السودان والربط الافريقي، حيثيات من ماضي إلى مستقبل السكة الحديد والبنى التحتية في السودان

 


 

 

(1-4)
بقلم الصادق عبدالله عبدالله

في البدء:
أرجو أن ابدأ بجملة، لابد أن يضعها أي صاحب شأن في أولى الأولويات. فمهما كانت دراسات السكة الحديد (أوغيرها) ذات جدوى بائنة، ومهما كان الحماس لإنشاء خطوط السكة الحديد، ذلك حتى لو كان ذاك بطول عشرة كيلومترات فقط. لن ينجح أي مشروع للسكة الحديد إن لم يجد إدارة حاذقة ومستدامة (اسمها الأن حوكمة). هذا أكثر حذقاً من وسائل النقل الأخرى. وأن الفائدة التي تجنى من خدمات السكة الحديد مع أي من دول الجوار تعتمد على القيمة المضافة في الخدمات وفي المنتجات التي تصدر إلى أو تستورد من دول الجوار. وفي العائد الاقتصادي، أكثر منه المالي. كما أنه لن ينجح مشروع يطاله الفساد. واقصد فساد الناس والذي يؤدي إلى فساد النظم. وقد اثبتت تجارب الدول أن مكافحة الفساد ممكنة.
لماذا السكة الحديد؟
وددت لو أن خبراء البنيات التحتية الذين تقلدوا المهام في السكة الحديد، ومؤسسات البنى التحتية الأخرى كتبوا وأبانوا الواقع ووضعوا الرؤي للمستقبل. يشكر للوزير للمهندس هاشم ابن عوف، الذي وثق ونشر مذكرة تسليم وتسلم الوزراة في الشبكة الدولية. واضح أنه لم يملك (ملف السودان والربط الافريقي). كما يشكر السيد محمود إدريس الحبر، الخبير السابق للامم المتحدة لمنطقة الشرق الاوسط، الذي نشر تعريفاً، بل تنبيهاً ضافياً في الوسائط عن الموانئ السودانية. فلا سكة حديد بلا موانئ ذات كفاءة، فهل يا ترى مشروع السكة الحديد من الميناء، سيعنى بالميناء ليسع حركة الصادر والوارد التي يحدثها النقل بالسكة الحديد الجديدة؟
هناك إهتمام مفاجيء بتوقيع اتفاقيات لتمديد خطوط سكك حديد، تربط السودان بدول الجوار. في وقت حاجة السودان لخطط بنية تحتية متكاملة. والخشية أن تنجز مشروعات دون رؤية متكاملة، وفي وقت يحتاج فيه متخذ القرار إلى دعم تشريعي. وأكثر من ذلك يحتاج إلى التواصل المؤسسي مع دول الجوار التي تجني ثماراً دون أي جهد منها.
أما من طرفي فليست هي المرة الأولي التي أكتب فيها عن السكة الحديد، أرجو أن يكون هذا ملخص يحوي مجمل ما نشرت، مع بعض الإضافة والتوضيح. وقد نشرت أكثر من مرة في صفحتي عن السودان والربط الافريقي، كما كتبت ذات مرة عن رؤية للبنى التحتية لدارفور الكبرى، بحسبانها تجاور أربعة دول افريقية، إلى جانب إرتباطها ببقية القطر، وارتباطها التاريخي بمصر عبر درب الاربعين.
هذا فقد عملت مديراً لإدارة التعاون الإقتصادي، بمنظمة الإيقاد، والتي كانت تشرف وتتابع وتنسق جهود الحكومات في برامج التعاون الإقتصادي وعلى رأسها خطط وبرامج البنى التحتية الاقليمية. وفي فترة عملي أنجزت خطة البنى التحتية لمنطقة الإيقاد (2021-2050)، بما فيها الطرق، والإتصالات والسكة الحديد. واتبعت وفريق عملي، خلال أكثر من أربع سنوات كل خطوات المشاركة والشفافية، والتدقيق الفني والمالي، والاعتمادات الحكومية لكل الوثائق حسب بروتوكول بنك التنمية الافريقي. بدءا من نشر العطاءات وإشراك الفرق الفنية لحكومات الإقليم لمراجعة النصوص والخرائط والأرقام، فوق ذلك إشراك قطاعات غير حكومية شملت الإعلام والمنظمات الطوعية(Non-state actors) .
