العفو أو الإفلات من العقاب؟ نقد أولي لتقرير لجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا (2-5) .. ترجمة عصام على عبدالحليم

 


 

 

سوء المعاملة الشديدة
عرًف القانون "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" بأنها تشمل " قتل أو اختطاف أو تعذيب أو إساءة معاملة شديدة لأي شخص.. ."[لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 60، 1 [42]. أعطى هذا الحكم أولئك الذين لم ينجحوا في جعل اللجنة تُخضِع للتمحيص مشروع الفصل العنصري بأكمله، بما في ذلك سياساته، فرصة اخري لتنظيم جولة ثانية من المعركة. خضعت اللجنة لضغوط عالية لتضمين اشمل لأفظع أشكال الانتهاكات المرتكبة من خلال قانون الفصل العنصري، تحت عنوان "سوء المعاملة الشديدة. “وأشار التقرير إلى الضغط من منظمة قوية من منظمة المجتمع المدني:" جادل تقرير منظمة "كالس" أن تعريف ’ سوء المعاملة الشديدة’ ينبغي أن يقوم في تفسيرها على أنها تشمل انتهاكات الفصل العنصري مثل الترحيل القسري، اعتقالات قانون المرور، نزع ملكية الأراضي وتفكيك الأسر " [لجنة الحقيقة والمصالحة 4: 288,?18].
لقد كان الجدل الدائر حول تفسير "سوء المعاملة الشديدة" ملفتا بشكل خاص. وقد مر خلال عدة جولات. في كل مرة، اجتهدت أغلبية اللجنة في الوصول إلى تبرير تعريف ضيق لـ " الضحية". كل محاولة متتالية كانت تسجل شهادتها على فشل المحاولة السابقة. في البداية، أقرت أغلبية أعضاء اللجنة بأن "المعنى العادي" لسوء المعاملة الشديدة " يقترح بأن جميع الذين انتهكت حقوقهم أثناء صراعات الماضي، مشمولون بهذا التعريف، ومن ثم، يندرجون ضمن تفويض اللجنة. “لكنها ما زالت مصممة على تنحية هذا المعنى العادي جانبا، وتستأنف موقفها الأصلي: والذي يحدد أن "تركيز عملها لم يكن على آثار القوانين التي أقرتها حكومة الفصل العنصري، ولا على السياسات العامة لتلك الحكومة أو لأي منظمات اخري، مهما كانت تلك الآثار و/أو السياسات مسيئة أخلاقيا" [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 64، 955]. لكن مجرد إعادة صياغة هذا التعريف الضيق للسياسة، لا يمكن أن يبرر رفض الاعتراف بما بدا واضحا على أنه حالات "سوء معاملة شديدة". لجعل هذا الموقف مقنعا، أقدمت أغلبية اللجنة على عمل ثلاثة فروق أخرى-بين" حقوق السلامة الجسدية " و "حقوق العيش الإنساني الكريم"، بين الحقوق الفردية والجماعية، وأخيرا، بين الدوافع السياسية وغير السياسية وراء كل انتهاك- وقضت بأنه فقط الانتهاكات للسلامة الجسدية بدوافع السياسية فقط (ولكن ليس حق العيش الإنساني الكريم)، حقوق الأفراد (ولكن ليس الجماعات) تقع ضمن اختصاصها التشريعي. لكن هذا أيضا كان من الصعب الحفاظ عليه باستمرار في مواجهة الأدلة المتزايدة التي تظهر- في كثير من الأحيان- عدم ارتباط هذه المتميزات في السياق المحدد للفصل العنصري.
"حقوق السلامة الجسدية "مقابل" حقوق العيش الإنساني الكريم”. لقد وافقت اللجنة ومنذ البداية بأن "سوء المعاملة الشديد" هي "معاملة قاسية لا إنسانية أو مهينة "بموجب القانون الدولي، وكذلك " سوء المعاملة " بموجب قانون جنوب أفريقيا. ثم بعد ذلك قررت اللجنة أن "حقوق السلامة الجسدية" فقط هي ما يقع ضمن اختصاصاتها. وقد تم تعريفها على أنها:" الأفعال المقصودة أو الإغفالات التي تسبب عمدا وبشكل مباشر معاناة عقلية أو جسدية شديدة للضحية " [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 80 ، 1116].
