المفكِّر الإسلامي حسن مكي: الرق كان موجوداً بين القبائل الجنوبية -2-
انفصلنا عن مصر ولكن علاقاتنا سمن على عسل
بدأ التمرد على الجيش السوداني الذي صنعه الإنجليز وليس جيش الزبير باشا
نيفاشا اوقفت الاستنزاف لكن بدأ الان استنزاف من نوع اخر
حاورته: سارة ضيف الله
اصبح السودان مرة اخرى من الدول التي تتصدر جلسات مجلس الامن في الاونة الاخيرة وذلك لتفاقم الصراعات بين دولتين انفصلتا حديثا ولم يؤد انفصالهما للسلام المنشود، كذلك الصراعات الداخلية والمشاكل الاقتصادية اصبحت تحلق في سموات البلاد منذرة بحسب القوى المعارضة بربيع سوداني في سياق الربيع العربي من حوله، ولكن الحكومة تقلل من هذا الامر وتعتبره احلام، والحكومة نفسها تواجه ازمات داخل حزبها الحاكم الذي ينتظر بعض منسوبوه مؤتمر الحركة الاسلامية الذي ربما يصلح ما اعوج. الدكتور حسن مكي مفكر اسلامي من الطراز الاول وله افادات عديدة مؤثرة على المستويين الفكري والسياسي ولكنه بعيد عن الفعل والشهد السياسي وذلك لاسباب اوضحها في سياق الحوار الذي اجريناه معه
دور المجتمع الدولي هل هو سلبي ام ايجابي في السودان؟
انا افتكر ان المجتمع الدولى مثل عدوان على السودان، كان هنالك عدوان شديد على السودان، وانا محتار في التكوين النفسي لاخواننا في الجنوب يعني نحن مثلا في السودان انفصلنا عن مصر وكنا جزء من مصر من ايام محمد على 1821 والثورة المهدية حصل فيها عنف والدفتردار بعد مقتل اسماعيل باشا قتل السودانيين والجعليين ولاحق المك نمر حتى دفن خارج السودان لكن ليس هنالك حقد على مصر بل نحن نحب مصر ونتغني بافضالها، وعندما تقرأ الادب الجنوبي لديه كراهية للشمال وقائم على اوهام، هنالك قبائل لم تتعرض للرق ابداً الاستوائية مثلاً لم يصلها اصلاً التجار الشماليين وممارسة الرق كانت موجودة بين للقبائل الجنوبية من بعضها لبعض والموتى بين الدينكا والنوير والقبائل الجنوبية اكثر من الموتى بين الجيش السوداني والقبائل الجنوبية، بدأ التمرد على الجيش السوداني الذي صنعه الانجليز وليس جيش الزبير باشا وحينما تمردوا كان التمرد على الشماليين وليس على الشماليين تجار الرقيق الذين في ذهنهم،فالشماليون كانوا معلمين ذهبوا ليعلموا الجنوبين وماتوا بنسائهم واطفالهم في حوادث اغسطس 1955، قتلوهم وحرقوا الجثث، وكأنه شئ مبيت ضد السودان او كأن هناك مافيا تعمل ضد السودان، هنالك وهم اسمه التجار الخرطوميين مع ان الحضارة القائمة على الند اقاموها الشماليين (خمسة الف سنة على الخط الهيروغليفي) والكلام عن الاقصاء والتهميش كله للتعبئة دون ان تكون له ارجل والمقدمات الحقيقة غير متكاملة، اليوم نتحدث عن اهل النيل أي أهل الشمالية، وعلى الرغم من الانقاذ لم يكن بها مشروع قومي وليس هناك كباري او طرق لكن الشمالية بها اكثر الناس تعليماً لانهم من الفي سنة اخترعوا الحرف