السودان ونخبه والاستاذ محمود محمد طه وديفيد هيوم
طاهر عمر
18 June, 2023
18 June, 2023
كثر من المهتمين بالفكر في العالم العربي و الاسلامي التقليدي يحاولون جسر الهوة بين العالم العربي بعد تخلصه من ثقافته التقليدية و ايمانه التقليدي مع عالم متقدم قد أفرزت تجربة الانسان فيه إنتاج وعي هائل قد أدى لتحول في المفاهيم و هذا منشط له أهميته في مسألة تطور الفكر و نقل تجارب الشعوب من أجل مقاربة ظاهرة المجتمع البشري و بالتأكيد أفكارهم تساعدنا في مجتمعنا السوداني التقليدي في غياب نخب سودانية لا تريد أن ترتقي حتى لمستوى مفكري العالم العربي التقليدي.
كثر من المفكرين في العالم العربي يراقبون تطور الفكر في العالم المتقدم و يحاولون الوصول الى سبيل الخروج من ثقافة العالم العربي التقليدية. مثلا نجد هناك من يقدم ملاحظة أن مشاريع كل من عميد الأدب العربي طه حسين و حسين مروة و عبد الله العروي قد وصلت لمنتهاها و لم تعد تمثل الدينمو الذي يحرك ماكنة الفكر بل هناك خيوط قد بدأت تتشكل لمشاريع جبارة لمفكرين سوف تكون مشاريعهم الفكرية و ما قدموه من تفكير نقدي سيحل بديلا لفكر كل من طه حسين و حسين مروة و عبد الله العروي و هؤلاء نذكر منهم محمد اركون و هشام شرابي.
من هنا يمكننا أن نضرب مثل على كيفية وصول كثير من المشاريع الفكرية لمبتغاها و غاياتها و من بعد كيف تحل محلها فلسفة أخرى و مفكريين يواصلون في تنمية فكر جديد مثلا نجد الفلسفة المثالية الالمانية قد وصلت لغاياتها و قد أصبحت لاهوتية غائية دينية في فكر كل من هيغل و ماركس و لكن كيف نلاحظ أن الكانطيين الجدد هم من أعادو لها بريقها من بطون فكر عمانويل كانط و كيف وضح أن عمانويل كانط قد نجح في جسر الهوة بمستوى عالي من النجاح ما بين الفلسفة المثالية الالمانية و الفلسفة التجريبية الانجليزية حيث فشل ماركس في المصالحة ما بين المثالية الالمانية و التجريبية الانجليزية في محاولته البائسة في مقاربة نظرية القيمة لديفيد ريكاردو و كيف فشل ماركس كغائي لاهوتي ديني في مسألة فائض الغيمة.
نجاح عمانويل كانط في جسره و دمجه للمثالية الالمانية في الفلسفة التجريبية الانجليزية يكمن في إنتباهه لفلسفة ديفيد هيوم و هي تتمركز حول كيفية تفسير الانسان للوجود وفقا لعقله البشري بعيدا عن الفكرة المطلقة و ركّز كانط على فلسفة ديفيد هيوم في كيفية إدراك الانسان وفقا لانفعلاته و أحاسيسه و مشاعره كانسان. و هنا وفقا لفلسفة ديفيد هيوم لا وجود لدولة الإرادة الإلهية بل أن محاولة رجال الدين تبرير الخطابي الديني على أسسس عقلانية تعتبر مسألة مضحكة مثلها كمحاولة إتخاذ المعجزات كباب يفتح مدخل للايمان و لا معنى لهما و فقا لإدراك الانسان و إرتباطه بانفعلاته و أحاسيسه و مشاعره حيث يصبح العقل عبد الحواس في حفظه لما تنتجه تجارب الانسان في إرتباطها بضمير الوجود و يصبح الانسان جزء من الطبيعة.