إن التمييز بين" حقوق السلامة الجسدية "و" حقوق العيش الإنساني الكريم " يعكس تمييزا مألوفا في النظرية الاجتماعية بين المجال السياسي وذلك الخاص بالمجال الاقتصادي ، وكذلك بين مجال الدولة والمجال الخاص بالسوق ، حيث أن الأول هو مصدر الممارسات القمعية التي تنكر الحقوق بشكل مباشر ، والثاني هو مصدر عدم المساواة التي تحد بشكل غير مباشر من ممارسة الحقوق وبالتالي تقلل من ممكنات الحياة. ولكن ممارسات مثل العمل القسري والإبعاد القسري لا يمكن تصنيفها على أنها اقتصادية فقط ولا سياسية فقط؛ فهما الاثنان معا. عندما يتم الحصول على اقتصاد موجه، فإن التمييز المألوف بين السياسي والاقتصادي ببساطة، لا يمكن أن يسلط الضوء على تلك الممارسات التي تتدخل فيها السلطة السياسية بشكل مباشر في مجال العلاقات الاقتصادية. كما في نظام العبودية، تطلبَ العمل القسري والإبعاد القسري، الاستخدام المباشر والمستمر للقوة. فهي ممارسة لا يمكن طرحها جانبا باعتبارها نتائج هيكلية تفتقر إلى الوكالة (أو الذات الإنسانية) وبالتالي لا تؤشر إلى انتهاك. بدلا من نتيجة "الإكراه الباهت لقوى السوق"، باستخدام صياغة ماركس، كانت هذه الممارسات سمة مميزة لأشكال الإكراه غير الاقتصادية. وبدلا من إلقاء الضوء على الفجوة بين الاقتصادي والسياسي، فإنها تميل إلى سدها.
وقد طورت اللجنة -أيضا- شكوكا بشأن التمييز المألوف والمتصلب بين المجالين الاقتصادي والسياسي، وأعربت عن ذلك في المجلد الأخير من تقريرها. ظهر ذلك الشك عندما تعاملت اللجنة مع" الحرق العمد "وقد رفضته في البداية باعتباره انتهاكا لـ" حقوق العيش الإنساني الكريم "ولكن ليس" حقوق السلامة الجسدية. “ومع ذلك بمرور الوقت، تساءلت اللجنة عما إذا كان فقدان المنزل والممتلكات قد لا يؤدي أيضا إلى التشريد والمعاناة النفسية الماحقة على وجه التحديد، وبالتالي تم طرح السؤال: لماذا يمكن استخدام الحرق العمد لأغراض سياسية.
كان الحرق العمد ادعاءً متكررا، وفي البداية لم يكن يبدو أنه يشكل انتهاكا جسيما من حيث الفعل. ولكن وكلما تمت مناقشته أكثر، كلما تكاثرت القناعة بأنه يمثل أداة متعمدة تستخدمها التجمعات السياسية لتدمير منطقة ما وإجبار الناس على الرحيل، وبالتالي أصبح من الضروري النظر فيه بجدية. وفي النهاية، تم اتخاذ قرار: سيعتبر الحرق العمد "إساءة معاملة شديدة" إذا أدى إلى تدمير مسكن الشخص إلى الحد الذي لم يعد بإمكانه العيش فيه. يكمن الدافع وراء هذا القرار جزئيا في النتيجة-نزوح الشخص-وجزئيا في المعاناة النفسية للشخص الذي يعاني من فقدان كامل للمنزل والممتلكات. [5: 12، 153
في النهاية، وجدت اللجنة أنه من الضروري توسيع معنى "حقوق السلامة الجسدية" لتشمل الحقوق لكل من الأشخاص والممتلكات. وحتى وإن جاء متأخرا، فقد اعترفت اللجنة بأن "تدمير منزل شخص ما عن طريق الحرق العمد أو غيره من الهجمات" يشكل "إساءة معاملة شديدة" ويُصنف على أنه انتهاك صارخ [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 81، 1119]. وهكذا توصلت اللجنة إلى التمييز بين أولئك الذين فقدوا منزلا وأولئك الذين فقدوا "الماشية أو المركبات" فقط، وبالتالي لم يفقدوا "مصدر رزقهم بالكامل"- معترفة بأن الشخص الأول وليس الأخير يمثل ضحية للانتهاكات الجسيمة. لكن هذا التنازل- كما سنرى- قاد اللجنة لتقع في لجة من تناقضات أعمق.
