تعقيب على الاحتفال بالذكرى الثامنة والثلاثين (الحلقة الثانية)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

"رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ"
صدق الله العظيم

*تعقيب على د. النعيم*

*(1)*
سنحاول أن تكون كتابتنا عن د. النعيم مختصرة.. سنركّز فقط على مخالفته للإسلام والأديان الكتابية بصورة مبدئية.. أرجو ملاحظة أنّ د. النعيم لا يطرح فكراً يقوم على الأدلّة، *وإنما هو فقط يقرر*.. وهذا ينطبق على أدقّ الأشياء وأخطرها.

د. النعيم *يقرر* بصورة مبدئية أن الدين أمر ذاتي، وقد أوردنا النصوص في ذلك.. فهو يقول مثلاً: (عندما أقول ديني، وهو الإسلام، فإنّي *لا أتحدث عن الإسلام بصورة عامة*، أو الإسلام بالنسبة للمسلمين الآخرين، وإنّما أتحدث عن *الإسلام الشخصي*، ذلك أنّه بالنسبة لي الدين يجب أن يكون ذاتياً. لا يمكن له أبداً أن يكون غير ذاتي. *لا يمكن للدين أبداً أن يكون غير التجربة الفردية والشخصية للإنسان*).. فالدين عند د. النعيم ذاتي ولا يمكن أن يكون خلاف ذلك.. ودينه *هو ذاتي يختلف عن الدين الإسلامي المعروف*، وعن دين المسلمين الآخرين.. فهو يقرر (لا يمكن له أبداً أن يكون غير ذاتي.. لا يمكن للدين أبداً أن يكون غير التجربة الفردية والشخصية للإنسان) هذا يعني أنّه عند د. النعيم من *المستحيل* أن يكون هنالك *دين موضوعي.. وذاتي تعني خاص بالفرد، خاص بالذات*، ولا علاقة له بالجماعة.. *وموضوعي تعني أنه له وجود يمكن أن يدركه كل الناس*.. قول د. النعيم: (لا يمكن للدين أبداً أن يكون غير التجربة الفردية والشخصية للإنسان) يدل على تخليط شديد.. *فالتجربة الشخصية والفردية هي التدين، وليست الدين*.. أقوال د. النعيم يشرح بعضها البعض ويكمل بعضها البعض.. خاصةً هذا المبدأ الأساسي، مبدأ عدم وجود دين موضوعي، يمكن أن يشترك فيه كلّ الناس، فهذا التصور يرد بصور مختلفة، من هذه الصور زعم د. النعيم أنّ الدين صناعة بشرية، مثله مثل الثقافة، ويمكن إعادة صناعته!! فهو يقول: *(كمسلم، أنا دائماً أطلق التقرير "الهرطقي" أنّ الدين علماني*، وهذا القول ربما يبدو متناقضاً في العبارة، ولكن واقع الأمر هو أنّه ليس لنا من سبيل لأن نعتنق الدين، أو نعقله، ونتأثر به، أو نؤثر فيه، إلا عبر الواسطة البشرية.. فواسطتنا البشرية، هي العامل الحاسم في تحديد، وتعريف، ديننا.. *وبهذا المعنى فإن الدين علماني*.. الدين من صنع البشر.. وموقفي هنا، أن أؤكد علمانية الدين هذه، التي أتحدث عنها، حيث يمكن من هذا المنطلق، إخضاع الدين للسياسة، أي جعله عنصراً، وذخراً سياسياً.. وهذا المفهوم ينطبق، بنفس المستوى، على الثقافة، *فأنا عندما أتحدث عن الدين والثقافة إنما أتحدث عنهما بنفس المعنى، أي بمعنى أنّ كلاهما من صنع البشر، وأن كلاهما يمكن إعادة صنعه، من قبل البشر*).. نص واضح، وشديد التحديد، وله دلالة خطيرة بالنسبة للدين.. *فهو يعني أنّ جميع الأنبياء والمرسلين، لم يحدث لهم وحي من الله تعالى بواسطة المَلَك جبريل،* وإنما هم الذين صنعوا هذا الدين الذي يتحدّثون عنه.. ولم يتركنا د. النعيم لنستنتج، فهو عندما تحدث عن القرآن وعن الشريعة، وكّد هذا المعنى، معنى أنهما ليسا وحي من الله، وإنّما هما من صنع البشر!! فهو يقول عن القرآن مثلاً: *(نقطتي هي أنه فيما يتعلق بالاسلام، كما هو مستمد من القرآن والسنة، من المهم جدا لنا نحن – الأجيال المتعاقبة من المسلمين – أن نعلم أن القرآن إنما هو نتاج إجماع بشري!! فنحن نعتقد أن القرآن منزل من الله.. ولكن كيف نعرف أنّ "المصحف" الذي نقرأه اليوم هو في الواقع ما أوحي من الله؟ إنها مجرد عقيدتنا أنّ هذا النص الذي تم تداوله من جيل لجيل وسط المسلمين طوال الالف وخمسمائة العام الماضية!! ولذلك مفهوم الإجماع البشري هو في الواقع أمر حاسم وهام، لإمكانية الاعتراف بالقرآن كنص شرعيّ ومهيمن!!* وهذا ينطبق بنفس القدر على السنة – نموذج النبي – *والتي هي أكثر اشكالاً من القرآن* نظراً لكونها ظلّت تداول شفهياً لأجيال عدة قبل أن يتم تدوينها.. والجدال حول صدقية السنّة النبوية وعدم صدقيتها مستمر بين المسلمين، ولكن بالنسبة لي أؤكد هنا على موضوع الإجماع، ليس فقط كإتجاه لتطوير الشريعة، وأصول ومصادر الشريعة، كما سوف أحاول أن أشرح باختصار، لكن أيضاً في ما يخص المصدر القرآني نفسه.. *إنّ السلطة التي يستمدها نص القرآن تنبع من تعاقب الإجماع، الإجماع عليه بين الأجيال كما أسميه، وليس من كونه منزّل!! نظراً لأننا لم نره ينزل.. إننا لم نستلم ملفاً مرفقاً مع رسالة الكترونية، وقيل لنا أنّ هذا هو القرآن!!* إنّ الواقع هو أنّ أجيال المسلمين المتعاقبة جيل من بعد جيل، قد تناقلوا وحفظوا وتداولوا القرآن.. وفي الواقع القرآن هو في القراءة، وليس في النص.. إنّه من إقرأ، قرأ.. من تلاوته!! القرآن ليس هو النص الموجود باللغة العربية، وما إلى ذلك).. لاحظ البساطة الشديدة التي يقرر بها، والجرأة، والتطاول على الله وعلى رسوله.. إن الأمر كله غير طبيعي، ومحير جداً.