واصبح لديهم ذاكرة تاريخية واللغات السودانية الاخرى لم تكتب وليس عندها حروف، وحينما استغنوا عن الحرف المروي استبدلوه بالحرف العربي وكان يمكن ان تقاوم الحرف العربي بي الكراهية، الان الخرطوم ثلث سكانها اجانب من تشاد وغرب افريقيا واريتريا واثيوبيا واصبحوا سودانيين وكل يوم يتدفق الناس على هذه المنطقة ويقابلوهم المواطنين،( مافيش كراهية مفيش عداء) وانا اعتقد ان الكيان السوداني الشمالي تعرض لعدوان مكشوف وهنالك اطراف لديها مصلحة اسرائيل لديها مصلحة وتصفية حسابات مع الكيان الشمالي لان الكيان الشمالي اعلن الحرب على اسرائيل في 67 على لسان المحجوب، ولان السودان لديه علاقات مع السلطة الفلسطينية وحركات الصحوة العربية، لذلك اثيرت قضية دارفور وقضية جنوب السودان ودخلت قضية اطفال السودان الضائعين في كل بيت حتى اطفال المدارس واصبح الناس تقول ان السودانيين جنجويد وتجار رقيق وكان الشماليين شياطين والجنوبيين ملائكة وهذا شئ ( مافيش ) حتي في الكتب شعب متشيطن، نحن ضحايا تجربة استعمارية وامم مغلوب على امرها ومستضعفة، هناك امر قام به الاخوة اليساريين حاجة وهو صنع صورة وهمية للتبرير السوداني واخذوها من الماركسية وانزلوها وهي فكرة البرجوازية الاغنياء، السودانون كانوا قبل خمسين سنة يراكبون الحمير عثمان صالح وغيره والان لا يوجد سودانيين اغنياء غير الذين عملوا باموالهم خارج البلاد، خليل عثمان حينما تحصل على ماله من العمل خارج السودان ودخل بها البلاد والان بدأت بعض العلائلات في السودان تتلمس طريقها فمثلا عائلة النفيدي وعائلة ابراهيم مالك واسامة داودو وهم يعيلون عشرات الالاف من الاسر ، الراعي يمكن ان يجلب مال اكثر من هذا، والسماسرة والمغتربين يجلبون مالاً اكثر فلا يوجد ذلك الصراع القبلي لكن صحيح يوجد من المشاكل ان هنالك طبقة من السودانين مسحوقة انا اسميهم(اولاد التراب) الماعندو بيت ولا وظيفة ثابتة لديه زراعة اكلها الهدام او لديه مواشي ماتت، هنالك تحول ديمغرافي فهناك اناس اقبلوا من القري الى المدن يعملون في وظائف صغيرة حتي المدرسيين بمرتبات ضئيلة جدا، السودان زمان كان يعيش مع العائلة الممتدة والقدح الواحد لان كل واحد يريد "سندوتش" ولا يستطيع شخص واحد ان يحمل العائلة كلها فالكل يجب ان يعمل، هناك تحول كبير في طريقة الانتاج واساليب الانتاج، هذا لايعالج بحقد وتعبات الطبقة ضد طبقة يعالج بمحبة وبالتماسك الاجتماعي من زكاة وصدقات واطلاق طاقات الخير الاقتصادية والعائدات محدودة جدا لا يمكن مقارنة السودان بقطر ولا السعودية او مصر قارن السودان بارتريا واثيوبيا تجد الوضع في السودان افضل بكثير. جنوب السودان واحدة من مشاكلة ان الانسان هناك غير موجود الحسابات كلها للنخب لكن لا مدارس ولا تعليم ولا صحة الان اعتقد الوضع تدهور جدا مما كان عليه الجنوب جزء من السودان.