تواترت في الفترة الأخيرة في الوسائط أن ثمة اتفاقيات تم توقيعها لإقامة خطوط للسكك الحديد بالسودان، أو عابرة للسودان. فالمتابع للشأن يذكر أن الأخبار عكست أن السيد نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، في زيارته في منتصف العام 2020 إلى اثيوبيا، قد ناقش موضوع الربط الحديدي بين القطرين، المتمثل في خط أديس ابابا الخرطوم كعاصمتين متجاورتين. بفرعه المتجه إلى بورتسودان. والمعلوم أن اثيوبيا من طرفها قد وصلت مع بنك التنمية الافريقي إلى اتفاق، ليقيم دراسة في هذا الخصوص. فاثيوبيا دولة ذات ثقل افريقي، بشري وسياسي، وأنها دولة حبيسة من البحر، تحتاج لتعبر للموائي البحرية من خلال جيرانها. ولا اثيوبيا مع كينيا اتفاقيات مشروع ربط بري وحديدي وخطوط طاقة. وكذلك مشروع قائم وفاعل مع جيبوتي.
وفي الأشهر الفائتة تواترت انباء بأن مصر أنجزت الدراسات البيئية والفنية لمشروع خط سكة حديد من مصر السودان بطول 450 كيلومترا، بل ربما حتى عطبرة. هذا ضمن مشروعات نصر للربط مع دول. وأن مصر لها حاجة كبرى في الصادر والوارد مع السودان.
لكن الأكبر من ذلك ما ورد في الأخبار ووسائط الإتصال، وأثار جدلاً وتساؤلات، أن حكومة السودان وقعت على عقد لإنشاء خط بورتسودان عبوراً إلى مدينة أدري التشادية. فقد ظهر مبلغ تكلفة المشروع، ولم تظهر تفاصيل المشروع وكيفياته. كما ظهرت خريطة تبين مسار الخط؟ وقد ورد ما يفيد من وزير سابق بأن الأمر فيه غموض، يحتاج لكثير من الإيضاح.
أشير أيضاً إلى أنه في مطلع أكتوبر 2018 نشر أحد وزاراء ولاية غرب دارفور خبرا خاص بتدشين قطاع الطريق القاري بين الجنينة وأدري. كان تعليقي على ذلك أن قطاع أدري الجنينة ليس جزيرة معزولة. فالسودان، كل السودان بالطبع، هو في قلب مشروع الرؤية الافريقية 2063. سافصل فيها لاحقاً في هذا التقرير.
والمعلوم أن السودان قام بدراسة للخط الحديدي بورتسودان انجمينا. بل إلى ما بعد انجمينا. وقد كان تعليقى وقتها أن السودان لابد بأن يضع في الاعتبار أن ما يفعله هو جزء من الخطة الافريقية للقطار السريع. فلا بد أن تكون المعايير عالمية لقطار عابر للقارة وليست انجمينا وحدها. فانجمينا هي على تخوم نيجيريا البلد الافريقي العملاق بوجوده وسكانه، وهي بعد على حدود الكاميرون، لا تبعد أكثر من عشرين كليومتر. وليست بعيدة نيامي في النيجر وليست بعيدة عن واقادوقوا في مالي وبعدها نواكسوط وداكار على فركة كعب. عواصم افريقية كأنها حطت بمسطرة. وكل ذلك يحتاج لإشراك أصحاب المصلحة، والعمل على تأمين إلتزاماتهم، قلت أو كثرت.
والمعلوم كذلك أن الطريق القاري والقطار الافريقي أيضا سياتي من الجنوب للشمال. أو هو آت من الشمال إلى الجنوب. فالسودان في قلب الطريق الافريقي القاري: الكاب للقاهرة ، Cape to Cairo وأن عطبرة أو نحوها التي كانت مدينة السكك الحديد الافريقية هي ذاتها أو ليس بعيداً منها سيكون التقاطع الافريقي الكبير. وبرنامح البنى التحتية في افريقيا، المسميprogramme of Infrastructure Development of Africa المشهور اختصارا ب(PIDA) . والذي يشتمل على طرق النقل القارية في افريقيا. ويشتمل على مشروع القطار السريع في افريقيا. ومشروع الربط الكهربايئ في افريقيا. والالياف الضوئية. وما يتبع ذلك من بنيات فوقية مرنة من الاستراتيحيات. والسياسات والخطط والبرامج والمشروعات. الافريقية .

