تعقيب على الاحتفال بالذكرى الثامنة والثلاثين (الحلقة الثالثة) تعقيب على د. النور

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ*وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ"
صدق الله العظيم

(2)
*النقد الذاتي*
*والعقل النقدي*

يقول د. النور: "أنا بفتكر، فِكر الأستاذ محمود محمد طه، جوهره أن نتعلم التفكير النقدي".. ويمضي من نفس النص: "إنك أنت ما تتقيد ما تربط نفسك في شاية بحبل، وإذا ربطت نفسك في الشاية دي زي البربندي يعني، لمن تربط الدابة بتربطها انت بتغز ليها حاجة في الواطة وعندك حبل، لمن تربط بتبدأ بتدور في الدائرة، بتاعت الحبل دا بس ما بتطلع منها، ولذلك فك نفسك من الشاية لتفكر تفكير مستقيم"!!.
أولاً فكر الأستاذ محمود محمد طه *جوهره هو التوحيد*، وليس أن نتعلم التفكير النقدي كما تزعم أنت.. *وحتى بالنسبة للتفكير، الدعوة تقوم على التفكير السليم المستقيم، المحايد، وهذا لا يكون إلا بالتخلص من هوى النفس، ومن عيوب الفكر، خصوصاً وهم الحواس، ووهم العقول*.. وليس لهذا من سبيل إلّا منهاج التقوى.. فالتفكير المستقيم *لا يأتي تلقائياً، ولا يمكن أن يأتي بدون تربية فكرية*.. وحديث د. النور عن ضرورة عدم القيد، *حديث شديد البطلان*، *إذ لا بد من القيد في التفكير المستقيم وفي التفكير النقدي.. لا بد من التقيد بالحق، ومن لا يتقيد بالحق، لا يكون مفكراً مستقيم الفكر*.. والتقيد بالحق لا يأتي تلقائياً، وإنما لا بد فيه من التربية، والتخلص من الهوى الذي ينحرف بالفكر.. فقول د. النور: (ولذلك فك نفسك من الشاية لتفكر تفكير مستقيم) قول شديد الخطأ، وشديد الضرر.. فالتفكير المستقيم لا بد فيه من القيد بالقيَّم، وهو ليس بالأمر السهل، حتى يقال أنك مجرد تحللت من القيد أصبحت صاحب تفكير حر مستقيم، هذا جهل وعبث.. التفكير المستقيم أَجَّلُّ من ذلك وأخطر، ومن المستحيل أن يتم دون منهاج يتم به التخلص من عيوب الفكر.. (ما تتقيد) هذه العبارة هي أهم وأخطر ما في فكر النور ونحن سنتعرض لها لاحقاً، عندما نتحدث عن التجربة السلوكية، التي هجاها هجاءً مُرَّاً.. مع أنه لا مجال للتفكير النقدي، ولا لتحرير الفكر، إلّا بالتجربة السلوكية.. والنقد على ضوء ماذا؟! *عندنا في الفكرة النقد على ضوء التوحيد، أو ميزان التوحيد*.. فعندما ترك النور الفكرة فما هو البديل الذي وجده لميزان التوحيد، ليقيم عليه النقد الذي يتحدث عنه؟! *على كل هذا الذي تسميه نقداً، ليس بنقد لا من قريب ولا من بعيد، وإنما هو هجاء*.. وهذا ما عرفناه عنك منذ زمن طويل.

يقول د. النور: "وأنا افتكر الميزة الأساسية للأستاذ محمود محمد طه تحريرنا من فكرة الدستور الإسلامي"!! هذا قول عجيب أن يصدر من إنسان كانت له علاقة بالفكرة الجمهورية.. *نحن كتلاميذ لا نقيم الأستاذ حتى نقول ميزته الأساسية كذا وكذا*.. وحتى بالنسبة للدعوة هذه ليست الميزة الأساسية، وليست الدعوة الأساسية.. *الدعوة الأساسية هي لـ(طريق محمد) صلى الله عايه وسلم* وهذا ما تتفاداه أنت بوعي أو بغير وعي.. فقد شَقَّت عليك التجربة السلوكية، فبدل أن ترجع لنفسك، وتصحح سلوكك، رأيت أن العيب في التجربة نفسها، ونسبتها للتصوف، وأنت تعلم أن التصوف نفسه يرجع إلى السنة.. *وأن الدعوة لـ(طريق محمد) هي تصحيح للتصوف والرجوع إلى الأصل، مع العمل وفقه دون زيادة أو نقصان*.

