المفوضية الوطنية للانتخابات .. فاقد الشيء لا يعطيه!!! … بقلم: د.عثمان إبراهيم عثمان

 


 

 

      كغيري من المتابعين للشأن السياسي ببلادنا في الاربعين عاماً الماضية، لم استبشر خيراً بإعلان أسماء رئيس، ونائب رئيس، وأعضاء المفوضية القومية للانتخابات. صدق حدسي، أثبتته الشواهد التي عشناها، إبتداءاً من تكوين اللجان العليا للانتخابات في الولايات، وفي الخارج، ذات العناصر الموالية للمؤتمر الوطني، مروراً بالتجاوزات التي صاحبت مرحلتي التسجيل، والطعون، ولم تعرها المفوضية أي اهتمام، وما نعيشه هذه الأيام بتكوينها للجسم الموالي لإدارة الآلية الإعلامية، الذي لم ينقشع بعد اللغط حوله، لتحل ثالثة الأثافي، فتفاجئنا بإصدار منشور أنشطة الحملة الانتخابية، بإيعاز من وزارة الداخلية؛ فاضحت، بحق، المفوضية "الوطنية" للانتخابات، ليس للتعبير عن وطنيتها، ولكن للدلالة على "مؤتمرجيتها".

  لقد أبدت القوى المعارضة، في حينه، إعتراضها على تكوين اللجان العليا للانتخابات بالولايات، باعتبار أن معظم عناصرها تنتمي للمؤتمر الوطني؛ الأمر الذي أدي إلى أن تتغاضى تلك اللجان عن كل ممارساته إبان فترة التسجيل، مثل السماح لأعضاء المؤتمر الوطني، وعناصره الأمنية، بنصب خيامهم بجوار مراكز التسجيل، مما يشوش على العملية برمتها، وكذلك بعدم منعهم من أخذ إشعارات التسجيل من بعض المواطنين البسطاء، بحيل ماكرة مثل: حفظها لهم لحين وقت التصويت، أو ربط صرف مرتبات موظفي الدولة بشمال دارفور بتسليم إشعار التسجيل - يمكن استخدامها في اساليب فاسدة في مرحلة الاقتراع - وإيواء بعض مراكز التسجيل  بمنازل بعض أعضاء المؤتمر الوطني بمنطقة الجاموس بولاية الجزيرة، واستغلال المؤتمر الوطني للسلطة، وإمكانات الدولة واستخدامها في ترحيل منسوبي المؤتمر الوطني، والخروج بدفتر التسجيل من بعض المراكز دون علم رئيس اللجنة ومنع مناديب الأحزاب من الإطلاع عليه عند إعادته – حدث باللعوتة والسريحة بولاة الجزيرة، وتعمد استمرار التسجيل أيام العيد، وهو ما يخالف الإعلان الذي صدر عن المفوضية التي أعلنت أن المراكز ستغلق يوم 26 نوفمبر- حدث في ولايتي الخرطوم، والجزيرة - واعتماد اللجان الشعبية التي تتبع للمؤتمر الوطني في استخراج شهادات سكن تكون بديلة للأوراق الثبوتية، والتي قامت بجملة من التجاوزات مثل: استخراج شهادات لصغار السن، واستلام إشعارات التسجيل، وتسجيل الناخبين لأكثر من مرة، والتواجد داخل مراكز التسجيل، وتضليل المواطنين بكشوف مزيفة. كما لم تبد لجان الانتخابات بالولايات، أي اعتراض على مرشحي المؤتمر الوطني الذي بدءوا حملاتهم الانتخابية قبل أن تأذن لهم.

