بلاغة التشبيه في شعر أغنية (الحقيبة) 

 


 

 

نقول في كلامنا: فلانة نجفة، أو زي الفرس وذلك تعبيرا عن إعجابنا بجمالها. ونقول: فلان أسد، في وصف شجاعته. ونقول فلان "جمل شيل" في وصف المروءة وتحمل عبء المسؤولية والواجبات بلا تبرم ولا شكوى. مثل هذه الأساليب في التعبير تسمى في علم البلاغة، التشبيه.

والفلسفة الجمالية التي تقوم عليها بلاغة التشبيه، بل وكل صور البلاغة والبيان من مجاز واستعارة وكناية، هي نظرية المحاكاة، محاكاة مظاهر الطبيعة. فقد كان الإنسان ولا يزال يرى في الطبيعة المثل الأعلي في الخلق الفني والأدبي، فيعمل على تقليدها ومحاكاتها.

فإذا أراد الشاعر أن يصور صفة من صفات شخص أو شيء، نظر فأوجد شيئا آخر مماثل للموصوف في الطبيعة، تبدو فيه الصفة التي يريد الشاعر أبرازها أقوى وأظهر. وتسمى هذه الصفة المشتركة (وجه الشبه). ويسمى الشيء المراد وصفه (المشبّه). وأما الشيء الذي استخذه الشاعر مقياسا للموصوف فيسمى المشبّه به. والحرف الذي يربط الصفة المماثلة في المشبه والمشبه به، مثل الكاف و(كأن) يسمى أداة التشبيه.

يصف امرؤ القيس جمال محبوته قائلاً في المعلقة:


وجيدٍ كجيد الريم ليس بفاحشٍ * إذا هي نصته ولا بمعطلِ

وفرعٍ يزينُ المتنَ أسودَ فاحــــمٍ  * كقنـــوِ النخــــلــــةِ المـتعثكــلِ


يصف الشاعر عنق الحبيبة بعنق الغزال. والصفة المشتركة (وجه الشبه) هي جمال العنق وطوله غير الفاحش أي المناسب والمعقول. وأما قوله: "إذا هي نصته" أي رفعته. وقوله: "ولا بمعطل" أي أن جيد الحبيبة ليس بخال من الزينة. فهي تلبس العقد وغيره من الحلي. يقال: فلانة عاطة عن الحسن، إذا كانت تفتقر إلى مظاهر الحسن. وأما الغانية فهي الجميلة المستغنية بجمالها. وبالبيت الثاني يصف شعر المحبوبة بأنه أسود فاحم يتدلى على ظهرها (المتن) كالفرع. وأنه يشْبَه في طوله جريد النخلة القنواء أي السامقة. والمتعثكل المتشابك.

ويقول المتنبي في المديح:


كالبــدرِ مــــن حــــيــث التفتَ رأيتــــــه * يهدي إلــــى عينيك نـــوراً ثاقبـــا

كالبحـــــرِ يــقـذف للقـــريــب جـــواهراً * جــــــوداً ويبعث للبعيـــدِ ســحائبا

كالشمسِ في كبدِ السماءِ وضوؤها * يَغشَى البلادَ مشارقاً ومغاربا


أراد الشاعر أن يصف قوة نفوذ الملك أو الأمير واتساع سلطانه فلم يجد أقوى وأظهر من الشمس والقمر فشبهه بهما. والصفة المشتركة أو وجه الشبه في كليهما العلو والإشراق. كذلك أراد الشاعر أن يصف كرم وسماحة الممدوح فلم يجد شيئاً يماثل الممدوح في ذلك غير البحر فشبهه به. وتلاحظ أن الشاعر صرّح في كل تشبيه من هذه التشبيهات الثلاثة، بأداة التشبيه وهي حرف الكاف، كما صرح بوجه الشبه أو الصفة المشتركة في كل مماثلة. ويسمى التشبيه في هذه الحالة مرسل مفصل.

تأمل قول المتنبي في البحر: "ويبعث للبعيـــدِ ســحائبا". كيف فطن إلى هذه الحقيقة العلمية في ذلك الزمان؟!


التشبيه البليغ:

 أحياناً ينحو الشاعر إلى المبالغة في دقة التصوير إلى الحد الذي يزعم فيه أن المشبه (الموصوف) ليس أقل من المشبه به بل هو عينه. ويكون ذلك بحذف أداة التشبيه ووجه الشبه. ويسمى التشبيه في هذه الحالة بليغاً.

