الهجرة في زمن الحرب

 


 

 

يعود تاريخ الهجرات في السودان إلى فترات طويلة من التاريخ، وقد شهدت البلاد العديد من الحركات الهجرية على مر العصور. تتأثر هذه الهجرات بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية، ومن بين العوامل الرئيسية التي أثرت على الهجرات في السودان التجارة العربية والإفريقية حيث كان السودان عبر التاريخ منطقة تجارية مهمة، تقاطرت إليها القوافل التجارية من شمال أفريقيا والشرق الأوسط والدول الأفريقية الجنوبية. شجعت التجارة هذه الحركات الهجرية بين المناطق المختلفة. ثم الاستعمار البريطاني والمصري فقد تأثرت الهجرات بها في القرن العشرين. قدم الاستعمار تغييرات هائلة للهوية الوطنية والاقتصاد والمجتمع في السودان، مما دفع البعض إلى الهجرة بحثًا عن فرص أفضل. كما أن للنزاعات الداخلية التي شهدها السودان العديد على مدى العقود الماضية، بما في ذلك الحروب الأهلية والنزاعات القبلية والاقتتال السياسي. تسببت هذه النزاعات في تهجير الآلاف من السكان و دفعتهم إلى الفرار للبحث عن مناطق أكثر أمانًا. وهنالك نوع آخر من الهجرة نتيجة الجفاف والكوارث البيئية إذ تعتبر الكوارث البيئية والجفاف من العوامل المؤثرة في الهجرات في السودان. يتضرر السكان في المناطق الزراعية من تدهور الأوضاع المناخية ونقص المياه والموارد الطبيعية، مما يدفعهم إلى ترك منازلهم للبحث عن ظروف أفضل للعيش. لذلك شهد السودان تغيرات في التركيبة السكانية بفعل الهجرات والنزاعات والتغيرات الاقتصادية. تأثرت بعض المناطق بتدفق السكان من المناطق الريفية إلى المناطق الحضرية، مما أدى إلى زيادة الاكتظاظ السكاني في بعض المدن.
تُظهر هذه العوامل كيف أن الهجرات في السودان ليست ظاهرة جديدة، بل هي جزء من التاريخ الطويل للبلاد. تعكس الهجرات في السودان تحديات وفرصًا اقتصادية واجتماعية وسياسية تواجه البلاد، ويتطلب التعامل معها جهودًا شاملة لتحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتعزيز الاستقرار السياسي للمساهمة في تخفيف الضغوط على السكان وتحسين جودة حياتهم. نشرت هيئة الأمم المتحدة أن نحو 200 ألف شخص فروا من السودان هربا من القتال الدامي الذي اندلع في منتصف أبريل 2023 ونزح مئات الآلاف داخل البلاد. ومن جهتها قالت المنظمة الدولية للهجرة، أن عدد النازحين داخلياً في السودان تجاوز الآن 700 ألف، أي أكثر من ضعف العدد المسجل في الأسبوع السابق وهو 340 ألفاً. وتتوقع الأمم المتحدة أن يتجاوز العدد في حال استمر القتال 800 ألف شخص.
بشكل تعريفي فإن الهجرة هي عملية انتقال الأفراد أو المجموعات من منطقة إلى أخرى بحثًا عن ظروف أفضل وحياة أكثر أمانًا واستقرارًا. تعتبر الهجرة في زمن الحروب من أخطر وأكثر أشكال الهجرة تحديًا وتعقيدًا. وفي السياق الحالي، نركز على حالة الهجرة في السودان في ظل التحديات والصراعات التي تمر بها البلاد. فتاريخ النزاعات في السودان يعود إلى فترة طويلة، حيث شهدت البلاد نزاعات داخلية معقدة على مدى العقود الماضية. تتسبب هذه الصراعات في تدمير البنية التحتية والاقتصاد وتهديد أمن وسلامة السكان. تترك الحروب المستمرة الناس في حالة من الخوف والتشرد، مما يجبرهم على الفرار إلى مناطق آمنة. وتعد الهجرة الداخلية والخارجية ظاهرة شائعة. يعتبر السكان الذين يهاجرون داخل البلاد نتيجة للنزاعات والصراعات والجفاف والفقر. ويترك العديد من السكان القرويين منازلهم في المناطق الريفية المتضررة للبحث عن حياة أفضل في المدن والمراكز الحضرية. تواجه هذه المدن تحديات هائلة في توفير الخدمات والبنية التحتية لاستيعاب هذه الجماعات المهاجرة الجديدة. من الجوانب الأخرى، عانى السودان من هجرة خارجية كبيرة. يتوجه العديد من الأفراد والعائلات إلى الدول المجاورة، مثل جنوب السودان ومصر و اثيوبيا وتشاد وإريتريا، بحثًا عن ملاذ آمن. كما يفر البعض أيضًا إلى الدول الأوروبية ودول الخليج العربي، مما يجعل الهجرة في زمن الحروب في السودان ظاهرة عابرة للقارات.
من الجانب الإنساني، يجب على المجتمع الدولي تقديم المساعدة والدعم للنازحين واللاجئين السودانيين. يتعين على الدول المضيفة والمنظمات الإنسانية تقديم المساعدة اللازمة لتلبية احتياجاتهم الأساسية وتوفير الحماية من العنف والاستغلال. أما على المدى الطويل فيجب على الحكومة السودانية القادمة عندما ينصلح الحال بإذن الله .. العمل على حل النزاعات الداخلية والسعي إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد. يتضمن ذلك العمل على تحسين الحوكمة وتوفير فرص العمل والتعليم وتحقيق العدالة الاجتماعية لجميع شرائح المجتمع. وتبقى الهجرة في زمن الحروب حالة إنسانية مؤلمة تشكل تحديًا هائلاً على الصعيد الإنساني والسياسي. يتوجب على الجميع تكثيف الجهود لتقديم المساعدة والدعم للنازحين واللاجئين والعمل على تحقيق الاستقرار والسلام في السودان للحد من هذه الظاهرة القاسية.

د. سامر عوض حسين
24 يوليو 2023

samir.alawad@gmail.com

 

آراء