يقول د. النور: "وهسع تاريخ السودان ده كله مزيف، نحن نحتاج أن ننظر له نظرة نقدية".. *لقد فارقت النظرة النقدية الموضوعية، منذ أن زعمت أنه كله مزيف*.. هذا زعم باطل جداً فالحق أن معظمه صحيح، وفيه أخطاء تحتاج أن تصحح.. هذا *التعميم* سمة أساسية من سمات تفكير د. النور، وهو يدل دلالة قوية على غياب الموضوعية.. وهذا التعميم يظهر بصورة خاصة في ما يسميه د. النور نقداً للجمهوريين.. ونحن سنرى ذلك.

يقول د. النور: "وما ممكن كمان تمشي استناداً على عقائدك الغنوصية لتقعد تحاكم عليها الناس"!! مرة دوغما، ومرة عقائد غنوصية.. نحن كجمهوريين أصبحنا ضحايا للكلمات التي يستخدمها النور من غير حق، ومن غير علم.. نحن لا نحاكم الناس على عقائد وإنما نقيم فكرهم بصورة موضوعية تقوم على ميزان التوحيد.. وميزان التوحيد فيه الباطل لا يدخل الوجود.. ولذلك عندنا، حتى الدعوات الباطلة فيها وجه حق، لأنها دخلت الوجود بالإرادة الإلهية، والإرادة الإلهية، لا تكون باطلاً مطلقاً.. ولذلك عندما قَيَّمَ الأستاذُ الماركسية، قَيَّمَها وفق ميزان التوحيد، وذكر إيجابياتها وسلبياتها.. أما أنت فلا ترى لمن تهاجمهم أيّ إيجابيات.. وحتى السلبيات التي تنسبها لهم هي من عندك ليس لها أي علاقة بهم، وهذا واضح جداً في نقدك للجمهوريين الذي نحن بصدده..

يقول د. النور: "نحن كمجموعة جمهورية عندنا مشكلة، هسع مرت علينا ما يقارب الأربعين سنة، ونحن كَم جامد".. أنت لست جمهورياً، وهذا ما قلته بنفسك.. ونحن لا نشعر بأي مشكلة بصدد ما ذكرته، فكما يقول الأستاذ *العدد ليس في اعتبارنا!!* وأنت لا تعرف الجمهوريين الجدد حتى تحكم بأن الكَم جامد أو لا.. هنالك زيادة في عدد الجمهوريين.. وأنا شخصياً في الدول التي زرتها، وجدت جمهوريين لم أكن أعرفهم.. وحتى في السودان أنا لا أعرف كل أو معظم الجمهوريين الجدد.. ونحن غير مشغولين بالعدد، *لأن انتصار الفكرة عندنا حتمي*.. وأصلاً نحن لا ننتظر أن ندخل الناس في الفكرة عن طريق عملنا.. لأن الأساس هو أن الله هو الهادي: "إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ".. فنحن عندما *نعمل في النشاط العام*، في الكتابة أو في المحاضرات والندوات، *نعمل من أجل أنفسنا في المكان الأول.. ثم نعمل من أجل الآخرين بغرض توصيل الخير إليهم* (ورب مبلَّغ أوعى من سامع).. إنك تبني الكثير جداً من الهجاء للجمهوريين، على هذه النقطة الخاطئة، *العمل ليس عملاً سياسياً، وإنما هو عمل ديني، تحكمه وتوجهه قيم الدين*.

