بين الورد والرماد

 


 

عمر العمر
18 August, 2024

 

عمر العمر

الصداقة لا تكتسب قيمتها من طول أوانها بل من تجذر عمقها.كما الصديق الحق هو من يكون معك في كل الظروف ،ليس حسب الظروف وفقاً لتوصيف محمود درويش.أو كما قال حسان بن ثابت(من يدوم وصاله). هو من لا يقاس عطاؤه بكم المال بل بتعدد الأبعاد . لذلك فالصديق ليس وليد قرار ،نتيجة انتقاء أوزبدة اختيار كما أنه ليس أنموذجا نتمثله. بل هو شخص آخر نجدفيه بعضا منا أو ربما بعض مما ينقصنا .
*****

لست متأكدًا -بل ربما لم انشغل - بما اذاكان مابين محجوب الشعراني وبيني تماثل او تكامل لكني على قناعة تامة بأن بيننا صداقة لها حصانة ضد المكان والزمان. مصافحتنا الأولى جاءت تحت سقف صالة التحرير في مؤسسة البيان على عتبة الثمانينيات الأخيرة .لكنه لم يكن لقاءنا الأول.كل منا كان على معرفة مسبقة بالآخر .ثم أخذت تلك الصداقة تتراكم كل مساء مع إيقاع الإعداد لصدور أعداد الصحيفة كل صباح. ثم تمددت من زمالة العمل في صالة التحرير إلى دفء العائلة في المنازل.
*****

محجوب قاموس للمعارف ،القِيْم و العلاقات السودانية -ود بلد- وهو بلدوزر من المرح وقوده سخرية مثقفة لاذعة تخالط الجد بالهزل فيجرفك بذكاء إلى حيث المتعة المحببة.فهو ينطلق في ذلك من رؤية سياسية وثقافية صارمة. هكذا تعمّقت الصداقة مع تصاعد ودّنا إبان السهر الليلي الذي نحبه معاً و(يحبه الرفاق) مع ان محجوب على نقيض الشاعر الصديق الراحل عبد الرحيم أبو ذكرى . اذ يغمره المطر الليلي بالحزن. في الأنس مع محجوب تلتقي او يرد ذكر رهط من الكواكب في فضاء الإبداع السوداني ولكل عند محجوب طرفة ،حدوةٌ أو أقصوصة مختزلة قوامها الظُرف الاجتماعي .من تلك الكوكبة مثالا ؛ المجذوب ،عبد الهادي الصديق ، الحلنقي ، نقد، أبو آمنة حامد و محمود محمد مدني.
*****

فكنت على قناعة بأن محجوب الشعراني قصاص قصْر في حق موهبته ، من ثم في حقنا ،إذ لم يمنح ذلك البعد الجمالي في شخصيته ما يستحق من التكريس والرعاية .لعل البروفيسور محمد المهدي بشرى يقاسمني تلك القناعة.كثيرا ماحاولت استنهاض هذه الطاقة الحبيسة لدى الصديق على صدى مساهمات متناثرة في البيان حتى اني استعديت عليه الأديب محمد المر حينما كان قاصا غزير الانتاج. قناعتي لا تزال أن محجوبا يجلس على مخزون وافر من الابداع الأدبي .تلك قناعة عززها صديق وزميل لمحجوب من أيام الصبا في الفاشر. إذ كشف عن موهبة خبيئة مغايرة في شخصية صديقنا.
*****

فبينما كنا على مائدة غداء الشهر الفائت في بيت محجوب تساءل عبد الرحمن يوسف مهندس الميكانيكا محبَطا في ثنايا تقليب صفحات الماضي عن عدم بروز محجوب شاعرا مجيدا كما كان يراهن الزملاءالطلاب في ثانوية الفاشر .لست وحدي من أدهشته المفاجأة .كذلك كان حال الزميل طه النعمان،المهندس المعماري عثمان محمد خير وغاب عنا يومذاك الدبلوماسي محمود تميم.
*****

اللقاء حلقة من طقس دأبنا على أدائه محمود وشخصي ما سمحت لنا مشاغل الدنيا وفاءً للصديق النبيل محجوب إذ ساقاه خانتاه فلم تعدا تسمحان له بالحركة الحرة الطلق .في صحبته ننعم دوما بحيز زماني مشبع بالمرح والسرور يتم فيه استدعاء الشعر ،المسرح ،الغناء والمسرح ضيوفا على المائدة والسياسة مرايا فنسترد جذوة من نور الشباب وناره.ذلك حيز جميل بهي مستقطع من (وقت بين الورد والرماد).حسب تعبير أودنيس.فكل لقاء نريده بلا انتهاء كما تمنى نذار قباني.

aloomar@gmail.com

 

آراء