* ما هي مألات فشل المفاوضات خصوص وان الوسيط توجة الى امريكا هل يمكن ان نربط ذلك بالقرار 2046؟
طبعا هذه الامور من مجلس الامن الذي قال ثلاثة اشهر ولم يقل جولة واحدة وهذه مجرد جولة وانا افتكر ان الجنوبيين غير مستعدين للوصول الى حل مع المؤتمر الوطني فهم يتتعاملون معهم كخصوم واعداء ولابد للخارجين ان ينتهوا من المؤتمر الوطني الثاني، هم ووجهوا بقرار من الحكومة الامريكية التي لا تريد التصعيد وهي مقبلة على الانتخابات وهذا هو النجاح الاساسي للديمقراطيين فهم ليس لديهم نجاح في العراق ولا افغنستان و لا الصومال ولا باكستان ولا سوريا والنجاح الوحيد الذي قاموا به هو اتفاقية السلام في السودان، لا يريدونها ان تنهار، لكن هناك جزء داخل الديمقراطيين يظن ان المؤتمر الوطني لابد ان يذهب، ومن ممثلينهم كلوني وبندرقاست وتيار قوي وسطهم لذلك المساومة هي في ان تصفية الحسابات سوف تكون في الدورة الثانية لاوباما، لذلك اعتقد الامور في السبعة شهور القادمة ما قبل الانتخابات الامريكية ستكون فيها هذه المماطلة أي لا حرب ولاسلم.
*هل تفتكر ان اتفاقية نفاشا قد فشلت؟
لايمكن ان نقول انها فشلت فهي أدت بعضاً من اغراضها ولكنها لم تكن في مصلحة السودان فانفصال جنوب السودان كان خصما على السودان، فهو لم يؤد الى سلام لكنه ازال عبء كبير فالحرب اوقفت الاستنزاف لكن الآن بدأ استنزاف من نوع آخر.
*مقاطعة...عندما تعود الحرب مرة أخرى فهذا معناه...
نعم ولكن ليس بنفس الصورة السابقة ففي السابق كنا نحارب في ياي المتاخمة ليوغندا ونحارب في باو وكاجوكاجي وكل جنوب السودان أما الآن اصبحت الحرب في الشريط الحدودي أي في مكان أقرب فهي من الناحية الاقتصادية أقل كلفة ولكنها موجودة لذلك انا اقول أن العدوان مستمر على السودان وليس صحيحا القول بان العدوان كان موجودا على السودان بسبب وجود الجيش السوداني داخل حدود الجنوب.
ما هي الحلول التي يمكن ان تقدم لحل الازمة بين البلدين؟
انا ليس لدي حل أنا مجرد استاذ جامعي وليس لدي حل فهذه حرب رؤى وليست سهلة ولكن لابد من محاولة امتصاص ولابد ان يكون لدينا امكانية ردع فبدونها لا يوجد حل فحيث ما كانت الجثة"الفطيسة" تجتمع الذئاب وحيث ما كان الانسان ضعيفا تأكله الكلاب.
* مقاطعة .. ما هو الردع الذي تتحدث عنه؟
ان تكون قوي سياسيا، اجتماعيا، واقتصاديا وجبهتك الوطنية تكون متماسكة ومتوحدة وانا قلت هذا الكلام من قبل.
*ما هي رؤيتك للهوية السودانية في ظل التغيرات الجيو سياسية الحالية؟
الهوية السودانية موجودة فاسمك مثلاً سارة اسم عربي جاء الى والدك وجدك عبر التقاليد الابراهيمية وضيف الله يعبر عن قيم توحيدية، فالانسان يولد بطريقة معينة وفي أجواء ثقافية معينة ويعيش في نمط ثقافي ومخيلة معينة ويذهب الى القبر وفق رؤية معينة ويدفن تجاه الشرق وهذا كله جزء من الهوية فلذلك الهوية لا تصنع بين يوم وليلة، صحيح ان هناك متغيرات عاصفة تأتي ولكنها تعصف بالافراد ولكنها لا تعصف بالمجتمعات ولذلك حتى الشيوعية في الاتحاد السوفيتي حكمت اكثر من 70 عاما ولكن الشعوب عادت مرة لخصوصياتها الثقافية، الشيوعيون السودانيون معظمهم اليوم متصوفة ويقيمون الصلوات في المساجد وانا اعرف العشرات منهم احسوا انهم كانوا مغتربين بعيدين من الجو النفسي والفكري وارادوا ان يتطبعوا ويعودوا للمجتمع مرة أخرى ومع الثقافة السودانية السائدة.