فقولنا: "فلان جمل شيل" تشبيه بليغ، لأننا حذفنا أداة التشبيه ووجه الشبه أو الصفة المشتركة بين طرفي التشبيه وهي القدرة على تحمل الأعباء في صبر وجلد وبلا شكوى. وكذلك قولنا: فلانة نجفة، تشبيه بليغ لأننا حذفنا منه أداة التشبيه ووجه الشبه أو الصفة المشتركة وهي البهاء والصفاء. وأما قولنا: فلانة زي الفرس، فتشبيه مرسل مجمل لأننا أثبتنا أداة التشبيه (زي) وحذفنا وجه الشبه بين طرفي التشبيه هو جمال المنظر. ومن أمثلة التشبيه البليغ في الشعر الفصيح قول المتنبي في مدح سيف الدولة:


أين أزمعتَ أيهذا الهمامُ * نحن نبت الرُّبا وأنت الغمامُ


قوله :"نحن نبت الرُّبا وأنت الغمامُ" فيه تشبيهان بليغان. الأول هو أنه شبّه رعية الممدوح وحاشيته بالنبات. وشبّه الملك الممدوح بالسحاب. غير أنه حذف أداة التشبيه كما حذف وجه الشبه في الحالين. والمعنى، يقول الشاعر: إننا نحن مثل النبات وأنت بالنسبة إلينا كالسحاب. فكما أن النبات لا يحيى بلا ماء، فذلك نحن لا حياة لنا بدونك. ويجوز أن يشكل التشبيهان معاً ما يسمى تشبيه التمثيل. (سنفرد له مقالة منفصلة).

وقال شاعر آخر في وصف محبوبته:

أسدٌ عليَّ وفي الحروبِ نعامةٌ ربداء  *  تجفلُ من صفير الصافرِ


شبّه الشاعر المحبوبة تارة بالأسد، وتارة أخرى بالنعامة. فهي حينما تكون معه كالأسد في التيه والدلال والصدود. لكنها في حالة الحرب تصير كالنعامة من شدة الخوف حتى أن مجرد الصفير يدخل في نفسها الهلع. وتلاحظ أن الشاعر حذف أداة التشبيه في الحالين. وأما وجه الشبه فقد حذفه في الحالة الأولى فجاء التشبيه بليغا، وأثبته في الحالة الثانية وهو الخوف والجفلان فجاء التشبيه مفصلا.

وقال ابن المعتز:


وأمطرتْ لؤلؤاً من نرجسٍ وسقتْ * ورداً وعضتْ على العنابِ بالبَردِ


هنا يصف الشاعر صورة المعشوقة وهي تبكي نادمة. فشبّه الدموع باللؤلؤ والعيون بالنرجس والخدود بالورد والشفاه بالعنب والأسنان بالبَرد. وقد حذف في كل تشبيه من هذه التشبيهات أداة التشبيه ووجه الشبه، زاعماً أن المشبه به في كل حالة هو عين المشبه به.


التشبيه وأنواعه في أغنية الحقيبة:

الشعر هو الشعر بأي لغة جاء وفي أي لهجة. فأنت واجد فيه كل أساليب البلاغة والبيان من تشبيه واستعارة وكناية ومحسنات بديعية. وكذلك شعر أغنية الحقيبة، تجد فيه كل أنواع التشبيه كما في الشعر الفصيح.

غير أن أدوات التشبيه المستخدمة في شعر الحقيبة وسائر الشعر الشعبي من دوبيت وخلافه، مستمدة من اللهجة السودانية العربية. وأكثر هذه الأدوات دورانا في شعر الحقيبة: كلمة (زي) بمعنى مثل، وهي تقوم مقام (كأن) في الشعر الفصيح، هذا إلى جانب الفعل حاكى ويحاكي، وكذلك كلمة (تقول) مرادف كلمة (زي) في معنى كأن. يقول خليل فرح في قصيدة (زهرة روما):


شوف عناقد ديسها تقول عنب في كروم

شوف وريدها الماثل زي زجاجة روم

القوام اللادن والحشا المبروم

والصدير الطامح زي خليج الروم


شبه شَعرها (ديسها) بعناقيد العنب. وأصل الديس العشب الكثيف الملتف شديد الخضرة استعير لوصف الشَّعر. وأداة التشبيه كلمة (تقول) وهي هنا تقوم مقال كلمة (زي) في اللهجة السودانية. كما شبه شفافية بشرتها التي تكاد ترى من خلالها عروقها، بالزجاجة التي تشف عما بداخلها من السوائل، وهنا استخدم أداة التشبيه (زي).

