الصحافيون في معركة القانون الجديد … بقلم: علاء الدين محمود
علاء الدين محمود
30 March, 2009
30 March, 2009
بعد جدل وطول انتظار اجاز مجلس الوزراء الأسبوع الماضي مشروع قانون الصحافة والمطبوعات الجديد لسنة 2009م وكان المجتمع الصحافي السوداني في ترقب وأمل ان يجيء القانون متفقا مع مرحلة ما بعد اتفاق نيفاشا للمصالحة الوطنية ومتوائما مع الدستور الانتقالي الذي دعا كل القوانيين السائدة الى التؤام معه وهي القوانيين المقيدة للحريات وعلى رأسها قانون الصحافة والامن والاحزاب الا ان قانون الصحافة الجديدة 2004م كان بمثابة صدمة للعديد من الصحافيين الذين حكموا عليه بعدم الاختلاف عن سابقه قانون 2004م وفي جلسة نقاش حول قانون الصحافة الجديد 2009م تجاوب الجمع الصحافي الذي احتشد بصحيفة الميدان ( الجهة المنظمة ) مع المطالب التي نادت بها الصحيفة كشعار لحلقة النقاش تلك وهي وقوف جميع قطاعات الصحافييين والمهتمين بشأن الحريات من اجل إلغاء كافة القوانيين المقيدة للحريات وانجاز عملية التحول الديمقراطي والغاء الرقابة الامنية والقبلية على الصحف والنشر ووصف عدد من الصحافيين المشاركين في جلسة النقاش القانون الجديد بشكله الذي خرج به بالمفاجاءة غير السارة ولافرق بينه وقانون 2004م وقال نبيل اديب المحامي ان القانون الجديد نسخة طبق الاصل من القانون القديم دون تعديلات كثيرة ولا توجد به تغييرات الا جهة الاسواء عن القانون القديم وقدم اديب جملة من الانتقادات على كثير من المواد الواردة في القانون واصفا اياها بالمقيدة للحريات وواصفا القانون ككل بانه لايتماشى مع متطلبات مابعد اتفاق نيفاشا والدستور الانتقالي الناتج عن ذلك الاتفاق وهو الامر الذي يتفق فيه معه فيصل محمد صالح الصحافي المعروف عندما قال ان مجيء القانون الجديد بهذا الشكل يؤكد ان جميع القوانيين الاخرى التي ستجاز ستجيء وفق تغييرات شكلية وصورية دون ان يتغير شيئا في جوهر هذه القوانيين الجديدة قيد الاجازة . وكانت الصحافة قد استطلعت عدد من الصحافيين واساتذه الاعلام حول القانون الجديد والذين اختلفت اراءهم حول القانون متوقعين ان يثير هذا المشروع جدلا واسعا عندما تبدأ مناقشته خلال الجلسات العلنية للبرلمان.وأعلن عدد منهم بعد مناقشتهم لمشروع القانون الجديد أنه "يشكل ضربة لحرية الصحافة والنشر وانتكاسة لحرية التعبير" بينما رأى فيه آخرون قانونا جيدا من الناحية النظرية، ويتلاءم مع الحالة الاستثنائية التي تعيشها البلاد، وتراعي صياغته إتفاقية السلام الشامل، لكنهم أيضا رأوا ان التجارب السابقة أوضحت ان هنالك فرقا كبيرا بين القانون والممارسة. بينما جأت انتقاداتهم متركزة حول التعديلات التي وردت في المشروع خاصة تلك المتعلقة بحقوق ملكية الصحف، وشروط منحها ترخيص النشر، والالية التي تحكم الاداء سواء كان القضاء أم جهاز اخر، اضافة الى ان المشروع أقر عقوبات مشددة تصل إلى حظر ومصادرة الصحيفة والمطبعة، وألزم كل من يخالفه بدفع غرامة فى حالة إدانته لا تتجاوز الخمسين الف جنيه، وايقاف المطبوعة لمدة لا تتجاوز الشهرين، وإلغاء الترخيص اذا تم ايقافها مرتين، اما فى حال تكرار المخالفة لاكثر من ذلك، فقد اشار المشروع الى مصادرة المطابع والمطبوعات. وفي جلسة النقاش بصحيفة الميدان امس ذكر نبيل اديب ان القانون الجديد اعطى مجلس الصحافة والمطبوعات ايقاف الصحيفة والغاء الترخيص مؤكدا ان الغاء الترخيص يعني عمليا اعدام الصحيفة وقال ان القانون الجديد بدلا عن حماية الصحافة نظم حظرا إداريا وقضائيا على الصحافة وقال ان ايقاف الصحيفة عملا غير مقبول حتى من قبل القضاء مضيفا ان ايقاف الصحيفة هو عقوبة تتجاوز مرتكب الجرم الى اخرين بما فيهم المواطن الذي ينتفع بخدمات الصحيفة بالتالي _ يقول اديب _ فإن الايقاف هو عقوبة لاصلة لها بالجريمة ولاتتناسب معها . وانتقد اديب اجراءات الترخيص للصحف والتي تجعل المجلس لا يسمح بالترخيص الا لشركة أو حزبا مسجلأ مؤكدا عدم وجود مبررا لذلك وبدلا من الترخيص يدفع اديب بمقترح الاخطار حتى تنتفي السلطة الابوية على الصحافة ويضيف اديب انه يجب ان لاتكون هنالك قيود مالية ويجب ان لاتكون رسوم الترخيص باهظة وينتقد اديب مجلس الصحافة والمطبوعات ويصفه بعدم الاستقلالية وفي نفس الوقت يمتلك سلطة الصديق والترخيص وقال ان مجلس الصحافة يمتلك سلطة الولادة والاعدام بمنح ورفع الترخيص . بينما يرى فيصل محمد صالح في التراخيص محض قيود