يقول د. النور: "لمن تتكلم يعني عن بناء دولة حديثة في قطر زي السودان، في يعني أوضاع القرن العشرين، بتحتاج تفكر تفكير مختلف".. هذا قول شديد البطلان، وأنت كعادتك لم تورد عليه أي دليل.. لماذا تفكير مختلف؟! نحن *لا نسعى إلى دولة حديثة بمعنى الحداثة الغربية*.. بل عندنا أنه من المؤكد ما لم يتم تقديم الدين بصورة *تتفوق على الحداثة الغربية*، وفي كل المجالات، خصوصاً في مجالات حل مشاكل الناس، فلا قيمة له، ولا ينبغي أن يُقدَّم.. نحن نتحدث عن *الدولة التي تقوم على أسس تتجاوز الحداثة الغربية وتحل المشكلات التي فشلت الحضارة الغربية في حلها*.. وهذا من الناحية الفكرية أمر واضح جداً، ولكنك *لا تقف عنده ولا تعرضه، وإنما تنقده بحديث معمم لا ينطبق عليه*.. عليك أن تتحدث عن مفهوم الدولة في الفكرة.. من مفهوم الدستور، والديمقراطية، والجمع بين الإشتراكية والديمقراطية، وتحقيق العدالة الاجتماعية.. بصورة خاصة، إذا كنت موضوعياً في نقدك، حدثنا عن *القرآن كدستور للفرد، ودستور للجماعة.. فهذا أمر لا ضريب له في الفكر البشري*، علمانياً أو دينياً، وهو *أهم مرتكز لتحقيق القيَّم* التي تحدثنا عنها في العمل العام إذ فيه السلوك الفردي يكمل القانون الذي يحكم الجماعة.. وأنت تقول: "بنحتاج نفكر تفكير مختلف"، ولم تذكر هذا التفكير المختلف أو الأسس التي يقوم عليها.. فكالعادة أنت لم تقل شيئاً!!.

يقول د. النور: "أنا بفتكر، الفكرة الجمهورية وسطنا نحن الجمهوريين تحولت إلى عقيدة جامدة، كما تحولت من قبل الفكرة الإسلامية...".. لقد تحدثنا عن العقيدة.. وواضح جداً أن د. النور ضد العقيدة، وهذا فهم عقيم جداً، ولا يقوم على أي أساس.. فأي فكر بشري، سواء كان فكراً مادياً، كما هي الحال في العلم المادي التجريبي أو العلم الديني، لا يمكن أن يصل إلى علم دون عقيدة.. *فصحة العقيدة، هي التي تحدد صحة العلم، علماً مادياً تجريبياً، أو علماً روحياً دينياً*.. هذه النقطة مهمة جداً، ولا بد من توكيدها.. العقيدة ضرورة لأيِّ علم، ولا يمكن أن يقوم علم بدونها.. ومن يعترض على قولنا هذا فليورد حجته.. فقد ناقشت من جانبي الموضوع بشيء من التوسع، في كتاب (المعرفة وطبيعة الوجود).. ثم لا بد من توكيد أن العقيدة – الإيمان – باقية سرمداً، كما سبق أن ذكرت في حديثي لد.النعيم.. فالعقيدة منفتحة على الإطلاق، على عكس ما يزعم د. النور.. فالعقيدة في الإسلام تقوم على كلمة التوحيد: لا إله إلّا الله، وهي بدايتها عندنا وقمتها عند الله في اطلاقه: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".. والسير إلى الله جميعه بلا إله إلّا الله. هي وسيلة السير في الأرض في الحياة الدنيا، وفي البرزخ، وفي النار، وفي الجنة، وفي السرمد، فكما ذكرنا نهايتها عند الله.. ومهما شهدنا، من المستحيل أن نشهد كما شهد الله لنفسه..ولذلك العقيدة في الفكرة منفتحة على الإطلاق..

وليس هناك *اختلاف نوع* بين العقيدة والعلم.. فالعقيدة علم في المرحلة الأولى من العلم.. من يؤمن بلا إله الا الله، هو أعلم ممن لا يؤمن.. *والعلم توكيد للعقيدة أو تجسيد لها ولا يكون إلا عن طريق التجربة في العمل، في التقوى، والذي يقود إلى درجات اليقين*، وهي العلم الذي تتحدث عنه الفكرة العلم بالله.. وليس لهذا أي مقابل، في أيِّ فكرٍ بشري.. وقد أصبح الآن في مجالات العلم المادي التجريبي، من المتفق عليه بين العلماء، أنه ليس هنالك يقين.. وعلى ذلك نقول أن العلم المادي التجريبي ليس بعلم يقين.. وعلم اليقين مستحيل خارج الدين، وهذا ما يعترف به العلماء أنفسهم – نحيل القراء للتوسع في الموضوع إلى كتاب (المعرفة وطبيعة الوجود).

