بعض كتب التاريخ والموسيقى والسير الذاتية والمذكرات السودانية الصادرة حديثا: مذكرة ببليوغرافية (2- 2) .. ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي

 


 

 

 

Some Recent Sudanese Biographies, Memoirs, and History (Including Music): A Bibliographic Note (1/2)

R.S. O’Fahey ر. اس. أوفاهي
تقديم: هذا هو الجزء الثاني من ترجمة لغالب ما ورد في مقال للمؤرخ ر. اس. أوفاهي عن جديد الإصدارات السودانية في مجالات التاريخ والموسيقى والسير الذاتية والمذكرات. نُشر المقال عام 1995م بالعدد السادس من المجلة الإسكندنافية "أفريقيا السودانوية “Sudanic Africa.
حصل أوفاهي على درجة الدكتوراه في التاريخ برسالة عن تاريخ دارفور قبل الاستعمار من جامعة لندن، تحت إشراف ب. بيتر هولت، وعمل محاضرا بجامعة الخرطوم بين عامي 1970 و1973م، ودرَّس بعد ذلك لعام كامل في جامعة أدنبرا بأسكوتلندا، ثم التحق بجامعة بيرجن بالنرويج حتى عام 2013م، حين تقاعد (1). أورد الكاتب في نهاية مقاله قائمة بعناوين الكتب التي لم يتسن له عرضها في كتابه.
ومن الكتب السودانية في موضوع هذا المقال كتاب للناقد السوداني مصطفى الصاوي بعنوان "السير والمذكرات في الأدب السوداني".
المترجم
************** *********** **********
كتب في أو عن الموسيقى
نشرت بالسودان في غضون السنوات الأخيرة عدد من الكتب في أو عن الموسيقى (وهي عشق السودانيين الكبير). وسأذكر منها ما وقع تحت يدي الآن.
أول هذه الكتب مؤلف بعنوان " الآلات الموسيقية التقليدية في السودان" لخبير الفلكلور والموسيقي علي الضو، صدر في 83 صفحة عن دار النشر بجامعة الخرطوم عام 1985م. وثانيها هو لعلي الضو أيضا، وصدر في 158 صفحة عن دار النشر بجامعة الخرطوم عام 1988م تحت عنوان "الموسيقى التقليدية في مجتمع البرتا"، وهي دراسة شديدة التفصيل لموسيقى البرتا ودورها في مجتمعهم.
وهنالك كتابان آخران يتناولان الموسيقى السودانية، ولكنهما يرتكزان على مؤسسات، أهمها معهد الموسيقى والمسرح والفنون الشعبية، الذي أفتتح عام 1969م، وكان أحد بنات أفكار عبد الماجد أبو حسبو (6). والكتاب الأول هو مؤلف بعنوان "أنا أمدرمان: تاريخ الموسيقى في السودان"، للموسيقي والكاتب المعروف دكتور الفاتح الطاهر. صدر الكتاب عام 1993م في 128 صفحة عن "مكتبة السودان". وحاول المؤلف في ذلك الكتاب كتابة تاريخ الموسيقى السودانية في هذا القرن، وتسجيل سِيَر أهم المغنيين والموسيقيين فيه، وسنوات وفاتهم (في صفحات 125 – 126م). ولا ينبغي إغفال أهمية مثل تلك التواريخ، ففي السودان من الصعوبة بمكان معرفة السنوات التي تُوُفِّي (أو وُلد. المترجم) فيها واحد من الشخصيات المعاصرة أو شبه المعاصرة.
والكتاب الثاني هو للموسيقي جمعة جابر بعنوان "الموسيقى السودانية: تاريخ وتراث وهوية ونقد"، الصادر عام 1986م عن شركة الفارابي في 397 صفحة. والكتاب جميل الإخراج ويحتوي على أمثلة مثيرة لكثير من القطع الموسيقية والصور الفتوغرافية لشعراء ومغنيين مثل عمر البنا (ابن شاعر المهدية المشهور محمد عمر البنا، الذي توفي عام 1919م).
ويُعد كتابا الفاتح الطاهر وجمعة جابر من المصادر الرئيسية لأي دراسة جادة عن تاريخ الموسيقى السودانية.