و هنا يمكننا أن نذكر كيف كانت فلسفة ديفيد هيوم تنبيه قد غيّر طريق فلسفة عمانويل كانط عندما قال عمانويل كانط أن فلسفة ديفيد هيوم قد أيقظته من سباته و نومه الدوغمائي العميق و نفس تأثير فلسفة ديفيد هيوم العميق على عمانويل كانط نجده قد أثر أيضا في فلسفة أدم اسمث و فكرة إبداع العقل البشري و يمكننا أن نقول أن فلسفة ديفيد هيوم قد أثرت و غيرت طريقة تفكير أهم فيلسوفين و هما عمانويل كانط و أدم اسمث و للأسف لا نجد أي وجود أو أثر لهؤلاء الفلاسفة الثلاثة في فكر نخبنا السودانية.
لهذا السبب نجد تأخر النخب السودانية في الفكر حتى مقارنة بمفكريين في العالم العربي التقليدي القريب من محيط السودان. المضحك أن الشيوعيين السودانيين ما زالوا واقفين حيث فشل ماركس في جسر التجريبة الانجليزية مع المثالية الالمانية أما الكيزان و أحزاب الطائفية فما زالوا في محيط دولة الارادة الالهية لذلك نجد في السودان اليسار السوداني الرث و اليميين الغارق في وحل الفكر الديني الاثنيين بعيدين عن فهم فلسفة و أفكار هؤلاء الفلاسفة الثلاثة المهميين في مسألة ترسيخ فكرة و تفسير ظاهرة المجتمع البشري و كيف تبدو أهمية و دور فكرة العقد الاجتماعي.
و من هنا أدعو النخب السودانية الى الانتباه الى فكر ديفيد هيوم و كيف قد أثر على كل من عمانويل كانط و ادم اسمث و كيف كانت أهمية أنثروبولوجيا عمانويل كانط و إنعكاسها على أنثروبولوجيا الليبرالية و مسالة فصل الميتا عن الفيزيقيا و بالتالي فصل الدين عن الدولة بكل سهولة و يسر.
و عندما نتحدث عن غياب فلسفة كانط النقدية و غيابها عن ساحة الفكر السوداني بديهي نتحدث عن غياب فلسفة ميشيل دي مونتين لأن كانط كان يفتخر أيضا بفلسفة مونتين لأنه سيد قرن الانسانيين أي القرن السادس عشر و كذلك نجد غياب فكر البنيوية من ساحتنا أي بنيوية كلود ليفي أشتروس و هو معتمد على فكر كانط المتأثر بفلسفة ديفيد هيوم و كذلك متأثر بفلسفة مونتين و لهذا تنحصر مفاهيم العقلانية و الاخلاق كصفتين للانسان وفقا لتجربة عقله البشري و بعيدا عن تهويمات رجال الدين.
ذكرنا هولاء الفلاسفة لأنهم جميعا يعالجون عقدة النخب السودانية و خوفهم اللا شعوري من فكر رجال الدين لذلك نجدهم مواليين و خانعيين و تابعيين و لا يغشى فكرهم فكر عقل الأنوار حيث يقدم أسئلة يستطيع العقل البشري أن يجاوب عليها وفقا لقدرته كانسان و ليس هائم منتظر أوامره من الفكرة المطلقة و من هنا كان جواب عمانويل كانط على سؤال ما التنوير؟ إلا لكي يحرر أمثال النخب السودانية من إنتظار الاجابة من رجال الدين و أقصد الا تترك المرشد أو الامام أو الختم أو الاستاذ الشيوعي يفكر بدلا عنك.
بديهي عندما نفكر عن فكر هؤلاء الفلاسفة المذكورين في أعلاء المقال لابد من ذكر سبينوزا و فكره الغائب عن الساحة السودانية و كذلك فكر توما الاكويني و عليه ما لم يتوطن فكر هؤلاء الفلاسفة المذكوريين في المقال لا يمكننا أن ننجح في تحول ديمقراطي في السودان بفكر المثقف السوداني التقليدي و المؤرخ السوداني التقليدي المدافع عن الحضارة الاسلامية العربية التقليدية في السودان و المدافع كذلك بجسارة عن الايمان التقليدي في السودان و هذه هي مشكلة النخب السودانية من أقصى اليسار السوداني الرث الى أقصى يمينها الغارق في وحل الفكر الديني.
