المَشرقُ والمَشرِقَين والمَشارقُ ومَشارق ومُشرِقين في القرآن الكريم

 


 

 

 

morizig@hotmail.com

هذا مقال غير مسبوق في تحليله عسى أن يكشف وجهاً آخر من وجوه هذا الكتاب الكريم الذي لا تنقضي عجائبه. فقد جاء ذكر المَشرق والمَغرب في القرآن الكريم بالإفراد والتثنية والجمع وبالتعريف ومن غير تعريف في عدة آيات مجملها أحد عشر موضعاً فتوهم البعض تعارضاً في محل الإعجاز:
• جاء ذكر الْمَشْرِقُ مقترناً بالمغرب بالإفراد في ست آيات كريمة هي قوله الله تعالى:

1) " وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (البقرة، آية : 115)
2) " سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاء إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (البقرة، آية : 142).
3) " لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ" (البقرة، آية : 177).
4) " قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(البقرة، آية : 258).
5) " قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" (الشعراء، آية : 28) è
6) " رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا" (المزمل، آية : 9)
تفسير الآيات:
في هذه الأيات السبع جاء القرآن بالافراد فقال "المشرق" و"المغرب"، والملاحظ في هذه الآيات أنها تتحدث في بعضها عن قبلة الصلاة تحديداً وفي بعضها الآخر عن جهة الإشراق عموماً وهي الجهة التي تشرق منها الشمس. فكلمة "المشرق" و"المغرب" في هذه الآيات مقصود بها الجهتين الجغرافيتين التي يتحقق فيهما مفهوم الشروق والغروب والقبلة في سطح واحد من سطحي الكرة الأرضية.
• وجاء ذكر المَشرِقَين والمغربين مرتين على النحو التالي:
1) " حَتَّى إِذَا جَاءنَا قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ" (الزخرف ، آية : 38).
2) " رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ" (الرحمن، آية : 17).
تفسير الآيات:
في هذه الأيات السبع جاء القرآن بالتثنية فقال "المشرقين" و"المغربين". والملاحظ في هذه الآيات أنها تتحدث عن المسافة. فكلمة "المشرقين" و"المغربين" مقصود بهما عملية حدوث أشراقين ومغيبين على الأرض بسبب كرويتها ودورانها حول نفسها وثبات الشمس، فينتج عن ذلك الدوران تعرض السطح {أ} لأشعة الشمس فيحدث الإشراق فيه بينما يشهد السطح {ب} مغيباً للشمس فيحدث فيه "الغروب" وهذه حقيقة علمية يعرفها كل الناس لا تحتاج لشرح.
• وجاء ذكر المشارقِ بالألف واللام مرتين على النحو التالي:
1) " رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ" (الصافات، آية : 5).
2) " فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ" (المعارج، آية : 40).
تفسير الآيات:
في هذه الأيات السبع جاء القرآن بالجمع والتعريف والإطلاق فقال "المشارق" و"المغارب"، والملاحظ في هذه الآيات أنها تتحدث عن المسافة والجهات معاً. وهذه الآيات لا تخص كوكب الأرض فقط وإنّما تخص الفلك كله حيث توجد ظاهرة الإشراق والمغيب في كثير من الكواكب كالقمر مثلاً. فكلمة "المشارق" و"المغارب" هنا مطلقة مقصود بها إثبات الملك والإستواء على العرش باسمه الرحمن. فهو تعالى مالك الملك رب المشارق والمغارب أيّنما وجدت وأيّا كان المقصود بها في ذهن الإنسان، إن قصد بها الجهة أو المسافة أو الظاهرة الكونية.
• وجاء ذكر مَشارقَ بدون الألف واللام مرة واحدة على النحو التالي:

1) وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا" (الأعراف، آية : 137).
تفسير الآية:
في هذه الأية جاء القرآن بكلمة "مشارق" و"مغارب" مضافة للأرض فقال " مَشَارِقَ الأَرْضِ "، وهنا يتحدث عن مواقع على الأرض تقع شرقاً لمعلوم وغرباً لنفس الشي المعلوم. وهذه الآية في الحقيقة تخص قصة إمتلاك بنو إسرائيل لأراض زراعية وسكنية ومصانع غرب النيل وشرقه بعد غرق فرعون في اليّم الذي هو نهر النيل. ومن الملاحظ أنّ المشارق والمغارب تتعدد بكثرة كلما أكثر النيل من الإنحناءات وهو متجه شمالاً، وهي مسألة نسبية. فقد يكون الأنسان في بطن إنحناءة كبيرة أو صغيرة تجعل النيل غرب الشخص وشرقه في آن واحد وهو واقف في نفس المكان لم يبارحه.
• وجاء ذكر مُشرقين مرتين على النحو التالي:
1) {وَأَوْحَيْنَآ إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مّتَّبِعُونَ* فَأَرْسَلَ فِرْعَونُ فِى الْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ* إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَآئِظُونَ* وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَذِرُونَ* فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِّن جَنّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرائيلَ* فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ*}
2) { فأخذتهم الصَّيحَةُ مُشرقِين فجَعَلنا عاليها سافِلها وأمطرنا عليهم حِجارةً من سِجِّيل}
تفسير الآيات:
في هذه الأية جاء القرآن بكلمة "مُشرقين" فقط ولم يقرن معها "مُغربين"، لأنّ الموضوع يخص أحداثاً وقعت في زمان بعينه والحدث يقع في زمان واحد ولايحصل في زمانين. وأحداث قوم لوط حدثت عند الإشراق في الصباح الباكر وكذلك متابعة فرعون لموسى عليه السلام وقومه حدثت في وقت الإشراق فلهذا لم يذكر الغروب.
وفي الختام أرجو أن اكون قد وضّحت وجهاً من وجوه الإعجاز اللغوي في القرآن الكريم الذي حثنا الله تعالى على تدبره قائلاً: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) ومن يتدبر القرآن ويرجع فيه البصر كرَّتين فلن يجد فيه فُطُوراً ولا اختلافاً ولا انحرافاً، فهنالك يخر ساجداً لا يسعه إلا أن يردد مع الجن{إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحداً}

///////////////////

 

آراء