هذا المعنى ورد في أقوال د. النعيم التي ذكرنا كثيراً منها بصور مختلفة.. *فالشريعة عنده ليست موحاة من الله، وكذلك الحال بالنسبة لشريعة الأحوال الشخصية*.. ود. النعيم لا يهتم بالأحاديث النبوية، وهو نادراً ما يتعامل معها، ويعلن بوضوح أنّه لا يتعامل مع النصوص.. *وأخطر ما ينبني على أن القرآن ليس موحى به من الله، أنّ المعصوم صلى الله عليه وسلم، ليس بنبي، ولا رسول*.. فهو يتهم المعصوم بأنه يكذب عندما يقول أنه رسول موحى إليه من الله.

الدخول في الإسلام إنما يكون بلا إله الا الله، محمد رسول الله.. هذه هي شهادة تصديق، ومن لا يؤمن بها لا يدخل في ملة الإسلام.. ود. النعيم يعلن بوضوح أنّه لا يؤمن بطرفي الشهادة.. أكثر من ذلك هو يزعم أن الإنسان مخيّر، وقد أوردنا النص، ويزعم أن الله لا يفعل، وإنما هي الواسطة البشرية التي تفعل.. ومعنى لا إله إلّا الله، أنه لا فاعل لكبير الأشياء ولا صغيرها إلّا الله.. الله تعالى في الحقيقة هو الفاعل الوحيد في الوجود.. فد. النعيم ينكر فاعلية الله، وينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ورسالته.. وإلى جانب ذلك كله هو يقرر أنّ إسلامه، هو ليس الإسلام العام، إسلام المسلمين، وإنما هو إسلام شخصي ذاتي.. فليس من حق أحد أن يدخل د. النعيم في الإسلام العام، *وقد أخرج نفسه بوضوح*، بإنكاره شهادة أن لا إله إلّا الله محمد رسول الله.