   هذا ما كان من أمر التجاوزات التي طالت اللجان العليا للانتخابات بالولايات؛ أما تجاوزات المفوضية "الوطنية" للانتخابات فانحصرت في:

1-السماح للقوات النظامية بالتسجيل في أماكن العمل عن طريق كشوف يحضرها رئيس الوحدة، أو في أماكن خاصة يحشدوا للتسجيل بها؛ في تناقض صريح مع المسؤولية الفردية في التسجيل التي نصت عليها المادة (22/1) من قانون الانتخابات التي تقول:"يعد التسجيل في السجل الانتخابي حق أساسي ومسؤولية فردية لكل مواطن تتوافر فيه الشروط  المطلوبة قانوناً"؛ والمادة (22/2/أ) التي تنص على: "أن المواطن يجب أن يكون مقيماً في الدائرة الجغرافية لمدة ثلاثة أشهر قبل قفل تاريخ السجل". فهل أصبح الانضباط واجباً في مثل هذه الحالات؟ وهل أصبحت أماكن العمل دوائر جغرافية؟ بهذه الكيفية ما الذي يمنع القوات النظامية من التسجيل مرة أخري في دوائرهم الجغرافية التي يقيمون فيها. وهل ستدلي القوات النظامية بأصواتها في أماكن عملها، أم في مراكز الدوائر الجغرافية؟ ألا تعتقد المفوضية أن هذه الثغرة يمكن أن تضرب العملية الانتخابية، برمتها، في مقتل؟

2-لم تلتزم المفوضية كذلك بعدد المراكز التي حددتها في كل دائرة ( 16 مركزاً)، ومن ثم كانت بعيدة عن بعض القرى – حوالي 40 كيلومتر كما في شمال كردفان، وجنوب كردفان، وشمال دارفور، ولا بتحديد المراكز المتنقلة بالصورة التي تمكن المواطنين من تسجيل أسمائهم بأماكن سكنهم، مما يفتح الباب أمام من لهم الإمكانات المادية – المؤتمر الوطني على وجه التحديد - في الإنفراد بترحيل منسوبيهم، كما حدث في انتخابات المحامين، وحرمان منسوبي بقية الأحزاب الأخرى من هذا الحق، بسبب ضيق ذات اليد.

3-تكوين لجان الانتخابات بدول المهجر من قناصل وموظفي سفارات السودان بتلك الدول، والذين يتبعون للمؤتمر الوطني كما يعلم الجميع، الأمر الذي – إذا أخذنا السعودية كمثال - أدى لأن  يصدروا جداول تسجيل متضاربة، ومتناقضة، من وقت لآخر، للمدن التي لا تكون بها مراكز تسجيل ثابتة، بغرض تضليل جماهير القوى السياسية الأخرى، كما أعدوا كشوف مسبقة لأعضاء المؤتمر الوطني لتضمن في السجل، وتسجيل آخرين  دون حضورهم الشخصي للتثبت من هويتهم، أو أكثر من شخص برخصة إقامة واحدة؛ وفي ظل تغييب القوى السياسية الأخرى؛ والتي تعتبر جميعها  مخالفات واضحة   للمادة (22/3) من قانون الانتخابات. لماذا لم تبعث المفوضية لجان انتخابات من السودان من ذوي الكفاءة، والنزاهة، للقيام بعلمية التسجيل بدول المهجر؟ لماذا أقيمت مراكز التسجيل بالسفارات، والقنصليات المدجنة للمؤتمر الوطني؟ كما أن اقتصار مراكز التسجيل على دول معينة من دول المهجر، وتأخر التسجيل بها عن الموعد المضروب لبدايته في السودان بحوالي 17 يوماً،  ترتب عليه عدم تسجيل أعداد كبيرة من السودانيين العاملين بالخارج (90% من العدد المستهدف لم يسجل).

4-إهدار المفوضية لحق المغتربين الدستوري، وحرمانهم من المشاركة في كل المستويات، وحصر مشاركتهم، فقط، في انتخابات رئاسة الجمهورية. ما الذي يمنع تسجيل المغتربين في الدوائر الجغرافية التي تتبع لمواطنهم الأصلية المدونة بجوازات سفرهم؟