المضحك أن المثقف السوداني التقليدي و المؤرخ التقليدي من اليسار أو اليمين يقولون لك هؤلاء الفلاسفة فكروا في قضايا مجتمعات اوروبية تختلف عن مجتمعنا و هذه واحدة من صفات المواقف السالبة للنخب السودانية لأننا نتحدث عن ظاهرة المجتمع البشري و هنا تتساوى الحضارات و تتساوى ظاهرة السلطة و مفهوم الدولة الحديثة و لا يفرق أن يكون في مجتمع أوروبي أو غيره و إلا لماذا إنبهر الشيوعي السوداني بفكر ماركس هل ماركس سوداني؟ و لماذا جاء الناصري بفكر جمال عبد الناصر هل عبد الناصر سوداني و لماذا جاء البعثي السوداني بفكر البعث هل هم سودانيين و من هنا نقول أن تاريخ المجتمع الاوروبي مختصر لتاريخ البشرية و أقرب لتحقيق أهدافنا في التحول الديمقراطي في السودان أكثر من فكر جمال عبد الناصر او فكر الاسلاميين او فكر حزب البعث.
و أن ديفيد هيوم قدّم فكر يمكنك أن تتحقق من صحته أكثر من فكر حسن البنا و فكرة الدولة الارادة الالهية و بالتالي أقرب لنا ديفيد هيوم من فكر البعث و الاسلاميين و الناصريين و الشيوعيين لأن فكر هيوم يسهل لنا مسألة التحول الديمقراطي و قد أصبحت مآل البشرية قاطبة في تحولها نحو تقديم إجابة لمعادلة الحرية و العدالة و هي التي تؤسس لأنتصار فكرة الفرد و العقل و الحرية وفقا لتجربة الانسان في حيز عقله البشري لا غير.
و معروف عن ديفيد هيوم كفيلسوف أنه مؤرخ بارع و له مدرسة لأنه قد أسس طريقة لدراسة التاريخ بطريقة معاكسة أي من زمنه و سار به الى أن وصل لحقبة الرومان و هذا ما نحتاجه لكي نتخلص من فكر المؤرخ التقليدي السوداني المنتصر لفكرة صحيح الدين و بحوثهم التي تتحدث عن الصوفية و فكرة صحيح الدين و هنا تكمن أهمية أن يكون المؤرخ فيلسوف و عالم اجتماع و اقتصادي و هذا لا نجده في خزينة المؤرخ التقليدي السوداني. في ختام هذا المقال وجب التنبيه الى أهمية فكر الاستاذ محمود محمد طه و خاصة عندما يتحدث عن الانسان و الانسانية و مسألة تطابق الفكر و الشعور و بالمناسبة حديث الاستاذ محمود محمد طه عن الانسان و الانسانية و حديثه عن الفكر و الشعور يجعله المفكر السوداني الوحيد الذي يقدم فكر مطابق لفكر ديفيد هيوم في إعتزازه بإدراك الانسان وفقا لانفعلاته و أحاسيسه و مشاعره.
و نجد في فكر الاستاذ محمود محمد طه كثير من الفكر الذي يشبه فكر ديفيد هيوم حيث يصبح العقل عبد للحواس عندما يتحدث عن تطابق الفكر و الشعور و بفكر الاستاذ محمود كاد المجتمع السوداني أن ينهض من سباته الدوغمائي العميق كما نهض عمانويل كانط بسبب فكر ديفيد هيوم إلا أن نخب السودان قد فرّطت في فكر الاستاذ بسبب سيطرة فكر الهوس الديني الذي يدافع و يؤبد ثقافة عربية اسلامية تقليدية.