ود. النعيم يتحدث عن النسبوية، ويعتبر أن كلّ الناس نسبويين، ويمجّد موقفه هذا، ويطبقه على الأخلاق، فهو يقول مثلاً: (النظرة المستبصرة للنسبوية الأخلاقية قد ساهمت مساهمة إيجابية في نشر التفاهم بين الثقافات، وتعزيز الاحترام المتبادل، وروح التسامح والتعاون بين الناس في العالم.. وباختصار *فإنّ النسبوية الأخلاقية تعني أنّ "الأحكام تنبني على التجربة، والتجربة يفسرها كل شخص حسب تربيته أو تربيتها الثقافية")*.. فهو يستخدم النسبوية والذاتية بمعنى واحد، ويقول عن الدين: (منظوري أنّ *الدين هو ما يقرره المتدين لنفسه..* وعلى هذا أنا أضع الفرد البشري في مركز الدين، ومعنى الدين.. وأعني بهذا أن الدين في طبيعته الجوهرية يجب أن يقدم خيارات عدة، بحيث يتعين أن يكون، ولمدى معين غامضاً وقابلاً للمعارضة والاعتراض!! نظراً لأن الأديان معنية بتقديم حلول متعددة لمجتمعات وأزمان مختلفة وسياقات متنوعة.. وبالتالي فإنّ التنوع، والغموض، وقابلية الاعتراض، هي من الطبيعة الجوهرية، ومن قيمته لكل مجتمع بشري.. قيمة الدين في أن يقدم هذه الخيارات.. وعلى هذا أقول: البشر مخيرون!! البشر هم من يختار!! *ولهذا أقول أن الدين هو ما يقرره الفرد لنفسه!! وما ذلك إلّا لأن البشر هم من يختار ويحدد معنى الدين، وتوجيهات الدين بخصوص أي موضوع هام معين)!!*

النسبوية الأخلاقية تعني أن يقرر كل فرد بصورة ذاتية أخلاقه الخاصة، فلا توجد أخلاق عامة تأتي من خارج الأفراد.. يقول د. النعيم: *(وعليه فإن النسبويين الأخلاقيين يعارضون ادعاءات وجود صنف واحد مطلق من الاخلاق، أي أن هنالك قيم أخلاقية مطلقة وثابتة يمكن على هداها الحكم بصحة أو خطأ ممارسات أو قيم بعينها للثقافات المختلفة)*.. ويقول: *(لذلك فإن نقطتي هي أن أي مسألة تتعلّق بسياسة الدولة سواء كانت تشريعاً أو سياسة، يجب أن تتم عبر المنطق المدني، وليس من أي منظور ديني أو مرجعية دينية.. مثلاً، موضوع الحدود، وأنا أعارض أيضاً فرض الحدود من قبل الدولة، فسواء كان الموضوع يتعلق بالحدود أو العلاقات الجنسية، أو أي موضوع آخر، يجب علينا أن نناقش الموضوع، ونضع أسباب تكون قابلة للنقاش أو القبول دون أي مرجعية للدين أو العقيدة الدينية)*.

*ما الذي يحدد للعقل، صحة القيم الأخلاقية أو عدم صحتها..* ما يحدد، بالنسبة للنعيم، هو *(المنظور التاريخي)* ويعني به الحالة التي يكون عليها الناس في تاريخ معيّن.. يقول د. النعيم: (النقطة التي أود أن أعلق عليها *هي المنظور التاريخي الذي أؤمن به.. فالآن الحديث عن حقوق المثليين والمثليّات يبدو أمراً مؤسساً جداً ومقبولاً جداً..* ولكن هذا الأمر ظهر مؤخراً جداً جداً، في هذا البلد، في هذه الثقافة كما تعلمون، *إذا رجعتم عشرين سنة في الماضي، سوف لن تجدوا نفس القدر من التسامح والتفهم لحقوق المثليين وحقوق المثليّات، على النحو الذي تجدونه اليوم*، وهنا أيضاً تأتي عملية التطور والتفاعل، وهو تطور وتفاعل نحتاج أن ننظر إليه *من منظور تاريخي*).. *فالزمن* عند د. النعيم هو الذي يحدد *الأخلاق الصالحة أو الطالحة!!* لاحظ أنه يقول (فالآن الحديث عن حقوق المثليين والمثليّات يبدو أمراً مؤسساً جداً، ومقبولاً جداً).. هذا ما يقرره، دون أي اعتبار للواقع الفعلي!! وقد ذكرنا أن د. النعيم *عضو في أكبر منظمة حقوقية في العالم تدافع عن حق المثليين.. وذكرنا أنه يقول أنه ينبغي ألّا يترك للشعوب حق عدم الالتزام ببعض حقوق الإنسان، مثل المثلية، اعتماداً على أن ثقافتهم تعارض أو تناقض هذا التوجّه!!*.

