بإمكاننا في السودان أن نلحق بمواكب البشرية ..بقلم: طاهر عمر
طاهر عمر
21 July, 2022
21 July, 2022
الشعب السوداني من الشعوب المرشحة بأن يكون له موعد مع التاريخ و موعد مع الحضارات. و كغيره من الشعوب له معوقات شتى تقف ما بينه و بداية مسيرته و هنا لا يختلف عن بقية الشعوب إلا في أن بقية الشعوب التي اجتازت صعابها قد كانت لها ريادات وطنية واعية بما تريده فلسفة التاريخ الحديثة في تفكيك الظواهر الاجتماعية و تقديم ما يساعد على فك أغلال المجتمع و هي قد وضعت على مفاصله من قبل جبار الصدف الذي لا يريد لنا أن نخرج من حيز المجتمعات التقليدية لكي نلحق و نحقق ما حققته البشرية من تقدم و إزدهار مادي و كان ذلك يسير على فلاسفة و مؤرخيين و علماء إجتماع المجتمعات الحية و قد حددوا بدقة منقطعة النظير علاقة الفرد في صراعه مع مجتمعه و تضبط تلك العلاقة معادلة الحرية و العدالة.
في كثير من الأحيان تحتاج مسألة توضيح الإلتباس لدقة تكاد معدومة وسط نخبنا السودانية مثلا قد لاحظ الاقتصاديون و المؤرخون و الفلاسفة بأن عام 1880 هي لحظة مفصلية حيث إنتهت فيها فلسفة التاريخ التقليدية و بالتالي قد جرّت معها نهاية الليبرالية التقليدية و لكن كم من الزمن في عد السنيين أحتاج الفلاسفة و المؤرخيين و علماء الاجتماع لضبط إيقاعها حتى لحظة إعلان ميلاد فلسفة التاريخ الحديثة و بالتالي ميلاد الليبرالية الحديثة؟ و بالمناسبة حتى أوروبا و هي مسرح أحداث نهاية فلسفة التاريخ التقليدية و نهاية الليبرالية التقليدية قد دفعت الثمن غاليا من الدم و العرق و الدموع الى لحظة وضوح و شروق شمس فلسفة التاريخ الحديثة و الليبرالية الحديثة.
و نضرب مثلا بمعركة فك الارتباط ما بين فلسفة التاريخ التقليدية و فلسفة التاريخ الحديثة و نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة و هي ممتدة منذ عام 1880 الى لحظة الكساد الاقتصادي العظيم عام 1929 و لها ظلالها على مسرح الفكر في أوروبا و قد كانت معركتها حامية الوطيس كان أطرافها فلاسفة و مؤرخيين و علماء إجتماع و اقتصاديين باختصار مسألة فك إرتباط فلسفة التاريخ التقليدية مع أفكار فلسفة التاريخ الحديثة ملتبسة على فيلسوف كبير كسارتر و لكن تهون المعركة عندما نعرف أن في صد هجومه و معاركه كان هناك ريموند أرون و كلود ليفي اشتروس و ألبرت كامي و بعد إنجلاء المعركة أيقن الجميع بأن سارتر كان يدافع عن شيوعية تمثل أبشع أنواع النظم الشمولية و لا تقل بشاعتها عن النازية و الفاشية.
ما أود أن ألفت له الانتباه في هذا المقال أن أزمة النخب السودانية أزمة عميقة و تحتاج لإعادة إكتشاف علاقة النخب السودانية العاجزة عن خلق نقطة إرتكاز و زاوية تنظر منها الى تحول المفاهيم فيما يتعلق بالظواهر الاجتماعية و إنعكاسها على مفهوم الدولة الحديثة و السلطة كمفهوم حديث.
