الشباب عـُشر الحاضر، ونصف المستقبل !!

 


 

 





من هم شباب السودان ؟ وما هو وضع شباب السودان السياسي في كل الأحزاب الموجودة ؟ والذين يجب أن يكونوا منتخبين من قواعدهم التي تماثلهم في العمر في جميع الأحزاب دون استثناء !
لا زلت بداية أبحث عن تعريف صادق لأعمارهم. فالشباب فيما نعرف من بعض المشائخ الزاهدين، أنهم من لم يتجاوزوا 40 عاما (هجرية)، يعني 39 عاما ميلادية وعدة أشهر. وعند منظمة الأمم المتحدة هم بين 15-24 سنة، وعند الإتحاد الأفريقي بين 15-35 سنة. وعند أهل اللغة العربية في معجم المنجد ينتهي بالوصول لسن الثلاثين (هجرية). فبالتالي لا يوجد من يتجاوز بتعريف الشباب سن الخامسة والثلاثين غير قلة بسيطة توصله ل39 سنة.


يجب على المسؤولين في السودان أن يكونوا صادقين مع أنفسهم بداية، حتى لا يقوموا بإرسال شخص تجاوز سن الشباب ليمثل هذه الشريحة عن السودان في مناسبات ومؤتمرات دولية، في دول لا تعترف بهذا الشخص الذي يحرجنا ويحرجهم، فهو non eligible !

وبالنسبة لتحديد عمر الشباب، فإنه من المهم مطابقة عمر الشباب في أمانات الأحزاب السياسية كلها بالسودان مع تعريف عمر الشباب في الأجهزة التنفيذية والمؤسسات الأكاديمية، حتى تتطابق البحوث والدراسات، ولا تكون موجهة لعشرين شريحة مختلفة مستهدفة في نفس الوقت، كلها يدعي أنه شريحة الشباب !! وكي تصطف جميع الجهات اصطفافا مع الموجهات الإستراتيجية نحو تحقيق غاياتها.

ويبرز تساؤل مهم وهو: كيف يستخدم حزب ما دراسة نظرية في جامعة الخرطوم أو جامعة السودان مثلا عن الشباب بين 20 – 30 سنة، أو بين 21 – 35 سنة، في حين أن نفس الحزب المعني يطبق عمليا الدراسة على شباب وكهول بين 24 - 44 سنة ؟؟

هذا تجهيل وعبث واستهتار. وهذا إفشال لكل الخطط المبنية على هذه الشريحة (المبهمة عمدا)، وإفشال لما يسمى باستراتيجية الشباب في السودان، فأساس المعلومات المبنية عليها الدراسات خاطئ، والمعلومات متضاربة، والدراسات تشاكس بعضها في التنظير، فبالتالي ينشأ جيل لا يعرف إلى من ينتمي، متذمر من دور الدولة تجاهه، فلا يقدم لها شيئا في المقابل. ثم تأتي الدولة لتشكو من هجرة البعض إن ذهبوا، ومن عمالة البعض إن تطوبروا !

والحديث موجه لجميع الأحزاب والأكاديميين والمعنيين.


ونمر على بعض الدول الصادقة في تعاملها مع الشباب، ولن يكون منها دول عظمى مثل بريطانيا وأمريكا التي تسلم قيادتها للشباب، في مداولة بين الناس لا تنتهي:


(باكستان) دولة نووية، متطورة تكنولوجيا ومتقدمة سياسيا ودبلوماسيا، ومتخلفة اجتماعيا، لها سياسات خارجية مليئة بالحسابات المعقدة جدا، مع الهند (كشمير والتفجيرات الدولية وقضايا كثيرة جدا تصل للمواجهة النووية)، ومع الصين (السلاح والتكنولوجيا النووية) ، وحسابات معقدة في التوازن مع إيران وتركيا وروسيا... ثم ملفها الشائك مع أفغانستان (القبلية والإغتيالات والمخدرات والجماعات الجهادية) ، ومع الولايات المتحدة الأمريكية (حلف الإرهاب وحسابات دولية أخرى) ....

تبدو وزارة الخارجة الباكستانية هي الأصعب من بين وزاراتها الأخرى، وفي عام 2010 تم تعيين شابة عمرها 33 سنة في منصب نائب وزير خارجية، وفي 2011 تم تعيين الشابة حنا وزيرة لخارجية دولة باكستان ممسكة بكل هذه الملفات.
علما بأن القيادة هناك أولتها منصب وزير دولة للشؤون المالية والإقتصادية عام 2008 وعمرها 30 سنة وكم شهر !! فأي اقتصاد أكبر و أقوى ؟ السودان أم باكستان ؟ وأي ملفات دبلوماسية أصعب وأعقد وأخطر ؟

كيف قام حزب حنا رباني وقياداتها بتأهيلها في العشرينات من عمرها لتمسك الوزارة الأخطر في باكستان ؟ وهل راهنوا على شخص واحد فقط ، أم كان التأهيل لمجموعة كبيرة ليرتقي من يرتقي، وينزوي من ينزوي في نهاية المطاف ؟

ما هو تقدير الموقف الذي جعل قيادة باكستان تولي ثقتها لشابة –لم أتبين قبيلتها- في بداية الثلاثينات وهي (إمرأة) في هذا الملف ؟


ورغم سوء الوضع هنا، فإن حزب المؤتمر الوطني هو الأفضل حالا –بدون منازع- بين جميع الأحزاب والحركات والتيارات في اهتمامه بشبابه وتأهيلهم وتصعيدهم واحترامهم، ولكن الشأن قومي متعلق بجميع الشباب بمختلف مشاربهم وميولهم في السودان.