وأخطر من كل ما ذكرناه، هو أنّ *د. النعيم يرى أنّ جميع المفارقات والانحلال الخلقي، والجهر به، هو إسلام!!* فهو يبني على الإرادة الإلهية وليس على الرضا.. وإسلام البشر هو إسلام الرضا.. ويعني الخروج من إرادة الله إلى مرضاته تعالى، يقول تعالى: "إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ".. فالكفر والإيمان دخلا بإرادة، وكذلك الخير والشر.. لكن دين الإسلام الخاص بالبشر يقوم على الرضا، وهو طاعة الله في ما يرضاه، فهو لا يرضى الكفر ولا يرضى الشر.. ولكن د. النعيم مخالفاً لجميع الأديان السماوية *يرى أن الإسلام كدين للبشر يقوم على الإرادة، وهي ما يحدث في الوجود (المنظور التاريخي)، ويعتبر هذا هو الوحي الذي ينبغي أن يتبع..* فيقول في ذلك: (فكرة أخرى أود أن أقدمها، هي أن الله خلق العالم أيضاً.. *وعلى هذا أيّاً كان العالم الآن، فهو خلق الله، وبالتالي هو جزء لا يتجزأ من الوحي،* لهذا: الوحي ليس فقط في الكتب السماوية، الوحي في حياتنا!! وهذا هو السبب الذي أقول به أن الوحي يجب فهمه باستمرار من المنظور التاريخي، عبر الزمن وليس كشيء "مجرّد" خارج حياتنا.. إنّ الوحي في الحقيقة محايث، وجزء لا يتجزأ من الحياة كما نعرفها، ونمارسها.. *وعليه، عالمنا المتغير هذا هو من الله، بنفس القدر الذي به الوحي من الله!!* وهنا أيضاً فيما أعتقد تتواصل المفارقة، أو العبارة الموهمة للتناقض).. هذا أخطر وأسوأ ما يقول به د. النعيم، فهو يضلل نفسه بصورة محزنة، ويضلل غيره من القابلين للضلال.. رأينا أنه لا يؤمن بالوحي للأنبياء.. ورأينا أنه ينكر فاعلية الله (الله لا يفعل وإنما نحن الواسطة البشرية من يفعل).. وهو هنا يجعل *الإرادة الإلهية هي الوحي الذي ينبغي الأخذ به،* وهي يدخل بها الخير والشر، والكفر والإيمان كما ذكرنا.. والنتيجة التي يتوصل اليها النعيم من قوله هذا خطيرة جداً وهي *عدم التفريق بين الشريعة والحقيقة!!* هو يجعل كل *الممارسات الجنسية الشاذة، التي وردت في كتاب ميلودي وأشرنا إليها، يجعلها إسلام*، ويقول ذلك صراحة في تقديمه للكتاب المذكور، وقد أوردنا التقديم.. د. النعيم ينفي الأخلاق العامة، ويقرر أن الأخلاق نسبوية ذاتية، ثم يأتي ليقرر أنّ أي عمل مهما كانت مفارقته للاسلام هو دين، هو وحي من الله!! هذا رجل أهلك نفسه بصورة ما كان يمكن أن تخطر على بال.

قبل أن ندخل إلى حديث د. النعيم في الندوة، نذكر ما سبق أن تحدثنا عنه، وهو أنّ د. النعيم ليس صادقاً، ولا يتكلم وفق ما يراه حق، ويتكلّم بلسانين مختلفين، وقد ذكر ذلك صراحةً.. فهو قد قال: *(قد أجد نفسي في موقف أتوقّع من الآخرين العداء لهويتي الإسلامية، مما يدفعني إلى إخفاء، أو عدم تأكيد، هذا الجانب عن نفسي، لكنّي إن ادركت أنّ هويتي كمسلم لا تهم الآخرين أو ربما تعمل لصالحي فإنّي قد أحرص على الإفصاح عنها)*.

