الى البلابسة واتباع إبليس!

 


 

د. زهير السراج
5 September, 2024

 

مناظير الخميس 5 سبتمبر، 2024

زهير السراج

manazzeer@yahoo.com

* شهدتْ الأيام الماضية تصاعدا كبيرا في القصف الجوي والمدفعي من طرفى الحرب، ليس على بعضهما البعض، وانما على المنشئات المدنية والاسواق والاحياء السكنية مما ادى لمقتل واصابة مئات المواطنين واحدث دمارا هائلا في البنية التحتية، الأمر الذي يؤكد ان الطرفين يعملان باجتهاد واصرار منذ اول يوم لنشوب الحرب على تدمير الوطن وتشريد شعبه، وهو الهدف الوحيد الذي تحقق حتى الآن منذ اندلاع الحرب بما لا يحتاج الى دليل، فحجم القتل والتشريد الدمار الشامل للبنية التحتية والانهيار الكامل في كل شئ واضح على الارض، الامر الذي يضع جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية والابادة الجماعية في مرتبة اقل بكثير من الجرائم والفظائع التي ارتكبها الطرفان، وهى جرائم لا يمكن أن يرتكبها عدو خارجي شديد العداء للسودان دعك من اشخاص ينتمون للسودان !

* وفقا للتقديرات فإن خسائر الدمار الذي لحق بالبنية التحتية والمنشآت العامة منذ بداية الحرب في السودان تزيد عن 150 مليار دولار حتى الآن، فضلا عن الاعباء الاقتصادية والمالية والاجتماعية الضخمة المترتبة عن توقف العمل والانتاج والتعليم ..إلخ، وما يُهدر من اموال ضخمة على السلاح واعمال الحرب، واعاشة اللاجئين والنازحين بواسطة اسرهم واقربائهم في الخارج وهى اموال كان من المفترض ان تستثمر في البناء والتعمير والتعليم ..إلخ، ولكنها تذهب الآن في أغراض التسليح والحرب، والاعاشة من ايجارات وطعام ودواء للذين تركوا وطنهم ومناطقهم وبيوتهم واعمالهم ونزحوا أو لجئوا لدول ومناطق أخرى، بما يشكل عبئا ضخما على أقربائهم في الخارج ويؤثر على حياتهم وخططهم المستقبلية ..إلخ. أى أن التأثير السلبي للحرب يشمل الجميع ولا يترك أحدا !

لقد تراجع الناتج القومي (وهو القيمة الاجمالية لجميع السلع والخدمات التي ينتجها مواطنو الدولة والشركات المملوكة للمواطنين حتى وإن كانوا خارجها) بسبب الحرب والدمار الذي احدثته، الى اقل من ( 30 % )، فإذا افترضنا أن القيمة الاجمالية للسلع والخدمات التي انتجها السودانيون قبل الحرب كانت تساوي (مليون وحدة )، فهى تساوي الآن (300 الف وحدة) فقط، وإذا استمرت الحرب والدمار ستنحدر القيمة أكثر وأكثر الى ان تصبح (لا شئ). تخيل انك كنت تنتج ما قيمته مليون جنيه، وفجأة اصبحت لا تنتج شيئا، فكيف تعيش وكيف تنفق على احتياجاتك اليومية؟! إنه الانهيار الشامل وليس هنالك ما تفعله ازاء هذا الانهيار سوى التسول لو وجدت من يتصدق عليك!

* وحتى لو وجدتَ من يتصدق عليك ببعض المال، فانه لن يفيدك بشئ ولن يشتري لك شيئا مع التضخم الشديد الذي يكتسح البلاد ويرتفع كل يوم، وهو ما يحدث الآن .. حيث وصل سعر (كوم سَلطَّة صغير يتكون من اربعة طماطمات صغار وليمونة صغيرة وربع عجورة وكيس دكوة في حجم كيس التسالي الصغير وثلاثة قرون شطة خضراء وشوية عروق جرجير) مبلغ 10 الف جنيه في مدينة بورتسودان (حيث لا توجد حرب)، فما بالك بمناطق الحرب؟! كما وصل سعر الدولار امس الى 2800 جنيه، مقارنة ب 600 جنيها قبل اندلاع الحرب (أى ان سعره تضاعف اربع مرات ونصف بعد عام ونصف فقط من الحرب)، فكم سيتضاعف بعد عامين أو ثلاثة؟!

* لا اريد أن أكرر ما ذُكر من قبل عن حجم الدمار الهائل للبنية التحتية والحالة البيئية والصحية المتردية، وانهيار الخدمات من كهرباء وماء وعلاج وتعليم والدمار الهائل الذي لحق ب 70 % من المنشئات الخدمية بكافة انواعها بما يحتاج الى اموال ضخمة وسنوات طويلة لاعادة الاعمار والتعمير وعودة الحياة الى دورتها الحالية، وإذا كان وزير الصحة قد قدَّر حجم التمويل اللازم لإعادة تأهيل القطاع الصحي فقط بنحو 11 مليار دولار، فكم يكون حجم التمويل اللازم لاعادة تأهيل كل القطاعات؟!

* أما أحد أكبر كوارث الحرب فهو توقف التعليم وخروج ملايين التلاميذ والطلاب (في المدارس والجامعات) من دائرة التعليم، ولا يدري أحد كم (سنة) سيستمر هذا الخروج. المعلوم ان الخروج من دائرة التعليم (سنة واحدة) فقط قد يؤثر بنسبة تزيد عن (20 % ) على عودة الطالب للدراسة مرة أخرى، فماذا سيكون الحال إذا زاد الخروج عن سنة واحدة، وامتد لعدة سنوات .. اترك لكم الإجابة على هذا السؤال المرعب!

* تخيل أن طفلك كان تلميذا في السنة الثالثة بمرحلة الاساس او الوسطى عندما نشبت الحرب في العام الماضي، ثم مرت عليه ثلاثة اعوام بدون دراسة، فهل سيعود هذا الطفل للدراسة مرة أخرى في نفس المرحلة التي توقف فيها ولقد زاد عمره ثلاث سنوات، أو .. هل سيعود الى الدراسة في الأصل، وإذا افترضنا انه عاد، فهل سيستمر وينجح ويحقق ما يريد بعد انقضاء ثلاثة اعوام كاملة وهو خارج دائرة التعليم؟!

* ارجوك ان تتوقف عن قراءة هذا المقال قليلا وتتخيل الوضع المرعب الذي سيكون عليه حال السودان وأجياله القادمة إذا إستمرت الحرب بضعة اعوام وظل ملايين التلاميذ والطلاب خارج دائرة التعليم ! ولكن لماذا نذهب بعيدا .. أنظر الى حال اللاجئين السوريين في معسكرات اللجوء في سوريا وخارج سوريا لتعرف كيف سيكون عليه حالنا في المستقبل القريب !

* من المؤسف ان يظل البعض يروج للحرب لانه يقيم مع اسرته بعيدا عن نطاق الحرب، في تركيا أو قطر أو دبى أو أى مكان آخر، او معتقدا انها مجرد نزهة او رحلة سياحية ستنتهي وتصبح مجرد ذكري، ولكنها حتما ستطاله وتلحق به اينما كان، وحينها لن يسعفه الوقت كى يصرخ .. ( لا للحرب)، لانها ستكون قد دمرت كل شئ، وقضت على كل شئ!

 

آراء