5- تغاضي المفوضية عن عدم حيدة أجهزة الإعلام، وانحيازها للمؤتمر الوطني، وانشغالها بالدعاية فقط  له، ولقياداته؛ مع التعتيم على أنشطة الأحزاب الأخرى، في مخالفة صريحة للمادة (66/3) التي تنص على:" تعد المفوضية، بالاشتراك مع وسائل الإعلام العامة وبالتشاور مع الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات، برنامجًا شاملاً  لضمان حقهم في استخدام تلك الوسائل لأغراض الحملة الانتخابية على قدم المساواة". فبناءاً على هذه المادة، وإلحاح الأحزاب السياسية، تم تكوين الآلية المشتركة لاستخدام الأجهزة الإعلامية خلال الانتخابات بقرار المفوضية رقم (68) بتاريخ 2/2/2010م، - المبني على مذكرة بروفسير عبد الله أحمد عبد الله، نائب رئيس المفوضية - والتي كان غالبية أعضائها من التنفيذيين بالأجهزة الإعلامية الخاضعة مباشرة للمؤتمر الوطني، مع إعطاء الأحزاب خمسة ممثلين، صارت ستة – كيف؟ الله أعلم - في الخطاب التفصيلي لنائب رئيس المفوضية البروفسير عبد الله أحمد عبد الله بتاريخ 10/2/2010م – أحدى الفرص ذهبت للمؤتمر الوطني – "شوف ليك جنس جشع" وعندما استفسر حزب التحالف الوطني السوداني عن أسس اختيار الأحزاب، كان رد المفوضية بأن تمثيل الأحزاب يخضع لتلك التي لها مرشح رئاسي، فدعي لاجتماع الآلية في نفس اليوم، وليصير ممثلو الأحزاب سبعة، دون أن يعدل قرار التكوين، وأن تدعى الأحزاب الثلاثة الباقية ذات المرشح الرئاسي. كما تم الاتصال سراً بالأستاذين محجوب محمد صالح، وفضل الله محمد للانضمام للآلية إثر النقد الذي وجه إليها في غياب كفاءات إعلامية في قامتيهما؛ "يعني الشغل بقى تلاقيط". هل تغيب عن ذاكرة المفوضية أن عدد الأحزاب التي لها مرشح رئاسي هي عشرة، وليست خمسة؟ ولم لا يكون هنالك صوت للمستقلين؟ ما هذا التردد؟ وما هذه الهرجلة يا سيادة البروفسير؟ أتمنى ألا تكون نتاج ضعف، وضغوط عليا عصية. لم نسمع لحزب المؤتمر الوطني بأي اعتراض على إي إجراء للمفوضية، هل لأنها زودت برؤى الحزب مبكراً، ومكتملة – حسب رؤيته التنظيمية للانتخابات التي سربت سراً؟ طبعاً ما على المفوضية إلا السمع، والطاعة – "الظاهر إنو المسألة فيها قرشين حلوين"، هذا بجانب الروائح غير المستحبة التي تنبعث هذه الأيام بخصوص أموال التدريب؛ دون أن تستدعي أي مساءلة، أو محاسبة. أما سوء النية، ولجعل الأمر واقعاً، قد انجلى في تغييب ممثلي الأحزاب  بدون مبرر، عن الاجتماع الأول بتاريخ 9/2/2010م، والذي وضع فيه إطار عمل الآلية، كما تم إهمال ملاحظات، ومقترحات ممثلي الأحزاب التي عبروا عنها في الاجتماع الثاني، بل أن أغلبها سقط عن محضر الاجتماع بحجة غياب المقرر. وهناك أمور أخرى، من هذه الشاكلة وأسوأ، قد حدثت خلال اجتماعات الآلية المشتركة، ولا أود الخوض فيها، لأنها تجعل من الأمر كله وكأنه لعب عيال. ماذا يضير إذا ما خصصت الفترة من الثامنة وحتى العاشرة مساء – فترة المسلسل اليومي- لعرض برامج الأحزاب؟ فهل هنالك أهم مما تعيشه البلاد الآن من مخاض، تكون وحدة واحدة، أم تتشرزم؟

