الماركسي حامد نصر أبو زيد: ومحاولة جريئة لنسف مصادر التشريع الأربعة 3-3
د. محمد وقيع الله
19 July, 2010
19 July, 2010
الماركسي حامد نصر أبو زيد:
ومحاولة جريئة لنسف مصادر التشريع الأربعة
محمد وقيع الله
(3 من 3)
ينقم الدكتور نصر أبو زيد على الإمام الشافعي أنه جعل من همه أن يدافع عن السنة النبوية إلى حد ان وصف من قبل الفقهاء اللاحقين بأنه ناصر السنة، فتلك خطيئة كبرى يلاحقه بها الدكتور القائل: " ويكاد القارئ لكتابات الشافعي أن يجزم أن تأسيس السنة هم من هموم مشروعه الفكري، غن لم يكن الهم الأساسي، لذا يجب ألا يغيب عن بالنا المغزى العام للقب الذي أطلق عليه - ناصر السنة – من حيث يشير - بدلالة المخالفة – إلى تيار فكري آخر لا يعطي للسنة المركز الثاني في الأصول التشريعية ".
سنغض النظر عن نقمة الدكتور على الإمام الشافعي، وعدم احترامه له بإسباغ لقب مناسب عليه، كلقب الإمام الذي عرف به، ونركزانتباهنا على نزعة الدكتور لخلق أعداء وخصوم منازعين للإمام الشافعي في اعتقاده بأن السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع.
من هم هؤلاء الخصوم؟
لا يحدثنا الدكتور عنهم على امتداد كتابه، ولا يحدثنا عن أسانيدهم وحججهم في مناهضة اعتقاد الإمام الشافعي، وإنما حلا له أن يختلق وجودهم بمنطق غريب غير لازم هو ما سماه بدلالة المخالفة.
فياله من منطق غريب!
فطالما أن الإمام الشافعي يعتنق هذه الفكرة فلابد أن يوجد من ينكرها.
إذن حدثنا عنهم واشرح لنا ما قالوا ووضح لنا قيمة ما كانوا يقولون.
بل اذكر لنا اسم واحد فقط منهم، ونعفيك من باقي المهمة. فسنقوم بتتبع آثاره ،إن وجد، لنعرف ماذا قال؟ ونعرف إلي طائفة خارجة عن الإسلام كان ينتمي.
ونحن على يقين كامل أنه لم يوجد مسلم في عصر الإمام الشافعي ينكر السنة النبوية مصدرا للتشريع.
وأنه لم يوجد أمثال هؤلاء الذين ينكرون السنة إلا في العصر الحديث، وبتأثير المستشرقين اليهوديين إغناز غولد زيهر ويوسف شاخت وتلاميذهما.
لمذا أنكر الإجماع؟
ومن ينكر السنة النبوية مصدرا ثانيا للتشريع الإسلامي، فهو منكر، لا محالة، الإجماع مصدرا ثالثا للتشريع.
وها هو الدكتور أبو زيد يقول :" مفهوم الإجماع عند الشافعي مفهوم على درجة عالية من الالتباس. وليس منشأ الالتباس فقط الخلط بينه وبين مفهوم التواتر، بل يرتد عنده بالإضافة إلى ذلك إلى اتساع مفهوم السنة عنده اتساعا يكاد يشمل إجماع الجيل الأول من المسلمين، جيل الصحابة ".
إن مفاهيم الإمام الشافعي الإسلامية ملتبسة لا تخلو من تخليط، في نظر هذا المفكر الماركسي، الذي يزعم أنه سيزودنا بالرؤية الصافية للإسلام، والتحديد القاطع لمصادره التشريعية، وهي الرؤية التي تفرق بين الإجماع والتواتر وتقصر من :" خيط توسيع النصوص "، الذي دأب عليه الإمام الشافعي.
ومؤدى ذلك أن يقوم الإجماع على ما يخالف النص.
أي أن يكون العلماء أحرارا لا يقيدهم نص ولو كان متواترا.
وليس هذا استنتاجا متزيدا منا نستخرجه من قول الدكتور أبي زيد، فهو قد بادر وشرح لنا ذلك عندما عاب على الإجماع استناده على النص.
قال الدكتور أبي زيد في سياق انتقادي لمفهوم الإمام الشافعي للإجماع:" فإجماع الأمة لابد أن يكون أساسه نصا غاب منطوقه عن البعض وإن لم يغب عن مفهومه – محتواه ومضمونه – عن الكل، وفي هذا ما فيه من اهدار لدور الخبرة الجماعية المنتزعة من جدل الجماعة مع واقعها الاجتماعي التاريخي، وذلك بإلغاء تاريخيتها وتحويلها إلى نص ديني ثابت المعنى والدلالة ".
فهو لا يعيب على الإمام الشافعي التزامه بالاستناد إلى النص الديني، وإنما يفترض فيه أيضا التخلي عن الاتصال بالواقع، أو بالتعبير الماركسي الجدل معه.
يريد لنا دينا بلا ضوابط ويزعم كما يزعم شيخه المستشرق اليهودي يوسف شاخت أنه :" في الجزء الأكبر من القرن الأول لم يكن للفقه الإسلامي – في معناه الاصطلاحي – وجود كما كان في عهد النبي. والقانون، أي الشريعة من حيث هي هكذا، كانت تقع خارجة عن نطاق الدين… فقد كانت مسألة القانون تمثل عملية لا مبالاة بالنسبة للمسلمين ".
(During the greater part of the first century - Islamic law in the technical meaning of the term – did not as yet exist. As had been the case in the time of the prophet, law as such fell outside the sphere of religion, and as far as there were no religious or moral objection to specific trasaction of modes of behavior the technical aspects of law were matter of indifference to the Muslims).
صدق وهو كذوب:
لقد سار الدكتور نصر أبو زيد في المسار الاستشراقي القديم باتجاه تهديم الدين، لا باتجاه تطويره كما زعم أكثر من كتبوا مدافعين خلال حياته ومن رثوه أخيرا. إلا أن واحدا منهم كان صادقا وهو المفكر الماركسي اللبناني الدكتور علي حرب الذي أسفر عن رأي صريح في أبي زيد كتبه بمناسبة وفاته، فقال:" لا أقول مع الكثيرين من المثقفين بأن أبو زيد لم يسئ إلى الإسلام، بل حاول تطويره وتحديثه. فهذا تمويه للمشكلة، ذلك أن أبو زيد قد استهدف، في نقده، زعزعة أسس العقيدة الدينية ونسف مشروعيتها السلطوية. وهذا هو معنى تاريخية النص الديني، إذا شئنا أن نعرف ما نقول ".
mohamed ahmed [waqialla1234@yahoo.com]