رئيس حزب الأمة: ليس أمام حزب البشير إلا التسليم بالمطالب الشعبية المشروعة أو الإستعداد لمواجهة غير مأمونة العواقب
على العرب تقبل دولة الجنوب كماهى وتقديم مساعدات تنموية لها غير محدودة أو مشروطة
الثورة المصرية استردت الروح والإجتهاد السياسى في مصر .. وعلى الإخوان تجنب أخطاء الحركات الإسلامية فى السودان والجزائر
أجرى الحوار فى جوبا
أسماء الحسينى-محمود النوبى
حذر السيد الصادق المهدى رئيس حزب الأمة السودانى وإمام الأنصار من إنزلاق دولتى السودان الشمالى والجنوبى إلى الحرب بسبب التصعيد فى جنوب كردفان ودارفور ،دعا المهدى إلى إتفاق توءمة أخوى بين البلدين كبديل لإتفاقية السلام بينهما ،وأكد المهدى أن دولة السودان الشمالى تواجه صعوبات إقتصادية كبيرة بعد إستقلال الجنوب ،وستواجه كذلك صعوبات أخرى فى مناطق التوتر بالشمال وفيما يتعلق بقضية المحكمة الجنائية الدولية .
وبدا المهدى فى حواره ل"الأهرام "فى مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان خلال حضوره إحتفالات إستقلال الجنوب محزونا مهموما وقد تحجرت الدموع فى عينيه تأثرا بتمزق وطنه،وقال لنا :إنه ليس أمام حزب المؤتمر الوطنى الحاكم فى شمال السودان الذى يتزعمه الرئيس السودانى عمر البشير سوى التسليم بالمطالب الشعبية المشروعة أو المواجهة مع قوى كثيرة فى الشمال ،وحذر المهدى من أن مثل هذه المواجهة غير المأمونة العواقب فى السودان بسبب التشرذم فى الجسم السياسى السودانى .
-بعد إستقلال دولة جنوب السودان ...كيف تسير العلاقات بينه وبين دولة الشمال ؟
=لامفر من إتفاق سلام أخوى ،لأن الشمال أمامه خياران ،إما أن يدعم الجنوب الجديد أو يعاكسه ،وكذلك دولة الجنوب لديها خياران ،إما علاقة خاصة مع دولة الشمال أو علاقة ضده ،وإذا كنا نريد معادلة ربحية كسبية للطرفين فإنها تكون عبر العلاقة الخاصىة نسميها توءمة بين الشمال والجنوب بما يفيد الجانبين فى الجوانب التنموية والأمنية،وقد قدمنا مقترحاتنا بهذا الشأن للجهات المعنية ،ومالم يحدث هذا سوف تنحدر الأمور بين الجانبين بمنطق الظروف الحالية ،والحرب الحالية بجنوب كردفان حتما ستنتقل إلى النيل الأزرق ،ومع تصعيد الموقف فى دارفور سوف ينزلق السودانان الشمالى والجنوبى حتما إلى الحرب ،التى ستدخلها الأطراف المختلفة حسب إنتماءاتها الإثنية ،وهذا أسوأ ما يمكن أن يتعرض له السودانيون ،وخيانة للإسلام والوطن ،ولذلك سوف نسعى بكل مانستطيع للتوصل إلى إتفاقية التوءمة لتخلف إتفاق السلام بين المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية ،لتنظيم العلاقات بين الشمال والجنوب .
-ماهو مغزى حضورك وباقى قيادات القوى الشمالية للإحتفالات بإستقلال الجنوب ؟
= حضرنا الإحتفال بإستقلال دولة جنوب السودان لنهنىء شعب الجنوب على قراره الديمقراطي بإقامة دولة ذات سيادة.ونقول لهم :إن قرارهم بالإبقاء على اسم السودان ضمن هويتهم الجديدة قرارا بعيد النظر. و يعكس حرصا على الاعتراف بنسب مشترك بيننا نرحب به ،ولنؤكد للإخوة فى الجنوب أيضا أنه يوجد فى الشمال من يحترم إرادتهم ولكن يأمل فى أن ينحصر الإنفصال فى الإطار الدستورى وأن نستطيع تحقيق الوصال فى الإطار المجتمعى ،وقد التقينا مع القيادات الجنوبية يتقدمها الرئيس سلفاكير ميارديت وتداولنا معهم كقوى شمالية الرأى لتدعيم العلاقات بين دولتى السودان ،ومن بين ما اقترحه حزب الأمة فكرة مجلس شعبى للأحزاب فى البلدين تكون له صلاحية متابعة العلاقة بين البلدين ،وخلق آليات لتنفيذ أفكار التوءمة فى حال قبولها .