مثلا لا يعجز أي مؤرخ أو اقتصادي أو دارس لعلم الاجتماع في اوروبا أن يفسر ظهور الشموليات أي النازية و الفاشية و الشيوعية على مسرح الأحداث في حقبة ما بين 1880 و حتى بداية الحرب العالمية الأولى و هي كما قلنا حقبة نهاية فلسفة التاريخ التقليدية و ظهور فلسفة التاريخ الحديثة و بالتالي لا يعجز المؤرخون و الاقتصاديون و دارسي علم الاجتماع في تصنيف ماركس كمؤرخ أثرى الفلسفة إلا أنه قد بلغت به الى منتهى الفلسفة المثالية الألمانية و عجز في أن يجسر الهوة ما بينها و التجريبية الانجليزية عندما قارب نظرية القيمة لديفيد ريكاردو و بالتالي فان الماركسية و الهيغلية تعكس ما تبقى من لاهوت و غائية و دينية فلسفة التاريخ التقليدية.
و من هنا كانت بحوث ريموند أرون و هي تضع الاتحاد السوفيتي كمجتمع متقدم و صناعي مقابل اوروبا الغربية كذلك كمجتمع متقدم و صناعي و لكن زاوية النظر في مسألة النظم الشمولية و مسألة مجتمعات عرفت بأن علم الاجتماع قد أصبح بعد معرفي في صميم الديلكتيك و بالتالي قد أصبح القرار و الاختيار لنظم ليبرالية في اوربا الغربية و هنا تنتهي مسألة إضطراد التاريخ و العقل كأفق للماركسية و الهيغلية و تحل بدلا عن مسألة الصراع الطبقي مسألة إفتراض عقلانية الفرد و أخلاقيته في الليبرالية الحديثة و فلسفة التاريخ الحديثة الى لحظة انتصار ريموند أرون على سارتر و ماركسيته و بالتالي انتصار توكفيل و ديمقراطيته على ماركسية ماركس.
إلا عندنا في السودان حيث ما زالت النخب السودانية لم تستطع مواجهة مثقف سوداني منخدع بماركسية ماركس و هنا ينام سر تأخر النخب السودانية في فهم فلسفة التاريخ الحديثة و بالتالي فهم فلسفة الليبرالية الحديثة و سقوطهم في دائرتهم الخبيثة التي يحلو لهم الحديثة عنها ببلاهة في إعلانهم دوما من قبل نخب فاشلة مكررين تاني فشلنا أو صراخ صاحب الصرخة في انقلاب و أقصد الحاج وراق هو يجتهد في ترسيخ وهم أنه يشم رائحة الانقلابات في وقت نحن في حالة كساد فكري لا يحتاج التنبئ بانقلاب الى حاسة شم صاحب الصيحة و لا لوهم أن تنبؤه بانقلاب يرفع درجات فهمه. المهم في الأمر بعد سقوط الاتحاد السوفيتي و انهيار جدار برلين 1989 و قد صادف مرور قرنيين على الثورة الفرنسية كثورة تنتصر للحريات و حقوق الانسان بعكس الشموليات و من ضمنها الشيوعية نجد بأن علماء اجتماع كثر في العالم العربي قد نبهوا لأهمية الاهتمام بتاريخ أوروبا في الثلاثة العقود الأخيرة و أقصد عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي و بالمناسبة دعوته من تأتي من فراغ لأن الرجل متخصص في تاريخ الأفكار في اوروبا ما بعد 1880 و هي حقبة نهاية الليبرلية التقليدية و بداية فلسفة التاريخ الحديثة حيث أحتاج تبلوها لما يقارب الخمسة عقود و منذ انهيار جدار برلين الآن ثلاثة عقود قد مرت و قد اختفت الشيوعية و لكن هناك إختلال فيما يتعلق بصراع الفرد مع مجتمعه و تحاول الشعوب الحية ضبطه و قطعا يحتاج لدقة في النظر لتتبع مساره.