حقوق الفرد مقابل حقوق الجماعات. بعد التحول أعلاه، واصلت اللجنة تجميع قائمة بالأفعال " التي اعتبرتها تشكل "إساءة معاملة شديدة". وقد تضمنت القائمة " الحظر أو النفي "؛ أشار الحظر إلى" تقييد الشخص بالإقامة الجبرية "، والنفي إلى" النقل القسري لشخص من منطقة إلى أخرى " [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 81، 9119]. وقد أثارت القائمة أعدادا متكاثرة من الأسئلة بأكثر مما قدمت من إجابات. لماذا كان "النقل القسري لشخص من منطقة إلى أخرى" انتهاكا للحق يقع على شخص واحد، ولكن ليس نظام العمل المهاجر، الذي ينطوي على كل من الحركة بالإكراه والعمل بالإكراه؟ إذا كان "تدمير منزل الشخص من خلال الحرق أو غيره من الهجمات" انتهاكا صارخا للحق، فلماذا لا يؤخذ بالتدمير المماثل من خلال التجريف، ويعتبر ممارسة للإزالة القسرية؟ هل يمكن أن يكون الأول يتعلق بأفراد محددين، في حين أن الأخير ينطوي عادة على تنفيذ سياسة الدولة من قبل أفراد أو مجموعة مجهولة الهوية؟
في مناقشة حول قرار اللجنة إغلاق قائمة الضحايا قرب نهاية مداولاتها، أعطت اللجنة سببا عمليا:" أصبح من الواضح بشكل متزايد أنه لن يكون هناك قيمة في مجرد تسليم الحكومة قائمة تضم فئة واسعة من الأشخاص المجهولين لاعتبارهم ضحايا يستحقون الجبر " [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 86، 9134]. وبالتالي، قررت اللجنة " حصر عدد الضحايا المؤهلين للحصول على تعويضات في ثلاث مجالات. “ومن بين هؤلاء" الضحايا الذين أدلوا شخصيا بأقوال أمام اللجنة"، و "الضحايا الذين وردت أسماؤهم في إفادة أحد الأقارب أو أي شخص آخر مهتم"، و "الضحايا الذين تم التعرف عليهم من خلال عملية العفو" [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 6، 136]. وكانت النتيجة قائمة بالأفراد، دون الإشارة إلى المجموعات. ولكن إذا كان عنف الفصل العنصري يستهدف مجموعات أكثر من أفراد محددين، فلن يكون من المستغرب أن يتحول معظم ضحايا الفصل العنصري إلى أفراد مجهولي الهوية. وهذا، بدوره، كان يمكن أن يكون حجة لإعطاء تعويضات للمجتمعات بدلا من الأفراد.
الدوافع السياسية مقابل الدوافع غير السياسية. إن تفسير اللجنة الضيق لـ" الدافع السياسي " هو الذي استبعد بشكل حاسم الانتهاكات الجسيمة للحقوق، التي عانى ويعاني منها الناس العاديون، وقَصَرَ اهتمام اللجنة على الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في سياق الصراع السياسي بين وكلاء الدولة والناشطين السياسيين. لقد رأينا أن اللجنة كانت على استعداد لتوسيع تركيزها المبكر على "حقوق السلامة الجسدية" لتشمل انتهاك حقوق الملكية، وفي حالات نادرة، أبدت استعدادها لأن تنحي جانبا تصميمها على التركيز حصرا على انتهاك حقوق الأفراد، حتى يمكن أن تشمل الضرر الذي يلحق بالجماعات. كان أحد هذه الأمثلة النادرة قراراتها الخاصة بصدد حرب الأيام السبعة في ناتال وكوازولو:
وجدت اللجنة أنه في الفترة من 25 إلى 31 مارس 1990، تعرضت المجتمعات المحلية في وديان فوليندليلا السفلى وإيدنديل، جنوب بيترماريتسبورغ، لغزو مسلح من قبل الآلاف من أنصار إنكاثا المجهولين، وأنه خلال هذا الأسبوع قتل أكثر من 200 من سكان هذه المناطق، ونهبت مئات المنازل وأحرقت، وأجبر ما يصل إلى 20 ألف شخص على الفرار من منازلهم. وتشكل هذه الأفعال انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، ويحاسب أعضاء مجهولون من إنكاثا... [لجنة الحقيقة والمصالحة 3: 267,?292]
ومع ذلك، إذا كانت القائمة النهائية للضحايا التي اعترفت بها اللجنة ونشرتها بكامل تفويضها تتجاوز ال 20 ألف، فمن المشكوك فيه أن هؤلاء الضحايا لحدث واحد-يبلغ عددهم "ما يصل إلى 20 ألف شخص"-وجدوا طريقهم إلى قائمة الضحايا المعترف بهم الذين يحق لهم الحصول على تعويضات. بعبارة أخرى، تم اتهام" أعضاء مجهولين من إنكاثا “كجناة لكن ضحاياهم-" ما يصل إلى 20 ألف شخص "الذين “أجبروا على الفرار من منازلهم" -لم يتم الاعتراف بهم. لو كانوا كذلك، لكان من حق المجتمع الحصول على تعويضات.