يقول د. النور: "ولذلك نحن بنحتاج أن نخرج من القمقم ده، قمقم التعصب الديني الهو مستمر معانا لحدي الليلة، شفناه في داعش، وفي ضبح الناس، وفي كدا وفي الأشياء الزي دي".. *الخروج من التعصب* الذي تمثله داعش، وشبيهاتها من التنظيمات، *هو الفكرة التي توحد المسلمين على (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم.. وعلى الاسماح الذي تقوم عليه*.. وهذا أمر حتمي، آمن من آمن وكفر من كفر.. فد. النور عندما أورد النص يقصدنا به نحن الجمهوريين، ولكن اتجه للتلطيف بذكر داعش.. *الفكرة لا تقوم على التعصب، وإنما في أساسها تقوم على آيات الاسماح، وتقوم على التربية التي لا تتعصب، إذ أنها تنظر للأمور بميزان الشريعة والحقيقة في آن معاً*.. فتهمتُك ردٌ عليك.. والخلاص ليس عندك، وعلى كل أنت لم تورد أي صورة للخلاص، ربما أنك تلمح *للبعد عن العقيدة الدينية.. فهل الذين هم ليسوا على عقيدة دينية* في سلام؟! عجيب أن تقول قولك هذا والحرب بين روسيا وأوكرانيا دائرة، وتهدد بخطر ماحق، قد يصل إلى استخدام الأسلحة النووية!!.

وكما سبق أن ذكرنا فقد أوردني أنا كنموذج للتعصب العقيدي في قوله: "وأنا هنا حا اقول لكم نموذج، يعني كيف نحن مشكلة الدوغما عندنا وصلت: أمس يوم 18 كتب أخونا خالد الحاج، وللناس الما بيعرفوه: خالد الحاج أحد كبار الأخوان الجمهوريين.. ولعله هسع يمكن يكون تاني أخو جمهوري في سلم القيادة، عند الناس اللا زالوا يعني مكونين كور، بيعتقدوا أنه متوارث من سعيد شايب ومن الأستاذ ومن كده.

خالد الحاج أمس كتب في الاحتفال بالذكرى قال: سيكون بعون الله ضمن احتفالى بالذكرى العمل على المزيد من الكشف لعداوة د. النعيم المبالغ فيها للفكرة، ومع هذه العداوة والتشويه المبالغ فيه ها هو د. النعيم يقدم كأحد المحتفلين بذكرى الأستاذ وهو أمر له ما بعده.. فلماذا يحتفل د. النعيم بذكرى الأستاذ؟ ولماذا يقوم المركز بتقديمه رغم كل ما قام به ويقوم به من عمل عدائي لشخص الأستاذ وتشويه لدعوته، لا بد أن يكون في الأمر سر".. هذا ما قاله د. النور كنموذج للتعصب والدوغمائية.. *فالتعصب عند د. النور هو أن نرد على من يشوه الفكرة، ويسيء إلى مرشدنا!!* ونحن قد عرضنا أقوال د. النعيم في الندوة وقمنا بتحليلها.. فد. النور يريدنا ألّا نرد على من يهاجمنا، ويفكك دعوتنا، ويسيء إلى مرشدنا، وبهذا نكون غير متعصبين!! إن الخلل في التفكير صارخ الوضوح!! *في الواقع هو ليس تفكيراً وإنما هو هوى*.. وعندما ذكر د. النور أن خالد الآن من كبار الجمهوريين، يقصد أن يقول أن البقية لا يختلفون عنه!! إذا كان الأمر كذلك فالحمدلله.. فلا خير في إنسان لا يدافع عن دعوته، دفاعاً فكرياً يقوم على التصحيح.. وأسوأ من ذلك من لا يرد على من يسيئون إلى مرشدهم.. فهذا إنسان ليست له نخوة.