وأخيرا، لابد من الإشارة لكتاب آخر (من 79 صفحة) لدكتور الفاتح الطاهر عنوانه: "30 أغنية سودانية ولدت لتبقى: موزعة للصوت والبيانو"، من إصدارات دار نشر جامعة الخرطوم عام 1992م. وكما يتضح من العنوان فهذا كتاب يحتوي على نُوَت موسيقية لثلاثين من الأغاني السودانية المعروفة. وكان من الممكن أن يكون ذلك الكتاب أكثر فائدة لو أضاف إليها المؤلف كلمات تلك الأغاني (7).
كتب التاريخ - التقليدي وغيرها
أحسب أن كتاب عبد القادر محمد عبد القادر دورة المعنون "تاريخ مملكة تقلي الإسلامية"، والصادر عن مطبعة المركز الإسلامي الأفريقي عام 1994م (190 صفحة) مثالا ممتازا لنهج المؤرخ محمد عبد الرحيم في الكتابة، فهو تجميع مفصل للمرويات الشفهية والأنساب وقوائم بملوك المنطقة وغير ذلك. والمؤلف من مواليد العباسية عام 1934م، وهو من عشيرة سلالة حكام جبل تقلي، فجده الخامس هو المك محمد ولد المك جيلي أبو قرون. وكان المؤلف قد شرع في تجميع مادة كتابه منذ الستينيات. والكتاب الحالي مبني على مخطوطة محفوظة في "دار الوثائق القومية" بالخرطوم، وبه مقدمة كتبها دكتور محمد إبراهيم أبو سليم، مدير "دار الوثائق القومية السابق. وذكر أبو سليم في مقدمته أن ما جعل نشر كتاب دورة أمرا ملحا هو أن كتاب دكتورة جانيت ايوالد عن تقلي مكتوب باللغة الإنجليزية وأنه "باهظ الثمن" (8).
ويثير الكتاب سؤالا مهما عن التفاعل بين "الثقافة والعلم "الغربي" وبين الثقافة والعلم "المحلي / الأهلي". وذكر عبد القادر دوره في مقدمة كتابه أنه قد أطلع على مقال الإداري الاستعماري آر. جي. اليس عن مملكة تقلي، الذي نُشر عام 1935م في مجلة "السودان في رسائل ومدونات SNR"، وعلى أبحاث الدكتورة جانيت ايوالد (التي ذكر أنها "مكثت معنا ثلاث سنوات"). وربما يتَساءَل المرء عما إذا كان بحث الدكتورة ايوالد هو من حفز الأستاذ دوره لنشر كتابه عن تقلي.
وهناك كتاب آخر بقلم صديق محمد أحمد البادي عن مورثات وأنساب القبائل السودانية تظهر فيه الاستجابة والتفاعل المحلي لموضوعات تطرق إليها سابقا كتاب استعماريون يمثلون "الثقافة والعلم "الغربي". وعنوان كتاب البادي هو "القبائل السودانية والتمازج القومي - الجزء الأول"، وهو من نشر مطبعة أم درمان، عام 1995م (163 صفحة). وبحسب ما ذكره المؤلف فهذا الكتاب هو الجزء الأول من أربعة أجزاء عن قبائل السودان، تدور كلها حول أنساب تلك القبائل وتَعَقّب أمكنة الجزيرة العربية التي قدموا منها. وكتب بروفيسور عون الشريف قاسم مقدمة للكتاب ذكر فيها نقاط الاتفاق والاختلاف بين هذا الكتاب وبين كتاب السير هارولد ماكمايكل المعنون "A History of the Arabs in the Sudan"، المكون من جزئين والصادر عام 1922م (9). وقسم البادي كتابه على شكل مذكرات منفصلة عن المجموعات العرقية أو المناطق التي تسكنها. وكانت أغلب القبائل التي ورد ذكرها في هذا الكتاب من كردفان. وخصص المؤلف نحو عشر صفحات لكل قبيلة. وشملت تلك القبائل على سبيل المثال دينكا نقوك (Ngok) والرزيقات والبديرية في كردفان، والجوامعة والكبابيش والشنابلة والمسيرية والبطاحين والحوازمة والجِمع والحسانية والمجانين والزغاوة والنوبة والداجو والكواهلة والحمر.