(2-4)
السودان في قلب استراتيجية الربط الافريقي.
سبق القول، لماذا السكة الحديد، لأنه قد قيل لا بديل لها، وأن سباقاً يجري من دول الجوار لإنشاء خطوط نحو السودان. وأن السودان دخل المضمار للتعاقد لإنشاء خطوط عابرة. فهل السودان يعي كيفية وأهمية وخطورة مشروع السكة الحديد؟
إن السودان رغم كبر مساحته (الثالث بعد الجزائر والكونقو الديمقراطية)، وموقعه على أحد أهم الممرات البحرية في العالم (البحر الأحمر)، وتوسطه بين شرق وشمال ووسط وغرب افريقيا)ـ بل وإحتوائه على أطول شبكات الطاقة، والسكة الحديد والطرق في افريقيا، إلا إن ذلك لم يعكس بشكل موثق في مؤسسات الشراكة الافريقية. وأن من بنيه من هم أكثر الكوادر الافريقية مراساً في هذه البنيات. وقد أشير في دراسة افريقية أو أكثر، وفي منتدى إفريقي أو أكثر أن السودان لا يعكس منجزاته، ولا يقدم مبادرات في الشأن. هذا في الوقت الذي تنشئ إحدى الدول طريقاً من خمسين كيلومتر، يربط حدودها مع دولة أخرى. فتحتفي به على رؤس الاشهاد، بأنها تضيف معلماً landmark في سبيل تحقيق الربط الافريقي. فالسودانيون يبنون وحدهم. يدشنون وحدهم. ولا يشركون شركاءهم في افريقيا هذه المنجزات. والتي يخشى ان تكون بمواصفات لا تلبي الحاجة الافريقية. بل ولا يستجيبون بشكل كاف كمبادر وصاحب مصلحة وصاحب حق في الأنشطة المعنية.
وهذه توصية مبكرة، فالسودان بموقعه الجغرافي فقط تتقاطع فيه الخطط الافريقية من الشرق للغرب ومن الشمال للجنوب. كل استراتيحية التكامل الافريقي السودان في قلبها. ولا احد يعرض ذلك. ولا توجد وثائق بذلك. فالمطلوب من السودان الآن وليس غداً، أن يرفع خطة Master plan للبنى التحتية بلغات الاتحاد الافريقي يوضح فيها نقاط الربط الإفريقي.
الرؤية الافريقية والقطار الافريقي السريع:
أجندة التكامل الافريقية هي ما اشتملت عليه الرؤية الافريقية 2063. أي الاستراتيجية الافريقية الخمسينية، التي تنتهي في عام 2063 ثم تبدأ رؤية أخرى. والمعلوم أن بنود النقل والانتقال وتسهيل حركة المواطنين والسلع والخدمات تمثل ثقل الرؤية الافريقية. فالواقع يقول إن افريقية كتلة من اليابسة، وكتلة بشرية متجانسة لكنها لا تترابط فيما بينها، وتولي ظهرها لبعضها، تتوجه إلى الخارج ولا تتحدث إلى بعضها البعض. جاءت الرؤية الإفريقية لتغير الواقع، وتربط الأقطار الافريقية إلى بعضها البعض.
فالرؤية الافريقية 2063 معنية بإحدث التكامل الافريقي، وأعمدته هي: المنطقة الافريقية الاقتصادية وحرية حركة الناس والبضائع وما يلزم ذاك من تحقيق ربط في النقل والمواصلات والطاقة. وأن مشروع القطار الافريقي السريع هو في الطريق. فإن بادرت اثيوبيا بإحياء القطار إلى جيبوتي، وكيبنا بإحياء قطار ممبسا الذي يصعد إلى بحيرة فكتوريا، كل ذلك باسس جديدة standard gauge railway ، فذلك جزء من الرؤية الافريقية. والتي تشتمل بنودها الأساسية على:
• شبكة القطار الافريقي السريع
• سد انجا الكبير لتوليد الطاقة.