لقد سبق أن تحدثنا عن الكافر الذي اقترحه د.النور، ولا نود أن نعيد حديثنا في هذا الصدد.. وختم د. النور حديثه بقوله: "هل ده معقول زول يجي هسع يتكلم عن أنو داير دولة حديثة؟".. وقد سبق أن قمنا بالرد على هذه النقطة.

وفي مفارقة شديدة، يقول د. النور: "أنا بفتكر أنه نحن جا الوقت.. قال وضعت الفأس على أصل الشجرة، كل شجرة لا تأتي بثمرة تقطع وتطرح في النار.. وأنا بفتكر شجرة الجمود العقيدي يجب أن تُجتَث، هذه شجرة خبيثة لا تنبت إلّا العنف والكراهية، ولا تنبت إلّا تقييد العقول"!!. هل هنالك هجاء للجمهوريين أكثر من هذا؟! عبارة: (وضعت الفأس على أصل الشجرة)، هي عبارة للسيد المسيح، يعني هي عبارة في إطار الدين.. فما هي الشجرة، وما هي الثمرة؟ د. النور لم يقل لنا أي شيء في ذلك.. هو فقط يجرمنا *ويصفنا بأننا شجرة لا تثمر وهي شجرة خبيثة ينبغي أن تُقطَع وتُلقى في النار!! هذه جرأة غريبة، من رجل مرد على الانصراف التام عن عيوب نفسه، واسقاطها على الآخرين*.. الحمدلله الشجرة عند الجمهوريين مثمرة.. وهي شجرة التقوى.. جاء من كتاب *تعلموا كيف تصلون، قوله: "..(يأيها الذين آمنوا)، يعني الذين استقبلوا الدين بالعقيدة، ولم يستيقنوه بالفكر، فيصبحوا (مسلمين).. (إن تتقوا الله) يعني أن تعملوا بالشريعة، فتأتمروا بالأمر، وتنتهوا عند النهي.. (يجعل لكم فرقاناً) يعني نوراً في عقولكم، به تفرقون بين الحق والباطل.. يعني يجعل لكم مقدرة في عقولكم بفضل التقوى، بها تقوون على التفكير الدقيق، والتمييز السليم، بينما يليق وما لا يليق.. بين الحلال والحرام (الحرام ما حاك في نفسك، وخشيت أن يطلع عليه الناس).. والتقوى (شجرة)، والفرقان (ثمرة)، وبقدر ما تدق التقوى يدق الفرقان، ويقوى...."...."التقوى إذن مستويات، وللفرقان مستويات تقابلها، فإنه، كما قررنا، التقوى شجرة والفرقان ثمرة.. (وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم)*.

*وأغلظ مستويات التقوى ما يكون للمؤمن العادي، وهو مستوى الحلال البين والحرام البين*.... إلخ".. فالجمهوريون، بفضل الله عليهم، وبفضل اتباعهم لـ(طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، شجرة التقوى عندهم مثمرة، ولا يحتاجون لد. النور ليعترف بها أو لا يعترف.. ولكن ما هي الشجرة عنده هو، وما هي الثمرة؟! هو لم يتحدث في هذا الأمر، لأنه لن يجد ما يتحدث فيه، طالما أنه فارق منهاج التقوى، كما أعلن.. أما قوله: "وأنا بفتكر شجرة الجمود العقيدي يجب أن تُجتَث، هذه الشجرة خبيثة لا تنبت إلا العنف والكراهية، ولا تنبت إلا تقييد العقول".. لا يوجد جمود عقيدي كما بيَّنا، وإنما هي صورة من صور الهجاء الذي مرد عليه د. النور.. *فعبارة (شجرة الجمود العقيدي يجب أن تجتث) تعني أن العقيدة الدينية يجب أن تجتث*، لأن د. النور يعتبر العقيدة الدينية أصبحت جامدة، ولا تنبت إلا العنف والكراهية، ولا تنبت إلا تقييد العقول.. قولك هذا ردٌّ عليك.. *فالفكرة الجمهورية أكبر فكرة في التاريخ تدعو للسلام وتبشر به بصورة ليس لها مثيل في أي دين أو فلسفة*.. وتقييد العقول بالمعنى الذي ذكرناه – تقييدها بالقيم – قيم التقوى، هو وحده دون غيره هو الذي يحرر الفكر.. إنك يا صاحبي تعكس الأمور عكساً.. نحن بفضل الله علينا دعاة سلام ومحبة، ونعمل على أن نعيش القيَّم التي ندعو لها.. ومن جانبي كتبت كتاباً عن (السلام عند الأستاذ محمود محمد طه) أعتقد أنه وافٍ جداً في بابه، وهو يشمل مقارنة بين الإسلام كما ندعو له، والأديان والفلسفات، ويبرز تفوّق الإسلام عليها جميعاً في تحقيق السلام.. والموعود الذي نبشر به يملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، ويحقق السلام في البيئة كلها.. بالنسبة لنا كجمهوريين، *حكم الوقت الآن يقتضي أن يكون كل واحد منا قد نزع الضغن، وهذا هو الحد الأدنى*.. د. النور، أنا شخصياً، كلما قابلتك أشعر بأنك تضغن عليَّ كثيراً، ولا تستطيع أن تخفي هذا من ملامحك.. هوِّن عليك أنا لست عدوك، ونقدي لك هو من باب عمل الخير لك، فهمت أو لم تفهم.. ولكن هذه قيَّمي، وأرجو الله أن يزيدني فيها، وأن يصلحني ويصلحك.