مثلا من علاماته انتخاب الشعبوي ترامب و خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي و انتخاب ماكرون في فرنسا و هى لحظة توضح لنا أن أوروبا تدخل على حقبة جديدة مثلما ولدت الشموليات أي الشيوعية و النازية و الفاشية من مفاصل انتهاء فلسفة التاريخ التقليدية و ميلاد فلسفة التاريخ الحديثة كذلك الآن خلال الثلاثة عقود الأخيرة تسير أوروبا الغربية للدخول في حقبة مؤقتة ربما ستستمر لثلاثة عقود أخرى حتى تعاود ضبط علاقة الفرد مع مجتمعه فيما يتعلق بمسألة الحرية و العدالة و هنا أقصد نهاية النيوليبرالية كديناميكية و دخول حقبة الحماية الاقتصادية فهل انتبهت النخب السودانية لهذا المفصل الزماني المهم؟ و على فكرة أن الحماة الاقتصادية من صميم أدبيات الفكر الليبرالي و للأسف عندنا نخبنا السودانية تفتكره فكر رميم.
لاحظ أيها القارئ المحترم كيفية مفصلة التاريخ بين فلسفة تاريخ تقليدية إنتهت و فلسفة تاريخ حديثة تتبادل ديناميكياتها كما رأينا إنتها الكينزية و بعدها جاءت ديناميكية النيوليبرالية و قد وصلت الى الأزمة الاقتصادية الأخيرة و بسببها قد قادر العالم فكرة العولمة و رجع الى الحماية الاقتصادية اي أن تنطوي كل امة على نفسها الى حين. و كثير ما تسألت لماذا إستطاع هشام شرابي منذ أوائل ستينيات القرن الفائت أن ينتبه الى أن إستخدام منهج ماركس ينبغي أن يكون تحت المراقبة و أقصد لماذا إستطاع هشام شرابي أن يدرك بأن ماركس بالنسبة لمفكري الغرب قد أصبح مؤرخ عادي يأخذ مقعده عادي مثله مثل أي فيلسوف آخر و لم تنتبه النخب السودانية الى أن مدرسة الحوليات من ضمن من ألغت بريق الوهم عنهم كل من ماركس و أرنولد توينبي و استبدلت مدرسة الحوليات منهج كل من ماركس و أرنولد توينبي بمسألة دراسة التاريخ الاجتماعي و التاريخ الاقتصادي للشعوب على المدى القصير و المدى المتوسط و المدى الطويل.
و هنا نجد أن النخب السودانية و خاصة المؤرخيين و دارسي علم الاجتماع قد أصبحت علومهم خارج النموذج أي لا تسمن و لا تغني من جوع. و لهذا نجد إختلاف هشام شرابي عن النخب السودانية نجده قد أوصى النخب في العالم العربي و الاسلامي بالاهتمام بتطور تاريخ الفكر في الغرب على الأقل في ستينيات القرن المنصرم في وقت نجد أن اعتى العقول عند نخبنا السودانية تجدها تعيب بحوث من ينبهر بعلوم و أفكار الغرب و هنا يكمن الفرق بين امثال هشام شرابي و نخبنا الفاشلة حيث نجد أن هشام شرابي في نقده الحضاري على الأقل قد قدم أفكار لا يمكن أن تتجاهلها إذا أردت أن تصل الى أي تحليل يوضح كساد النخب في العالم العربي و الاسلامي بعكس النخب السودانية فنجد فكرها رزق اليوم باليوم حيث يمتثل في فكر يقوم على الترقيع و التوفيق الكاذب كما رأينا محاولات عبد الخالق محجوب في محاولته للبحث عن دور للدين في السياسة السودانية و تبعه محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية و قد وصل لعلمانية محابية للأديان.
