انتخابات 2015 (1): حقيقة الانتخابات العامة في السودان
محمد علي خوجلي
15 February, 2015
15 February, 2015
Khogali17@yahoo.com
بالتجربة الانسانية قامت نظم عسكرية ديكتاتورية واستبدادية بتسليم السلطة لنظام ديموقراطي. ويحدث التسليم عندما يكون النظام الاستبدادي قد مارس كل أنواع القمع ولم يعد قادراً على المزيد منه.. وفي مقابل ذلك العجز تكون هناك جبهة معارضة جماهيرية واسعة واضحة ومحددة الهدف الذي هو واحد (!) »استعادة الديموقراطية« وهنا يوقع اتفاق جوهره تحول النظام من الشمولية الى الديموقراطية »ومن النماذج: اليونان، الارجنتين، شيلي والسودان في 1964-1985«.
وشهدت السنوات الأخيرة انهيار العديد من الأنظمة الديكتاتورية المختلفة، مؤكدة عدم قدرتها على تحدي الشعوب السياسي والاقتصادي والاجتماعي المشترك عند المواجهة، ومن النماذج، دول أوربا الشرقية (الشيوعية السابقة)و بوليفيا و الفلبين ومدغشقر ومالي (وما يجري في دول الربيع العربي.)
مثلما نجحت شعوب عديد من الدول في ترسيخ الديموقراطية، دول من أمريكا الجنوبية، (شيلي، الارجواي والأرجنتين) ودول في أفريقيا: ملاوي و زائير ونيجيريا التي شهدت في فبرائر الجاري 2015 تظاهرات قوية احتجاجاً على تأجيل الانتخابات (لظروف أمنية) وغيرها من دول شرق أوربا.
ان (استعادة الديموقراطية) و(ترسيخ الديموقراطية) أصبحت من المطالب العامة للشعوب وارتفعت رايات التوجه نحو التحول الديموقراطي في كثير من دول العالم. وأكدت التجربة الانسانية و(السودانية) على ثلاث حقائق مهمة:
١- أن الديكتاتورية لا تلد الديموقراطية.
٢- أن الحقوق والحريات الأساسية تنتزع ولا تمنح.
٣- أن النضال من أجل الديموقراطية هو مهمة كل مكونات الساحة السياسية وغالبية السكان.
وأية حكومة تنقلب على النظام الديموقراطي يكون واجبها الأول: تأمين سلطتها الجديدة باجراءات معلومة، من حل الأحزاب والنقابات وتعطيل الدستور وإعلان حالة الطواريء الى حملات الاعتقالات الواسعة والمحاكم العسكرية والفصل من الخدمة للأعداء السياسيين (الطبقيين) المفترضين.. وغير ذلك.
والانظمة الشمولية عندما تصادر حركة الجماهير تطرح ذاتها بديلاً عنها، وتتوهم انها وحدها التي تقف في صف الشعب وتدافع عن سيادة الوطن ووحدته ومصالحه الوطنية في حين أن (الوطنية) لا يمكن ان تحقق تقدمها أو تحافظ عليه في غياب حرية المجتمع.
وبعد فترة يرخي النظام العسكري أو الاستبدادي قبضته ويواصل شموليته بأدوات أخرى أبرزها اجراء انتخابات عامة واقامة مجالس منتخبة وصورية (المجلس المركزي في حقبة الحكم العسكري الأول ومجالس الشعب في حقبة الحكم العسكري الثاني في السودان).
ويصعب تصور وجود (أحزاب معارضة) تحت ظل نظام شمولي، لذلك تلجأ أحزاب للعمل السري. وعندما تدعي أحزاب ديموقراطية -المعارضة- تحت ظل النظام الشمولي فإنها تكون مجرد ديكور (أحزاب التوالي في ظل حكم الانقاذ) وتكتمل المسرحية عندما تشارك تلك الأحزاب في انتخابات تشريعية تحت ظل النظام الاستبدادي. والطبيعي أن الأحزاب الديموقراطية المعارضة في النظام الشمولي الاستبدادي مهمتها استعادة الديموقراطية.
وانتخابات 1986 كانت الأخيرة في حقبة الديموقراطية الثالثة. ونذكر مطالبة قوى الانتفاضة بتخصيص دوائر للقوى الحديثة والنساء، وتضمين نظام التمثيل النسبي وغير ذلك. وفي النهاية تم تخصيص 10٪ من الدوائر الجغرافية للخريجين بصيغة تختلف عن 1965 (وتعريف الخريج في 1986، عامان فوق المرحلة الثانوية) واستبعد نظام القائمة الواحدة (فاز بها الشيوعيون في 1965).. المهم أن النظام الانتخابي كان لصالح حزب الحركة الاسلامية.