-وماهى أهم ملامح إتفاقية التوءمة التى تدعو لها بين دولتى السودان ؟
= هى اتفاقية إخاء تستند إلى مبادئ الاعتراف المتبادل بين الدولتين الشقيقتين. و أن يتمتع مواطنو الدولتين فى السودانين الشمالى والجنوبى بالحريات الأربعة، و أن تدار منطقة أبيي من قبل سكانها بشكل مشترك في إطار صيغة وطنية، إلى أن تسمح الظروف بإجراء استفتاء حر ونزيه. وأن يكون لشعبى جنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق حقوق لا مركزية محددة، ويكون لهم حقهم الديمقراطي في المشاركة في السلطة المركزية، ويتم استيعاب قواتهما المسلحة في القوات النظامية في البلاد من خلال اتفاق طوعي. و أن تؤسس شركة قابضة للنفط مشتركة بين البلدين وذلك لإدارة استغلال، وتكرير، ونقل، والتنقيب عن النفط. يتم تحديد حصة الدولتين في الشركة من مواردهما النفطية وأصول البنية التحتية خاصتهما. وتكون صناعة النفط محمية من أية خلافات سياسية.مع ضمان حرية التجارة بين البلدين وتأكيد عدم التدخل فيها.,ضمان وحماية وصول القبائل للمراعي التقليدية. وتكوين آلية مشتركة لإدارة موارد النيل الأبيض, فويض القضايا العالقة بين البلدين وخصوصا القضايا الحدودية للجنة حكماء تعطى وقتا كافيا للحل. و أن يضمن دستورا البلدين الحرية الدينية والحقوق الثقافية وحقوق الإنسان. وأن ينسق البلدان حول الشؤون الأمنية، ولا يتدخلان في الشئون الداخلية لبعضهما، وينخرطان في علاقات حسن جوار، وينسقان لدفاع مشترك في وجه العدوان الخارجي. ويعمل البلدان على تعزيز العلاقات الثقافية، والتعاون في جميع جوانب التنمية الاقتصادية والخدمات الاجتماعية.،فالجنوب هو بوابة الشمال نحو شرق أفريقيا، والشمال هو بوابة الجنوب للعالم العربي ،ويجب أن يلتزم البلدان بالتعاون فى الشئون الدولية من أجل تعزيز المصالح المشتركة.
كما يجب أن يقوم البلدان بحظر وإسكات اللغة التي تعزز العنصرية والكراهية في كلا البلدين.. إننا نعتقد اعتقادا راسخا بأن بلدينا يمكنهما أن يساعدا أو يعيقا بعضها الآخر. إن سياسة تبادل عدم الثقة وتبادل خلخلة الاستقرار هي بالنهاية هزيمة وتدمير للذات. وما ندعو إليه هو سياسة قائمة على التفاهم والتعاون الأخويين سوف تكون نواة للتعاون العربي الأفريقي الإقليمي ،وبالتالي خطوة ثابتة في اتجاه الوحدة الأفريقية
-كيف سيكون الوضع فى دولة شمال السودان عقب إستقلال الجنوب؟
=بعد إستقلال الجنوب سنواجه مشكلات كثيرة ،وستعتبر قوى كثيرة المؤتمر الوطنى هو المسئول عن إنفصال الجنوب،كما سيواجه الإقتصاد السودانى صعوبات كبيرة ،فضلا عن التصعيد فى جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور ،كما ستكون هناك مواجهة من نوع آخر بين السودان والمحكمة الجنائية الدولية التى أصدرت أوامر بإعتقال الرئيس السودانى عمر البشير ،وخاصة بعد مؤتمرها الذى عقد فى الدوحة مؤخرا ،والذى أصبح هناك بموجبه قبول عربى أكبر للإشتراك فى المحكمة ،حيث انضمت تونس ومنظمة التحرير ،ومتوقع إنضمام مصر ودولة الجنوب ،وهذه العوامل مجتمعة تشكل ضغوطا شديدة على النظام السودانى ،الذى سيجد نفسه أمام أحد خيارين :إما محاولة قمع هذه العوامل والقوى السياسية ،وفى رأيى هذا قمع يائس ،أو أن يسلم بالمطالب الشعبية المشروعة التى نعبر عنها بالأجندة الوطنية ،وإذا إتجه النظام نحو القمع سيكون واجبنا توحيد القوى السياسى ومقاومته .