و قلنا عبد الخالق محجوب ليس للتقليل من قدره و لكن نجد محاولاته للبحث عن دور للدين في السياسة تزامنت مع إكتشاف هشام شرابي الى أن الدين أكبر حاضنة لعقل سلطة الأب و ميراث التسلط و قد رأي هشام شرابي أن مثل تلفيق عبد الخالق نوع من الجبن الذي صاحب النخب في مهادنتها للخطاب الاسلامي و في النهاية لم يقدم أي انفراج أو لم يسهل للخروج من وحل الفكر الديني و لهذا نجد أن النخب السودانية حتى كتابة هذا المقال ترتعش من الخوف حينما يتعلق الحديث في أمر العلمانية و مسألة فصل الدين عن الدولة و كله بسبب تمهاه أمثال عبد الخالق محجوب مع مسألة بحثه عن دور للدين في السياسة. و لهذا تجد الشيوعي السوداني متماه مع خطاب الاسلاميين و قدر رأينا عبد الله علي ابراهيم في صحبة الاسلاميين لثلاثة عقود و الغريب يتهكم على محمد جلال هاشم على انه في صحبة مسلح.
و لهذا نجد أن عبد الخالق محجوب في بحثه لدور للدين في السياسة لا يختلف عن مؤرخي السودان و حديثهم عن صحيح الدين كما رأينا بحوث كل من يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار و لهذا يستطيع كمال الجزولي أن يتماه مع خطاب الامام الصادق المهدي و تجد كمال الجزولي في لقاء نيروبي يعطي الاسلامي خالد التجاني النور شيك على بياض بأن الدين ينبغي أن يكون له دور في السياسة لأن أستاذه عبد الخالق منذ الستينيات قد حاول ذلك و هو غافل أن هشام شرابي كان قد سلك طريق مغاير.
المهم في الامر أن العالم اليوم يتخلق ليولد من جديد و كما رأينا نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة فان اليوم حتى نخب الغرب تعاني في مقارباتها لفهم التحول في المفاهيم الى درجة لاول مرة في فرنسا تصبح الانتخابات غير ذات جدوى لأنها تنتهي ما بين ماكرون و مرشحة اليمين المتطرف و يتطر الناخب لانتخاب ماكرون من أجل ابعاد مرشح اليمين المتطرف و كله بسبب أن هناك خلل في علاقة صراع الفرد مع مجتمعه و لكن هناك مراكز بحوث في فرنسا لها حلولها الجاهزة بعد أن فسرت هذه الظاهرة.
أما نحن نريد أن ننبه النخب السودانية الى أن فهم فلسفة التاريخ الحديثة ما يجعلنا عندما نذهب الى الانتخابات بعد انتهاء الفترة الانتقالية لا تكون كحال الانتخابات في فرنسا اليوم و لهذا على النخب السودانية أن تعيد النظر في مسألة تحول المفاهيم و حينها يصبح بأمكاننا أن نلحق بمواكب البشرية في سيرها نحو التقدم و الازدهار المادي. و لا يكون ذلك باليسير و نحن أتباع لأحزاب المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ كما يحلو للشيوعيين السودانيين و أصدقاءهم تبجيل عبد الخالق محجوب.
و آخر ما أريد تكراره هو نصيحة هشام شرابي للنخب بأن تهتم بتطور تاريخ المجتمع الغربي لأنه يعتبر مختصر تاريخ الانسانية و مسألة تحقيق المجتمعات العربية و الاسلامية لمسالة التحول في الافكار مسألة وقت لا أكثر و لا أقل و مخطئ من يظن ان العالم العربي و الاسلامي له خصوصيته التي تمنعه من إتباع تجربة الغرب و لهذا يصعب أن تجد في مجتمعنا السوداني مفهوم معنى القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد و كيف يكون ذلك باليسير و قد حاول عبد الخالق للبحث عن دور للدين لتأبيد طريق العبودية.