وعارض تجمع قوى الانتفاضة وقوى سياسية اخرى، قانون الانتخابات والنظام الانتخابي للخريجين واعداد الدوائر وترسيم حدودها إلا أن المجلس العسكري الانتقالي برئاسة المشير سوار الدهب رفض كل المطالبات كما رفض الاستجابة لطلبات تأجيل الانتخابات بسبب (الاتفاق) الذي حدد تاريخها.
وفي الحقبة الانقاذية من بعد 30 يونيو 1989 جرت انتخابات في 1996 و2000 والتي نافس فيها حزب الحركة الاسلامية نفسه. ونافس مرشحون مستقلون وقيادات خرجت من أو على احزابها. وأعرض بايجاز ملخص انتخابات 2000 والتي حصل فيها الرئيس البشير على نسبة 86.5٪ (عدد الناخبين حوالي ثمانية ملايين) وأبرز الملاحظات حول تلك الانتخابات إن النتائج الرسمية أفادات بالإتي:
* 35% من المرشحين، فازوا بالتزكية و20٪ من هؤلاء فازوا بالاجماع السكوتي.
* نسبة المشاركين بلغت 86٪ وكانت55% في انتخابات 1996(!).
لكن تقرير المنظمة السودانية لحقوق الانسان ومنظمات أخرى ورد فيها:
١- نسبة المشاركين في انتخابات 2000 بلغت ٧٪
٢- الاستغلال الواسع للنفوذ واستخدام امكانيات وموارد الدولة لمصلحة المرشحين.
٣- المضايقات الأمنية والشرطية لبعض المرشحين ووكلائهم واعتقال بعضهم أو طردهم من المراكز الانتخابية.
٤- غياب مبدأ تكافؤ الفرص بفرض رسوم عالية للترشيح و للحصول على سجلات الناخبين.
٥- ممارسة التهديد والابتزاز والإغراء ضد بعض المرشحين لحملهم على التنازل لمصلحة مرشحي الحزب الحاكم. وانظر:
- في انتخابات 2010 طبق ذات المنهج في ولاية البحر الأحمر، كما شرحنا في الجزء الأول من هذا المقال.
- قدم أحد المرشحين في العاصمة الخرطوم (انتخابات 2000) شكوى ضد عناصر قيادية في الحزب الحاكم تتولى مسؤوليات رسمية حملته على سحب ترشيحه دون أن تلتزم بالوفاء له بالالتزامات التي تعهدوا بها عقب فوز مرشحهم بالتزكية.
٦- تولي الجهات الرسمية تصريف أعمال الانتخابات في بعض المناطق النائية بديلاً للجان الانتخابية (راجع انتخابات 2010 بشأن الشكاوي المشابهة).
٧- شطب أسماء من السجل الانتخابي والتصويت دون إبراز المستندات واعطاء ناخبين أكثر من بطاقة.
٨- خلو سجلات الناخبين من أسماء العديد من الناخبين في مختلف الدوائر وقد اضطرت هيئة الانتخابات في اليوم الخامس من بدء التصويت للسماح لرؤساء اللجان في الولايات بتعديل الكشوفات الانتخابية بدعوى معالجة الأسماء الساقطة غير أن ذلك فتح باباً واسعاً للتلاعب.
وأرجح صحة تقارير المنظمات حيث أنها تتسق مع الدراسة التي أعدها حزب المؤتمر الوطني قبل سنوات خلال مرحلة التحضير لانتخابات 2010 والدراسة بعنوان: الانتخابات القادمة في السودان في ظل التحولات الديموقراطية (رؤية تنظيمية) حيث جاء في (ثانياً):
ويمكن ايجاز مشكلات التنظيم في الاتي:
* تلاحظ عبر سنين الانقاذ الماضية خاصة مرحلة التحول من الشرعية الثورية الى الشرعية الدستورية ضعف اهتمام العضوية الشديد بتسجيل أسمائهم وبالتالي فشلها في استقطاب الآخرين للتسجيل بالرغم من أن التسجيل كان يتم من منزل إلى منزل.
*هذا الضعف اضطرنا الى القيام باجراءات استثنائية قادت الى سلبيات قدحت في صحة الانتخابات واضعاف هيبتها في أعين الجمهور. ونذكر من هذه السلبيات:
١- قبول القوائم دون حضور الأفراد وقد يكون بها كثير من الأخطاء، بل وقد يكون هناك من لا رغبة لديهم في الانتخابات أصلاً.