-هل تخشى من سيناريو المواجهة ؟
=نعم إحتمالات المواجهة فى السودان غير مأمونة نتيجة التشرذم فى الجسم السياسى السودانى ،ولذا إذا أمكن تحقيق معادلة للتغيير الحقيقى فى السياسات والأفراد للإستجابة للتطلعات ،خاصة أن ما يحدث فى المنطقة العربية صار له صدى كبير فى السودان ،ولايمكن لأى تطورات سياسية فى السودان ،ولايمكن لأى تطورات سياسية فى السودان أن تكون دون مايحدث فى المنطقة العربية ،ولوقبل حزب المؤتمر الوطنى بالأجندة الوطنية التى ندعو إليها ،والتى تنص على وضع دستور جديد يبنى على أساس السودان العريض والتوءمة مع دولة الجنوب وحل مشكلة دارفور وكفالة الحريات والتعامل الواقعى مع قضية المحكمة الجنائية وتكوين حكومة قومية تجدد السياسات والأفراد ،فستكون هناك مشاركة قومية تخرج السودان الشمالى من مأزقه الراهن .
-وإذا لم يقبل حزب المؤتمر الوطنى هذه الأسس أو الشروط ؟
=إذا لم يقبلها ستكون هناك معارضة قومية له .
-سبق أن دعوت لمشروع مارشال عربى لإعمار وتنمية الجنوب ..هل مازلت على موقفك ؟
=أدعو الآن لمشروع تنموى عربى للقرن ال21 ،وهو أوسع كثيرا من مشروع المارشال ،والغرض منه إستخدام الإمكانات المادية العربية ليس فقط لحل مشكلة التنمية فى الجنوب ،حيث تواجه معظم الدول العربية الآن عجز التنمية والفقر والبطالة ،ولن تحقق الثورات العربية أهدافها مالم يصحبها تحقيق الأهداف الإقتصادية والإجتماعية ،وبدون القضاء على الفقر والبطالة ستشهد المنطقة العربية حلقة ثانية من الثورات ستكون ثورات إجتماعية ،ولايمكن أن تنجح الثورات السياسية بدون أن يصحبها تغييرات إجتماعية ،ويتحقق العدل والكفاية ،وقد اكتشفت الشعوب وسائل فعالة لتحركها ،وهى أسلحة فعالة .
-لازالت هناك مشكلة لدى العقل أو الشارع العربى فى قبول هذه الدولة الجديدة والتعامل معها ؟ =فى رأيى يجب أن يتقبل العرب دولة الجنوب كما هى ،دولة أفريقية جارة ،وأن يقدموا لها دعما تنمويا بدون تحفظ ،ودون أن يطالبوها بالإنضمام إلى جامعة الدول العربية ،وقد اقترحت على الدكتور نبيل العربى الأمين العام لجامعة الدول العربية ضرورة أن تتبنى الجامعة مشروعات تنموية فى دولة جنوب السودان دون إشتراط إنضمامها للجامعة ،ويمكن أن تكون فى الجامعة بصفة مراقب .
-وكيف ستكون علاقات دولة الجنوب مع الدول العربية ؟
سيكون أمامها خياران إما أن تتعامل مع العرب بالمودة والتعاون ،وإما أن تتعاون مع أعدائهم ،وسيتوقف الأمران على ماتتخذه دولنا العربية من سياسات ،فإما أن نستطيع كسب الدولة الوليدة بالجنوب لعلاقة إستراتيجية معنا والعكس صحيح ،ونحن لانتعامل فى عالم خال من التنافس ،ولكل مجتهد نصيب .