وأورد البادي في ببليوغرافية كتابه ثلاثة كتب أخرى له موجودة في مكتبة بيرقن عنوان أولها هو: "الشيخ الطيب ود السايح" (صدر عام 1992م في 40 صفحة، من دون ذكر اسم الناشر). وهذا الكتاب عبارة عن سيرة ولي صالح قرب الكاملين كان قد درس بمركز البادراب في أم ضبان 10 (10). أما الكتاب الثاني فهو دراسة عن الأمير والشاعر عبد القادر ود حبوبة، الذي دخل في صدام مع البريطانيين (ولم يقم بثورة منظمة فيما يبدو) أفضى لمقتل المفتش البريطاني وإعدام ود حبوبة. وكان عنوان ذلك الكتاب الصادر عام 1993م هو "لمحات من حياة وثورة ومديح عبد القادر ود حبوبة". والكتاب من 176 صفحة ولم يذكر فيه اسم الناشر. وأتى الكتاب الثالث في 176صفحة بعنوان "معالم وأعلام"، لم يذكر فيه اسم الناشر ولا سنة الصدور. والكتاب عبارة عن خليط بديع من القصص والحكايات والسير وتاريخ العائلات والمدن. ففي صفحة 76 مثلا أورد المؤلف باختصار سيرة ونسب القاضي عبد الله دفع الله الترابي (والد الدكتور حسن الترابي) الذي هو من نسل حمد النحلان (ود الترابي) الذي توفي عام 1116 هـ/ 1704 - 1705م.
وهناك كتاب آخر يدور حول كردفان ودارفور من تأليف أحمد عبد الله آدم بعنوان "أصول البقارة والدينكا وقضية أبيي" اذكره هنا لأهميته وندرة الكتب حول موضوعه. صدر الكتاب في 236 صفحة عام 1984م. ويحتوي الكتاب على مزيج من مأثورات شفوية عن وصول البقارة إلى منطقة أبيي وعلاقتهم مع الدينكا، مع وصف تاريخي موسع للعلاقة السياسية بين المجموعتين. وفي هذه النواحي يستدعي المرء ويقارن هذا الكتاب بكتابات فرانسيس دينق المعنونة: "African of Two Worlds. Th Dinka in Afro -Arab Sudan" الصادر عام 1978م.
وصدرت في السنوات الأخير ثلاثة كتب في مجال الدراسات الحضرية. أولها كتاب بروفيسور عون الشريف قاسم المعنون "حلفاية الملوك: التاريخ والبشر" عن مدينته الصغيرة حلفاية الملوك، والواقعة شمال الخرطوم. صدر الكتاب في 314 صفحة عام 1988م، عن دار نشر جامعة أم درمان الإسلامية. وربما تعد قراءة سطحية متعجلة للكتاب أنه مجرد كتاب في "تاريخ للأنساب". وبالفعل توجد في نهاية الكتاب سلاسل موسعة ومعقدة من قوائم الأنساب (تحتاج لتفكيك). غير أن الكتاب في الحقيقة هو نوع من التاريخ المصغر/ الجزيء événementiel micro -histoire عن كيفية ممارسة حلفاية الملوك لوظيفتها كمجتمع (مصغر). ويوضح الكتاب أيضا – بتفصيل شديد – ديناميكية حركة السكان من وإلى حلفاية الملوك في الماضي والحاضر. أؤمن بأن كتاب "حلفاية الملوك: التاريخ والبشر" كتاب شديد الاتقان بأكثر مما قد يظن البعض لأول وهلة. وعلمت من مراسلة خاصة مع بروفيسور عون الشريف أنه يعمل الآن على موسوعة متعددة الأجزاء عن المجموعات العرقية وأسماء البلدان في شمال السودان.
والكتاب الثاني في مجال الدراسات الحضرية هو عن تاريخ مفصل ومُحَبَّب لمدينة كوستي بقلم كاتب صحفي و "ود المدينة" هو نصر الدين شلقامي. وعنوان الكتاب هو "كوستي: القصة والتاريخ"، وصدر في 241 صفحة، عن دار نشر جامعة الخرطوم عام 1991م. وعلى الرغم من محاولة المؤلفة الفاترة نوعا ما لإعطاء كوستي نسبا تاريخيا أطول مما هو معروف عنها (بزعمه أنها من عصر الرومان)، إلا أنه كان أمينا في إسناده الفضل في إنشائها إلى التاجر الإغريقي كوستي (أو كوستاس)، وأتى له بصورة فتوغرافية لا تضاهى في صفحة 31 من الكتاب.