كانت اللجنة ملزمة فقط وبشكل فضفاض بالتشريع الذي أنشأها. واعترفت اللجنة، وهي تفكر في رغبتها في توسيع نطاق الشروط الصارمة، بأنها ليست ملزمة حقا وبشكل قاطع بالتشريع:" إن القانون لا يوفر مبادئ توجيهية واضحة لتفسير تعريفه "للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان". لم يكن هذا أقل من اعتراف بأن لها حرية حركة كبيرة في تفسير المصطلحات، مثل تعريفها لمعنى "الضحية. “عندما استفادت من الحرية، وجادلت اللجنة بأن "الهدف الأساسي للمشرعين هو تمكين اللجنة من التعرف على والإقرار بأكبر عدد ممكن من الأشخاص، والاعتراف بهم كضحايا للصراع السياسي الماضي"، مدعية أن "هذا الهدف، بدوره، كان محوريا في المهمة العامة للجنة، لتعزيز الوحدة الوطنية والمصالحة." انتهت مداولات الصفحات السبعة حول" تعريف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " بالادعاء أن "اللجنة اتخذت قرارا واعيا باتخاذ جانب الحذر فيما يخص عملية الشمول" [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 70-71، 78].
لكن الالتزام بالشمول هو بالضبط ما وضعته اللجنة جانبا، عندما حددت مرجعيتها لاستبعاد مشروع الفصل العنصري، وقررت أنه لا ينبغي تعريف المشروع نفسه على أنه سياسي. ونتيجة لذلك، غضت الطرف عن الانتهاكات الجسيمة التي حدثت في سياق تنفيذ الفصل العنصري. في النهاية، اضطرت اللجنة إلى الاعتراف بأنها تجاهلت حقا وجودا مهولا من" الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " في ظل الفصل العنصري. لتبرير هذا الاستبعاد، أشارت إلى نفس التشريع الذي اشتكت منه قبل ذلك قائلة انه "لم يقدم مبادئ توجيهية واضحة." وكانت النتيجة في كثير من الأحيان تشويشا ميؤوسا منه، كما هو الحال في المثال التالي، حيث يتحدث التقرير عن اللجنة مستخدما لسان شخص ثالث:
ومن ثم، أقرت اللجنة اعترافا تاما بأن انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق تُرتكب من خلال تشريعات تهدف إلى إنفاذ الفصل العنصري، ومن خلال تشريعات أمنية تهدف إلى تجريم مقاومة الدولة ومن خلال تشريعات مماثلة تصدرها الحكومات في الأقاليم. ومع ذلك، اقتصرت مهمتها على دراسة "الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" على النحو المحدد في الفعل. بيد أن هذا لا ينبغي أن يعني أن تلك" الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان " (القتل والتعذيب والاختطاف وسوء المعاملة الشديدة) هي الانتهاكات الخطيرة الوحيدة لحقوق الإنسان التي وقعت. [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 65 159]
3
الصورة الكبرى التي حجبتها اللجنة: الجريمة ضد الإنسانية
وفي ملحق للفصل المتعلق بـ "التفويض"، حاججت اللجنة بالاتي: "يظل الاعتراف بالفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية نقطة انطلاق أساسية للمصالحة في جنوب أفريقيا" [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 94، مجموعة 1 ]. لشرح سبب اعتبار الفصل العنصري جريمة ضد الإنسانية، يستشهد الملحق بمشروع قانون الجريمة ضد سلام وأمن البشرية لسنة 1996 الذي اقترحته لجنة القانون الدولي: "تعنى الجريمة ضد الإنسانية أيا من الأفعال التالية، والتي ترتكب بطريقة منهجية، أو على نطاق واسع، وتحرض عليها أو توجهها حكومة أو أي منظمة أو مجموعة: (f) التمييز المؤسسي القائم على أسس