و نحن هنا نقول لكم يجب مفارقة فلسفة العبيد و أنشدوا نشيد انشاد الحرية و انتصروا للعقل و الفرد و الحرية و قطعا لا يكون ذلك باليسير في مجتمعنا السوداني و ما زال بين النخب المنخدع بماركسية ماركس في وقت رضيت فيه الأحزاب الشيوعية في الغرب و الأحزاب الاشتراكية بنمط الانتاج الرأسمالي و لك ان تقارن كيف تأثر فرانسوا ميتران بالكينزية و قد أدخل منها فكرة الحد الأدنى للدخول أو فكر المقطع الرأسي التي ترمز للاستهلاك المستقل عن الدخل في قمة إنجازاته و لك أن تقارنه باللجنة الاقتصادية للحزب الشيوعيى السوداني و هي تتحدث عن التعاونيات و برنامج اسعافي و لن يحكمنا البنك الدولي.
taheromer86@yahoo.com
في كثير من الأحيان تحتاج مسألة توضيح الإلتباس لدقة تكاد معدومة وسط نخبنا السودانية مثلا قد لاحظ الاقتصاديون و المؤرخون و الفلاسفة بأن عام 1880 هي لحظة مفصلية حيث إنتهت فيها فلسفة التاريخ التقليدية و بالتالي قد جرّت معها نهاية الليبرالية التقليدية و لكن كم من الزمن في عد السنيين أحتاج الفلاسفة و المؤرخيين و علماء الاجتماع لضبط إيقاعها حتى لحظة إعلان ميلاد فلسفة التاريخ الحديثة و بالتالي ميلاد الليبرالية الحديثة؟ و بالمناسبة حتى أوروبا و هي مسرح أحداث نهاية فلسفة التاريخ التقليدية و نهاية الليبرالية التقليدية قد دفعت الثمن غاليا من الدم و العرق و الدموع الى لحظة وضوح و شروق شمس فلسفة التاريخ الحديثة و الليبرالية الحديثة.
و نضرب مثلا بمعركة فك الارتباط ما بين فلسفة التاريخ التقليدية و فلسفة التاريخ الحديثة و نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة و هي ممتدة منذ عام 1880 الى لحظة الكساد الاقتصادي العظيم عام 1929 و لها ظلالها على مسرح الفكر في أوروبا و قد كانت معركتها حامية الوطيس كان أطرافها فلاسفة و مؤرخيين و علماء إجتماع و اقتصاديين باختصار مسألة فك إرتباط فلسفة التاريخ التقليدية مع أفكار فلسفة التاريخ الحديثة ملتبسة على فيلسوف كبير كسارتر و لكن تهون المعركة عندما نعرف أن في صد هجومه و معاركه كان هناك ريموند أرون و كلود ليفي اشتروس و ألبرت كامي و بعد إنجلاء المعركة أيقن الجميع بأن سارتر كان يدافع عن شيوعية تمثل أبشع أنواع النظم الشمولية و لا تقل بشاعتها عن النازية و الفاشية.
ما أود أن ألفت له الانتباه في هذا المقال أن أزمة النخب السودانية أزمة عميقة و تحتاج لإعادة إكتشاف علاقة النخب السودانية العاجزة عن خلق نقطة إرتكاز و زاوية تنظر منها الى تحول المفاهيم فيما يتعلق بالظواهر الاجتماعية و إنعكاسها على مفهوم الدولة الحديثة و السلطة كمفهوم حديث.
مثلا لا يعجز أي مؤرخ أو اقتصادي أو دارس لعلم الاجتماع في اوروبا أن يفسر ظهور الشموليات أي النازية و الفاشية و الشيوعية على مسرح الأحداث في حقبة ما بين 1880 و حتى بداية الحرب العالمية الأولى و هي كما قلنا حقبة نهاية فلسفة التاريخ التقليدية و ظهور فلسفة التاريخ الحديثة و بالتالي لا يعجز المؤرخون و الاقتصاديون و دارسي علم الاجتماع في تصنيف ماركس كمؤرخ أثرى الفلسفة إلا أنه قد بلغت به الى منتهى الفلسفة المثالية الألمانية و عجز في أن يجسر الهوة ما بينها و التجريبية الانجليزية عندما قارب نظرية القيمة لديفيد ريكاردو و بالتالي فان الماركسية و الهيغلية تعكس ما تبقى من لاهوت و غائية و دينية فلسفة التاريخ التقليدية.