• فضاء الطيران الافريقي الموحد
• الفضاء الخارجي
• الشبكة الالكيترونية الافريقية
• المنبر الافريقي التشاروي السنوى
• الجامعة الافريقية الافتراضية
• حرية انتقال الأشخاص والجواز الافريقي الموحد
• منطقة التجارة الافريقية الحرة
• اسكات البنادق
• استراتيجية السلع الافريقية الاساسية.
هذا بما يحقق احتواء النزاعات والصراعات داخل القارة، وإقامة مؤسسات تمويلية؛ بنك للاستثمار الأفريقى وبنك مركزى أفريقي ومد وتوسيع شبكة الطـرق العابرة للحدود الدولية وإنشاء شبكات سريعة للسكك الحديدية، لربط المدن والعواصم الأفريقية والنقل البحرى . وقد تم تقسيم تلك الرؤية الخمسينية إلى خطط زمنية عشرية، تشرف عليها إدارة التخطيط الاستراتيجي بالاتحاد الإفريقي بالتشاور مع كافة الأطراف والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية داخل القارة، فضلاً عن الأفارقة في المهجر. فهل لذلك أثر في الخطة السودانية الداخلية؟.
يلاحظ بأن الرؤية الافريقية بندها الأول هو شبكة القطار الافريقي السريع، تليه بنود تشمل انتاج ونقل الطاقة، الربط الجوي، والفضاء الخارجي. الربط الالكيتروني. إلى جانب حركة الأفراد والسلع والتعليم الافتراضي. ثم اسكات صوت البندقية. تكملها سياسات المنطقة التجارية الافريقية الحرة.
البرنامج الافريقي للبنية التحتية ((PIDA
Program Infrastructure Development for Africa (PIDA)
وبناء على الرؤية الافريقية، والتي نظر فيها للبنيات التحتية كعامل أساسي في النمو الاقتصادي، تخفيض حدة الفقر، وتحقيق التنمية. ومعلوم أن افريقيا توصف بضعف أو عدم وجود البنيات التحتية. ويعول على تكامل الشبكة الافريقية للبنى التحتية تحقيق تسريع التبادل التجاري وتحقيق التكامل الاقتصادي، ومن ثم دفع النمو وتقليل حدة الفقر ةاستثمار الموارد. لذلك أنشأ البرنامج الافريقي للبنى التحتية. ويتكون برنامج البنى التحتية الافريقية من عدة قطاعات تشمل النقل الطاقة، المياه العابرة للحدود، والاتصالات. وقد بدأ برنامج PIDA بمبادرة مشتركة بين الاتحاد الافريقي، وكالة الشراكة الافريقية النبياد (تحول اسمها إلى AUDA-NEPAD) وبنك التنمية الافريقي، وتنفذه الدول الأعضاء، كل حسب نطاقه. وتساعد في التخطيط له المنظمات الافرقية شبه الاقليمية المعتمدة الثمانية. وقد اعتمدت الخطة الافريقية الكبرى المتمثلة في شبكات الطرق والطاقة والاتصالات والخطط السنوية الناتجة عنها. ويشترك فيها عدد من الشركاء، كخط انتاج، كالتالي:
• الاتحاد الافريقي
• وكالة النيباد
• بنك التنمية الافريقي.
• والمنظمات الاقتصادية شبه الاقليمية (الثمانية) .
• الوكالات الفنية الأخرى (مثل أحواض الانهار، الشبكة الافريقية للطاقة وغيرها).
• مستوى الدولة القطرية.
أجيز برنامج البنى التحتية في افريقيا في يناير 2012 باعلان اجتماع رؤساء الدول والحكومات في أديس ابابا.
ويشكل برنامج PIDA إطار عمل مشترك ومتفق عليه بين الشركاء ويهدف لتحقيق التكامل الاقتصادي وتحقيق النمو والتشغيل. وتنفيذ البرنامج يعتمد على كل الشركاء (النيباد والاتحاد الافريقي على المستوى القاري، المنظمات شبه الاقليمية، ثم على المستوى الوطنى لدى كل دولة. وكالة النيباد معنية بتحديث البرنامج بالتعاون مع المنظمات شبه الاقليمية الثمانية وهيئاتها الفنية. ويعتمد النجاح على التنفيذ عبر خط عمل يبدأ من مستوى قمة الرؤساء، التي توفر الدعم السياسي والمبادرات والريادة الرئاسية المساعدة (Presidential Infrastructure Champion Initiative (IPCI). يتم تنفيذ المشروعات بواسطة الدول الأعضاء.