6-أما إصدار المفوضية لمنشور أنشطة الحملة الانتخابية لسنة 2010م، فكان القشة التي قصمت ظهر حياديتها، واستقلاليتها، ولتضطلع بدور جهاز الأمن عن جدارة، واستحقاق؛ للدرجة التي جعلتني أتشكك في مصدر هذا المنشور، فارجع البصر كرتين لأجده ممهوراً بتوقيع السيد أبيل ألير رئيس المفوضية. وللتأكيد فيما ذهبنا إليه نورد الملاحظات التالي’:

أ‌-         في الفقرة (أ) بالتمهيد أقرت المفوضية بتدخل وزارة الداخلية في الأمر، ولطفته بعبارة "بالتعاون مع وزارة الداخلية"؛ مثلما يطلقون لفظ (الفجوة الغذائية) على المجاعة. يتسق هذا الأمر تماماً مع تحسبات المؤتمر الوطني في رؤيته التنظيمية السرية للانتخابات التي تقول:"رصد حركة الأحزاب المعارضة وإبطال مفعولها عبر التعامل الذكي دون انفعال...". أرأيت (أعانك الله) كيف يوظف المؤتمر الوطني المفوضية لخدمة أجندته الخفية، بذكاء، عبر آليات الدولة؟ ومما يؤكد ما ذهبنا إليه استناد المنشور في الأساس على قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م، الذي صدر في مرحلة التأمين، والتمكين لعناصر الإنقاذ، وليس بعد إنفاذ اتفاقية السلام الشامل، والدستور الانتقالي، في عام 2005م؛ اللتان استندت عليهما قوانين الأحزاب لسنة 2007م، وقانون الانتخابات لسنة 2008م، والقواعد العامة للانتخابات لسنة 2009م. هذا لا ينفي إقرارنا التام بدور وزارة الداخلية الهام في حفظ الأمن، وحركة المرور، ولكن عن طريق الإخطار فقط، وليس الإذن المسبق؛ أعطوه أو منعوه.  المدهش أن نائب رئيس المفوضية أقر بأن السلطة المختصة لن ترفض منح الموافقة دون مبرر؛ في حين أن المفوضية التي أصدرت المنشور، لم تحدد تلك المبررات، ولا تعلم عنها شيئاً، ومن ثم يكون الأمر قد خرج من يدها تماماً. احترموا عقولنا يا من تبوأتم أعلي المنصب الأكاديمية، والتنفيذية العليا!!!!

ب‌-      أما المادة (3/هـ) بالمبادئ العامة، فتلزم الأحزاب السياسية المعارضة بأن تحصر نقدها - في الغالب للمؤتمر الوطني - على السياسات والبرامج الحالية والمستقبلية؛ بمعنى آخر ألا تتعرض للجرائم التي ارتكبها المؤتمر الوطني  في الماضي، ومازال ضحاياها أحياء يرزقون؛ في حين أن المادة (3/و) تطلب من المؤتمر الوطني أن يراعي – بدون إلزام - أحكام المادة(69) من قانون الانتخابات، بتخفيف مظاهر السلطة عند تصريف الأعمال العمومية اليومية؛ مما حدا بمرشحي المؤتمر الوطني أن يتمادوا في تجاوز هذه المادة، والمفوضية    "عاملة أضنان الحامل طرشه". على أي قانون استندت المفوضية في تقولها على ما تقوله وما لا تقوله الأحزاب بحملاتها الانتخابية؟ فما الحملات الانتخابية نفسها، إلا محاكمات سياسية، في الهواء الطلق،  لما اقترفته الأحزاب في الماضي بحق شعوبها، وليكون الفيصل هو صندوق الاقتراع، وليس البندقية، في الوصول إلى السلطة. ففي البلدان ذات الديمقراطية الحقة، تناقش حتى الجوانب الشخصية للمرشح، فقد يفقد المرشح مصداقيته إذا ما كذب حتى على زوجته، ناهيك أن يكذب على الشعب السوداني كله.