كذلك شبه صدرها (نهدها) الطامح أو الطالع بالخليج. وليس بالضرورة أن يكون هذا الخليج هو خليج بعينه، وإن كان قد وصف هذا الخليج بخليج الروم. فهو يعنيه الشكل البارز للخليج ليشبه به النهد الطالع. وتلاحظ أن الشاعر في هذه التشبيهات لم يصرح بوجه الشبه (الصفة المشتركة) بين المشبه والمشبه به، سوى في التشبيه الأخير: "الصدير الطامح زي خليج الروم".

ويقول عبد الرحمن الريح:


جاني طيفه طايف/ لحاظه كالقذائف

وأنا من عيونه خايف

خدوده كالقطايف/ وليهُ العنب شفايف


شبّه نظرات طيف الحبيب بقذائف المدفع، وهو تشبيه متكرر في شعر الحقيبة. وذكر أداة التشبيه (الكاف) لكنه لم يصرح بوجه الشبه. كذلك شبه الخدود بالقطيفة لكنه لم يصرح أيضاً بوجه الشبه وهو النعومة، غير أنه أثبت أداة التشبيه وهي الكاف.

وأما قوله "ليهُ العنب شفايف" فقد طابق فيه بين الشفايف والعنب وهو تشبيه بليغ، إذ حذف كل من أداة التشبيه ووجه الشبه على زعم أن المشبه (الشفايف) هي العنب عينه.

ويقول صالح عبد السيد (أبو صلاح):


ضامر قوامك لان/  قلبك قسا وجافيت ليه يا جدي الغزلان

أسهرت جفني ملان/ يسرف دمع نازل كالمزن في الهملان


يشبّه الشاعر، في البيت الثاني، انثيال الدموع بنزول المطر، وهو تشبيه مرسل مفصل لأنه ذكر أداة التشبيه (الكاف) ووجه الشبه (الصفة المشتركة) بين طرفي التشبيه، وهي الهملان. ويقول في نفس القصيدة:


كالظبية في اللفتان/ أما الخديد ناعم زي زهرة في البستان


شبه المحبوبة بالظبية وهو تشبيه مرسل مفصل كونه ذكر كل من اداة التشبيه (الكاف) ووجه الشبه وهو اللفتان. كذلك شبه خد الحبيبة بالزهرة، وهو تشبيه مفصل أيضا لذكره أداة التشبيه (زي) ووجه الشبه وهو النعومة والرقة.

ويقول على المسّاح:


أنت بدر السماء في صفاك/ قل لي مِن عيني مَن خفاك

يا حبيبي متى وفاك

أنت كعبة حـــب لليطوف/ أنت جــنة ودانيــة قطــــوف


قوله :"أنت بدر السماء في صفاك" فيه تأكيد أن الحبيب هو البدر أو القمر ذاته والصفة المشتركة التي ماثل فيها بين القمر والحبيب هي (الصفاء) وقد صرح بها في قوله "في صفاك". وهو بذلك قد أثبت وجه الشبه (الصفة المشتركة) وحذف أداة التشبيه. وكذلك قوله "أنت كعبة حب"، وقوله "أنت جنة" صرح بوجه الشبه في كل منهما، ففي الأول وجه الشبه هو الطواف، وفي الثاني وجه الشبه الثمار الدانية، وقد حذف أداة التشبيه في كليهما وبذا يكون كل تشبيه قد جاء مؤكدأ ومفصلاً.  ثم يقول على المساح في نفس القصيدة:


حاجبه يحكي النون والهلال / طــــرفـــه فيـــــه معانــــي الدلال


هنا يشبه حاجب الحبيب بحرف النون والهلال من حيث الشكل. وقد ذكر أداة التشبيه وهي كلمة (يحكي) ولم يذكر وجه الشبه وهو الاستدارة. والجدير بالذكر أن هذه القصيدة أول من غناها محمد أحمد سرور، ولكنها اشتهرت في عصر ما بعد الحقيبة، بصوت الفنان إبراهيم الكاشف. ويقول سيد عبد العزيز في قصيدة (من حور الجنان):