-هل كانت الثورة المصرية مفاجئة لك ؟
=الثورة بشكلها الذى وقعت به كان مفاجئا ،وإن كانت هناك إرهاصات عديدة لها ،تمثلت فى العديد من الأعمال الأدبية المصرية التى اطلعت عليها قبل فترة من إندلاع الثورة ،مثل رواية "أجنحة الفراشة "للكاتب محمد السلاوى ،والمدهش فى هذه الراوية أنها صورت أحداثا فى مصر تماما كالتى حدثت بعد 25 يناير ،ولم أكن أتوقع وقتها أن تقع الأحداث فى مصر بهذه الطريقة ،ورواية "ذات "لصنع الله إبراهيم توقعت الشىء ذاته ،ومثلها رواية "عمارة يعقوبيان "لعلاء الأسوانى ،وكثير من الكتب والأشعار عبرت عن إحتقانات شديدة فى مصر ،وكنت أتابع كذلك حركات الإحتجاج المصرية 6 أبريل وكفاية وحركة التغيير الديمقراطى ،ومع أننى لم أكن أتوقع لهذه الحركات إنتصارا سريعا إلا أنها كانت فى نظرى تطعن غى شرعية النظام القائم ،وأضيف إلى هذا أن كثيرا من أصدقائى فى مصر كانوا متبرمين كثيرا لسقوط دور مصر بصورة مزعجة وإحساسهم بأن مصر غائبة عن فلسطين إلا من مجهود هو نوع من حث إسرائيل ،وغائبة كذلك عن العراق والسودان وباقى قضايا المنطقة ،وكنا كلما تحدثنا مع المسئولين المصريين نذكر لهم أن لمصر دورا هاما فى المنطقة ،لكن لاحياة لمن تنادى ،وجملة هذه الأسباب كانت تمثل فى رأيى سقوطا لشرعية النظام السابق فى مصر ،أما كيف يكون التخلص منه ،فهذا كان بعيدا جدا عن تصوراتى ،ولكن كان هذا النظام فى رأيى بهذا الشكل قد فقد قدرته حقيقة على الإستمرار ،وقد كنا فى نادى مدريد الذى يمثل 70 من رؤساء الوزراء السابقين يمثلون كل القارات وأنا منهم ،وقمنا بزيارات مكثفة لعدد من الدول ومن بينها مصر وتونس والبحرين والأردن والمغرب واليمن ،وبعد لقاءات مع المسئولين والمعارضة فى مصر وهذه الدول بدا واضحا لنا أن الأوضاع بشكلها القائم فى هذه الدول لايمكن أن تستمر دون إصلاح جذرى ،وأصدرنا بيانا إسمه بيان البحر الميت عام 2008فى الأردن ،وقد استعرض هذا البيان حالة الإحتقان بين الحكومات والشعوب ،وتوصل إلى نداء بضرورة إجراء إصلاح سياسى يقوم على حوار صريح بين الحكام والمعارضين تجنبا لإنفجارات قادمة ،وطبعا لم تتم الإستجابة لهذا النداء ،وكانت النتيجة هى الثورات والإحتجاجات . -وكيف تقيم الثورة المصرية ؟
=بصرف النظر عن أى شىء آخر فإن أهم إيجابية للثورة هى تأكيد أن الشعب مهما كان أعزل وضعيف ماديا فهو قوى معنويا ،وأن القوة الناعمة التى استخدمها الشباب المصرى هى قوة فاعلة وحاسمة ،وهذا المعنى كان قد سبق وأكدته الثورات الملونة فى صربيا وأوكرانيا وغيرها ،ولكن الجديد أن الثورة المصرية أنتجت هذه المعانى فى الإطار العربى ،وقد كان الناس يظنون أن المنطقة العربية مصفحة ضد التغيير والإصلاح ،والشىء الثانى الذى فعلته الثورة فى مصر هو إسترداد الروح السياسية والإجتهاد السياسى فى مصر ،لأنه مما لاشك فيه أنه كان هناك موات وخمول وجمود سياسى ،وثالثا لاشك أن هذه الثورة استردت لمصر دور القاطرة فى المنطقة العربية ،لأنها كانت بسبب هذا الخمول والتبعية قد فقدت هذا الدور ،وهذه المعانى فى حد ذاتها وبصرف النظر عما سيحدث تمثل إنجازا عظيما .