كان لا بدّ من هذه المقدّمة للتذكير بمواقف د. النعيم المبدئية من الدين، لنبني عليها.. وهو حسب القيم الأخلاقية التي يتبناها ليس عنده مشكلة في النفاق، فيمكن أن يقول للآخرين خلاف ما يعتقد، لإرضائهم، وهذا ما يتعامل به فعلاً مع الجمهوريين.. علينا أن نتذكر أنّ د. النعيم يعتقد أنّه لا يوجد مجتمع.. وأنه لا يوجد حساب على أفعال البشر، وأن موضوع الحساب هذا هو من صنع أصحاب الأديان وقد أوردنا نصه في ذلك.

*حول أقواله في الندوة:*

الآن ندخل إلى أقواله في ندوة كمبوني، وهي ليس فيها الشيء الكثير.. أهم ما ينبغي ملاحظته هو أنّه يتحدث كجمهوري، وهذا هو منطلقه الأساسي في تشويه الفكرة من داخلها وبإسمها، وهو لا يتحرج من ممارسة هذه الفرية العظيمة حتى أمام بعض الجمهوريين.

بدأ د. النعيم حديثه بقوله: (كنت بفكر في أنه كيف أقدم عرض فيهو استجابة لتساؤلات عموم الناس السودانيين، وغيرهم، عن الحركة وعن الأستاذ محمود وعن الفكرة الجمهورية وعن تصوّرنا لمستقبلها)!! *لاحظ أنه يتحدث بصفته جمهورياً!!* كلما قاله في هذا النص لم يتعرض إليه من قريب أو بعيد بمعنى إيجابي، وسنرى.. ثم ذهب ليذكر سؤال للدكتور علي أحمد إبراهيم - وهو من أتباعه، يسأل فيه عن العمل الذي ينبغي أن نقوم به، وقال د. النعيم: (فدي محاولة في الإتجاه ده).. يعني محاولة في إتجاه تحديد العمل الذي ينبغي أن نقوم به؟! وضمن ما قاله: (طبعاً نحن بنحتفل بانتقال السيد الأستاذ عننا في الذكرى دي، لكن يعني واضح أنه في معية الأخوان والأخوات في محاولة لي استمرارية العمل التربوي لكن يكون بأدبه، كما علمنا السيد الأستاذ، برضو بعدم تجريح الناس، وعدم الاسفاف وعدم التجرُّؤ على أعراضهم.. ما معقول أصلو كلو كلو الواحد يكون عنده شيء من ده، وعنده أي علاقة بالأمر ده).. من هنا بدأت المفارقة العظيمة جداً.. *د. النعيم يتكلم عن الأدب!! وهو أكبر من أساء الأدب مع الله تعالى ومع رسوله ومع الأستاذ محمود كمرشد*.. يترك كل أقواله الفظة، ثم يأتي ليعظنا نحن عن الأدب.. هو يتحدث عن عدم تجريح الناس، هل تركت أنت شيئا في تجريح جميع أهل الدين في الأرض؟! وهل تركت شيئا من الإسفاف في تناولك لأخطر الأمور؟! ود. النعيم يتحدث عن (عدم التجرُّؤ على أعراضهم)!! هذا عدم حياء منقطع النظير.. *لم يحدث تجرُّؤ على الأعراض بمثل ما فعلت أنت في تقديمك لكتاب ميلودي*، والذي زعمت في تقديمك له أن كل الممارسات الجنسية الشاذة والغريبة جداً، التي وردت فيه، هي إسلام!! وأفظع من ذلك أنك أهديت الكتاب، لأهلك.. يقول تعالى في الحديث القدسي: "يا عيسى عظ نفسك، فإن اتعظت فعظ الناس" ولكن د. النعيم يريد أن يعظ الناس وفي نفس الوقت يدعوهم إلى التحلل من القيم الأخلاقية.