في مراية خدودك أشوف تأكيد سحر الحلال

وأشوف في سما حسنك كل يوم يسطع هلال


في الشطر الأول يماثل الشاعر مماثلة تامة بين الخدود والمرآة. فقد حذف وجه الشبه (الصفة المشتركة) وهي الصفاء، كما حذف أداة التشبيه فجاء التشبيه بليغاً. وفي الشطر الثاني يشبه الشاعر إشراق حسن المحبوبة كل يوم بطلوع الهلال وهو تشبيه بليغ أيضا.

ويقول ابراهيم العبادي في قصيدة (بلابل الدوح):


خــلاني أنــوح وعينيّ غـِــرقـنْ/ بـنـار الشــــوق أعــضـــــاي حـــــرقــنْ

يا دِيسهُ حاكيت حظي الزرقن/ يا شموس أفراحي متى تشرقن


هذه الأغنية أول من غناها الحاج محمد أحمد سرور ولكنها اشتهرت في عصر ما بعد الحقيبة بصوت الفنان مصطفى سيد أحمد والذي شدا بها في بداية مسيرته الفنية وذلك في منتصف سبعينيات القرن الماضي.

وكلمة (الديس) بالبيت الثاني إشارة إلى الشَّعر. والديس أصلاً هو العشب الكثيف الملتف الريان والذي يميل لونه إلى السواد من شدة الخضرة فاستعير اسمه للشَّعر. والشاعر يخاطب شَعر الحبيب ويقول له إن لونك مثل لون حظي. فهو يشبه بذلك سواد شَعر الحبيب بسواد حظه العاثر.

غير أن الشاعر لم يستخدم كلمة أسود وإنما استخدم بدلاً عنها كلمة أزرق (زرقن) في قوله (حظي الزرقن) أي الذي صار أزرقاً. والزرقة هنا تعني السواد في التعبير السوداني. فهو قد ماثل بين زرقة حظه وزرقة شعر الحبيب. وقد أتي في هذه المماثلة أو التشبيه بأداة التشبيه (حاكى) بمعنى ماثل، وبوجه الشبه وهو الزرقة أي السواد الذي تدل عليه كلمة (زرقن).

ولا يظنن أحد أن استخدامنا لكلمة أزرق في معنى أسود غلط لغوي. فقد ورد بالقرآن الكريم ما يشير إلى أن السواد من معاني الزرقة. قال تعالي: "ونحشر المجرمين يومئذٍ زرقا". ونحن نرى أن زرقا هنا بمعنى سود. ويعزز ذلك قوله تعالى: "يوم تبيض وجوهٌ وتسود وجوه". فالقرآن يفسره بعضه بعضا. وقد ذهب المفسرون في تفسير كلمة زرق الواردة في الآية، مذاهب شتى، ولم يهتدوا إلى المعنى السودانوي للأزرق!

هذا وإذا كان إبراهيم العبادي قد ماثل بين سواد شَعر (ديس) الحبيب وسواد حظه، فإن مصطفى بطران قد ماثل بين سواد العيون وسواد حظه هو الآخر، حيث يقول في أغنية (دمعة الشوق):


فــــــــي جــبينــه تشــوف حــــكمــة الـــــربِ

زي سواد حظي جوز دواعجه كحيل


الدَّعجُ شدة سواد العين. وقيل: شدة سواد العين مع سعتها. والصفة دعجاء والجمع دواعج. وقوله: "جوز دواعجه" يعني عينيه السوداوين الواسعتين الكحيلتين. والمعنى أن الشاعر يشبه سواد لون عيون الحبيب الكحيلة بسواد حظه السيء. وهو تشبيه مرسل مفصل حيث ذكر كل من أداة التشبيه (زي) ووجه الشبه (الصفة المشتركة) وهي السواد.

ومثلما سبق قد رأينا أن إبراهيم العبادي، قد شبّه سواد شَعر (دِيس) الحبيب بسواد حظّه، فإن عمر البنا، يفعل الشيء ذاته في قصيدة (نعيم الدنيا) حيث يقول:


يا نعيم الدنيا كيف الحياة غير لِيمك

من بعدك أصبح حظي زي لون هِضليمك


قوله: "زي لون هضليمك" الهضليم هنا الشَّعر. شبّه سواد حظه بلون شعر الحبيب الأسود. وهو تشبيه مرسل مفصل كونه ذكر أداة التشبيه (زي) ووجه الشبه وهو اللون الأسود الذي تدل عليه كلمة هضليم.     .