-الآن هناك مخاوف من إجهاض الثورة ...كيف تنظر لهذا الأمر من واقع تجربتكم فى السودان وقد شاركتم فى ثورتين شعبيتين منذ وقت مبكر عامى 1985 و1964؟
=من أكثر نقاط القوة والضعف فى الثورة المصرية أنها بلا قيادة وبلا برنامج ،نعم هى لديها أهداف الحرية والتغيير والعدالة الإجتماعية وتمكين الشباب وغيره ،لكن لايوجد لديها برنامج محدد ,وهذا مصدر ضعف لأنه يمكن أن يخلق فراغا ،وأول مشكلة ستواجه الوضع الإنتقالى فى مصر هى مسألة التعامل مع الحرية ،والناس كانوا يتعاملون مع الإستبداد بطريقة مفهومة ،لكن الحرية يمكن جدا أن تنحو نحو الفوضى ،لأن الحرية هى قيمة مابين الإستبداد والفوضى ،وأول مشكلة ستواجه الوضع الإنتقالى فى مصر هو كيفية ممارسة الحرية التى هى فى الحقيقة قيمة منضبطة ،والمشكلة الثانية فى رأيى ستكون هى إمكانية المحافظة على الوحدة الوطنية لبناء الفترة الإنتقالية حتى لاتحدث منافسات ضارة مابين القوى السياسية المختلفة ،والمشكلة الثالثة تتعلق بدور القوات المسلحة ،بمعنى أنه يمكن للقوات المسلحة أن تلعب دورا محايدا جدا ،وهذا فى رأيى غير حميد ،مثلما هو غير حميد أيضا أن تلعب دورا قياديا جدا ،والقضية هو كيف توازن القوات المسلحة دورها وكيف تلعب دورا لإستيلاد وضع جديد دون أن تقع فى الخطأين ،خطأ عدم القيام بدور فعال ،وخطأ القيام بدور فعال وطموح أكثر من اللازم ،وكيف يمكن للقيادة العسكرية وهى المنوط بها حفظ الساحة إلى أن يحدث التحول الديمقراطى أن تلعب هذا الدور الوسطى ،وقد اكتسبت سمعة طيبة فى موقفها من عدم التصدى لقوى الثورة ،وهو مايساعدها ن تلعب دور الراهى للفترة الإنتقالية .
-وماهى الأهداف التى يمكن أن تحققها الثورة لمصر من وجهة نظرك ؟
=يرجى من الثورة المصرية أن تحقق ثلاثة أشياء هى مطالب الأمة العربية كلها ،أولها علاقة جديدة بين الحكام والمحكومين ،وثانيا علاقة جديدة تقوم على الندية فى الإطار الدولى ،وثالثا تعريف جديد لعملية السلام ليقوم على العدل ،وفى رأيى أن هذا تحدى كبير ،ويتطلب وضعا قياديا ،والمشكلة فى هذا الموضوع أننى لاأرى على الساحة جهة يمكن أن تعتبر هيئة أركان لتحقيق أهداف الثورة ،بينما توجد جهات كثيرة يبدو لى أنها تمثل الحرس القديم ،وستكون حريصة جدا على نقض تأثيرات الثورة ،وبالمناسبة هذا الأمر حدث فى أماكن كثيرة مثل أوكرانيا وغيرها ،حيث نجحت الثورة ولكنها لم تنجز التحول الديمقراطى ،ولكن فى رأيى أن الطموح الموجود فى مصر والوعى يمكن أن يساعد الشعب المصرى فى بلورة موقفا ينجح المرحلتين المقبلتين ،لأن الثورة تحقق أهدافها عبر 3 مراحل ،الأولى إزالة الحكم القائم ،وقد تم ذلك بصورة ناجحة ، والمرحلة الثانية هى كيفية إدارة الفترة الإنتقالية بنجاح ،والمرحلة الثالثة هى قيام الوضع الجديد الذى يحقق التحول الديمقراطى ،ومازالت المرحلتان الأخيرتان فى الميزان .