ثم ذهب د. النعيم ليتحدث عن العقيدة عند الجمهوريين وذكر أن أحد الشباب ارتبك (أنو كيف نتكلم عن المواطنة والمساواة وعن الإسلام بما هو فوق العقيدة، في نفس الوقت بنتكلم عن عقيدتنا بصورة ملحة، وأنا أقول ضيقة.. لأننا في الحقيقة عقائديين بأكتر مما أننا علمانيين أو علميين عفواً، يعني نحن نزعم العلمية، المستوى العلمي في الدين، لكن في الحقيقة بنعيش المستوى العقائدي في الدين، دي مسألة نحتاج أن نتحدى أنفسنا، ونواجه أنفسنا فيها).. أنت يا د. النعيم من حيث الدين لست عقائدياً، وترفض العقائد الأساسية، بصورة فيها تسفيه لعقول الناس.. *أما نحن فالحمدلله عقائديين، مع أن الفكرة في المستوى العلمي للدين.. لكننا نحن لا نزعم أننا وصلنا إلى مستوى العلم مستوى درجات اليقين*.. وحتى عند مجيء المسيح وبداية تطبيق الإسلام يبدأ الناس من الإسلام الأول، ولا يبدأون بالمستوى العلمي من الدين، لكن لا يقفون في مرحلة الإحسان، وتكون الأبواب مشرعة أمامهم لتحقيق درجات اليقين.. *نحن لم ندَّعِ أننا دخلنا مراتب اليقين ونعيش في مستواها، قولك هذا مجرّد كلام لا قيمة له، كان ينبغي أن تورد رأي الفكرة في العقيدة والعلم ثم تتحدث عنه بموضوعية.. المهم أننا لم نزعم قط أننا نعيش الفكرة في المستوى العلمي – درجات اليقين.. ولكننا نزعم أن الفكرة نفسها هي في المستوى العلمي، وشتّان بين الأمرين..* إنك تبخس من العقيدة، كما يفعل صاحبك د. النور *والعقيدة هي الأساس، الذي لا أساس غيره للعلم – أيّ علم.. لا يختلف في ذلك العلم المادي التجريبي والعلم الديني..* فمن المستحيل أن يكون هنالك علم بلا عقيدة، *المهم أن تكون العقيدة صحيحة* وهذه هي القضية، *فالعقيدة الصحيحة تقود إلى العلم الصحيح*، والعقيدة الخاطئة لا تقود لأي علم.. أكرر قولي، هذا ينطبق على العلم المادي التجريبي، بنفس القدر الذي ينطبق فيه على العلم الديني.. *العلم الذي نتحدث عنه نحن هو (العلم بالله).. وهذا وحده هو العلم!!* وأي علم آخر هو علم بظاهرة أو فرع من الفروع، فمثلاً العالم في الفيزياء هو علم في فرع وعلم بظاهرة معينة.. وكذلك العلم في أي مجال من مجالات المعرفة.. *وهؤلاء جميعاً لا يملكون أن يكونوا على يقين في علمهم..* وهذا أصبح أمراً معروفاً في مجال العلوم الطبيعية.. *فمنذ نظرية هايزنبرج عن عدم اليقين، أصبح العلم لا يتحدث عن اليقين.. وتوكّد هذا الأمر توكيداً شديداً بظهور نظرية الكوانتم.. فلا يقين إلا في الدين*، وذلك لأن العلم في الدين ليس تجربة خارجية وإنما هو تجربة الإنسان في نفسه – علم ذوق.. إنّك رجل سطحي شديد السطحيّة، وتتحدث في أمور أنت فيها جاهل.. فمن الخير لك أن تعظ نفسك، بدل أن تعظنا نحن..

