انتخابات‮ ‬2015‮ (1): حقيقة الانتخابات العامة في‮ ‬السودان‮

 


 

 


Khogali17@yahoo.com
بالتجربة الانسانية قامت نظم عسكرية ديكتاتورية واستبدادية بتسليم السلطة لنظام ديموقراطي‮. ‬ويحدث التسليم عندما‮ ‬يكون النظام الاستبدادي‮ ‬قد مارس كل أنواع القمع ولم‮ ‬يعد قادراً‭ ‬على‭ ‬المزيد منه‮.. ‬وفي‮ ‬مقابل ذلك العجز تكون هناك جبهة معارضة جماهيرية واسعة واضحة ومحددة الهدف الذي‮ ‬هو واحد‮ (!) »‬استعادة الديموقراطية‮« ‬وهنا‮ ‬يوقع اتفاق جوهره تحول النظام من الشمولية الى‭ ‬الديموقراطية‮ »‬ومن النماذج‮: ‬اليونان،‮ ‬الارجنتين،‮ ‬شيلي‮ ‬والسودان في‮ ‬1964‮-‬1985‮«.‬
وشهدت السنوات الأخيرة انهيار العديد من الأنظمة الديكتاتورية المختلفة،‮ ‬مؤكدة عدم قدرتها على‭ ‬تحدي‮ ‬الشعوب السياسي‮ ‬والاقتصادي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬المشترك عند المواجهة،‮ ‬ومن النماذج،‮ ‬دول أوربا الشرقية‮ (‬الشيوعية السابقة‮)و‮ ‬بوليفيا و ‬الفلبين ‬ومدغشقر ومالي‮ (‬وما‮ ‬يجري‮ ‬في‮ ‬دول الربيع العربي‮.)‬
مثلما نجحت شعوب عديد من الدول في‮ ‬ترسيخ الديموقراطية،‮ ‬دول من أمريكا الجنوبية،‮ (‬شيلي،‮ ‬الارجواي‮ ‬والأرجنتين‮) ‬ودول في‮ ‬أفريقيا:‮ ‬ملاوي و زائير ونيجيريا التي‮ ‬شهدت في‮ ‬فبرائر الجاري‮ ‬2015‮ ‬تظاهرات قوية احتجاجاً‭ ‬على‭ ‬تأجيل الانتخابات‮ (‬لظروف أمنية‮) ‬وغيرها من دول شرق أوربا‮.‬
ان‮ (‬استعادة الديموقراطية) ‬و(ترسيخ الديموقراطية) ‬أصبحت من المطالب العامة للشعوب وارتفعت رايات التوجه نحو التحول الديموقراطي‮ ‬في‮ ‬كثير من دول العالم‮. ‬وأكدت التجربة الانسانية و(السودانية) ‬على‭ ‬ثلاث حقائق مهمة‮:‬
‮١- ‬أن الديكتاتورية لا تلد الديموقراطية‮.‬
‮٢- ‬أن الحقوق والحريات الأساسية تنتزع ولا تمنح‮.‬
‮٣- ‬أن النضال من أجل الديموقراطية هو مهمة كل مكونات الساحة السياسية وغالبية السكان‮.‬
وأية حكومة تنقلب على‭ ‬النظام الديموقراطي‮ ‬يكون واجبها الأول‮: ‬تأمين سلطتها الجديدة باجراءات معلومة،‮ ‬من حل الأحزاب والنقابات وتعطيل الدستور وإعلان حالة الطواريء الى‭ ‬حملات الاعتقالات الواسعة والمحاكم العسكرية والفصل من الخدمة للأعداء السياسيين‮ (الطبقيين) ‬المفترضين‮.. ‬وغير ذلك‮. ‬
والانظمة الشمولية عندما تصادر حركة الجماهير تطرح ذاتها بديلاً‭ ‬عنها،‮ ‬وتتوهم انها وحدها التي‮ ‬تقف في‮ ‬صف الشعب وتدافع عن سيادة الوطن ووحدته ومصالحه الوطنية في‮ ‬حين أن‮ (الوطنية) ‬لا‮ ‬يمكن ان تحقق تقدمها أو تحافظ عليه في‮ ‬غياب حرية المجتمع‮.‬
وبعد فترة‮ ‬يرخي‮ ‬النظام العسكري‮ ‬أو الاستبدادي‮ ‬قبضته ويواصل شموليته بأدوات أخرى‭ ‬أبرزها اجراء‭ ‬انتخابات عامة واقامة مجالس منتخبة وصورية‮ (المجلس المركزي‮ ‬في‮ ‬حقبة الحكم العسكري‮ ‬الأول ومجالس الشعب في‮ ‬حقبة الحكم العسكري‮ ‬الثاني‮ ‬في‮ ‬السودان).