-هناك مخاوف من أن الإخوان هم القوة الوحيدة على الساحة الآن ..صحيح أن النظام السابق كان يستخدمهم كفزاعة ...لكن هناك مخاوف لدى كثيرين بشأنهم كقوة وحيدة فى مواجهة أحزاب ضعيفة للغاية ..كيف تنظر لهذا الأمر ولكم تجربة مع حكم إسلامى فى السودان ؟
=النظم الديكتاتورية الحاكمة فى المنطقة العربية تتحدث عن مخاوف من الفزاعة الإخوانية ،والحقيقة أن إستمرار هذه الأنظمة هو الذى يزيد قوة التيارات الإخوانية ،لأن التيارات السياسية الأخرى يسهل ضربها ،أما التيارات الدينية فإنها تستطيع أن تتخندق فى المساجد وغيرها ،لكن فى رأيى أن الحركات الإسلامية نفسها نضجت ،بمعنى أنها صارت تدرك أنه فى عالم اليوم يجب أن تراعى الواقع ،وأنك لاتستطيع أن تلعب دورا سياسيا مالم تقبل المساواة فى المواطنة والديمقراطية والتعددية والوعى بالواقع ،وفى رأيى أن حركات إسلامية كثيرة إستيقظت وتسعى للتغيير وأصبح لديها نوع من الإستنارة ،كما حدث بالنسبة لحزب العدالة والتنمية فى تركيا ،وكذلك فى ماليزيا ،فهناك حركات إسلامية الآن فى العالم أدركت أن هناك ظروفا توجب التعامل مع الشعار الإسلامى بصورة تراعى الواقع ،وأعتقد أن الإخوان المسلمين فى مصر وتونس مع أن لديهما ميزة التفوق على باقى القوى السياسية الأخرى إلا أنهم يدركون أنه يوجد الآن مناخ جديد ،وأنهم إذا أرادوا أن ينجحوا فلابد من مراعاته ،ولابد أن ينجحوا فى تجنب أخطاء الحركات الإسلامية فى الجزائر والسودان وأفغانستان وباكستان ،ونحن نجهز الآن فى المنتدى العالمى للوسطية لمشروع مصالحة ،وسنقدمها للحركات الإسلامية لكى تستطيع القيام بدور فعال يحافظ على وحدة الوطنية والديمقراطية والمرجعية الإسلامية فى آن واحد .
-هل سيطور الواقع الجديد الإخوان فى مصر وغيرهم فى الدول العربية؟
=مجرد أنهم سيتعاملون مع الواقع ويخرجون من الخنادق سيجدون أنفسهم بحاجة إلى إجتهاد للتعامل مع هذا الواقع ،وليس عندى شك أن الإسلام اليوم فى العالم كله يمثل القوة الثقافية الأكبر ،حيث ينتشر فى القارات كلها أكثر من أى دين آخر ،مستفيدا من المناخ العالمى الذى يوفر حقوق الإنسان والحريات ،وبفضل القوة الناعمة وليس القوة الخشنة ،والإسلام استحوذ على رأس المال الإجتماعى فى البلدان الإسلامية كذلك بفضل الخدمات والدعوة والقوة الناعمة وليس بإستخدام العنف ،وهذا يعنى أن القوى الإسلامية مطالبة بأن تستمر فى هذا الإتجاه ،لأن المنطق يقول أن ماتكسب به تلعب به ،فهى تكسب بهذا وتخسر بغيره من وسائل العنف ،مثلما حدث فى السودان وباكستان ،وحيثما استخدمت السلطة الإنقلاب العسكرى أو القهر لصالح الإسلام أتى بنتائج عكسية ،وكان من أسباب الإطاحة بالمشروع الإسلامى ،بينما القوة الناعمة فى كل الأحوال كانت سببا فى الإنتصار والنجاح ،ومثال ذلك حزب العدالة والتنمية الذى استخدم الوسائل الناعمة كالخدمات الإجتماعية وغيرها ليمهد لنفسه ،ثم جعل التطبيق الإسلامى منطلقا من مفهوم المقاصدية وفقه الواقع ومراعاة الأولويات ،ولذلك انطقلوا ينشرون الإسلام ويزاوجون بينه وبين المواطنة والديمقراطية ،وسيظل أمام الحركات الإسلامية فى المنطقة هذا النموذج الإسلامى الناجح ،وتجارب أخرى فاشلة للتطبيق الإسلامى استخدمت الإنقلاب والعصا الغليظة فدمرت أوطانها بإسم تطبيق الشريعة كما حدث عندنا فى السودان ،وبالتالى فإن هناك دروسا كافية يمكن أن يستفيدوا منها ،ووارد أن تكون الحركة الإسلامية فى مصر ملمة بكل هذا وحريصة على أمر الوحدة الوطنية والديمقراطية ،وفى رأيى أن التطورات تفرض عليهم إجتهادا يساهم فى تطمين الآخرين على أن الصوت الإسلامى ليس صوتا إنقساميا .