و من هنا كانت بحوث ريموند أرون و هي تضع الاتحاد السوفيتي كمجتمع متقدم و صناعي مقابل اوروبا الغربية كذلك كمجتمع متقدم و صناعي و لكن زاوية النظر في مسألة النظم الشمولية و مسألة مجتمعات عرفت بأن علم الاجتماع قد أصبح بعد معرفي في صميم الديلكتيك و بالتالي قد أصبح القرار و الاختيار لنظم ليبرالية في اوربا الغربية و هنا تنتهي مسألة إضطراد التاريخ و العقل كأفق للماركسية و الهيغلية و تحل بدلا عن مسألة الصراع الطبقي مسألة إفتراض عقلانية الفرد و أخلاقيته في الليبرالية الحديثة و فلسفة التاريخ الحديثة الى لحظة انتصار ريموند أرون على سارتر و ماركسيته و بالتالي انتصار توكفيل و ديمقراطيته على ماركسية ماركس.
إلا عندنا في السودان حيث ما زالت النخب السودانية لم تستطع مواجهة مثقف سوداني منخدع بماركسية ماركس و هنا ينام سر تأخر النخب السودانية في فهم فلسفة التاريخ الحديثة و بالتالي فهم فلسفة الليبرالية الحديثة و سقوطهم في دائرتهم الخبيثة التي يحلو لهم الحديثة عنها ببلاهة في إعلانهم دوما من قبل نخب فاشلة مكررين تاني فشلنا أو صراخ صاحب الصرخة في انقلاب و أقصد الحاج وراق هو يجتهد في ترسيخ وهم أنه يشم رائحة الانقلابات في وقت نحن في حالة كساد فكري لا يحتاج التنبئ بانقلاب الى حاسة شم صاحب الصيحة و لا لوهم أن تنبؤه بانقلاب يرفع درجات فهمه. المهم في الأمر بعد سقوط الاتحاد السوفيتي و انهيار جدار برلين 1989 و قد صادف مرور قرنيين على الثورة الفرنسية كثورة تنتصر للحريات و حقوق الانسان بعكس الشموليات و من ضمنها الشيوعية نجد بأن علماء اجتماع كثر في العالم العربي قد نبهوا لأهمية الاهتمام بتاريخ أوروبا في الثلاثة العقود الأخيرة و أقصد عالم الاجتماع الفلسطيني هشام شرابي و بالمناسبة دعوته من تأتي من فراغ لأن الرجل متخصص في تاريخ الأفكار في اوروبا ما بعد 1880 و هي حقبة نهاية الليبرلية التقليدية و بداية فلسفة التاريخ الحديثة حيث أحتاج تبلوها لما يقارب الخمسة عقود و منذ انهيار جدار برلين الآن ثلاثة عقود قد مرت و قد اختفت الشيوعية و لكن هناك إختلال فيما يتعلق بصراع الفرد مع مجتمعه و تحاول الشعوب الحية ضبطه و قطعا يحتاج لدقة في النظر لتتبع مساره.
مثلا من علاماته انتخاب الشعبوي ترامب و خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي و انتخاب ماكرون في فرنسا و هى لحظة توضح لنا أن أوروبا تدخل على حقبة جديدة مثلما ولدت الشموليات أي الشيوعية و النازية و الفاشية من مفاصل انتهاء فلسفة التاريخ التقليدية و ميلاد فلسفة التاريخ الحديثة كذلك الآن خلال الثلاثة عقود الأخيرة تسير أوروبا الغربية للدخول في حقبة مؤقتة ربما ستستمر لثلاثة عقود أخرى حتى تعاود ضبط علاقة الفرد مع مجتمعه فيما يتعلق بمسألة الحرية و العدالة و هنا أقصد نهاية النيوليبرالية كديناميكية و دخول حقبة الحماية الاقتصادية فهل انتبهت النخب السودانية لهذا المفصل الزماني المهم؟ و على فكرة أن الحماة الاقتصادية من صميم أدبيات الفكر الليبرالي و للأسف عندنا نخبنا السودانية تفتكره فكر رميم.