ويصعب تصور وجود‮ (أحزاب معارضة) ‬تحت ظل نظام شمولي،‮ ‬لذلك تلجأ‭ ‬أحزاب للعمل السري‮. ‬وعندما تدعي‮ ‬أحزاب ديموقراطية‮ -‬المعارضة‮- ‬تحت ظل النظام الشمولي‮ ‬فإنها تكون مجرد‮ ‬ديكور‮ (أحزاب التوالي‮ ‬في‮ ‬ظل حكم الانقاذ) ‬وتكتمل المسرحية عندما تشارك تلك الأحزاب في‮ ‬انتخابات تشريعية تحت ظل النظام الاستبدادي‮. ‬والطبيعي‮ ‬أن الأحزاب الديموقراطية المعارضة في‮ ‬النظام الشمولي‮ ‬الاستبدادي‮ ‬مهمتها استعادة الديموقراطية‮.‬
وانتخابات‮ ‬1986‮ ‬كانت الأخيرة في‮ ‬حقبة الديموقراطية الثالثة‮. ‬ونذكر مطالبة قوى‭ ‬الانتفاضة بتخصيص دوائر للقوى الحديثة والنساء،‮ ‬وتضمين نظام التمثيل النسبي‮ ‬وغير ذلك‮. ‬وفي‮ ‬النهاية تم تخصيص‮ ‬10٪‮ ‬من الدوائر الجغرافية للخريجين بصيغة تختلف عن‮ ‬1965‮ (وتعريف الخريج في‮ ‬1986،‮ ‬عامان فوق المرحلة الثانوية) ‬واستبعد نظام القائمة الواحدة‮ (فاز بها الشيوعيون في‮ ‬1965‮).. ‬المهم أن النظام الانتخابي‮ ‬كان لصالح حزب الحركة الاسلامية‮.‬
وعارض تجمع قوى‭ ‬الانتفاضة وقوى‭ ‬سياسية اخرى،‮ ‬قانون الانتخابات والنظام الانتخابي‮ ‬للخريجين واعداد الدوائر وترسيم حدودها إلا أن المجلس العسكري‮ ‬الانتقالي‮ ‬برئاسة المشير سوار الدهب رفض كل المطالبات كما رفض الاستجابة لطلبات تأجيل الانتخابات بسبب‮ (الاتفاق) ‬الذي‮ ‬حدد تاريخها‮.‬
وفي‮ ‬الحقبة الانقاذية من بعد‮ ‬30‮ ‬يونيو‮ ‬1989‮ ‬جرت انتخابات في‮ ‬1996‮ ‬و2000‮ ‬والتي‮ ‬نافس فيها حزب الحركة الاسلامية نفسه‮. ‬ونافس مرشحون مستقلون وقيادات خرجت من أو على‭ ‬احزابها‮. ‬وأعرض بايجاز ملخص انتخابات‮ ‬2000‮ ‬والتي‮ ‬حصل فيها الرئيس البشير على‭ ‬نسبة‮ ‬86‭.‬5٪‮ (عدد الناخبين حوالي‮ ‬ثمانية ملايين) ‬وأبرز الملاحظات حول تلك الانتخابات إن النتائج الرسمية أفادات بالإتي‮:‬
‮* 35% ‬من المرشحين،‮ ‬فازوا بالتزكية و20٪‮ ‬من هؤلاء فازوا بالاجماع السكوتي‮.‬
‮* ‬نسبة المشاركين بلغت‮ ‬86٪‮ ‬وكانت‮55% ‬في‮ ‬انتخابات‮ ‬1996(!).
‮ ‬لكن تقرير المنظمة السودانية لحقوق الانسان ومنظمات أخرى‭ ‬ورد فيها‮:‬
‮١- ‬نسبة المشاركين في‮ ‬انتخابات‮ ‬2000‮ ‬بلغت ‮٧‬٪
‮٢- ‬الاستغلال الواسع للنفوذ واستخدام امكانيات وموارد الدولة لمصلحة المرشحين‮.‬
‮٣- ‬المضايقات الأمنية والشرطية لبعض المرشحين ووكلائهم واعتقال بعضهم أو طردهم من المراكز الانتخابية‮.‬
‮٤- ‬غياب مبدأ تكافؤ الفرص بفرض رسوم عالية للترشيح و للحصول على‭ ‬سجلات الناخبين‮.‬
‮٥- ‬ممارسة التهديد والابتزاز والإغراء‭ ‬ضد بعض المرشحين لحملهم على‭ ‬التنازل لمصلحة مرشحي‮ ‬الحزب الحاكم‮. ‬وانظر‮:‬
‮- ‬في‮ ‬انتخابات‮ ‬2010‮ ‬طبق ذات المنهج في‮ ‬ولاية البحر الأحمر،‮ ‬كما شرحنا في‮ ‬الجزء الأول من هذا المقال‮.‬