عنصرية أو إثنية أو دينية، ينطوي على انتهاك حقوق الإنسان والحريات الأساسية، ويؤدي إلى إلحاق ضرر بالغ بجزء من السكان" [لجنة الحقيقة والمصالحة 1: 96، 113]. لم تكن أسباب إعلان الفصل العنصري "جريمة ضد الإنسانية" هي الانتهاكات الفردية-القتل والحرق العمد وما إلى ذلك. - مما أقرت به اللجنة، بل التطهير العرقي والإثني - "التمييز المؤسسي" - والذي رفضت اللجنة الاعتراف به. هذا، بالتأكيد، هو السبب في أن هذا هو آخر تقرير للجنة يتحدث عن الفصل العنصري باعتباره "جريمة ضد الإنسانية"، بدلا من اعتباره" نقطة البداية الأساسية " الموعودة للمصالحة في جنوب إفريقيا.
في هذا القسم من الورقة، أعتزم متابعة خط تحقيق يستخدم بعض الأدلة المتناثرة عبر صفحات تقرير اللجنة، لرسم الخطوط العريضة لنوع التقرير الذي كان من الممكن أن تكتبه اللجنة، لو أنها اعتبرت الابارتيد كمشروع سياسي أدى تنفيذه إلى انتهاكات جسيمة للحقوق في جنوب إفريقيا.
عمليات الإزالة القسرية
كان الأساس الشرعي للفصل العنصري نظاما قانونيا يميز بين" السكان الأصليين "و" غير الأصليين". "تم تعريف السكان الموجودين على الأرض على أنهم" مواطنون أصليون "؛ وتم تعريف المهاجرين بما في ذلك أولئك الذين يزعم أنهم (ملونون)- على أنهم " غير مواطنين". عرف القانون السكان الأصليين كإثنية، والسكان غير الأصليين كأعراق. تم تمييز غير المواطنين بشكل أكبر بين العرق السيد الرئيسي (البيض) والأعراق الخاضعة (الهنود، الملونين)، يخضعون جميعهم للقانون المدني. في المقابل، تم تقسيم السكان الأصليين إلى العديد من" القبائل"، يحكم كل منها" القانون العرفي الخاص بها". كانت الزولو هي القبيلة الأولى التي خضعت لقانون عرفي استعماري في كولونيال ناتال.
منح قانون ناتال للسكان الأصليين الصادر في عام 1891، الحاكم العام البريطاني لقب الرئيس الأعلى للزولو. تضمنت صلاحياته القدرة على نقل السكان الأصليين من مكان إلى آخر. نقل هذا القانون وفى 1927 تلك السلطة إلى وزير إدارة وتنمية البانتو، والذي أصبح مسؤولا حينها عن جميع السكان الأصليين في جنوب إفريقيا. اعترفت لجنة الحقيقة والمصالحة بأن قانون 1927
خول وزير إدارة وتنمية البانتو (وذلك من خلال مكتب الحاكم العام) أن يأمر "أي قبيلة أو مواطنين من السكان الأصليين " بالرحيل فورا إلى أي مكان معين يتم تحديده وعدم مغادرته مرة أخرى دون إذن "، وذلك وفقا لما يراه [الوزير] محققا للمصلحة العامة." لم تكن هناك حاجة إلى سبب محدد للمنفى ؛ كان "إبعاد" الفرد يأتي في مصلحة " الحفاظ على السلام والنظام الجيد في القبيلة. "لم يواجه المنفيون اتهاما في محكمة قانونية ولم يكن لديهم-بالتالي فرصة للدفاع عن أنفسهم. [2: 165-66]
يعترف تقرير اللجنة بقانون عام 1927، ولكنه فعل ذلك فقط عندما تعلق الأمر بنفي الأفراد من "السكان الأصليين". وتلاحظ أن ما يصل إلى 97 شخصا-معظمهم من الزعماء والرؤساء الذين عارضوا سياسة الحكومة-قد تم نفيهم حتى عام 1960 ، وأن أكثر من 40 لا يزالون منفيين حتي عام 1986. ثم يمضي لذكر الظروف التي أدت للنفي [اللجنة 2: 166-67، 15-12]. وما لا يفعله التقرير هو ربط أحكام قانون الإدارة المحلية لعام 1927 بالإبعاد القسري لمجتمعات بأكملها، تلك التي تم تعريفها عرقيا وإزالتها على هذه الأسس، وهي ممارسة وصلت إلى أبعاد غير إنسانية حقا في فترة سريانه، 1960 إلى 1994.