أما الكتاب الثالث في مجال الدراسات الحضرية فهو عن الجنوب بعنوان "تاريخ واو (الشعبي) منذ إنشائها إلى 1940م " بقلم استفانو سانتا اندريا، وصدر عام 1989م في 200 صفحة. وهذا عمل متقن صدر عن إرسالية كاثوليكية لها تاريخ قديم في مجال الدراسات الاثنوجرافية بمديرية بحر الغزال. ويشابه هذا الكتاب كتاب شلقامي عن كوستي باحتوائه على صور بديعة عديدة. ولا يخلو عنوان الكتاب من بعض التضليل، إذ أن غالب الكتاب (صفحات 1 إلى 149) يركز على سكان المدينة وليس تاريخها. بينما خصص المؤلف بقية الصفحات لقصة إنشاء مدارس الإرسالية الكاثوليكية في مدينة واو وما حولها. ومن عيوب الكتاب هو خلوه التام من أي احصائيات أو وثائق رسمية. ولكن بالكتاب الكثير من اللمحات الجميلة مثل ما سرده المؤلف عن التجارب الموسيقية للقس ستوباني والأب جورجيتي وجمعهما في عام 1913م لموسيقى الزاندي والموسيقى الغربية في فرقة نحاسية تتبع للكنيسة الكاثوليكية. وكان ذلك سبقا باكرا وربما سليفة (precursor) لمشهد "موسيقى العالم".
وننتقل الآن من جنوب السودان لشرقه، حيث أصدر المرحوم محمد صالح ضرار (1892 – 1972م) كتابين ساهما في زيادة معرفتنا بشرق السودان. والمؤلف رجل من سواكن، عمل لبعض الوقت عمدةً للعجيلاب (وهم فخذ من قبيلة ملهيتكناب) وموظفا للشركة الشرقية للتلغراف. وللرجل ابن اسمه ضرار ألف كتابا عنوانه "تاريخ السودان الحديث" صدر عام 1965م عن دار مكتبة الحياة ببيروت. وأول كتب محمد صالح ضرار هو "تاريخ سواكن والبحر الأحمر"، وقد صدر في 277 صفحة عن الدار السودانية للكتب عام 1991م (صدرت عن تلك الدار طبعة سابقة للكتاب عام 1981م. المترجم). واعتمد المؤلف في كتابه على كتابات الرحالة والمصادر الارشيفية، وعلى الوثائق المحلية والموروثات الشفهية. وأختتم المؤلف كتابه بأبيات عن رحلته من بربر إلى سواكن من شعر إبراهيم بن محمد الفراش (المتوفي في عام 1883م أو نحو ذلك). وللفراش (شاعر بربر) ديوان شعر دنيوي تم نشره في الخرطوم عن الدار السودانية للكتاب عام 1991م (صفحة 208).
وصدر لمحمد صالح ضرار كتاب آخر عنوانه: "تاريخ قبائل الحباب والحماسين بالسودان وإرتريا"، عن الدار السودانية للكتب (من 208 صفحة). وأعتمد المؤلف في هذا الكتاب (كما في كتابه عن سواكن) على المصادر المحلية. ولهذا المؤلف كتب أخرى – منشورة وغير منشورة- عن غالب قبائل البجا (أورد الكاتب بعضها في قائمة مراجعة في نهاية مقاله). ولمحمد صالح ضرار كتاب قديم عنوانه "أمير الشرق: عثمان دقنة"، نشرته في سنوات حياته الدار السودانية للكتب عام 1970م (في 170 صفحة).
وصدرت بمصر في القرن التاسع عشر كتب أعيد طبعها في ثلاثينيات القرن العشرين بأمر من الملك فؤاد. وأعادت مكتبة مدبولي بالقاهرة نشر بعضها في بدايات تسعينيات القرن العشرين بعنوان "صفحات من تاريخ مصر". وكان من تلك المطبوعات ما له علاقة بالسودان، مثل كتاب: "الرحلة الأولي للبحث عن ينابيع البحر الأبيض"، وهو مترجم عن اللغة التركية. ويدور هذا الكتاب حول أول رحلة مصرية عبر النيل الأبيض في عامي 1839 و1840م. وهناك أيضا كتاب آخر في هذه السلسلة بعنوان "الجيش المصري البري والبحري" بقلم الأمير عمر طوسون، صدر عام 1990م في 249 صفحة. يجد القارئ لهذا الكتاب معلومات مفصلة عن الجيش المصري في السودان، وأعداد وأماكن وجود حامياته في مختلف أنحاء البلاد. ويؤمل إكمال إعادة نشر كتب الأمير طوسون عن التاريخ المصري العسكري.