لاحظ أيها القارئ المحترم كيفية مفصلة التاريخ بين فلسفة تاريخ تقليدية إنتهت و فلسفة تاريخ حديثة تتبادل ديناميكياتها كما رأينا إنتها الكينزية و بعدها جاءت ديناميكية النيوليبرالية و قد وصلت الى الأزمة الاقتصادية الأخيرة و بسببها قد قادر العالم فكرة العولمة و رجع الى الحماية الاقتصادية اي أن تنطوي كل امة على نفسها الى حين. و كثير ما تسألت لماذا إستطاع هشام شرابي منذ أوائل ستينيات القرن الفائت أن ينتبه الى أن إستخدام منهج ماركس ينبغي أن يكون تحت المراقبة و أقصد لماذا إستطاع هشام شرابي أن يدرك بأن ماركس بالنسبة لمفكري الغرب قد أصبح مؤرخ عادي يأخذ مقعده عادي مثله مثل أي فيلسوف آخر و لم تنتبه النخب السودانية الى أن مدرسة الحوليات من ضمن من ألغت بريق الوهم عنهم كل من ماركس و أرنولد توينبي و استبدلت مدرسة الحوليات منهج كل من ماركس و أرنولد توينبي بمسألة دراسة التاريخ الاجتماعي و التاريخ الاقتصادي للشعوب على المدى القصير و المدى المتوسط و المدى الطويل.
و هنا نجد أن النخب السودانية و خاصة المؤرخيين و دارسي علم الاجتماع قد أصبحت علومهم خارج النموذج أي لا تسمن و لا تغني من جوع. و لهذا نجد إختلاف هشام شرابي عن النخب السودانية نجده قد أوصى النخب في العالم العربي و الاسلامي بالاهتمام بتطور تاريخ الفكر في الغرب على الأقل في ستينيات القرن المنصرم في وقت نجد أن اعتى العقول عند نخبنا السودانية تجدها تعيب بحوث من ينبهر بعلوم و أفكار الغرب و هنا يكمن الفرق بين امثال هشام شرابي و نخبنا الفاشلة حيث نجد أن هشام شرابي في نقده الحضاري على الأقل قد قدم أفكار لا يمكن أن تتجاهلها إذا أردت أن تصل الى أي تحليل يوضح كساد النخب في العالم العربي و الاسلامي بعكس النخب السودانية فنجد فكرها رزق اليوم باليوم حيث يمتثل في فكر يقوم على الترقيع و التوفيق الكاذب كما رأينا محاولات عبد الخالق محجوب في محاولته للبحث عن دور للدين في السياسة السودانية و تبعه محمد ابراهيم نقد في حوار حول الدولة المدنية و قد وصل لعلمانية محابية للأديان.
و قلنا عبد الخالق محجوب ليس للتقليل من قدره و لكن نجد محاولاته للبحث عن دور للدين في السياسة تزامنت مع إكتشاف هشام شرابي الى أن الدين أكبر حاضنة لعقل سلطة الأب و ميراث التسلط و قد رأي هشام شرابي أن مثل تلفيق عبد الخالق نوع من الجبن الذي صاحب النخب في مهادنتها للخطاب الاسلامي و في النهاية لم يقدم أي انفراج أو لم يسهل للخروج من وحل الفكر الديني و لهذا نجد أن النخب السودانية حتى كتابة هذا المقال ترتعش من الخوف حينما يتعلق الحديث في أمر العلمانية و مسألة فصل الدين عن الدولة و كله بسبب تمهاه أمثال عبد الخالق محجوب مع مسألة بحثه عن دور للدين في السياسة. و لهذا تجد الشيوعي السوداني متماه مع خطاب الاسلاميين و قدر رأينا عبد الله علي ابراهيم في صحبة الاسلاميين لثلاثة عقود و الغريب يتهكم على محمد جلال هاشم على انه في صحبة مسلح.
