة للمدنيين بعد اجتماعه برئيس الاستخبارات المصري عبّاس كامل راسم الوثيقة الزرقاء لاحتواء الثورة ومخطط فض الاعتصام (بطريقة غزوة الجمال والبغال في فبراير 2011 في ميدان التحرير أثناء ثورة 25 يناير ).

ثم بترفيع وكلاء الوزارات من تعيين حمدوك إلى وزراء بدون مخول دستوري، خلا وزير الشباب والرياضة الذي ترفّع ورفض تلك الرشوة الدكتاتوريته من رئيس جمهورية غير شرعي

ورغم مد أصابع الاتهام له بكل ذلك، لم تضح له غباء تصرفاته قبيل اجتماعه بالوفد الأمريكي ووفد الموساد، كلاً على حدة، والتي لا تبدو وكأنه أصبح من ذات العائلة، فالموساد يعلم أهمية السودان في السيطرة على تهريب الأسلحة الإيرانية لغزة، وأهمية السودان لحلفاء إسرائيل الجدد في حرب اليمن وفي أمن القرن الإفريقي، وكذلك في مشكلة مياه الشرب لمصر (كما ولإسرائيل). ولكن إسرائيل تتعامل مع أمريكا، وكلاهما يعمل بمعزلٍ عن الآخر وحسابهم بينهم بحصيلة الأخطاء والإصابات، فلا عداء بينهما ولا استسلام من أحدهما للآخر. قرأ البرهان أكثر مما يجب فكان "أوف بوينت"، "يرعى برّه".

نعم نبش الماضي للعسكر لا يفيد (ولا حتى للذكرى، فالماضي واضح، والولاء فاضح)

نعم، ولا يجب نبش الماضي الكئيب لقحط، باختطافها إدارة الثورة من تجمع المهنيين لاحتكارها للمحاصصات ممن استمالت من حزب الأمة بصراعاته الداخلية لرأب صدع محاوره المتعددة ككنيسة فكرية متنوعة، والعدل والمساواة الشريك المغدور به الكيزان في انقلابهم، بقية أحزاب مريضة بالمحاصصة، كما ومشاركة العسكر بدون ضمانات.

وقحط صمدت ضد نتائج تلك الأخطاء فيجب ألا تندمج في زهوها لتعود لتكررها ثانيةَ بما هو أسوأ

قدم السيد فولكر المبادرة الأممية والتي تجنبت مخاطبة الوضع الانقلابي واكتفت بإدانة العنف والتقتيل، وذلك لأن قضية الانقلاب وتر حساس مع المكون العسكري وهي لا تملك فيه مقبض يمكن به لي الأيدي، أي لا تملك فيه عصا مرفوعة على العسكر سوى حظرهم وحصارهم سياسياً.

فولكر بيرتس، مندوب الأمم المتحدة، يقول إنه لا يدري ما الحل ولا له مقترحات ولا مبادرة: فقط يسعى لحوار.

كما ولم يتلق رداً من المكون العسكري حول المبادرة، ولا اعترضاً أيضاً. وردّ الشارع باللاءات الثلاث

وهو يقول إنه بعد يومين، عليه أن يقدم لمجلس الأمن نتائج جولته، وبعدها بأسبوع سيجتمع مجلس الأمن ويتشاور مع أصدقاء السودان. ويركز السيد فولكر بالضرورة على تمثيل المرأة والشباب ولجان المقاومة وأسر الشهداء في اساساً في الحوار.

وهو لا يرى في العسكرية مشكلة تقنية للانتقال للمدنية، إلا أنهم كأفراد لهم نظرتهم التي تستحق الاستماع إليها.

واضح من تقديم تلك مبادرة لا مقبضَ لها ولا عصا مرفوعة يمكن التلويح بها، أن هي إلا الطبعة الزرقاء لدفع حوار أصحاب الحق الشرعي للسلطة، وهو الشعب، والمسيطر على الشارع بكل حجمه وعزيمته وشهدائه وانقساماته، وبين العسكر الذين دعموا الثورة ثم تورّطوا في العمل السياسي، ودول الجوار الذين يصطفّون لالتقاط أدوارٍ تؤهّلهم للفوز باستراتيجيات في تطويع بعض الفرص لمصلحتهم في مستجد علاقتهم بالسودان الجديد.

والمشهد زادَ تأزًّماً بترفيع المقاومة إلى عصيان مدني ناجح، ومع حشد العسكر مبررات متطرّفة لقوانين الطوارئ بالتجييش ضد الإرهاب كما أسمته، يصبح من الضرورة نزع فتيلة انفجاره سريعاً قبل أن يتحوّل لحرب أهلية لا قرار لها، من عسكر أثبتوا بالعنف غير المبرر إما رغبةً في الحكم أو خوفاً من العقاب.

فاللاءات الثلاث لا تعني إقصاء العسكر كليةً من المشهد، ولكن رفض حكومة اللجنة الأمنية الانقلابية في إدارة المرحلة الانتقالية التي يجب أن تكون مدنية حسب اتفاق الوثيقة الدستورية، ولكن لا تمنع تمثيل العسكر في مجالهم الإداري

يرى المراقبون هذا بالغ الصعوبة

ولكن كما قلت في مقالي السابق: الحوار مراكز تفعيله هي:

عصا مرفوعة بالثورة السلمية والعصيان المدني

وعصا مدفونة بالحرب الأهلية والملاحقة بالقصاص في كل الدماء التي أسيلت

وتفعيل ذلك يتم بمساعد تفعيلي (كاتاليست):

حوار غير مباشر مع العسكر

ضمان المجتمع الدولي بتفعيل الالتزام:

من الكون العسكري:    بالتراجع من الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين

من أولياء الدم:          بقبول الدية أو إعفاء حق القصاص

من المكون المدني:     تخليد أسماء الشهداء كمحررين للسودان ومكافأة ذويهم ومنحهم رتباً عسكرية ومعاشاً


izcorpizcorp@yahoo.co.uk

 

آراء