حاول الاستاذ محمود محمد طه محاولات عباقرة الرجال لكي ينتصر للانسان و الانسانية و هنا نجده يشترك مع ديفيد هيوم و سبينوزا في فكرهم الذي يندر وجوده في المكتبة السودانية. علاقة فكر الاستاذ محمود محمد طه بفكر ديفيد هيوم تحتاج لبحث منفصل و يعتبر مدخل لفكر يمجد الانسان في حدود عقله البشري و هذا ما يجعلنا نفرح بأننا مهما إنخفضت قامة النخب السودانية إلا أن فكر الاستاذ محمود محمد طه سيكون ذات يوم قداحة لشعلة التنوير في سوداننا و بالتالي فكر الاستاذ و إلتقاءه مع فكر ديفيد هيوم يهدّي من روعنا و يجعلنا في أنتظار الجميل الآتي من المستقبل.
taheromer86@yahoo.com
كثر من المفكرين في العالم العربي يراقبون تطور الفكر في العالم المتقدم و يحاولون الوصول الى سبيل الخروج من ثقافة العالم العربي التقليدية. مثلا نجد هناك من يقدم ملاحظة أن مشاريع كل من عميد الأدب العربي طه حسين و حسين مروة و عبد الله العروي قد وصلت لمنتهاها و لم تعد تمثل الدينمو الذي يحرك ماكنة الفكر بل هناك خيوط قد بدأت تتشكل لمشاريع جبارة لمفكرين سوف تكون مشاريعهم الفكرية و ما قدموه من تفكير نقدي سيحل بديلا لفكر كل من طه حسين و حسين مروة و عبد الله العروي و هؤلاء نذكر منهم محمد اركون و هشام شرابي.
من هنا يمكننا أن نضرب مثل على كيفية وصول كثير من المشاريع الفكرية لمبتغاها و غاياتها و من بعد كيف تحل محلها فلسفة أخرى و مفكريين يواصلون في تنمية فكر جديد مثلا نجد الفلسفة المثالية الالمانية قد وصلت لغاياتها و قد أصبحت لاهوتية غائية دينية في فكر كل من هيغل و ماركس و لكن كيف نلاحظ أن الكانطيين الجدد هم من أعادو لها بريقها من بطون فكر عمانويل كانط و كيف وضح أن عمانويل كانط قد نجح في جسر الهوة بمستوى عالي من النجاح ما بين الفلسفة المثالية الالمانية و الفلسفة التجريبية الانجليزية حيث فشل ماركس في المصالحة ما بين المثالية الالمانية و التجريبية الانجليزية في محاولته البائسة في مقاربة نظرية القيمة لديفيد ريكاردو و كيف فشل ماركس كغائي لاهوتي ديني في مسألة فائض الغيمة.
نجاح عمانويل كانط في جسره و دمجه للمثالية الالمانية في الفلسفة التجريبية الانجليزية يكمن في إنتباهه لفلسفة ديفيد هيوم و هي تتمركز حول كيفية تفسير الانسان للوجود وفقا لعقله البشري بعيدا عن الفكرة المطلقة و ركّز كانط على فلسفة ديفيد هيوم في كيفية إدراك الانسان وفقا لانفعلاته و أحاسيسه و مشاعره كانسان. و هنا وفقا لفلسفة ديفيد هيوم لا وجود لدولة الإرادة الإلهية بل أن محاولة رجال الدين تبرير الخطابي الديني على أسسس عقلانية تعتبر مسألة مضحكة مثلها كمحاولة إتخاذ المعجزات كباب يفتح مدخل للايمان و لا معنى لهما و فقا لإدراك الانسان و إرتباطه بانفعلاته و أحاسيسه و مشاعره حيث يصبح العقل عبد الحواس في حفظه لما تنتجه تجارب الانسان في إرتباطها بضمير الوجود و يصبح الانسان جزء من الطبيعة.
و هنا يمكننا أن نذكر كيف كانت فلسفة ديفيد هيوم تنبيه قد غيّر طريق فلسفة عمانويل كانط عندما قال عمانويل كانط أن فلسفة ديفيد هيوم قد أيقظته من سباته و نومه الدوغمائي العميق و نفس تأثير فلسفة ديفيد هيوم العميق على عمانويل كانط نجده قد أثر أيضا في فلسفة أدم اسمث و فكرة إبداع العقل البشري و يمكننا أن نقول أن فلسفة ديفيد هيوم قد أثرت و غيرت طريقة تفكير أهم فيلسوفين و هما عمانويل كانط و أدم اسمث و للأسف لا نجد أي وجود أو أثر لهؤلاء الفلاسفة الثلاثة في فكر نخبنا السودانية.