-الثورة اندلعت فى كل مكان بالعالم العربى تقريبا ..هل كان الجميع بإنتظار الشرارة الأولى أم مالذى حدث بالضبط ؟
=يجب أولا أن ندرك أن هناك تيارا ديمقراطيا عالميا ،وهذا التيار عم غرب أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية ،ثم شمل بعد الحرب كثير من البلدان الفاشية ألمانيا وإيطاليا واليابان ،وفى الموجة الثالثة لهذا التيار استقبلت بلدان أوروبا الجنوبية وأسبانيا والبرتغال ودول أمريكا اللاتينية ودول فى أفريقيا موجات التحول الديمقراطى ،ثم امتدت الموجة الرابعة له بعد سقوط حائط برلين وتحول دول شرق أوروبا التى كانت جزءا من الإمبراطورية السوفيتية إلى الديمقراطية ،والآن تمتد الموجة الخامسة لهذا التيار إلى البلدان العربية التى كانت تعتبر مناطق العجز الديمقراطى ،وتسمى دائما الإستثنائية العربية ،وكانت تقف عقبة أمام أى نوع من التحول ،وملة الإستبداد واحدة فهذه الأنظمة العربية جميعا كانت تقوم على الحزب الحاكم المسيطر والأمن المتحكم فى كل شىء والإعلام الكاذب والإقتصاد الموجه لمصلحة المحاسيب ،والفساد الذى يجعل المال منحازا للسلطة ،والسلطة بدورها منحازة للمال والتبعية الخارجية ،وهو ما أثار ضدها تعطشا للحرية والعدالة وعددا كبيرا من العاطلين يبحثون عن العمل،حيث يبلغ عدد الشباب فى المنطقة العربية أكثر من 60%من عدد السكان ،وآخرين غيرهم يبحثون عن الكرامة ،لأن السلطة أصبحت تتعامل مع المواطن بإعتباره حقير ،مثلما حدث مع محمد البوعزيزى الذى عومل بطريقة مهينة ،وهذا الشباب صار أشد مايمكن أن يسمى بالجيل الضائع ،لذا كانت آماله فى الهجرة خارج بلدانه ،أو فى المخدرات والسفاهة ،ولكن بعضهم صار يفكر بطريقة مختلفة ويستخدم وسائل التكنولوجيا الحديثة للتعبير عن رفض هذه الأوضاع ،مثلما حدث فى تونس ومصر والعالم العربى كله الآن ،فالمشهد إذن كان متشابها من حيث الظلم والبطش ،ومن حيث ردود الفعل فى الأوساط الشبابية،وأعتقد أن هذا المشهد حقيقة كان يحتاج إلى عود ثقاب يشعل هذا الإحتقان ،وليس هناك شك بأن مافعله الشاب المرحوم البوعزيزى كان الشرارة التى أشعلت المشهد فى تونس ثم مصر وباقى الدول العربية ،ولكن ذلك كله لم يكن من فراغ ،ففى كل الدول كانت هناك مواجهات بين سلطان غاشم وشعوب متظلمة ،ولذا إنتشرت الثورات والإحتجاجات إنتشار النار فى الهشيم .
-وهل يستمر ذلك ؟
=فى رأيى أن هذا التيار سيستمر إنتشاره إلى أن تقلب صفحة ،نستطيع أن نقول بعدها أن الموجة الخامسة من الديمقراطية أصبحت موجة عربية بإمتياز .
-وهل عجل العامل الخارجى وتخلى الغرب سريعا عن حلفائه إلى سقوط الأنظمة فى مصر وتونس ؟
=أنا أعتقد أن الغرب كان قلقا جدا لعلاقته بالطغاة فى منطقتنا ،وكان دائما فى الأوساط الغربية يناقشون ذلك ،فهى علاقة أصبحت أشبه بعلاقة يحاولون التبرؤ منها .