وقد انتظم منذ سنوات المنتدى السنوى المسمى PIDA WEEK، ويقام سنوياً، تعرض فيه المشروعات ذات الاولوية والتي توفرت لديها دراسات مكتملة، لتصير منتدى راتباً (وسوق مفتوحة) للقاء شركاء التنمية المتمثلة في الكيانات الافريقية والمانحين. وقد اقيم في العام 2018 بزامبيا، في الاسبوع الأخير من نوفمبر وفي 2019 بمصر، و2020في جنوب افريقيا و2021 في نيروبي والاخيرة 2022 في ساحل العاج.
والنتاج أن سباقاً يجري من دول الجوار لإنشاء خطوط نحو السودان. وأن السودان دخل المضمار للتعاقد لإنشاء خطوط عابرة. فهل السودان يعي كيفية وأهمية وخطورة مشروع السكة الحديد؟ وهل يعي السودان أن السكة الحديد هي أولى الإستراتيجيات الافريقية في التكامل الافريقي..
(3-4)
السودان و الربط الافريقي ؟
أولاً هل في خلدنا نحن السودانيين عندما نخطط لمشروعاتنا، أننا جزء من كل؟. وأن ثمة قطار افريقي سريع سيعبر السودان؟، وهل هو قطار واحد أم عدة قطارات، وما نوع الخطوط مفردة أو مزدوجة؟ وماهي خدمات الطاقة والمياه والأحزمة النباتية والألياف الضوئية المصاحبة؟ والخدمات اللوجستية من مدن ومستوطنات ومدن على طول الخطوط؟
بحكم موقع وسعة مساحة السودان، وخبرة السودان، فهل يمكن أن يكون السودان الدولة المستضيفة لراسة السكة الحديد؟، أو حتى إحدى محطاتها الكبري، في التقاطعات والورش. وهل ذاك كفيد أم خصم على السودان وأهله واقتصادته وبيئته؟
وبحكم أن القطار الإفريقي السريع، هو البند الأول على رأس كل البنود. يبدأ حلماً الأن وسينتهي إلى واقع، حتى لو نفذ بنسبة 50%. أو أقل. فهل يا ترى يمر القطار الافريقي السريع بالسودان أم يتخطاه؟ والإجابة بحسب مساحة السودان وموقعه لا يمكن أن يتخطاه بحال من الأحول. لكن هل سيحقق السودان مكاسب تتناسب وأهمية القطار الافريقي الذي سيمر عبره؟. نعم الغفلة، يمكن أن تجعل السوداني جسر (كبري) طويل وباعجوبة. ما ورد في إحدى دراسات الربط الإفريقية، وما ذكر فيها بأن ثمة خط يسمو خط السكة الحديد الاسكندرية الخرطوم مقديشو ستجاوب على هذا الزعم الذي زعمته (أن السودان سيتم تخطيه وباعجوبة).
نعم، رغم غياب السودان في مجموعات الخبراء، أو حتى في مناديب المنتديات، لم تستطع الخرائط والدراسات أن تتجاز السودان. فقد كانت آخر دراسة أعدت لم تتجاوز خط داكار الخرطوم، لكنها تجاوزت ميناء بورتسودان، لينتهي الخط في زعمها إلى جيبوتي؟!! . ثم إنه الملاحظات الغريبة أن هناك خط حديدي افريقي اسمه الاسكندرية الخرطوم مقديشو. ذلك موجود في الدراسة المتاحة في الشبكة تحت مسمى Detailed Scooping Study for Vision 2063 Africa Integrated High speed Railway Network and master plan. ابريل 2019 عن الاتحاد الافريقي والوكالة النيباد (لمن يريد من الاستراتيجيين السياسيين والتنفيذيين والفنيين والإعلاميين والبرلمانيين إن وجدو، والناشطين من السودانيين أو من أصول سودانية والمعارضين لهذا المقال أو المعارضين للسودان أن يراجع).