لهذا السبب نجد تأخر النخب السودانية في الفكر حتى مقارنة بمفكريين في العالم العربي التقليدي القريب من محيط السودان. المضحك أن الشيوعيين السودانيين ما زالوا واقفين حيث فشل ماركس في جسر التجريبة الانجليزية مع المثالية الالمانية أما الكيزان و أحزاب الطائفية فما زالوا في محيط دولة الارادة الالهية لذلك نجد في السودان اليسار السوداني الرث و اليميين الغارق في وحل الفكر الديني الاثنيين بعيدين عن فهم فلسفة و أفكار هؤلاء الفلاسفة الثلاثة المهميين في مسألة ترسيخ فكرة و تفسير ظاهرة المجتمع البشري و كيف تبدو أهمية و دور فكرة العقد الاجتماعي.
و من هنا أدعو النخب السودانية الى الانتباه الى فكر ديفيد هيوم و كيف قد أثر على كل من عمانويل كانط و ادم اسمث و كيف كانت أهمية أنثروبولوجيا عمانويل كانط و إنعكاسها على أنثروبولوجيا الليبرالية و مسالة فصل الميتا عن الفيزيقيا و بالتالي فصل الدين عن الدولة بكل سهولة و يسر.
و عندما نتحدث عن غياب فلسفة كانط النقدية و غيابها عن ساحة الفكر السوداني بديهي نتحدث عن غياب فلسفة ميشيل دي مونتين لأن كانط كان يفتخر أيضا بفلسفة مونتين لأنه سيد قرن الانسانيين أي القرن السادس عشر و كذلك نجد غياب فكر البنيوية من ساحتنا أي بنيوية كلود ليفي أشتروس و هو معتمد على فكر كانط المتأثر بفلسفة ديفيد هيوم و كذلك متأثر بفلسفة مونتين و لهذا تنحصر مفاهيم العقلانية و الاخلاق كصفتين للانسان وفقا لتجربة عقله البشري و بعيدا عن تهويمات رجال الدين.
ذكرنا هولاء الفلاسفة لأنهم جميعا يعالجون عقدة النخب السودانية و خوفهم اللا شعوري من فكر رجال الدين لذلك نجدهم مواليين و خانعيين و تابعيين و لا يغشى فكرهم فكر عقل الأنوار حيث يقدم أسئلة يستطيع العقل البشري أن يجاوب عليها وفقا لقدرته كانسان و ليس هائم منتظر أوامره من الفكرة المطلقة و من هنا كان جواب عمانويل كانط على سؤال ما التنوير؟ إلا لكي يحرر أمثال النخب السودانية من إنتظار الاجابة من رجال الدين و أقصد الا تترك المرشد أو الامام أو الختم أو الاستاذ الشيوعي يفكر بدلا عنك.
بديهي عندما نفكر عن فكر هؤلاء الفلاسفة المذكورين في أعلاء المقال لابد من ذكر سبينوزا و فكره الغائب عن الساحة السودانية و كذلك فكر توما الاكويني و عليه ما لم يتوطن فكر هؤلاء الفلاسفة المذكوريين في المقال لا يمكننا أن ننجح في تحول ديمقراطي في السودان بفكر المثقف السوداني التقليدي و المؤرخ السوداني التقليدي المدافع عن الحضارة الاسلامية العربية التقليدية في السودان و المدافع كذلك بجسارة عن الايمان التقليدي في السودان و هذه هي مشكلة النخب السودانية من أقصى اليسار السوداني الرث الى أقصى يمينها الغارق في وحل الفكر الديني.