ثم ذهب د. النعيم ليتحدث عن *التناقض في الفكرة!!* وعن الحديث في الأمر العام وقال ضمن ما قال: (أنا كنت بقول أنه كيف أنه *يجب الأمر يكون قائم على أساس المواطنة* يعني في الأمر العام على أساس المواطنة، والمواطنة تقتضي أنه يكون الخطاب، أنا بسميه *خطاب مدني، خطاب يعني قايم على أنا بسميه المنطق المدني..* وبصراحة ووضوح وتحديد *ما يكون الدين أساس لأي شيء في الأمر العام*.. في الأمر الخاص دا اختيار شخصي، وكل زول يتحمل مسؤوليته.. لكن ما تقول أنه تقيف في البرلمان وتقدم مشروع قانون تقول لي لأنه الله قال.. الله قد يكون قال ليك انت، وما قال لي أنا، أو قد يكون قال لينا أنا وانت، وانت فهمت غير فهمي أنا).. يقول: (مفهوم المنطق المدني، أنه مرجعية المواطنة هي الأساس لكل عمل عام).. بالطبع هذه هي أفكاره التي يقدّم فيها ما يسميه المنطق المدني، على الدين.. لقد نقلنا نصوصه في ذلك.. فهو يرى بصورة أساسية ألا تكون المرجعية هي الدين، وأن تكون المنطق المدني!! *لا يوجد أي شيء اسمه المنطق المدني، يختلف عن المنطق الديني.. المنطق هو وسيلة لتنظيم أفكارنا لتكون صحيحة، فيها المقدمات الصحيحة، تؤدي إلى النتائج الصحيحة، وهذا ينطبق على الدين كما ينطبق على كل شيء في الفكر..* هذا المنطق المدني، الذي يفضله على الدين، لا وجود له أساساً!! ود. النعيم نفسه قال أن موضوع المنطق المدني، لم يصل فيه حتى الآن إلى صورة نهائية.. الأمر كله هو تقديم نفسه على الله ورسوله – الدين.. *وقضية المواطنة التي يتحدث عنها، هي في الدين أوكد ممّا هي عنده بكثير جداً*.. الأمر كله مجرد حيل ضعيفة لهدم الدين.

*العقيدة في الإسلام، كما تقدمها الفكرة، هي أكمل وأصح عقيدة، وهي ليست عقيدة مغلقة* كما يزعم د. النعيم وكما يزعم د. النور.. *هي عقيدة نامية ومتطوّرة إلى مراحل اليقين وإلى مرحلة الإسلام الأخير، وإلى ما لا نهاية*.. فكلما حقق الإنسان مستوى من العلم، هنالك مستوى أعلى منه *لا تسعه إلا العقيدة*، وهكذا *حركة التطور في العلم بالله تنتقل من عقيدة إلى علم إلى عقيدة، إلى ما لا نهاية.. ولا توجد أي عقيدة، منفتحة بهذه الصورة*.. كما لا يوجد أي علم منفتح وقابل للتطور بهذه الصورة.. وهذا لأن *السير كله إلى الله في ذاته إلى المطلق*.. والعلم العلماني ليس فيه مطلق، ليس فيه ثابت وجودي، ولذلك هو لا يملك بوصلة تحدد إتجاه السير في العلم، وفي النهاية لا بد أن يصل إلى منطقة مغلقة، لأنّ الوجود كله عنده محدود، خلاف الدين الذي يقوم على المطلق..

د. النعيم يريدنا ألّا نكون على عقيدة، وهذا ما عليه هو.. وهو في نفس الوقت يعتبر المرحلة العلمية من الدين، هي ليست دين!! هو يلغي الدين في مستوى العقيدة، وفي مستوى العلم.. اسمعه يقول عن العلم في الإسلام: *(أنا عندي، يعني إذا كان نحن بنتكلم عن مصطلح بمعنى يضارب تجربة البشرية منذ أن بدأت حتى اليوم، دا بكون مضلل!! وبكون معتّم للرؤية!! الدين يعني الدين العقائدي.. إذا كان في شيء بتجاوز العقائدية، ما هو دين بالمعنى البيهو نحن بنتكلم بيهو!! حقو نسميهو تسمية تانية)*.. هذا هو منطق د. النعيم، وهو يخالف أبجديات المنطق، ويقوم على مغالطات فجّة.. قوله: (إذا نحن بنتكلم عن مصطلح بمعنى يضارب تجربة البشرية منذ أن بدأت حتى اليوم، دا بكون مضلل!! وبكون معتم للرؤية).. من ناحية *مبدئية* لا يوجد *مصطلح ثابت في التجربة البشرية*، *فكلما تطور البشر طوروا معهم مصطلحاتهم*.. والمعنى العلمي من الدين *ليس مصطلحاً* يضارب تجربة البشرية.. *فقد حققه الأنبياء والرسل، وعلى رأسهم سيدهم وخاتمهم.. فهو يقوم على التجربة البشرية الناضجة والمصفاة من الشوائب*.. المهم في الندوة د. النعيم فكك الفكرة ودعا الجمهوريين أن يتخلوا عن العقيدة، ليصيروا إلى لا شيء، إلّا أن يكونوا *نعيميين، وهذه الصيرورة إلى العدمية!!*