مثل الخط المذكور (الاسكندرية مقديشو) سيكون خطاً وهمياً للسكة الحديد. لا ينجز، على الاقل خلال الخمسين سنة المقبلة. هذا لأنه ببساطة أنه عندما تناقش الخطوط بمعايير الواقعية، والوجود التاريخي والقابلية للإنجاز في أرض الواقع سيعطى تقييم هذا الطريق صفر كبير ويسقط. هذا في حين أن الدراسة تذكر أربعة وسبعين خطاً للسكة الحديد في افريقيا، فيها خط الخرطوم مقديشو. ولم تذكر فيها بورتسودان ولا مرة، في حين أن ميناءين نظيرين لبورتسودان في الساحل الافريقي الشرقي ذكر كل واحد منهما أكثر من خمسة عشر مرة. والسبب الرئيس والذي يواجهه خبراء الدراسات قصدوا أو لم يقصدوا في جمع المعلومة أنه لا توجد خريطة ولا خطة للسكة الحديد سودانية تتحدث إلى افريقيا. ولا يوجد في الدراسات الافريقية وجود سوداني معتبر. ولا يتيسر لأي باحث في الانترنت أن ينزل خطة أو خارطة للسكة الحديد سودانية باللغة الانجليزية أو الفرنسية أو حتى بالعربي الفصيح لسكك حديد السودان ويربطها بالمشروع الافريقي. وللعلم الانترنت أصبح الحائط القصير الذي يستسقي ويستقصي منه الخبراء معلوماتهم ثم يحققونها بعرضها على الجهات الرسمية السودانية، ولولم تعارضها اعتمدت، ولو عارضتها طولبت بالبديل.
نعم السودان لا يمكن تجاوزه في مشروع القطار الإفريقي السريع. بمعايير رقعة السودان بين الشرق والغرب أو بين الشمال والجنوب. ليس مجرد الرقعة ولكن الطبوغرافيا المريحة التي يمكن أن يمد فيها الخط بأقل تدابير. فهل سيتأهل السودان لاستضافة رئاسة سكك حديد افريقيا، وأحد أهم التقاطعات في افريقيا؟؟. هذا إذا اعتبرنا خبرات السودان (التاريخية التي ستسقط طبيعيا بالتقادم) لإدارة وتوطين السكة الحديد، حسب الخلفية المعلومة، هذا إذا بقي شيء من ذلكم الإرث. هذا بحساب التاريخ ، ووجود القطار في رقعة السودان. فقد بدأت السكة الحديد في السودان منذ التركية السابقة في العام 1876 في أقصى الشمال لتبلغ، بعد منتصف القرن العشرين إلى طول أكثر من خمسة ألف كيلومتر (5428 كلم). لتشكل أكبر خطوط في افريقيا على الإطلاق.
دور السودان في الربط الافريقي ؟
السودان عضو مؤسس في منظمة الوحدة الافريقية عندما كانت الدول الافريقية المستقلة كانت ثمانية فقط، حتى فاقت الخمسين. عندما أنشأت منظمة الوحدة الافريقية كان المحجوب وزير الخارجية السوداني، (رحمه الله) مقررا لمشروع نشأة منظمة الوجدة الافريقية، وكانوا بصدد بعمل نحو الاتحاد الافريقي والذي بسبب الإنقلاب على رئيس المنظمة (نكروما) تأخر الإتحاد لخمسين عام (راجع الديمقراطية في الميزان). كان السودان يرفع صوته مطالباً باستقلال دول القارة، ويعمل من أجل تحريرها. وعندما بدأت المؤسسات الافريقية تنشأ، كان أول رئيس للبنك الافريقي كان سودانياً (المرحوم مامون بحيري). ولما أنشأت الأمم المتحدة وكالتها في افريقيا اختارت لها الاستاذ مكي عباس (كان مديرا لمشروع الجزيرة)، كأول أمين تنفيذي لها. وللعلم عندما أراد العالم انتاج مقررات التنمية المستدامة اختار العالم المرحوم منصور خالد (اقرأ مقالي قضية البيئة ومستقبلنا المشترك). ولما أفاق الأفارقة بعد خمسين عام، أعلنوا الرؤية الافريقية في العام 2013 لتمتد حتى 2063. فهل أفاق السودان أنه جزء من الرقعة الافريقية، وهل أن الرؤية الافريقية المشتركة هي جزء من رؤية السودان؟؟.