يقول د. النور: "الأستاذ محمود قامة رفيعة وسامقة وما فُهِم، ما فُهِم لدى عامة السودانيين، وما فُهِم لدى أكثرية الجمهوريين أنا بفتكر كدا.. دا ما ادّعاء، أنا بفتكر نحن قاعدين على مدى ثمانية وثلاثين سنة هسع دي، بنتأمل في المجتمع الجمهوري، وبنتأمل في النقاشات البتناقشوها الجمهوريين في يعني مجموعاتهم الخاصة في الانترنت، وفي كدا، ولا في موقع الفكرة الجمهورية ولا في الصالون، ولا في كدا، ما شايفين في زيادة في المعرفة، ما شايفين في اطّلاع، ما شايفين في ناس بقروا، نحن *شايفين حيران زيهم وزي حيران أي طائفة صوفية"!!*.
*مهما ادعيت أنه ليس ادعاءً، إلّا أنه ادعاءٌ صارخُ الوضوح*.. لقد جعلت من نفسك المرشد الذي يعرف زيادة المعرفة عند تلاميذه.. لقد حكمت بما تطّلع عليه في المواقع.. وهذا ليس المرجع الصحيح للحكم.. هل اطّلعت يا د. النور على بعض كتبي؟! أشك كثيراً، فأنت عند نفسك أكبر من أن تطلع على كتبي.. الأوصاف التي ذكرتها، (حيران) و (طائفة صوفية)، هي مجرد هجاء، ليس لك عليه دليل، كما أن جميع أقوالك السابقة في هجاء الجمهوريين لم تورد عليها أي دليل.. *أنت لا تملك الميزان الذي تزن به الجمهوريين*.. فقد تركت الميزان عندما غادرت الفكرة، *وأصبحت صاحب غبينة ضد الجمهوريين* تعمل على أن تفشها، فجميع أقوالك التي تعرضنا لها، خالية من الموضوعية ومفارقة بصورة كبيرة.. وأقوالك التي سنتعرض لها، هي أكثر مفارقة.. أنت لست محايداً، *ولا طالب حق*، وإنما تقول ما قلت لحاجة في نفسك، أعانك الله عليها!!.