ت‌-      على الرغم من اتفاقنا التام مع المادة (3/د) بعدم القيام بأي عمل من شأنه تأجيج الصراعات، والفتن، والدعوة للكراهية، والتحريض على استخدام العنف؛ إلا أن الإذاعة السودانية القومية قد نزعتها من سياقها تماماً، ووظفتها لخدمة أجندة المؤتمر الوطني، المشار إليها في رؤيته التنظيمية للانتخابات، بتعطيل برامج الأحزاب، عندما رفضت حوالي عشرين نقطة من خطاب الأمام الصادق المهدي مرشح حزب الأمة القومي للرئاسة، ليصير بلا روح، أو يعطل، حتى لا يقوم، بحجة أنها تثير الكراهية، والنعرات ضد الدولة – طبعاً الدولة هنا هي المؤتمر الوطني - ؛ فكلا المفوضية، وآليتها الإعلامية المشتركة، لم تحركا ساكناً تجاه تلك الحادثة الشنيعة؛ مع العلم بأن: منشور أنشطة الحملة الانتخابية، الذي أصدرته المفوضية، هو من شجع الإذاعة القومية على ارتكاب هذه الحماقة.

ث‌-      تتحدث المادة (4/1) عن حق الأحزاب في عقد أنشطتها داخل دورها، دون الحصول على موافقة مسبقة من السلطة المختصة؛ ولكن المادتان (4/2) و (4/3) تلغيان هذا الحق قبل أن يجف المداد الذي كتب به، لتلزمان الأحزاب بإخطار السلطة المختصة، كتابة عن ميعاد الأنشطة، وموضوعها، واسباب انعقادها، قبل 72 ساعة من موعد انعقادها في داخل الدور؛ أما إذا أخطرت السلطات في مدة أقل من ذلك، فيمكن للسلطات تعطيل تلك الأنشطة. "صحيح الاختشو ماتو" (عملتيها ظاهرة يا مفوضية) فأضحيتي إحدى واجهات المؤتمر الوطني، مثلك مثل: أئمة المساجد، ولجان المساجد، ولجان الزكاة، والنقابات، والاتحادات المهنية، والطرق الصوفية، ومشروع كفالة الطالب التابع لصندوق دعم الطلاب، وغيرها؛ وهذا كله ليس من عندي، ولكنه باعتراف المؤتمر الوطني نفسه، في رؤيته التنظيمية السرية للانتخابات القادمة.

ج‌-       أعطت المادة (5/1) الاحزاب الحق في عقد، وتنظيم الندوات، واللقات الجماهيرية، في الميادين، والأماكن العامة؛ فما لبث أن سلب هذا الحق تماماً في المادة التي تليها مباشرة، بعدم موافقة السلطات المختصة استناداً على مبررات تعلمها هي فقط، وغير معلومة للمفوضية صاحبة الشأن.

ح‌-       لم تتحدث المادة (6/1) عن أي حق للاحزاب في تسيير المواكب؛ ولكنها إذا رغبت في ذلك، فيجب عليها أن تحدد مسبقاً – لم يعط موعد لذلك، كدلالة على أن الطلب لا محالة مرفوض؛ وأمر الرفض هذا جوزته  المادة (6/3)، وبإشارة صريحة، ترد لأول مرة في المنشور – مكان، وبداية الموكب، وخط سيره، ونقطة نهايته، بغرض إفشاله قبل أن يبدأ. راعت المفوضية هنا ارتعاش المؤتمر الوطني، وخوفه الهستيري، من المواكب، والتظاهرات السلمية، ولذا أضحت المفوضية ملكاً أكثر من الملك. وهي بهذا الشكل تبدوأكثر تعسفاً، في إهدار حقوق الاحزاب من أي مفوضية أخرى، حتى ولو شكلت من المكتب السياسي للمؤتمر الوطني نفسه.