-لكنهم دعموا الأنظمة التى تحقق مصالحهم ؟
=يجب أن نضع فى الإعتبار أن الغرب بقيادة الولايات المتحدة يتعاملون مع منطقتنا بموجب 3 إعتبارات فقط ،وليس مهم بالنسبة لهم من يسكنها ،وأول هذه العوامل هو البترول ،وهو بالنسبة لهم القيمة الأعلى ،وثانيا أن هذه المنطقة يجب فى إعتقادهم أن تدجن حتى لاتزعج أمن إسرائيل ،وثالثا أن هذه المنطقة يجب أن توظف لإدارة الحرب ضد الإرهاب ،وهذه المفاهيم التى يعتمد عليها الغرب مذلة لأهل المنطقة ولاتجد إحتراما لديها ،لكن الطغاة مستعدون للوفاء للغرب بها ،لكن لاشك أن السياسة الغربية كانت تعلم تماما أن هذا الموقف غير عادل وغير مقبول لدى الشعوب ،وأنه لايستند كذلك لأى أساس أخلاقى ،ولذلك عندما واجهوا تحد سرعان ماتخلى الغرب عن الطغاة ،لأنهم يدركون تماما أنهم يفتقدون تعاطف شعوبنا ،ويفتقدون كذلك الأساس الأخلاقى ،لكن حجتهم كانت أنه طالما الشعوب راضية والأنظمة مستعدة لتلبية مطالبهم فى الواقع ،حتى أن كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية عندما زارت القاهرة قالت فى خطابها بالجامعة الأمريكية أنهم دعموا على مدى 60 عاما الطغاة من أجل الإستقرار ،لكن فى النهاية لم تتحقق الديمقراطية ولا الإستقرار ،وأنهم من الآن فصاعدا سيدعمون الديمقراطية ،ولكن تصريحات رايس تلك كانت مجرد كلام ،سرعان ماتخلوا عنه وتصرفوا بمعزل عنه ،لكنهم كانوا يدركون أن سياساتهم تفتقد الشعبية والأساس الأخلاقى والعدالة ،ولذلك عندما ظهرت أول بادرة بأن الشعوب لديها رأى آخر وأنها مستعدة لتتحرك ما استطاعوا إلا أن يتبنوا وأن يقبلوا هذا الأمر ويتخلوا عن صداقاتهم ،لأنها قائمة على أسس واضح بالنسبة لهم أنها غير أخلاقية وغير مقبولة لدى الشعوب .
-لماذ كان تحركهم بالنسبة للثورة فى ليبيا مختلفا مقارنة لماحدث فى حالتى مصر وتونس ؟
=كان واضحا أن تحركهم بالنسبة لليبيا بطيئا لسبب واضح هو أن هذا التغيير فى بلد نفطى ،والعامل النفطى فى تقديرى بالنسبة لهم عامل حساس ،وهم يتعاملون دائما مع البلدان النفطية بمقاييس مختلفة عن البلدان غير النفطية .
-لماذا هذه الفرحة العارمة برأيك لدى قطاعات واسعة فى السودان بنجاح الثورة المصرية ؟
=نحن فى السودان نراهن على نجاح الثورة فى مصر للأسباب الآتية ،أولا أن النظام السابق لعب دورا مهما فى تحطيم الديمقراطية فى السودان والتمكين للديكتاتورية فيه ،ونحن نريد وضعا ديمقراطيا فى مصر لأن هذا سيساعدنا نحن فيما نصبو إليه من ديمقراطية فى السودان ويعزز مواقفنا الراغبة فى التحول الديمقراطى ،،والسبب الثانى أننا لاشك ندرك أنه سيكون هناك صراعا حضاريا فى المنطقة كلها ،وفى هذا الصراع سنكون نحن ومصر فى خندق واحد ،فمصر الديمقراطية ستكون بالنسبة لنا حليف أساسى ،والسبب الثالث المهم بالنسبة لنا أننا نواجه ظرفا جديدا هو إنفصال جنوب السودان وقيام دولة جديدة فى الجنوب ، ومن الأشياء المهمة التى نريد أن يشعر بها الجنوب المستقل هو المصالح المشتركة التى يمكن أن يجدها فى التنمية والبنية التحتية وفى مسائل كثيرة جدا عبر علاقته مع الشمال ،وهذا الأمر يمكن أن يحدث فيه نجاح كبير جدا إذا قامت بيننا وبين مصر الديمقراطية عملية وفاق أو إتفاق أو تكامل أو إخاء ،ولنسمها ماشئنا ،وهو مايمكننا من أن نشد الجنوب شمالا ،ولكن لذلك شروط وهو أن يكون فى شمال السودان نفسه حكم ديمقراطى ،يدرك الأخطاء التى أدت إلى الإنفصال ،ويعمل على تصحيحها ،وأن يكون فى مصر أيضا حكم ديمقراطى ،وأن يكون بين البلدين عمل مشترك .