(النمسا) جمهورية كانت امبراطورية لها تاريخ كبير في أوروبا، من أغنى 15 دولة في العالم، واختيرت مدينة فيينا عدة مرات كأفضل مدينة في العالم للعيش فيها، هي النمسا التي قام شعبها وقيادتها بجعل ناتجها المحلي الإجمالي السنوي يقارب 400 مليار دولار (بالجديد والقديم!).ويكفي أن النمسا تستضيف منظمة أوبك (اقتصاد وسياسة العالم) ، وتستضيف مدينة َ الأمم المتحدة واليونيدو والأونروا و(الوكالة الدولية للطاقة الذرية) ! وتأتي قيادات النمسا بعد هذا لتختار شابا عمره 27 عاما ليكون وزيرا لخارجيتها ، (خارجية النمسا كلها !! بكل منظماتها الدولية وثقلها الخارجي).


الشاب سيباستيان كورز (مواليد 1986) "كان" أمينا (منتخبا بالطبع من شريحته) لأمانة شباب الحزب عندما كان عمره 22 عاما (وليس طلاب الحزب، لأنه كان خريجا طبعا وقتها)، و(كان) عضوا في المجلس التشريعي لإقليم فيينا، ويبدو أنه أخرج منها سريعا حتى لا يكون في حالة إقصاء طويل داخل هذه الأمانة مفوتا عليه فرصة الإحتكاك بالأجيال الأكبر سنا بتواجده مع أقرانه الشباب في الأمانات الحقيقية لحزب الشعب النمساوي... ثم قامت الأجيال الأكبر سنا بتعيينه وزير دولة عام 2011 في عمر 24 تقريبا أو وكيل وزارة الداخلية. ثم وزيرا للخارجية كلها آخر 2013 ! وليس وزيرا لشريحة الشباب فقط مثلما تفعل بعض دول العالم الثالث المتخلفة .


ويبدو أن القيادات المخضرمة والراسخة في النمسا يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة، ليختاروا وزير الخارجية من شريحة نعتبرها في السودان من الطلاب!
ما هي هذه الخطط التي يقوم القادة في أوروبا هناك بتنفيذها لتأهيل شبابهم ؟ وما هي هذه الثقة الكبيرة التي يوليها القادة لشباب أحزابهم (وأقصد شبابا عشرينيا وثلاثينيا)، لقيادة واحدة من أخطر الوزارات في دول كبرى شرقا وغربا !

عذرا، لم أستطع معرفة هل هناك نسبة مئوية محفوظة للشباب لتجئ به ! كما لا توجد موازنات بسبب عدم وجود الكم الكافي من الوزارات لذلك، فهي 12 وزارة فقط. لذلك فاختياره كان (لكفاءته بكل تأكيد) وهو في السابعة والعشرين 27 من عمره الآن في 2014.

أما (الكيان الصهيوني)، وفيه من فيه من العلماء والخبراء، وفي دولة تعتمد في بقائها على القوة العسكرية والقوة الدبلوماسية وعلاقاتها الخارجية، فقد اختارت وزير الدولة للخارجية من أحد الكهول وعمره 41 عاما، وهو زييف إلكين الذي كان عضوا في الكنيست وعمره 34 سنة، بل كان حينها رئيس لجنة مهمة في البرلمان، مختصة بالمهاجرين.


أما في (أفريقيا)، فقد التقينا كثيرا ممن هم دون الأربعين ودون الثلاثين من قيادات أحزابهم ومسؤولي بلادهم، في المؤتمر التأسيسي لمجلس الأحزاب السياسية الأفريقية ، الذي أقيم في الخرطوم أواخر أبريل 2013، بل كان منهم مدير "سابق" لجهاز أمن بلده الأفريقي، وهو الذي كان زميلا لنا في الجامعة أول التسعينات.
أما إثيوبيا الجارة هذه مقر الأمانة العامة للإتحاد الأفريقي منذ عقود والتي تم توقيع ميثاق الوحدة الأفريقية فيها في الستينات، فقد كان أكثر وأطول من تقلد وزارة خارجيتها هو الكهل سيوم في عمر 42 عاما، ويذكره رجالات الإنقاذ أوائل التسعينات، وهو أحد سبعة مؤسسين لجبهة تحرير شعب التيقراي عندما كان عمره 25 سنة.