في عام 1959، أصدرت حكومة الفصل العنصري قانون تعزيز الحكم الذاتي للبانتو. كان هدف القانون توفير المظلة القانونية لتطهير عرقي وعنصري بعيد المدى يغطى 87 ٪ من الأرض التي تم تعريفها على أنها جنوب إفريقيا "البيضاء". أعقب التطهير العنصري للمناطق التي أعلن أنها "بيضاء"، إعادة تنظيم غالبية السكان السود في أوطان عرقية مجزأة- في ممارسة للتطهير العرقي الفرعي. كانت هذه العملية المزدوجة (كتوأم) في قلب الادعاء بأن الفصل العنصري كان بالفعل " جريمة ضد الإنسانية". وفي الوقت نفسه، فإن التمييز بين نفي الأفراد ونفي الجماعات لم يتطابق تماما مع التمييز بين العقوبة والسياسة. ومثل الترحيل القسري للأفراد (النفي) الذي اعتبرته اللجنة انتهاكا جسيما لحقوق الإنسان-كان بالإمكان- أيضا اعتبار الترحيل القسري للمجتمعات المحلية (الذي لم تعتبره اللجنة انتهاكا جسيما) عقابا للمجتمعات التي انخرطت في المقاومة. كان من سمات القوة الاستعمارية، بعد كل شيء، معاقبة مجتمعات بأكملها على تصرفات أفراد منها. لتوضيح وجهة نظري، سأذكر أدناه عدة حالات من "عمليات الإزالة القسرية" - جميعها مأخوذة من تقرير اللجنة، ولكن جميعها رُفِضتْ باعتبارها لا تفي بتعريف اللجنة للانتهاك" الجسيم " للحقوق.
ترانسكي وثورة بوندولاند. كانت ترانسكي أول وطن يحصل على الاستقلال في عام 1963. سبق هذا الإعلان ثورة بوندولاند، وهي ثورة فلاحية ضد سلطات جهاز الدولة، وهو تطور حدث في منطقة بوندولاند في ترانسكي في الفترة 1960-61-وهي التي تقع ضمن تفويض اللجنة-وقد تم إحياء ذكرى تلك المناسبة بإصدار كتاب لجوفان مبيكي حول هذا الموضوع. كما تلت الثورة المرحلة الأولى من "عمليات الإزالة القسرية. واعترفت اللجنة بأن "الإبعاد القسري لمئات الآلاف من الناس من منازلهم" ولًد مناخا من الخوف أدى إلى فترة من الهدوء النسبي في المقاومة السياسية حتى عقد 1970 " [3: 36-37، 99]. وذكرت النتائج التي توصلت إليها:
وترى اللجنة أن الدولة استخدمت عدة زعماء في منطقة ترانسكي لإسكات المعارضة السياسية لسياسة الفصل العنصري، باستخدام أساليب تشمل النفي والإبعاد القسري للمعارضين السياسيين وتدمير ممتلكاتهم. [لجنة الحقيقة والمصالحة 3: 55,?84]
كان مركز التطهير العرقي لهذه "مئات الآلاف من الشعوب" هو كيب الشرقية؛ ومع ذلك، أقرت اللجنة بوجود 324 حالة تافهة من "سوء المعاملة الشديدة" خلال هذه الفترة في كيب الشرقية.2 (ص 43)

 

isamabd.halim@gmail.com

 

آراء