وهنالك سلسلة مصرية أخرى تولى نشر منها مركز الوثائق وتاريخ مصر المعاصر ثلاثة كتب عن السودان. ونشر أول تلك الكتب عام 1993م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان "مصر وبناء السودان الحديث" بقلم نسيم مقار (سلسلة مصر النهضة رقم 39) في 282 صفحة. ويتناول الكتاب بصورة تقليدية باشا دور مصر في تمدين السودان mission civilisatrice (10). ووضعت على غلاف الكتاب الأمامي صورة صارمة القسمات لمحمد علي باشا، وعلى غلافه الخلفي صورة لدرويش سوداني يرتدي جبة مرقعة بألوان عديدة. وهناك كتبان بقلم يواقيم رزق مرقص أكثر فائدةً في هذه السلسلة أولهما عنوانه "السودان في البرلمان المصري بين عامي 1924 و1936م"، نشرته عام 1989م الهيئة المصرية للكتاب (178 صفحة)، وثانيهما بعنوان "السودان في البرلمان المصري بين عامي 1936 و1951م"، نشرته عام 1993م الهيئة المصرية العامة للكتاب (277 صفحة). وكما يدل العنوانان أورد المؤلف العديد من الوثائق والمقتطفات من سجلات المناقشات التي وردت في البرلمان المصري في المسائل السودانية.
والمطبوعة المصرية الأخيرة التي أتناولها هي مذكرات عباس حلمي (1874 – 1944م)، التي صدرت بعنوان:" عهدي: مذكرات عباس حلمي الثاني خديوي مصر الأخير. 1892 – 1914م". وهي تحتوي الكثير عن السودان. ونقل هذا المذكرات للعربية عن اللغة التركية المترجم جلال يحي في 312 صفحة، ونشرتها دار الشروق عام 1993م. وكان عباس حلمي قد دخل في خلافات علنية مع البريطانيين حول السودان في عدد من المرات. وتتناول مذكراته بعضا من تلك الخلافات (من وجهة نظره بالطبع)، وتعرض بعض الصور التاريخية والوثائق باللغة العربية والفرنسية.
ونشر اثنان من مخضرمي علماء وبُحَّاث السودان في السنوات القليلة الماضية بعض الدراسات المهمة. ولن أتطرق هنا إلى مؤلفات دكتور محمد إبراهيم أبو سليم الأخيرة عن المهدية، ولكني أتناول هنا الجزء الأول من كتابه الذي حقق فيه كتاب القاضي عبد الله أحمد يوسف المعنون "النخيل"، وهو من إصدارات دار النشر بجامعة الخرطوم عام 1995م، 349 صفحة. والقاضي عبد الله (المولود عام 1889م تقريبا، والمتوفي في الستينيات) هو رباطابي من جزيرة مقرات عمل في كثير من أنحاء السودان إبان سنوات الاستعمار الثنائي. وقدم أبو سليم عرضا مثيرا للاهتمام لحياة ذلك القاضي وصلاته العائلية التي تربطه بالطريقة الصوفية لشيخ ابن إدريس (المتوفي عام 1837م) عن طريق صلة ابن إدريس بتلميذه إبراهيم الراشد (المتوفي عام 1874م). وكتاب "النخيل" الذي حققه أبو سليم يحتوي على مجموعة هائلة من المواد المحفوظة الآن بدار الوثائق السودانية بالخرطوم. ويؤمل أن تصدر أجزاء أخرى محققة عن تلك المواد التي تستعصي على التصنيف، إذ أنها مجموعة متنوعة تشمل القصص والحقائق والقصائد والأحاديث وعلم أصول الكلمات عن شجرة النخيل وثمرتها. وجمع المؤلف كل هذه الجوانب من الأندلس إلى توبو في شمال الصين، مما يجعله عملا بديعا يستحق الإطِّلاع عليه.