٢- تسجيل الأسماء من واقع كشوفات البطاقة التموينية التي بها الصغار والكبار وكثير من الأسماء الوهمية زيدت بواسطة الاسر.
٣- الاضطرار الى فتح السجل حتى في مرحلة الاقتراع لاضافة السواقط وبالتالي زيادة عدد المسجلين بكميات كبيرة أضعفت النسبة العامة للتصويت.
٤- اعتماد التنظيم على اللجان الشعبية لتسجيل الأسماء دون أن يكون لديه أي دور واضح لمتابعتها وترتيب أوضاعها.
٥- لم يوظف التنظيم واجهاته الأخرى على كثرتها لتساهم في عملية التسجيل من منطلق رسالي مبدئي.. وضمان استدامة هيبة السلطة والتي شكلت السلبيات بعضاً من أسباب اهتزازها.
وكثيرون ظنوا خطأ أن انتخابات 2010 ستكون خطوة نحو التحول الديموقراطي والتغيير بسبب اعلام الدولة والاحزاب السياسية حتى اصابتهم الصدمة وأن الأمور لم تظل كما هي بل ازدادت سوءاً وأصبح حزب الحركة الاسلامية الأكثر هيمنة واستعلاءاً بعد الشرعية التي اكتسبتها بالاتفاق قبل الانتخاب.
والنتيجة طبيعية لأي مراقب وقف على النصوص وأحاط بالممارسات: فبروتكول مشاكوس نص على (اقامة نظام ديموقراطي) وبس!! ثم جاءت نيفاشا لتؤكد:
أن التطبيق الناجح لاتفاقية السلام قاعدته الاساسية مساندة غالبية السكان.. وأن ذلك النجاح هو الذي يعين على بناء قاعدة متينة تجعل وحدة البلاد أمراً جاذباً وتصون السلم.. (مجرد كلمات مكتوبة لا أثر لها في الواقع!!)
ومن مباديء اتفاقية نيفاشا (الوحدة بالتنوع) و(السعي لقيام الحكم الديموقراطي) ولا يختلف اثنان حول أن الاتفاقية قدمت السلام (وقف الحرب ونزيف الدم) على الديموقراطية وتم استبعاد الأحزاب السياسية المعارضة من المفاوضات وكسب نظام الانقاذ شرعية بالاتفاقية.
وكل بروتكولات السلام الموقعة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان وحكومة السودان خلال الفترة ٢ يوليو 2002 و26 مايو 2004 لم تشتمل على أى اتفاق ينظم التحول الديموقراطي واجراءاته بما في ذلك الانتخابات العامة.
وخلافاً لكل المواضيع الأخرى التي حددت الجداول تاريخ انفاذها، فإن اجراءات التحول الديموقراطي ومنها مواءمة القوانين مع الاتفاقية والدستور المؤقت ظلت غائمة. ونصت الاتفاقية على أن المراجعة الدستورية تتواصل حتى نهاية الفترة الانتقالية ولذلك جاء نص الدستور المؤقت 2005 بسريان تلك القوانين (المخالفة للاتفاقية) الى حين انفاذها أو تعديلها أو المبادرة بقوانين جديدة.
أنظر:
جاء في اخبار 27 يناير 2015 أن (اعتدال عبدالعال) عضو لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني أفادت بوجود بعض القوانين التي تتعارض مع الدستور وأن هذه القوانين كان من المفترض تعديلها منذ 2005 لتواكب الدستور!!
وعلى الرغم من أن الاتفاقية أكدت أنه في حالة وجود تعارض بين الاتفاقية والدستور تسود بنود الاتفاقية إلا أن الآلية التي قررتها الاتفاقية (مفوضية حقوق الانسان) رغم صدور قانونها في 2004 إلا أنها تكونت بعد ست سنوات بما يعني بوضوح تعمد تجميد وثيقة الحقوق التي هي جزء لا يتجزأ من الدستور المؤقت وكذلك تجميد قوانين التحول الديموقراطي فمن مهام تلك المفوضية:
- دراسة التشريعات والقرارات والترتيبات المتعلقة بحقوق الانسان.
- تشجيع مواءمة التشريعات والممارسات الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الانسان.
ونختم:
الدكتاتورية لا تلد الديموقراطية، والحقوق والحريات ينتزعها الشعب انتزاعاً ولا يمنحها اتفاق بضمانة أجنبي!!
ونواصل