شواهد كثيرة تقول أن السودان نائم في الخط. لا تتحدث قطاعاته إلى بعضها. ولا يتحدث إلى جيرانه بشكل كاف وواثق. أقلها لو تقاضينا سلفا عن تمديد الخطوط خارج السودان، فليكن للسودان خريطة وخطة للسكة الحديد مقروءة ومعلومة، وما أيسرها أن تنتج كل عام في المفكرة السنوية لوزارة النقل توزعها على الأفندية. أكثر من ذلك كان علي السودان أن ينجز كتابا بلغات الاتحاد الافريقي الثلاثه يحمله خبراؤه المشاركون في اجتماعات لجنة النقل والبنى التحتية الافريقية، واجتماعات المنطقة الافريقية التجارية الحرة. وفي اجتماعات النيباد وفي اجتماعات بنك التنمية الافريقي، وفي اجتماعات الكوميسا واجتماعات الايقاد، وفي اجتماعات بنك التنمية الاسلامي. لكل تلك الإجتماعات الراتبة المتواترة جدير بأن تحمل الوفود السودانية مفكرة باسم الرؤية السودانية المشتركة للتكامل الافريقي والرؤية الافريقية 2063م.
(4-4)
الأن وفي العام 2022 وفي عهد الانتقال، قد دخل السودان، المضمار للتعاقد لإنشاء خطوط عابرة. فهل السودان يعي كيفية وأهمية وخطورة مشروع السكة الحديد؟ وهل يعي السودان أن السكة الحديد هي أولى الإستراتيجيات الافريقية في التكامل الافريقي.. وهل يعرف السودان أنه بموقعه لا يمكن تخطيه، لكنه يمكن أن يكون جسراً (كبري) كبير لعبور خطوط السكة الحديد !!
ماذا ينقص السودان أن يتصدر المشهد؟
بقي السؤال ما الذي ينقص السودان أن يتصدر المشهد في السكة الحديد؟. والكل قد سمع داخلياً مؤتمرات تشغيل السكة الحديد التي تقول أن لا بديل للسكة الحديد إلا السكة الحديد. بما يعني أن هناك رغبة عارمة، بل وخطة. تؤكدها تواتر الانباء عن تعاقدات لإنشاء خطوط سكك حديد؟ وهل تلك الرغبة والخطة تحدثت إلى القطاعات المجاورة (الطاقة، والاتصالات، والمياه، والولايات)، فضلا عن تمليكها للإعلام. ولقطاعات الشعب. أم أنها في الأضابير، يفاجأ بها من يفاجأ، وتموت بموت أو بفوت الذين غلقوا عليها الادراج. وما ينقص السودان كذلك أن المشروعات الضخمة لا تنجز بهمة لا يكاد صوت صاحبها يسمع. للأسف أنه لا توجد خطة ولا خارطة.

ما المطلوب من السودان فعله؟:
وماذا يريد السودان؟ لعمري لا تقوم السكك الحديدية في الهواء، ولا تقوم البنى التحتية الأخرى في الهواء. بل إن طبيعة البنى التحتية الحديثة هي متعددة الوسائط (Multimodal) بمعنى أن خط السكة الحديد يحتاج لخط طاقة، وخط ألياف ضوءية، وخط مياه، بل وحتى ربما طريق أسفلت مجاور لتوزيع البضائع والسلع لمناطق وسيطة.
أكثر من ذلك فهناك حاجة لإرساء التشريعات لاستيعاب الخط الحديدي، وأي خطوط وبنى أخرى، والتي تترتب عليها حقوق وواجبات. أقلها يحتاج إلى الاراضي. ويؤثر على حياة الناس. فهو حزام تنموي مكتمل بمياهه وخطوط طاقته وأنابيب مياهه وحزام شجري. ومدن سكنية.
كما يحتاج السودان أن يعلن رغبته في استضافة ادارة الخط الحديدي، الذي سيعبر أكثر من ألفي كيلومتر داخل الاراضي السودانية. أكثر من ذلك استضافة مدينة أو أكثر تقام فيها إدارة وورش ومخازن لإدارة السكة الحديدة. أين هي؟؟؟. أكثر من ذلم يحتاج السودان أن يعد فريق عمل استراتيجي للغرض.
مطلوبات السودان.