المضحك أن المثقف السوداني التقليدي و المؤرخ التقليدي من اليسار أو اليمين يقولون لك هؤلاء الفلاسفة فكروا في قضايا مجتمعات اوروبية تختلف عن مجتمعنا و هذه واحدة من صفات المواقف السالبة للنخب السودانية لأننا نتحدث عن ظاهرة المجتمع البشري و هنا تتساوى الحضارات و تتساوى ظاهرة السلطة و مفهوم الدولة الحديثة و لا يفرق أن يكون في مجتمع أوروبي أو غيره و إلا لماذا إنبهر الشيوعي السوداني بفكر ماركس هل ماركس سوداني؟ و لماذا جاء الناصري بفكر جمال عبد الناصر هل عبد الناصر سوداني و لماذا جاء البعثي السوداني بفكر البعث هل هم سودانيين و من هنا نقول أن تاريخ المجتمع الاوروبي مختصر لتاريخ البشرية و أقرب لتحقيق أهدافنا في التحول الديمقراطي في السودان أكثر من فكر جمال عبد الناصر او فكر الاسلاميين او فكر حزب البعث.
و أن ديفيد هيوم قدّم فكر يمكنك أن تتحقق من صحته أكثر من فكر حسن البنا و فكرة الدولة الارادة الالهية و بالتالي أقرب لنا ديفيد هيوم من فكر البعث و الاسلاميين و الناصريين و الشيوعيين لأن فكر هيوم يسهل لنا مسألة التحول الديمقراطي و قد أصبحت مآل البشرية قاطبة في تحولها نحو تقديم إجابة لمعادلة الحرية و العدالة و هي التي تؤسس لأنتصار فكرة الفرد و العقل و الحرية وفقا لتجربة الانسان في حيز عقله البشري لا غير.
و معروف عن ديفيد هيوم كفيلسوف أنه مؤرخ بارع و له مدرسة لأنه قد أسس طريقة لدراسة التاريخ بطريقة معاكسة أي من زمنه و سار به الى أن وصل لحقبة الرومان و هذا ما نحتاجه لكي نتخلص من فكر المؤرخ التقليدي السوداني المنتصر لفكرة صحيح الدين و بحوثهم التي تتحدث عن الصوفية و فكرة صحيح الدين و هنا تكمن أهمية أن يكون المؤرخ فيلسوف و عالم اجتماع و اقتصادي و هذا لا نجده في خزينة المؤرخ التقليدي السوداني. في ختام هذا المقال وجب التنبيه الى أهمية فكر الاستاذ محمود محمد طه و خاصة عندما يتحدث عن الانسان و الانسانية و مسألة تطابق الفكر و الشعور و بالمناسبة حديث الاستاذ محمود محمد طه عن الانسان و الانسانية و حديثه عن الفكر و الشعور يجعله المفكر السوداني الوحيد الذي يقدم فكر مطابق لفكر ديفيد هيوم في إعتزازه بإدراك الانسان وفقا لانفعلاته و أحاسيسه و مشاعره.
و نجد في فكر الاستاذ محمود محمد طه كثير من الفكر الذي يشبه فكر ديفيد هيوم حيث يصبح العقل عبد للحواس عندما يتحدث عن تطابق الفكر و الشعور و بفكر الاستاذ محمود كاد المجتمع السوداني أن ينهض من سباته الدوغمائي العميق كما نهض عمانويل كانط بسبب فكر ديفيد هيوم إلا أن نخب السودان قد فرّطت في فكر الاستاذ بسبب سيطرة فكر الهوس الديني الذي يدافع و يؤبد ثقافة عربية اسلامية تقليدية.
حاول الاستاذ محمود محمد طه محاولات عباقرة الرجال لكي ينتصر للانسان و الانسانية و هنا نجده يشترك مع ديفيد هيوم و سبينوزا في فكرهم الذي يندر وجوده في المكتبة السودانية. علاقة فكر الاستاذ محمود محمد طه بفكر ديفيد هيوم تحتاج لبحث منفصل و يعتبر مدخل لفكر يمجد الانسان في حدود عقله البشري و هذا ما يجعلنا نفرح بأننا مهما إنخفضت قامة النخب السودانية إلا أن فكر الاستاذ محمود محمد طه سيكون ذات يوم قداحة لشعلة التنوير في سوداننا و بالتالي فكر الاستاذ و إلتقاءه مع فكر ديفيد هيوم يهدّي من روعنا و يجعلنا في أنتظار الجميل الآتي من المستقبل.
taheromer86@yahoo.com