‮- ‬قدم أحد المرشحين في‮ ‬العاصمة الخرطوم‮ (انتخابات‮ ‬2000) ‬شكوى‭ ‬ضد عناصر قيادية في‮ ‬الحزب الحاكم تتولى‭ ‬مسؤوليات رسمية حملته على‭ ‬سحب ترشيحه دون أن تلتزم بالوفاء له بالالتزامات التي‮ ‬تعهدوا بها عقب فوز مرشحهم بالتزكية‮.‬
‮٦- ‬تولي‮ ‬الجهات الرسمية تصريف أعمال الانتخابات في‮ ‬بعض المناطق النائية بديلاً‮ ‬للجان الانتخابية‮ (راجع انتخابات‮ ‬2010‮ ‬بشأن الشكاوي‮ ‬المشابهة).
‮٧- ‬شطب أسماء من السجل الانتخابي‮ ‬والتصويت دون إبراز المستندات واعطاء ناخبين أكثر من بطاقة‮.‬
‮٨- ‬خلو سجلات الناخبين من أسماء العديد من الناخبين في‮ ‬مختلف الدوائر وقد اضطرت هيئة الانتخابات في‮ ‬اليوم الخامس من بدء‭ ‬التصويت للسماح لرؤساء اللجان في‮ ‬الولايات بتعديل الكشوفات الانتخابية بدعوى‭ ‬معالجة الأسماء الساقطة‮ ‬غير أن ذلك فتح باباً‮ ‬واسعاً‮ ‬للتلاعب‮.
وأرجح صحة تقارير المنظمات حيث أنها تتسق مع الدراسة التي‮ ‬أعدها حزب المؤتمر الوطني‮ ‬قبل سنوات خلال مرحلة التحضير لانتخابات‮ ‬2010‮ ‬والدراسة بعنوان‮:‬‭ ‬الانتخابات القادمة في‮ ‬السودان في‮ ‬ظل التحولات الديموقراطية‮ (رؤية تنظيمية) ‬حيث جاء في (ثانياً)‮:‬
ويمكن ايجاز مشكلات التنظيم في‮ ‬الاتي‮:‬
* ‬تلاحظ عبر سنين الانقاذ الماضية خاصة مرحلة التحول من الشرعية الثورية الى‭ ‬الشرعية الدستورية ضعف اهتمام العضوية الشديد بتسجيل أسمائهم وبالتالي‮ ‬فشلها في‮ ‬استقطاب الآخرين للتسجيل بالرغم من أن التسجيل كان‮ ‬يتم من منزل إلى‭ ‬منزل‮.‬
‮*‬هذا الضعف اضطرنا الى‭ ‬القيام باجراءات استثنائية قادت الى‭ ‬سلبيات قدحت في‮ ‬صحة الانتخابات واضعاف هيبتها في‮ ‬أعين الجمهور‮. ‬ونذكر من هذه السلبيات‮:‬
‮١- ‬قبول القوائم دون حضور الأفراد وقد‮ ‬يكون بها كثير من الأخطاء،‮ ‬بل وقد‮ ‬يكون هناك من لا رغبة لديهم في‮ ‬الانتخابات أصلاً‮.‬
‮٢- ‬تسجيل الأسماء من واقع كشوفات البطاقة التموينية التي‮ ‬بها الصغار والكبار وكثير من الأسماء الوهمية زيدت بواسطة الاسر‮.‬
‮٣- ‬الاضطرار الى‭ ‬فتح السجل حتى‭ ‬في‮ ‬مرحلة الاقتراع لاضافة السواقط وبالتالي‮ ‬زيادة عدد المسجلين بكميات كبيرة أضعفت النسبة العامة للتصويت‮.‬
‮٤- ‬اعتماد التنظيم على‭ ‬اللجان الشعبية لتسجيل الأسماء دون أن‮ ‬يكون لديه أي‮ ‬دور واضح لمتابعتها وترتيب أوضاعها‮.‬
‮٥- ‬لم‮ ‬يوظف التنظيم واجهاته الأخرى على‭ ‬كثرتها لتساهم في‮ ‬عملية التسجيل من منطلق رسالي‮ ‬مبدئي‮.. ‬وضمان استدامة هيبة السلطة والتي‮ ‬شكلت السلبيات بعضاً‭ ‬من أسباب اهتزازها‮.‬
وكثيرون ظنوا خطأ أن انتخابات‮ ‬2010‮ ‬ستكون خطوة نحو التحول الديموقراطي‮ ‬والتغيير بسبب اعلام الدولة والاحزاب السياسية حتى‭ ‬اصابتهم الصدمة وأن الأمور لم تظل كما هي‮ ‬بل ازدادت سوءاً‮ ‬وأصبح حزب الحركة الاسلامية الأكثر هيمنة واستعلاءاً‮ ‬بعد الشرعية التي‮ ‬اكتسبتها بالاتفاق قبل الانتخاب‮.‬