السودان بوجوده وموقعه تمر عبره مسارات عديدة لكافة قطاعات البنى التحتية، لكن مع ذلك أغفلت الدرسات، بل شوهت شكل مشروعات الخطة الافريقية، ومن الإفعال والتشويهات اسقاط ميناء بورتسودان تماما من الخريطة الإفريقية. هذا بالطبع إلى جانب استخدام خرائط للقطر السوداني تحتاج أن ينتبه لها السودانيون. ولا بد أن تكون خريطة السودان لكل من يشارك في إجتماع تعرض فيه خريطة السودان أن يتخذ موقفاً صارماً.
الذي يطلع على الدراسات المذكرات (متوفرة) ويراجع الخرائط المستخدمة يتأكد بأن ليس هناك وجود للسودان في إعداد تلك الدراسات أو حتى مراجعتها. هذا وإن ذكر أن الدراسات قد عرضت في منتديات شارك فيها مندوب للسودان على أي مستوى كان. هذا ولم تشر الدراسات إلى أن للسودان تحفظ، أو حتى أفاد بما أنجزه داخل رقعته لخدمة الربط الافريقي من طرق تقام وخطوط طاقة تمد وسكك حديدية تنشأ. وهذا مجال كبير للعرض والإستعراض.
دون الدخول في خط للسكة الحديد، طال أو قصر، أو أي تمديد لخط طاقة قاري، أو ألياف ضوئية أو غيرها، بدءا يحتاج السودان لإنشاء خارطة كبرى Master plan تحدد وبمعايير اقليمية وعالمية كل البنى التحتية المستقبلية، داخل السودان، ونقاط ربطها بدول الجوار، ضمن خطة الربط الافريقي. وفي هذا تشرك القطاعات والولايات والمحليات في التفاكر، لأن أول ما تحتاج مشروعات البنى التحتية للارض، وللماء، وأن تستهدف الإنسان بالتنمية، وتستهدف البئية بالحفظ بل الإعمار. بل وتشارك دول الجوار في مناقشة نقاط العبور، تحديد مواقعها، مواصفاتها، طريقة إدارتها.
بعد إنجاز الخريطة الاستراتيجية الكبرى، يتم نشرها في وثيقة سودانية تفصيلية باللغات المعتمدة في الاتحاد الافريقي الثلاثة (العربية، والانجليزية والفرنسية)، يمكن التفصيل في ذلك حسب مكوناتها. أقل من ذلك فسيكون السودان حيزاً مهملاً في الرقعة الافريقية. وأذنت لمن ينقل إحتسابًا.

الصادق عبدالله عبدالله sadigabdala@gmail.com 25 نوفمبر 2022
الصادق عبد الله عبد الله. الرئيس التنفيذي لمنظمة بشاير الخير للتكافل والتنمية المستدامة، السودان 2022. المدير السابق لإدارة التعاون اللإقتصادي والتنمية الإجتماعية. للهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (الإيقاد) للفترة (2011-220) ، مدير الخطة الإقليمية الكبرى للبنية التحتية لإقليم الإيقاد (القرن الافريقي)، (خطة 2021-2050). ترأس لجنة المدراء لتخطيط الموادر البشرية وهيكل المنظمة، وكذلك لجنة المراجعة الداخلية للإيقاد. ممثل الإيقاد في منطقة التجارة الحرة الأفريقية (AfCFTA)، ولدى البرنامج الافريقي للبنى التحتية PIDA، ولدي الشراكة الإفريقية، النيباد. شغل مهمة نقطة إرتباط الإيقاد وممثلها لدى آلية التنسيق الإقليمي للأمم المتحدة؛ ممثل الإيقاد في ورش العمل الإفريقية لصياغة أهداف التنمية المستدامة 2016-030 . حرر النسخة العربية لأهداف التنمية المستدامة، عمل في مجال الدبلوماسية، كما عمل في مشروعات التنمية الريفية والحضرية، وتخفيف حدة الفقر والبيئة، صحفي معتمد، كاتب وناشر، ومؤلف لعشرة كتب في الحياة الثقافة، البيئة وأهداف التنمية المستدامة، حاصل على ماجستير في دراسات التنمية، جامعة كرانفيلد ، المملكة المتحدة ، مع بكالوريوس شرف، زراعة. جامعة الخرطوم. sadigabdala@gmail.com+249912303136

 

آراء