وان المعايير الدولية قد تحدثت عن الترخيص كقيد على الصحافة وتم تجاوزه في كثير من المعايير الدولية باعتبار ان من يملك حق اعطاء الترخيص هو من يملك حق سحبه وفي وقت سابق اقترح د محجوب فتح الرحمن استاذ الاعلام بجامعة الخرطوم في تصريح للصحافة أن تمثل عضوية المجلس التنوع في البلاد من الناحية العرقية والفكرية والدينية، ومن حيث فئات السن والنوع زائدا المجتمع الصحفي بفئاته المختلفة، وعدم اغفال الموزعين، مشيرا الى ان مجالس الصحافة في فترات سابقة كانت تضم موظفين تكنو قراط. بينما يرى فيصل محمد صالح في حديثه في جلسة نقاش الميدان امس ان اختصاص مجلس الصحافة وتكوينه هو نفس ماجاء في قانون 2004م دون تغيير متجاهلا التوصيات التي عقدت في جميع الورش بهذا الصدد حول ان يكون مجلس الصحافة مستقلا ومكونا من رموز المجتمع والصحافة مؤكدا ان القانون الجديد الذي اجيز من قبل الشريكين في الحكم تمت صياغته في غرف مظلمة تمام الاظلام وانه قانون خطير جدا وجاء كعقوبة للمجتمع الصحافي الرافض للرقابة وعقوبة للصحافيين الذين رفضوا قانون 2004م وقال صالح ان الباب الاول من القانون الجديد كان عليه ان يؤكد على المعايير الدولية لقوانين الصحافة والاعلام وهي المعايير والقوانين الدولية والاتفاقات التي صادق عليها السودان والتي هي جزء من الدستور . وفي وقت سابق كان فيصل صالح قد أشار في حديث للصحافة الى تجاهل المشروع الحالي، لمجهودات المجموعات التي اعدت مسودات قوانين مختلفة، وانتقد بشدة العقوبات الواردة في المشروع الحالي، وقال انها مضخمة، كما راى ان العقوبات الادارية يجب ان تكون من سلطات مجلس الصحافة وانما القضاء، داعيا الى ان تحدد سقوفات العقوبات المالية وان لا تترك لتقديرات القضاة في محاكم قضايا لنشر.وانتقد تجاهل النداءات المتكررة بالغاء عقوبة حبس الصحفي بينما يرى الدكتور محجوب أن قانون الصحافة أصلا قانوني إجرائي لتنظيم نشاط عام، مثله مثل الأنشطة العام الاخرى التي تقدم نفعا بالنسبة للرأي العام، او قد تسبب ضررا، معتبرا ان بقية بنود القانون ليست الا تفاصيلا ولا تمثل معاييرا علمية لتقييم القانون.وفي ذات الاتجاه يعتقد الدكتور صلاح محمد ابراهيم استاذ الاعلام في حديث مع " الصحافة" في وقت سابق ان هنالك اتفاق على أن يحمل القانون بعض القيود في حدود القانون تعطي أي حكومة السلطة ان تخرج ما تشاء لتقييد الصحافة مثل قانون الأمن وغيرها، مشيرا الى ان هذا النص موجود في الدستور، ووصف الحديث عن حرية كاملة للصحافة بأنه نوع من "الخيال" لان الدستور نفسه حدد سقفا للحريات. الا انه وصف ألزام كل من يخالفه بدفع غرامة فى حالة إدانته لا تتجاوز الخمسين الف جنيه، عقوبة مبالغ فيها و"شطحة"، موضحا ان مثل هذه العقوبة من الافضل ان تترك للقضاء للتقدير حسب مقتضيات كل حالة.، وأضاف انه قانون اداري وليس مدني او جنائي، وأن قضايا النشر تتصل بالقانون المدني والجنائي، معتبرا ان تحديد هذه العقوبة المالية يعد "ازدواجية". وكانت شبكة الصحافيين السودانيين قد اعدت الشهر الماضي ورشة عمل حول مشروعات قوانين الصحافة والمطبوعات بمركز الخاتم عدلان في العمارات، تناولت مشروع القانون الذي اعدته القوى السياسية، قدمه المحامي نبيل اديب وفاروق ابو عيسى، وبدا واضحا الفرق بين المشروع المجاز حاليا وذلك المشروع وفي ندوة الميدان امس استدعا نبيل اديب مرة خرى مشروع القانون الذي تقدموا به كقوى سياسية وقال انهم حين تقدموا بذلك القانون للتحول الديمقراطي اكدوا على ضمان الدولة لحرية الصحافة حتى تتمكن من اداء رسالتها واكدوا على عدم جواز مصادرة الصحف أو تعطيلها أو توقيفها مؤكدا ان كل تلك المساعي قد انتهكها القانون الجديد 2009م . بينما قال فيصل محمد صالح ان المبادي العامة الواردة في القانون تعكس المناخ الذي يصاغ فيه القانون وقال ان اعتراف القانون بان المرحلة الحالية هي مرحلة تحول ديمقراطي يمثل اعترافا اخرا بأن المرحلة السابقة لم تكن مرحلة ديمقراطية واضاف ان نفس الشخص الذي صاغ قانون 2004م هو الذي صاغ قانون 2009م مؤكدا في حديثه بمباني صحيفة الميدان امس ان ذلك الشخص الذي صاغ القانونيين لم يستوعب وجود تحول ديمقراطي ويحكم صالح من خلال ذلك على تلك العقلية بأنها لم تتغير واثرت بالتالي على القانون وعلى المبادي العامة للقانون ويخلص صالح من خلال ذلك الى ان ذلك سينسحب على كافة القوانين الاخرى بحيث لن يكون هنالك سوى تغييرا شكليا .