أنت تقول أن أكثرية الجمهوريين لم يفهموا الأستاذ وإنك (بتفتكر كدا).. *وهذا ليس مجرد ادعاء وإنما هو إدعاء أجوف*، فأنت لا تعرف علم الجمهوريين، وليس لك من الموازين ما يُمكِّنُك من وزنه، ثم إن الغرض شديد الوضوح في جميع أقوالك، بصورة أنت فيها عاجز عن الاعتدال.. الفكرة الجمهورية قُدِّمت لتُفهَم، وفي المستوى الذي فيه تُفهَم.. وقد فهم الجمهوريون، وعبَّروا عنها لزمن طويل في المحاضرات، وأركان النقاش وفي حملات الدعوة وفي حملات الكتاب، في مختلف أنحاء السودان.. وهم لا يزالون يعبِّرون عنها، بالطبع على اختلاف بينهم في مستوى التعبير.. والجمهوريون يعملون لدعوتهم، في حدود الإمكانيات المتوفرة.. فهنالك موقع الفكرة، الذي يضم تقريباً جميع كتبها ويستطيع أيّ إنسان في العالم أن يطّلع عليها.. وهنالك ندوة أسبوعية مساء كل جمعة، يستطيع أيّ فرد أن يشترك فيها عن طريق تطبيقات الشبكة.. وهنالك ندوة داخلية للجمهوريين على مستوى العالم، كل سبت، فلماذا تركت هذا النشاط، وتعرضت لما يكتب في المواقع.. أنا شخصياً لا أرى أنما يكتب في المواقع يمثل الفكرة.. والكثير منه، في نظري عمل غير جاد.. بل أن الكثيرَ منه لهوٌ طفولي، فليس هذا ما يمثل الفكرة.. عدد من الأخوان كتبوا في الفكرة كتابات جادة وناضجة، واشتركوا في أحاديث في القنوات، لا أدري هل تابعت مثل هذا النشاط، أم لا ولكنني أرجح أنك لم تتابع، بدليل ما تعرضت له، دون النشاطات التي ذكرتها لك.. لقد قمت بنشر ثلاثة عشر كتاباً، أعتبر أنها جادة وتمثل الفكرة، وقد قامت على مقارنة واضحة بين طرح الفكرة والحضارة الغربية، في مختلف المجالات الأساسية.. ابتداءً من الوجود، والحياة، والإنسان، والفكر، والحرية، والأخلاق، والمستقبل، والسلام.. أعتقد هذه القضايا هي القضايا الهامة جداً لأيِّ فكرٍ بشري.. وأكاد أجزم أنك لم تطّلع على كتبي هذه، وهي متوفرة، وأنت لم تطّلع، لا لشيء، إلّا لأنك عند نفسك أكبر من أن تطّلع على ما أكتب.. *فليس من حقك أن تحكم على الآخرين، دون أن تعرف ما يقومون به، هذا منتهى عدم الموضوعية والأمانة الفكرية*.

انظر إلى قول د. النور هذا فهو بعد الاتهامات التي كالها للجمهوريين أعلاه، ذهب ليقول: "ولذلك الأستاذ محمود قُتِلَ من جانب أتباعو للمرة الثانية، مثل ما قتلوه أعداؤه في سنة 85"!! انظر إلى هذا *القبح في الهجاء!!* كيف حدث هذا؟ الفكر لا يموت، وكأن د. النور يرى أنه على الجمهوريين أن ينشروا دعوة الأستاذ، *وربما يطبقوها.. وهذا دليل قاطع على غياب أن الفكرة دين*.. ليس لنا من الأمر شيء.. لا نستطيع تغيير أي شيء أو إضافة أي شيء إلا من يزعم أنه مأذون من الله.. *فإذا وجد من يدعي هذا الإذن، فهذه ليست فكرة الأستاذ محمود، وإنما هي فكرة صاحبها هذا المأذون*.. الأستاذ محمود نفسه لم يقل أنه هو من ينشر الفكرة، أو يطبقها، وإنما قال بوضوح أن الفكرة ستطبق عندما يجيء الإذن والمأذون بتطبيقها، وهو المسيح المحمدي.. فأنت يا دكتور تغير موضوع الفكرة تغييراً جذرياً، لا علاقة له بها، لتتهمنا، بما اتهمتنا به من قبيح القول.. مرة أخرى الفكرة *لن تنتشر وتطبق إلا إذا جاء المسيح المحمدي المأذون بالتطبيق*، وهذا الأمر أنت تعرفه، ولكنك ترغب في الإساءة للجمهوريين، وتجريحهم بهذه الصورة الشاذة.

يتبع...
خالد الحاج عبد المحمود
رفاعة في 10/4/2023م

 

آراء