المؤسسات لا الأشخاص والأحزاب لإنقاذ ربيع مصر وتونس

 


 

 





Abdelwahab El-Affendi [awahab40@hotmail.com]

(1)

اقتدى نظام بينوشيه مصر الجديد بحكومة بوش وإعلامه حين أصبح التلفزيون الرسمي يزين شاشته بشعار دائم (وبلسان إنجليزي مبين) يؤكد أن مصر في حالة حرب على الإرهاب. وهذا فأل غير حسن لأصحاب هذه الدعاية، لأن حرب بوش على الإرهاب انتهت بهزائم منكرة في العراق وأفغانستان. ولكن الأهم هو أن هذه هي كلمة حق أريد بها باطل. فمصر هي اليوم بحق في قبضة نظام إرهابي ينطبق عليه التعريف الدولي للإرهاب، وهو ارتكاب العنف في حق الأبرياء من أجل إرسال رسالة سياسية وإجبار الدولة او المجتمع على ما يخالف إرادتهما الحرة. وهذا هو ما يتعرض له الشعب المصري اليوم، حيث أن الجماعة الإرهابية التي استولت على الدولة تريد أن تبث الرعب في قلوب أفراد الشعب حتى ينزلوا على إرادتها بعد أن أخذت مصر رهينة.

(2)

تونس أيضاً تتعرض للإرهاب، ولكن ليس من الدولة وإنما من فئات مجتمعية، بعد أن شهدت تحالفاً موضوعياً بين قتلة ينتسبون زوراً وبهتاناً إلى سلفنا الصالح، وبين إرهابيين ب "الزي المدني" ينتسبون (زوراً كذلك) إلى الديمقراطية. هؤلاء يقتلون، وأولئك يحملون النعوش لممارسة الإرهاب في حق الشعب وفرض إرادة الأقلية عليه. وقد كان هذا شأن مصر في عهد مرسي، سوى أن القتلة وحملة النعوش هناك كانوا نفس الجهة. فقد أقسم هؤلاء أن يدمروا مصر حتى لا يحكمها غيرهم. وقد حققوا نجاحاً باهراً في التدمير.

(3)

أذكر أنني كنت قد كتبت على هذه الصفحات، وتحديداً في السادس والعشرين من مارس الماضي، أسجل هذه الحقيقة، وأطلب صراحة من إخوان مصر الخضوع لهذا الابتزاز حفاظاً على مصر، واتباعاً لسنة الأم التي تخلت عن طفلها في حضرة النبي سليمان لخصيمتها حرصاً عليه. فقد كان من الواضح أن المعارضة كانت تريد تمزيق مصر وصوملتها، وهو أمر كان ينبغي تجنبه مهما كان الثمن.

(4)

قلت حينها إن المرحلة لم تكن مرحلة حكم هذا الحزب أو ذاك، بل مرحلة إعادة تأسيس لكيان الدولة، وهي مهمة يجب أن يشارك فيها كل المصريين. ولم تكن تلك مرحلة 'تحقيق أهداف الثورة' (أياً تكن هذه الصفة الهلامية)، كما لم تكن من واجبات السلطة عندها إصلاح الاقتصاد ومعالجة مشاكل مصر المزمنة. فنحن في مرحلة انتقالية الأولوية فيها لسن دستور توافقي، وإرساء أسس الديمقراطية، وتهيئة الجو للانتخابات. وليس هناك كبير اختلاف على هذه المسائل بين الإخوان وخصومهم.

(5)

نفس الأمر ينطبق على تونس، ولكن بدرجة أقل. فليست مهمة الحكومة الانتقالية هنا هي تحسين الوضع الأمني أو إصلاح الاقتصاد، وإنما وضع أسس سليمة لنظام ديمقراطي سليم. هذا يعني إعطاء الشعب حق اختيار حكامه وخلعهم، ووضع ضوابط تمنع الدولة، أياً كان من يديرها، من العودة إلى ممارسات العهود السابقة المظلمة، أو ما هو أسوأ كما نشهد في مصر اليوم.


(6)

لقد كان خطأ مرسي الأكبر أنه اعتقد أنه كان يحكم مصر، في حين أنه لم يكن، كما أكدت من قبل، سوى رئيس جمعية طوعية مقرها القصر الجمهوري. أما الدولة، ابتداءً من الجيش والشرطة والأجهزة والأمنية، ومروراً بالقضاء والنيابة العامة والبيروقراطية، وانتهاء بالإعلام والاقتصاد، فقد كانت في يد غيره. وقد يكون ما يسمى الحكومة التونسية حالياً أحسن حالاً، ولكن ليس بكثير. وعليه فقد كان واجب مرسي أن يستغل ما لديه من سلطات تشريعية لتعزيز حقوق المواطن تجاه مؤسسات الدولة، وتقييد سلطات الدولة في التغول على حريات المواطنين. وهذا هو بالضبط ما يجب أن تنصرف إليه جهود حكام تونس اليوم.

(7)

في مصر كما في تونس، يجب أن يكون التركيز على قواعد الحكم لا على هوية من يحكم. فليس المهم أن يعود مرسي  أو أن يبقي العريض، وإنما المهم هو تفكيك بنية الدولة الإرهابية. فلو عاد مرسي اليوم إلى السلطة فإنه لن يكون أقدر على مواجهة الإرهاب المزدوج من قبل المؤسسات الإجرامية من داخل الدولة وخارجها، خاصة بعد أن تحالف الطرفان. وعليه فإن من الواجب على "حملة دعم الشرعية" في مصر أن تحول إسمها إلى "حملة تعزيز الديمقراطية"، وأن تقود حملة لهذا الغرض تدعمها قطاعات عريضة من الشعب المصري كما حدث في الخامس والعشرين من يناير.

(8)

في مصر كما في تونس، قامت الثورة من أجل إنهاء الطغيان وتعزيز كرامة الوطن والمواطن. وقد تحقق هذا الغرض إلى حد كبير في تونس، حيث لا يشتكي أحد من قمع. والواجب هو الحفاظ على هذه المكاسب وعدم القبول بأي وضع يهدف إلى العودة إلى الوراء. وإذا احتاج الأمر إلى الذهاب إلى انتخابات جديدة فليس هناك ما يمنع ذلك، ولكن لا يجب أبداً السماح بسلطة لا تستمد شرعيتها من الشعب ولا تلتزم قواعد الديمقراطية. أما في مصر، فهناك ضروة لنضال شرس من أجل تفكيك الدولة الإرهابية واستعادة وتعزيز المكاسب الديمقراطية. وليكن الشعار ليس عودة مرسي أو "الشرعية"، وإنما تأسيس الشرعية من جديد على قاعدة حكم القانون، والإصلاح الشامل لجهاز الدولة من قضاء وشرطة وأمن وبيروقراطية وجيش، مع حظر تدخل الجيش في السياسة تحت أي ذريعة.

(9)

أعداء الديمقراطية في العالم العربي لا يريدون حريات ولا حقوق إنسان ولا انتخابات حرة كما يزعمون. وعليه فإن مواجهتهم يجب أن تكون بتحديهم عبر تقنين الحريات والدعوة إلى انتخابات. فليتحد أنصار الديمقراطية حول قواعد دستورية تعزز الحريات، وليقال لمن يعارض ذلك: هيا نحتكم إلى الشعب.

 

آراء