وأما المنادى في قوله "يا نعيم الدنيا" فهو الحبيب الذي شبّهه بنعيم الدنيا، وهو تشبيه بليغ إذ خلا من أداة التشبيه ووجه الشبه. ولكن هذا النعيم لم يدم للشاعر فقد هجره الحبيب وأصبح الشاعر يحلم بلقاء الحبيب وصاله (لِيمه) واللِيم من لمَّ يلم لمّة.

وكلمة (هضليم) الورادة في قول عمر البنا: "أصبح حظي زي لون هضليمك" أصلها إضليم من الإظلام والظلمة ابدلت الظاء ضادا والهمزة هاءً. وتشبيه الشعر بظلام الليل لجامع السواد، من التشبيهات المتواترة في تراث الشعر العربي الفصيح والشعبي.

وقد ورد عند عمر البنا ما يفيد أنه يقصد بالهضليم الظلمة كناية عن سواد الشعر. جاء ذلك في قصيدة (زيدني في هجراني) حيث يقول:


مال فريعك باني/ فيه بدر وظلمة وفيه ردفاً باني


كلمة ظلمة هنا كناية عن سواد شَعر المحبوبة، والمعنى أن قامة المحبوبة رشيقة مثل فرع البان وهذه القامة يزينها وجه كالقمر وشعر كظلمة الليل وردف في أول نموه.

وهذا التفسير يعززه قول أبو صلاح في إحدى قصائده: "طال ليلي زي ديسك الهضلم نزل في ضميرك".

كلمة الهضلم هنا أصلها (الأظلم) أبدلت الهمزة هاءً والظاء ضاداً. والديس الشعر كما سبق البيان. شبه طول ليله كطول شعر المحبوبة المظلم أي الشديد السواد، والذي من طوله ينزل إلى خاصرتها. هذا وقد وردت كلمة (هضليم) ومشتقاتها في قصائد صالح عبد السيد، أكثر من مرة وكلها جاءت كناية عن شدة سواد الشَّعر.

على أن لكلمة (هضليم) في الشعر السوداني دلالة أخرى. ففي شعر (الدوبيت) تدل على البعير أو الجمل السريع. وتنطق إضليم وهضليم. وأصلها في الفصحى (ظليم) وهو ذكر النعام. فهم يشبهون البعير السريع بالنعام لجامع العلو والسرعة. يقول إبراهيم الفراش أحد أقطاب فن الدوبيت السوداني:


شَدّيت كِيكاً/ تِلب هِضليم نعام طايع وشيكاً


الشاعر يصف بعيره بذَكَر النعام، والكِيك التِلب: العالي العاتي. وشديت أي اسرجت بعيري، من الشّد، وهو في لغتنا تهيئة الدابة للركوب بوضع السرج والبطان عليها.

ويمكننا القول حيثما وردت كلمة إضليم أو هضليم في شعر الدوبيت فهي تشير إلى ذكر النعام (الظليم) والذي يُكنى به عن الجمل السريع. وحيثما وردت كلمة (إضليم/هضليم) في شعر أغنية الحقيبة فهي تشير إلى شدة سواد الشَّعر.

فإذا كان شعراء الدوبيت يشبهون الجمل السريع المخصص للسفر بالنعام لجامع السرعة والعلو كما ذكرنا، فإن شعراء الحقيبة يشبهون سواد شعر المحبوبة بسواد ريش النعام.

وعندي إن كلمة (هضليم أو إضليم) في الحالين، من جذر واحد، وهو الفعل أظلم. ومن هذا الفعل اشتق اسم ذكر النعام (ظليم) من الإظلام والظلام والظلمة في إشارة إلى شدة سواد ريشه. وفي تشبيه سواد شعر المرأة بسواد (إظلام) ريش النعام يقول الحاردلو:


شَعراً ريش نعام والوجه سَمح مصقولْ

وعنقاً صَبْ قزاز صانعنو في اسطنبولْ


عبد المنعم عجب الفَيا

الخميس 10 يونيو 2021


abusara21@gmail.com

 

آراء