ونشر خبير الفلكلور السوداني الطيب محمد الطيب مؤخرا دراسة مهمة عن "الخلوة" في مجتمعات شمال السودان بعنوان "المسيد". والكتاب من مطبوعات دار نشر جامعة الخرطوم، عام 1991م- 375 صفحة. وكتاب الطيب هذا زاخر بالمصادر والوثائق، ومرتب بحسب المناطق التي جابها في أيام بحثه وهو يجمع مواد كتابه. وذكر المؤلف في صفحات 248 – 256 سير بعض النساء اللواتي كن يدرسن في تلك الخلاوي. وفي ختام كتابه أَقْدَم الطيب على عقد بعض المقارنات بين تراث الخلوة في السودان مع تراثها في بعض الدول العربية الأخرى، خاصة اليمن.
وأخيرا أعرض مثالا ممتازا للمراجعة / التنقيح التأريخي عند رجل من شمال السودان، هو محمد إبراهيم نقد في كتابه "علاقات الرق في المجتمع السودان: توثيق وتعليق". والكتاب من إصدارات "دار الثقافة الجديدة" بالقاهرة، وتوزيع مركز الدراسات السودانية، عام 1995م – 444 صفحة. وهذه دراسة بقلم السكرتير العام للحزب الشيوعي عن الرق، الذي يُعد في شمال السودان نوعا من الـ "mentalité style"، أو بمثابة "أسلوب حياة" (لبروفسير أوفاهي مقال صدر في 1973م بعنوان "الرق وتجارة الرقيق في دارفور". انظر مرجع #11. المترجم).
وكتاب نقد عمل أصيل ومهم، ومُدَّعَم بعدد من صور الوثائق المتعلقة بالرق، خاصة في فترة المهدية. ولا بد أن بدار الوثائق القومية بالخرطوم القليل من الوثائق من عهدي المهدية والحكم الثنائي عن الرق التي لم يوردها السيد نقد في كتابه. ولهذا الكتاب رسالته الخاصة، ألا وهي أن على شمالي السودان أن يعوا (أولا) المعاناة والضيق الذي أنزلوه على أَخَواتهم وإخوانهم في الوطن (السودان) كجزءٍ من أي مصالحة في المستقبل. (ذكر الكاتب في الهامش أن لنقد مؤلف آخر بعنوان "علاقات الأرض في السودان" لم يكن قد أطلع
********* ************
إحالات مرجعية
(6) كان عبد الماجد أبو حسبو قد أتى على ذكر ذلك المعهد في صفحات 256 – 258 من مذكراته المعنونة "مذكرات عبد الماجد أبو حسبو" التي صدرت بالخرطوم عام 1987م. وقدم خالد المبارك نبذة تاريخية مختصرة عن المعهد منذ إنشائه إلى حين تدميره عمليا في هذا العهد (الإنقاذي) في مقاله / كتابه المنشور بعنوان "Muslim Fundamentalism and Arts". ووردت عملية تصفية المعهد في كتاب حرره حيدر إبراهيم علي صدر عام 1995م عن مركز الدراسات السودانية في القاهرة بعنوان "التنوع الثقافي وبناء الدولة الوطنية في السودان"، في صفحات 108 – 116م. والكتاب هو تجميع لأوراق قدمت في أبريل من عام 1995م لمؤتمر كان يبحث في أمر إثنية السياسة والتاريخ السوداني.
(7). للمزيد عن سيرة الموسيقار الراحل يمكن الاطلاع على مقال بعنوان "الموت يغيب الموسيقار السوداني الفاتح الطاهر" هنا: https://tinyurl.com/y4ladjra
(8). عنوان كتاب المؤلفة Janet Ewald (الصادر عام 1990م) هو:
Soldiers Traders and Slaves State Formation and Economic Transformation in the Greater Nile Valley, 1700-1885

(9). يمكن النظر في ترجمة عرض لهذا الكتاب هنا: https://tinyurl.com/y5v3oas3

(10). أشار الكاتب هنا لما نشره المؤرخ جبرائيل واربورج عن الصراع التأريخي بين مصر والسودان في كتابه المعنون Historical Discord on the Nile Valley (الخلاف التاريخي في وادي النيل)، الصادر عام 1992م. وهذه ترجمة للفصل الثاني من هذا الكتاب: http://www.sudanile.com/104713
(11). انظر للمقال المترجم هنا: https://tinyurl.com/yyb9w4kr ، وكتاب "تاريخ الرق في السودان بأقلام غربية" الصادر عن دار نشر باركود بالخرطوم. 2020م.

alibadreldin@hotmail.com

 

آراء