 يحق لنا عند هذا الحد أن نوسم هذه المفوضية، الهَرْمَلة، بكل ما ورد في عنوان هذا المقال.  لقد تسنم رئيسها، ونائب رئيسها مختلف المناصب القيادية العليا – في مسار حياتيهما العامرتين، متعهما الله بالصحة والعافية -  بأعتى الأنظمة الشمولية التي حكمت السودان؛ فبينما إكتفى الأول بالمشاركة في مايو، لم يقنع الآخر بمثابرته في مايو، بل ساهم كذلك في يونيو، وإبان ممارسة نظام الإنقاذ لسياسة التأمين، والتمكين، الذي صاحبته مخالفات فظيعة لحقوق الانسان. كما أنهما في مناصبهم العليا هذه، قد انتميا للاتحاد الاشتراكي السوداني المقبور، ولذا لا يمكن أن ننفي عنهما صفة الانتماء الحزبي، ومشايعة الشمولية في حربها الحتمية على التعددية السياسية؛ بغير ذلك يمكن أن نخلع صفة التحزب عن منسوبي المؤتمر الوطني، نظراً لأن هذا الأخير، والاتحاد الاشتراكي وجهان لعملة واحدة، كما وصفه عراب الإنقاذ الأول مؤخراً. تضم المفوضية في عضويتها كذلك عدداً من القانونيين الذين تميز أداؤهم بالسلبية (تمامة جرتق)، وخاصة أداؤهم المهزوز، عندما تقدم الدكتور معتصم عبد الله محمود بطعن  في مرشح حزب المؤتمر الوطني لرئاسة الجمهورية؛ لتصحح الوضع الدكتورة محاسن حاج الصافي بشجاعتها المعهودة. تشمل المفوضية كذلك  عدداً مقدراً من فرقاء (جمع فريق)، ولواءات الشرطة – ومثلهم باللجان العليا للانتخابات بالولايات، والقناصل بسفارات السودان بالخارج - الذين بحكم تدريبهم يمتثلون للأوامر، وغير معنيين بالرأي، والرأي الآخر، مما يجعلهم أكبر مناصري الشمولية، وفي عداء سافر مع كل ما يمت للديمقراطية بصلة. كما لم تعدم عضوية المفوضية ممن يهوى الإعلام، وهو في أبهى حلة، لإتحافنا بحلو الحديث، وأعذبه.

  لقد زهدت تماماً في حيادية مفوضية الانتخابات، عندما لم أر شخصاً في قامة البروفسير عبد الملك محمد عبد الرحمن، مدير جامعة الخرطوم السابق، بين أعضائها على الأقل، إن لم يكن رئيسها، أو نائب رئيسها؛ لما يتمتع به من استقلالية في الرأي، وحيادية منقطعة النظير، وخبرة واسعة في إرساء الأرضية الراسخة لانتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم، عبر عقده لسمنار إعادة الاتحاد الذي شاركت فيه جميع القوى السياسية، والتي توافقت جميعها على توصياته؛ ولتقوم بعده الانتخابات بعد انقطاع دام سبع سنوات. لقد سهر حتى الصباح، وفي معيته الدكتورة محاسن عبد القادر حاج الصافي، عميد كلية الآداب آنئذ، ليتابع إجراءات الاقتراع، والفرز، وإعلان النتائج؛ لتمر جميعها في تعاون، وبسلاسة فاجأت المراقبين؛ فلم تسجل أي حادثة عنف بين الطلاب، كما كان يحدث في الماضي القريب، ويحدث الآن في انتخابات اتحادات الجامعات الأخرى. ليس ذلك فحسب، بل أن القوائم الخاسرة، بادرت بتهنئة القائمة الرابحة؛ في مشهد حضاري لم نره في السودان من قبل، وكدلالة  بينة على نزاهة الانتخابات، وشفافيتها؛ وعلى حيادية، لجنة الانتخابات التي نالت رضا جميع القوى السياسية الطلابية. هذا ما نود أن نشهده في انتخابات إبريل 2010م؛ ولكن هيهات!!!! ففي ظل هذه المفوضية ذات الشمولية الراسخة،  فمن غير المتوقع انحيازها للتعددية المنشودة، ففاقد الشيء لا يعطيه، ولن تكون هناك انتخابات حرة، أو نزيهة. نأمل تصحيح هذا الوضع، حتى نجنب بلادنا المزالق التي لا تبقي ولا تذر، ولنا في تجارب الدول من حولنا العبر.

                                                               والله المستعان؛؛؛؛؛؛؛؛

 

osman30 i [osman30i@hotmail.com]

 

 

 

آراء