الشيخ القرضاوي وصفية إسحاق!! … بقلم: إبراهيم الكرسني

 


 

 


ورد فى الأنباء أن الشيخ القرضاوي ينوى زيارة السودان وسيؤم المصلين بجامع النور، بضاحية كافوري، يوم الجمعة الموافق 4/3/2001م. تفاءلت كثيرا بهذا النبأ ظانا بأن فضيلته قد سمع بالجريمة النكراء التى إرتكبها زبانية نظام التوجه الحضاري، و عسس دولة الفساد و الإستبداد فى حق المناضلة الشريفة الأستاذة الجامعية صفية إسحاق. ظننت كذلك بأن فضيلته قد ترك مهامه الجسام وراءه، وجاء مسرعا ليرى بنفسه ملابسات ذلك النبأ الفاجع، على إعتبار أن هذا أمرا جللا يتطلب إتخاذ مثل هذه الخطوة. ظننت كذلك أن فضيلته قد قرر الذهاب الى السودان ليتقصى بنفسه الحقائق، مستغلا العلاقات السياسية، و التنظيمية، و الشخصية التى تربطه بزعماء الإسلام السياسي فى السودان من قادة الإنقاذ. فإذا ما ثبت له صحة تلك الكارثة التى لا تخالف فقط كل الأعراف و التقاليد، فى جميع المجتمعات البشرية، شرقها و غربها، و بإختلاف أديانها و معتقداتها، بل إنها تخالف تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، و مبادئ الشريعة الإسلامية نفسها، و أنه سيصدح بكلمة الحق ، من فوق منبر جامع النور دفاعا عن الدين فى المقام الأول، و دفاعا عن المظلومين من عباد الله فى المقام الثاني، ليس بحكم مشيخته و فتاواه التى صم بها آذاننا آناء الليل و أطراف النهار، و إنما بحكم الموقع المميز الذي يتبوأه، بإعتباره رئيسا للإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي لا أحد يعترف به سوى أعضائه من جماعة الإسلام السياسي.
لكن ظني و تفاؤلى لم يدومان كثيرا، حيث إتضح لى بأن فضيلته سيأتى الى السودان لمناصرة قضية القدس. نعم سيأتى فضيلته ليدعو الى تحرير القدس من الخرطوم، و ليس من مكة المكرمة! لكن فى حقيقة الأمر أن الشيخ القرضاوى سيأتي الى الخرطوم ليس دفاعا عن القدس، كما هو معلن، و إنما سيأتي دفاعا عن نظام التوجه الحضاري، الذي يعتبر خط الدفاع الأول لجماعة الإسلام السياسي العالمية، التى خططت له، و دعمت إنقلاب الإنقاذ، بعد نجاحه، من مقرها بمدينة جنيف السويسرية، حينما كانت تعرف حينها، بالإتحاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين، و التى كان الشيخ القرضاوي يعتبر أحد قادتها المتنفذين، قبل أن تتحول مؤخرا الى الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وفق مقتضى الحال، و بحكم فقه الضرورة الذي يبيح للجماعة تغيير مواقفها و مسمياتها كما تغير الحرباء جلدها! جاء الشيخ القرضاوي لينصر نظام التوجه الحضاري بعد أن بدأ حبل ثورة الشباب يلتف حول عنقه، و بدأ يترنح جراء الضربات القوية التى بدأ الثوار يسددونها له، و التى حتما سوف تطيح به فى نهاية المطاف، و تكنسه الى مزبلة التاريخ غير مأسوف عليه.
إن هذا الموقف ليس بغريب على الشيخ القرضاوي الذى عودنا على دعم الطغاة فى السودان. حدث ذلك حينما أتى إليه، مترئسا وفدا من ذات الجماعة التى يتزعمها اليوم، و إن كان ذلك بمسمي مختلف حينها، داعما للدكتاتور نميرى بإعتباره إماما للمسلمين، و مباركا لقوانين سبتمبر الغبراء، التى أسماها ذلك الدكتاتور بقوانين الشريعة. بذلك يكون القرضاوي قد ساهم بصورة مباشرة فى ترسيخ دولة الفساد و الإستبداد فى السودان، و بالتالى يكون مسئولا مسئولية مباشرة، دينية و أخلاقية، عن كل الجرائم التى أرتكبت فى حق الشعب السوداني منذ ذلك الحين و حتى وقتنا الراهن. إن الشيخ القرضاوي هو بالفعل شريكا أصيلا فى الإذلال و التنكيل الذى حاق بالشعب السوداني الصابر الصامد منذ عهد مايو و حتى الآن.