(دولة الإمارات العربية المتحدة)، ومن ذا الذي لا يعرفها في أقاصي الأرض وأدناها ؟ ومن ذا الذي لا يصفق لها في سياساتها ؟ دولة اعتمدت وتعتمد على الإعلام بصورة مبالغ فيها، وتعتبره رأس الرمح لها في استراتيجتها، وفي تحسين صورة البلاد وفي جذب الإستثمارات التريليونية (بالدولار طبعا)، وفي كل شئ.. وهي التي يقوم حكماؤها بتعيين الشاب عبدالله وزيرا للإعلام والثقافة عام 96 وعمره 24 عاما..


وقبل وزارة الخارجية نطوف بالداخلية، فدولة الإمارات من الدول التي يصعب إدارة الأمن فيها، وقامت العاصمة أبوظبي بتعيين الشاب سيف مديرا لشرطتها وعمره 33 عاما، ثم صار وكيلا لوزارة الداخلية مثل النمساوي سيباستيان كورز في عمر 35 عاما، ثم صار وزيرا لداخلية الإمارات كلها في عمر 36 أو 37 بتكليف من الحكيم محمد بن راشد آل مكتوم، وهي السن التي أشرف فيها على وضع الخطة الخمسية لشرطة أبوظبي وإعادة هيكلة جهاز الشرطة ! ثم تواصلت نجاحاته حتى يومنا وهو نائب رئيس مجلس الوزراء كذلك في كهولته الأربعينية الآن.


وإن دولة الإمارات المعروفة بشطارتها الدبلوماسية العالية، في ظل توترات حدودية (عالية) جدا في بعض المناطق مع سلطنة عمان ومع المملكة السعودية، لها حسابات خارجية مهمة جدا في ظل وجود أكثر من 150 جنسية تعمل على أراضيها وأكثر من 100 سفارة وقنصلية !! وأقل مشكلة لعامل فيها يمكن أن توتر العلاقة مع الدولة التي جاء منها، والإمارات حساسة جدا وحريصة على صورتها، ويظهر شئ من ذلك في الخطاب المنضبط جدا لقياداتها..

وإن لدولة الإمارات حسابات معقدة جدا مع جمهورية إيران العظمى، ابتداءا من تسمية الخليج بالعربي والفارسي، مرورا بوجود جالية إيرانية ضخمة جدا من السنة والشيعة على أراضيها، ومنهم من استوطن وتجنس وتمكن تمكينا منذ عشرات السنين، في ظل مشاكل السيادة بين الإمارات وإيران...

وللإمارات حساباتها التي توازن بين مصالح بريطانيا وأمريكا في الإقتصاد النفطي والجوانب التسليحية، فبالتالي فإن ملفات وزارة الخارجية الإماراتية لا يستهان بها،
ومع ذلك تقوم الدولة الفدرالية المتقدمة باختيار الشاب عبدالله وزيرا لخارجيتها وهو في عمر 34 عاما بعد عشر سنوات من توليه وزارة الإعلام الإتحادية..


فهل تباكى شيوخ وعجائز الإمارات حسرة، واستهتارا بذلك؟ أم أنهم حاولوا تخذيل وخداع الشباب بتكرار مقولة: محتاجون لحماس الشباب ! ((وكأن الشباب ليس عقلا وتدبيرا وإنما عاطفة وتنفيسا)) !

وما الذي يجعل قيادات دولة الإمارات المعروفة بحكمتها المشهودة منذ عقود، تتجاوز الكهول الذين تجاوزوا الأربعين، والشيوخ الذين تجاوزوا الخمسين، والمغادرين ما بين الستين والسبعين، لتختار الشاب شيخ عبدالله ؟

هل أداء هذه الدول أكثر أم أقل كفاءة وحيوية من أداء دولتنا ؟ هل إدارة مؤسساتها أنجح أم أفشل من إدارة مؤسساتنا نحن ؟

ولماذا كل هذه المناصب تجدها بوزارات الخارجية تحديدا في هذه الأمثلة المذكورة ؟ ولم أختر واحدة من أهم الوزارات السيادية للدول (عبثا)، وذلك للتدليل على تأخرنا ورجعيتنا العمدية في التأهيل والإختيار، وفي القدرة النفسية للكبار على اتخاذ مثل هذه القرارات.

وفي هذا نختم بمفارقة خادعة تحت شعار: الشباب نصف الحاضر وكل المستقبل! فلا الشباب الآن نصف الحاضر، ولا هم يجب أن يكونوا (كل) المستقبل! وإلا ستكون هذه رؤية استراتيجية ضبابية لقبضة محكمة جديدة لهم في المستقبل حين يستحيلوا شيوخا، فيها إقصاء –ليس لنصف- بل لكل الشباب الجديد برؤاهم وأفكارهم حينذاك ممن لن يجدوا فرصة ممارسة التطوير لدولتهم وحزبهم ومجتمعهم من حيث انتهى من قبلهم، أو ربما يكون التكرم حينها بضمان نسبة العشر والربع في مشاركة البناء إسكاتا (فحسْب) لبعضهم.
للإسكات فحسب!




Obay1975@gmail.com


 

آراء