والنتيجة طبيعية لأي‮ ‬مراقب وقف على‭ ‬النصوص وأحاط بالممارسات‮: ‬فبروتكول مشاكوس نص على‭ (اقامة نظام ديموقراطي) ‬وبس‮!! ‬ثم جاءت نيفاشا لتؤكد‮:‬
أن التطبيق الناجح لاتفاقية السلام قاعدته الاساسية مساندة‮ ‬غالبية السكان‮.. ‬وأن ذلك النجاح هو الذي‮ ‬يعين على‭ ‬بناء‭ ‬قاعدة متينة تجعل وحدة البلاد أمراً‮ ‬جاذباً‮ ‬وتصون السلم‮.. (مجرد كلمات مكتوبة لا أثر لها في‮ ‬الواقع‮!!)‬
ومن مباديء اتفاقية نيفاشا‮ (الوحدة بالتنوع) ‬و(السعي‮ ‬لقيام الحكم الديموقراطي) ‬ولا‮ ‬يختلف اثنان حول أن الاتفاقية قدمت السلام‮ (وقف الحرب ونزيف الدم) ‬على‭ ‬الديموقراطية وتم استبعاد الأحزاب السياسية المعارضة من المفاوضات وكسب نظام الانقاذ شرعية بالاتفاقية‮.‬
وكل بروتكولات السلام الموقعة بين الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي‮ ‬لتحرير السودان وحكومة السودان خلال الفترة ‮٢ ‬يوليو‮ ‬2002‮ ‬و26‮ ‬مايو‮ ‬2004‮ ‬لم تشتمل على‭ ‬أى اتفاق‮ ‬ينظم التحول الديموقراطي‮ ‬واجراءاته بما في‮ ‬ذلك الانتخابات العامة‮.‬ 
وخلافاً‭ ‬لكل المواضيع الأخرى‭ ‬التي‮ ‬حددت الجداول تاريخ انفاذها،‮ ‬فإن اجراءات التحول الديموقراطي‮ ‬ومنها مواءمة القوانين مع الاتفاقية والدستور المؤقت ظلت غائمة‮. ‬ونصت الاتفاقية على‭ ‬أن المراجعة الدستورية تتواصل حتى‭ ‬نهاية الفترة الانتقالية ولذلك جاء‭ ‬نص الدستور المؤقت‮ ‬2005‮ ‬بسريان تلك القوانين‮ (المخالفة للاتفاقية) ‬الى‭ ‬حين انفاذها أو تعديلها أو المبادرة بقوانين جديدة‮.‬
أنظر‮:‬
جاء‭ ‬في‮ ‬اخبار‮ ‬27‮ ‬يناير‮ ‬2015‮ ‬أن‮ (اعتدال عبدالعال) ‬عضو لجنة التشريع والعدل بالمجلس الوطني‮ ‬أفادت بوجود بعض القوانين التي‮ ‬تتعارض مع الدستور وأن هذه القوانين كان من المفترض تعديلها منذ‮ ‬2005‮ ‬لتواكب الدستور‮!!‬
وعلى‭ ‬الرغم من أن الاتفاقية أكدت أنه في‮ ‬حالة وجود تعارض بين الاتفاقية والدستور تسود بنود الاتفاقية إلا أن الآلية التي‮ ‬قررتها الاتفاقية‮ (مفوضية حقوق الانسان) ‬رغم صدور قانونها في‮ ‬2004‮ ‬إلا أنها تكونت بعد ست سنوات بما‮ ‬يعني‮ ‬بوضوح تعمد تجميد وثيقة الحقوق التي‮ ‬هي‮ ‬جزء لا‮ ‬يتجزأ من الدستور المؤقت وكذلك تجميد قوانين التحول الديموقراطي‮ ‬فمن مهام تلك المفوضية‮:‬
‮- ‬دراسة التشريعات والقرارات والترتيبات المتعلقة بحقوق الانسان‮.‬
‮- ‬تشجيع مواءمة التشريعات والممارسات الوطنية والمعايير الدولية لحقوق الانسان‮.‬
ونختم‮:‬
الدكتاتورية لا تلد الديموقراطية،‮ ‬والحقوق والحريات‮ ‬ينتزعها الشعب انتزاعاً‮ ‬ولا‮ ‬يمنحها اتفاق بضمانة أجنبي‮!!‬
ونواصل‮

 

 

آراء