و لهذا نجد أن عبد الخالق محجوب في بحثه لدور للدين في السياسة لا يختلف عن مؤرخي السودان و حديثهم عن صحيح الدين كما رأينا بحوث كل من يوسف فضل و محمد ابراهيم ابوسليم و علي صالح كرار و لهذا يستطيع كمال الجزولي أن يتماه مع خطاب الامام الصادق المهدي و تجد كمال الجزولي في لقاء نيروبي يعطي الاسلامي خالد التجاني النور شيك على بياض بأن الدين ينبغي أن يكون له دور في السياسة لأن أستاذه عبد الخالق منذ الستينيات قد حاول ذلك و هو غافل أن هشام شرابي كان قد سلك طريق مغاير.
المهم في الامر أن العالم اليوم يتخلق ليولد من جديد و كما رأينا نهاية الليبرالية التقليدية و بداية الليبرالية الحديثة فان اليوم حتى نخب الغرب تعاني في مقارباتها لفهم التحول في المفاهيم الى درجة لاول مرة في فرنسا تصبح الانتخابات غير ذات جدوى لأنها تنتهي ما بين ماكرون و مرشحة اليمين المتطرف و يتطر الناخب لانتخاب ماكرون من أجل ابعاد مرشح اليمين المتطرف و كله بسبب أن هناك خلل في علاقة صراع الفرد مع مجتمعه و لكن هناك مراكز بحوث في فرنسا لها حلولها الجاهزة بعد أن فسرت هذه الظاهرة.
أما نحن نريد أن ننبه النخب السودانية الى أن فهم فلسفة التاريخ الحديثة ما يجعلنا عندما نذهب الى الانتخابات بعد انتهاء الفترة الانتقالية لا تكون كحال الانتخابات في فرنسا اليوم و لهذا على النخب السودانية أن تعيد النظر في مسألة تحول المفاهيم و حينها يصبح بأمكاننا أن نلحق بمواكب البشرية في سيرها نحو التقدم و الازدهار المادي. و لا يكون ذلك باليسير و نحن أتباع لأحزاب المرشد و الامام و مولانا و الاستاذ كما يحلو للشيوعيين السودانيين و أصدقاءهم تبجيل عبد الخالق محجوب.
و آخر ما أريد تكراره هو نصيحة هشام شرابي للنخب بأن تهتم بتطور تاريخ المجتمع الغربي لأنه يعتبر مختصر تاريخ الانسانية و مسألة تحقيق المجتمعات العربية و الاسلامية لمسالة التحول في الافكار مسألة وقت لا أكثر و لا أقل و مخطئ من يظن ان العالم العربي و الاسلامي له خصوصيته التي تمنعه من إتباع تجربة الغرب و لهذا يصعب أن تجد في مجتمعنا السوداني مفهوم معنى القطيعة مع التراث القريب منه قبل البعيد و كيف يكون ذلك باليسير و قد حاول عبد الخالق للبحث عن دور للدين لتأبيد طريق العبودية.
و نحن هنا نقول لكم يجب مفارقة فلسفة العبيد و أنشدوا نشيد انشاد الحرية و انتصروا للعقل و الفرد و الحرية و قطعا لا يكون ذلك باليسير في مجتمعنا السوداني و ما زال بين النخب المنخدع بماركسية ماركس في وقت رضيت فيه الأحزاب الشيوعية في الغرب و الأحزاب الاشتراكية بنمط الانتاج الرأسمالي و لك ان تقارن كيف تأثر فرانسوا ميتران بالكينزية و قد أدخل منها فكرة الحد الأدنى للدخول أو فكر المقطع الرأسي التي ترمز للاستهلاك المستقل عن الدخل في قمة إنجازاته و لك أن تقارنه باللجنة الاقتصادية للحزب الشيوعيى السوداني و هي تتحدث عن التعاونيات و برنامج اسعافي و لن يحكمنا البنك الدولي.
taheromer86@yahoo.com