العسكر والثكنات (2 من 2)

 


 

 

إعادة بناء القوات المسلحة
أسباب حروبنا الأهلية أزمات سياسية واقتصادية وتنموية وحقوقية وثقافية، لا يمكن حلها بالقوة العسكرية. وقضايا أمننا القومي الكبرى كالاحتلال المصري لحلايب والأثيوبي للفشقة، وأمن مجرى النيل، وتداخلنا مع دول الجوار، لا يمكن حلها عسكرياً، وتحتاج لسياسة حصيفة ودبلوماسية محترفة.
ولذا فالقوات المسلحة ستكون مختلفة وأقل عدداً في المستقبل، حين يهزم الشعب الانقلابيين بكل فئاتهم، ويبدأ السير في طريق تحول ديمقراطي حقيقي يعمل على تحقيق مصالح وتطلعات غالب المواطنين وشعارات ثورتهم، وهوما سيحدث يقيناً.
يرتبط إصلاح المؤسسة العسكرية بقيام مؤسسات الدولة السياسية التنفيذية والتشريعية والقضائية على أسس ديمقراطية معبرة عن الشعب، وبغلبة السياسة على العسكرة، فلا يكون خيار استعمال الآلة العسكرية مطروحاً إلا بشروط قاسية وبقرار سياسي، وتعود الحرب أخطر من أن يترك أمرها للعسكريين وحدهم.
تتبع القوات المسلحة لحكومة مدنية، وتعمل تحت إشراف ورقابة نواب البرلمان المنتخبين ديمقراطياً، ويمكن تكوين مجلس من مدنيين منتخبين يكون مختصاً بمهام إدارة وحوكمة محدودة.
يعاد بناء القوات المسلحة بتسريح معظم ضباطها وجنودها في فترة انتقالية غير طويلة يحدد أمدها خبراء عسكريون وطنيون بالتشاور مع المواطنين، ويحددون هيكلة وتشكيل القوات الجديدة، على أن تكون قليلة العدد مهيأة للتحديث والعلم، وتتبنى "عقيدتها العسكرية" قيم العدالة وحقوق الإنسان والديمقراطية والتمثيل والتنوع، وتحكم كل جوانب الاستيعاب والتدريب والترقي والقيادة والقوانين واللوائح والعلاقات.
تحل قوات الدعم السريع والحركات المسلحة بتسريح معظم منسوبيها دون إبطاء، وتؤول مؤسساتها الاقتصادية للدولة السودانية.
يجب نقل ثكنات القوات المسلحة إلى خارج المدن والقرى ومناطق تجمعات المدنيين.
تشمل عمليات التسريح تقديم المسؤولين عن ارتكاب جرائم وانتهاكات في الجيش والدعم السريع والحركات – وبالذات القادة منهم – لمحاكمات عادلة وعلنية، وتدريب وتأهيل البقية وتوفير سبل الرزق الكريمة لهم ضمن مشاريع التنمية التي ستكون جزءاً أساسياً من مشروع تأسيس الدولة الجديدة واقتصادها القومي.
معظم هؤلاء الأفراد مواطنون سودانيون بسطاء ضحايا لشبه دولة ما بعد الاستعمار السودانية، لا هم تلقوا تعليماً كافياً، ولا وجدوا فرص عمل شريفة، ولا تم تدريبهم باحترافية حين انخرطوا في هذه القوات. وغالبهم انضموا لها بحثاً عن الرزق، مؤثرين المغامرة بحياتهم، حتى وإن كان في اليمن، مقابل حفنة من الجنيهات تعيل أسرهم بعد عودتهم أو وفاتهم، لا فرق بينهم وبين إخوانهم ممن ركبوا السنابك أو هاجروا في بلاد الله الواسعة.
الخطاب العنصري تجاه أعضاء مليشيا الدعم السريع يجب أن يتوقف. فاستمرار وتزايد الاتهامات التي تنقصها الحساسية بأنهم أجانب غير سودانيين مؤسف جداً، خصوصاً وبعض مرددي هذه الاتهامات يعلمون من تاريخ وجغرافيا السودان وأفريقيا والاستعمار أن السودان بلد هجرات وتداخل وتعايش منذ آلاف السنين، ويعلمون السيولة في رسم الحدود بين الدول الأفريقية، وامتدادات الأسر والقبائل على جانبي الحدود مع جميع دول الجوار. هناك اتهامات بحالات توطين جماعي منظمة، ومثل هذه الحالات يمكن مقاربتها بنقاش سياسي وقانوني وأكاديمي ومجتمعي يشمل قوانين الجنسية والهجرة والأراضي.
ماذا نفعل الآن؟
المعارك الجارية حالياً أثبتت بصورة صارخة حالة انعدام الدولة في السودان، وإمكانية قيام المواطنين بتنظيم أنفسهم لتأدية مهامها ثم إعادة تأسيسها، بعد وقف الحرب والقتل والدمار، وهو الواجب الأول ومسؤولية الأطراف المتصارعة والقوى السياسية والدولية ولا يمكن تحميل مسؤوليته لأفراد الشعب. ما يمكن أن تفعله الجماهير عدم المشاركة في المعارك، وعدم الانحياز لأي من الأطراف المتصارعة، وعدم الرضوخ لأي ضغوطات لاتخاذ موقف مخالف تحت أي مبررات لا تقف على سيقان من المنطق أو التاريخ.
أما أولويات الفعل الجماهيري، فهي الحفاظ على أرواح المواطنين، وتأمينهم، وتوفير ضرورات الحياة والخدمات الأساسية، وعمليات إجلاء الراغبين، وهي الواجبات التي تصدى لها سودانيون وسودانيات كثر بتنظيم وابتكار وتعاون ملهمين، مضيفين لتراث العمل الجماهيري المقاوم والبناء القاعدي، مع غياب واضح للأحزاب والقوى السياسية المنظمة.
ومع استصحاب هذه التجارب والخبرات المتراكمة، يجب الالتفات لمهام بناء الدولة على أسس جديدة، التي يجب أن تمتلكها الجماهير وتشارك فيها بصورة واسعة في كل مراحلها بعيداً عن وصاية "الخبراء" والورش الفاضية وخمج.

husamom@yahoo.com
////////////////////////

 

آراء