إن ما نود أن نؤكده للشيخ القرضاوي بأن من يزعم تحرير القدس الشريف لن يأتي الى السودان، لأن مسجد النور ليس هو المسجد الأقصى، و لا أنت بصلاح الدين الأيوبي. كفانا نفاقا و متاجرة بقضايا العرب و المسلمين. إن كنت تود تحرير القدس الشريف فلتذهب إليها مباشرة، و ليس عن طريق الخرطوم، فهي أقرب إليك كثيرا من مكان إقامتك الراهنة. و فوق هذا وذاك فهناك من يدافع عن القدس، فعلا لا قولا، من الشباب الفلسطيني البطل، الذي يروى أرضها بدمائه الطاهرة، و لا يحتاج فى هذا الأمر الى فتاوى، أو نصائح، تصدر من الشيخ القرضاوى أو من أمثاله، و إنما ما يحتاجه فعلا هو أن يأتى إليهم الشيخ القرضاوى ليتقدم صفوفهم مقاتلا، لا أن يقدم لهم النصح من داخل قصوره "المكندشة"، و هو يرفل فى نعيم الدنيا الزائل!
 ألم يكن من الأجدر لفضيلته أن يذهب الى القدس الشريف مقاتلا، بدلا من أن يذهب الى ميدان التحرير، بعد أن تمت الإطاحة بفرعون مصر، و ضمن سلامته الشخصية؟ ألم يكن من الأجدر له أن يذهب الى القدس متأسيا بالبطل صلاح الدين الأيوبي، ليفك أسرها ويساعد فى تحريرها من قبضة الصهاينة، بدلا من أن يأتي الى ميدان التحرير مقلدا للإمام الخميني؟ إن الشيخ القرضاوي لا يشبه كليهما. فالأول بطل، بكل ما تحمل تلك الكلمة من معنى. أما الثاني فهو إمام دين صدح بقولة الحق عند سلطان جائر، و لم يركع فى يوم ما لجلادي الشعوب، او يهادن الدكتاتوريين،أو يتاجر بالدين، كما يفعل فضيلته!
و ليعلم فضيلته كذلك بأن قيمة تذاكر سفره، و إقامته، و رفاهه، طيلة فترة وجوده فى السودان، يتم دفعها له من مال السحت الذى نهبه تلامذته من مال الشعب السوداني. نعم، فلتعلم فضيلتك بأن تكلفة مأكلك و مشربك، طيلة فترة إقامتك فى فنادق الخرطوم الفارهة، تأتى من المال الحرام الذي إمتصاه تلاميذك من دم الشعب السوداني المغلوب على أمره، بفضل مواقفك، وفتاواك، التى أسست لقيام دولة الفساد و الإستبداد فى السودان.
كما أود أن أتوجه بالنداء الى الباسلة الشريفة الأستاذة صفية إسحاق شخصيا بأن تسعى الى مقابلة الشيخ القرضاوي أثناء تواجده بالخرطوم، ما إستطاعت الى ذلك سبيلا، و أن تعرض عليه قضيتها، و تطلب منه رأيه الشخصي فيها. إننى أعرف بأن هذا من رابع المستحيلات، حيث سيحول بينه و بينها زبانية النظام و سدنته و رجال دينه المزيفين، و لكننى أدعو كل الشرفاء من بنات و أبناء الشعب السوداني، من محامين، و أساتذة جامعات، و أطباء، و كتاب رأي، و صحفيين، فى مختلف المواقع و منظمات المجتمع المدني أن يدعموا الأستاذة صفية من أجل تحقيق هذا الهدف. أمران يمكن أن يحدثا جراء هذا الموقف: فضح الأساليب القمعية و الدكتاتورية التى يمارسها النظام فى حق شعبه، فى حالة المنع، أو فضح الشيخ القرضاوي نفسه، فى حالة تمت الموافقة. و بما أن الأمرين مستبعدين تماما فتكون قوى الإنتفاضة و الديمقراطية بذلك قد إصطادت عصفورين بحجر واحد: إثبات دكتاتورية نظام التوجه الحضاري، إن كان ذلك يحتاج الى المزيد من الإثبات، و كذلك إثبات كذب أمثال هذا النوع من الدعاة، الذين يزعمون الدفاع عن المظلومين من بنات و أبناء المسلمين.
أود أن أختم هذا المقال لأقول لفضيلة الشيخ القرضاوي بأن يكف شروره عن الشعب السوداني. إن أهداف زيارتك الحالية للبلاد مفضوحة تماما لمن يعرف تاريخك بالأنظمة الدكتاتورية فى السودان. فالهدف الرئيسي لزيارتك لا علاقة له مطلقا بنصرة الحرم القدسي الشريف، كما هو معلن، و كما يزعم من وجهوا لك الدعوة، و إنما الهدف الحقيقى يتمثل فى إستمرار إستغلال الدين الإسلامي الحنيف، و منابر المساجد، لغرض دنيوي بحت، ألا وهو دعم أركان طغيان نظام الإنقاذ، بعد أن زلزلته ثورة الشباب السوداني البطل من الجنسين، و الذى كانت الأستاذة الشريفة صفية إسحاق إحدى ضحاياه، و أصبحت بفضل صمودها، و شجاعتها، و بسالتها رمزا لثورة الشباب فى السودان ضد دولة الفساد و الإستبداد. حمى الله الشعب السوداني الصابر الصامد من شرور الشيخ القرضاوي و أمثاله من علماء السوء و السلاطين.
3/3/2011م

Ibrahim Kursany [sheeba82@hotmail.com]
 

 

آراء