يتساءل د. النعيم (هل نحن فعلاً المجتمع الذي لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة؟ في الحقيقة نحن أضيق ما يكون عن ذلك، لكن المقصود هو دا المستوى).. *مرة أخرى المستوى الذي تبشر به الفكرة، نحن لم نحققه، ولم ندَّعِ ذلك*، بل إننا *على يقين* من أنه لن يتحقق إلا بمجيء المسيح المحمدي، وقيام دولة الإسلام.. ولكننا نسير في طريق تحقيقه، والعمل في الأدب الذي يحقق ذلك، وفق منهاج هو عندنا أكمل منهاج على الإطلاق، (طريق محمد) صلى الله عليه وسلم، الذي ترفضه أنت، وتتجنى عليه، بزعمك الباطل أن القرآن ليس منزلاً من الله.

يقول د. النعيم عن التناقض الذي يزعمه، في الفكرة: (فإذا كان المستوى *ده من التناقض الجوهري، العميق، الذي لا يمكن تجاوزه بأي صورة من الصور*، كيف نكون بنتكلم عن الشريعة الإسلامية والحدود وما يمنع الحدود).. ما هو التناقض الذي يعنيه، يقول في هذا الصدد: (فأنا بقول بأمانة ما ممكن! لا يحترم، دا ما خطاب محترم يمكن أن أقوله لأي زول، أقول ليه أنه: *أنا ضد الدولة الدينية إذا كانت بفهم الأخوان المسلمين أو بفهم الوهابيين ليها.. لكن أنا مع الدولة الدينية إذا كانت بفهم الجمهوريين ليها*.. ما بستقيم.. فدي المسائل الأنا بفتكر بأنه ممكن نحن نفعّل بيها فكر السيد الأستاذ محمود محمد طه)!! لا يوجد أي تناقض.. التناقض في فكرك وفي شخصك.. *نحن لم نقل ما قلته في هذا النص.. وإنما قلنا الشريعة الإسلامية لا تقوم على دستور لأنها تقوم على الوصاية*، وشرحنا ذلك بصورة مستفيضة، وقلنا أن الدستور الإسلامي في أصول القرآن، التي لا تقوم على الوصاية.. وشرحنا ذلك باستفاضة.. فأنت تحرِّف الكلم عن مواضعه لتبني على ذلك تناقضات لا وجود لها إلّا في ذهنك، ثم تبني على ذلك الإساءات التي ذكرتها في حديثك عن التناقض.. وفي النص الذي ذكرناه أعلاه وردت *كلمة تفعيل* لأول، وآخر، مرة، ووردت بصورة *تناقض المعنى الإيجابي للكلمة*.. فالعنوان هو تفعيل الفكرة في القرن الحادي والعشرين.. *وهذا التفعيل عند د. النعيم هو أن نراجع قول الأستاذ في أنه الدستور الإسلامي في أصول القرآن وليس في الشريعة*.. فقد قال د. النعيم: (فدي المسائل الأنا بفتكر بأنه ممكن نحن نفعِّل بيها فكر السيد الأستاذ محمود)!! كيف نفعِّله؟ حسب د. النعيم ألّا نقول أن الدعوة الدينية في الفكرة هي الصحيحة ودعوة الأخوان المسلمين والوهابية هي باطلة!! *هذا ليس تفعيلاً وإنما هو إلغاء للفكرة*.. والقول الذي يعترض عليه د. النعيم هو الحق الذي لا حق غيره، وكان ينبغي لو كان أميناً أن *يورد الأقوال كما هي، لا يورد أقواله هو بديلاً عنها..* من المستحيل أن تكون موضوعياً، لأنك مغرض، وتفكر وتتصرّف وفق هواك وغرضك.. معروف في الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم أنذر بأنّ الأمة ستتفرَّق إلى ثلاث وسبعين فرقة، واحدة منها الناجية.. وهذا القول لا يقوم على تناقض، كما يزعم د. النعيم.. وإنما هو حق بيّن.

تكلّم د. النعيم كثيراً عن الحدود بصورة خاصة آراء الفقهاء حولها وضمن ما قاله: *(ما يسمى بالجرائم الحدية في الحقيقة ما معرّفة لا في القرآن ولا في السنة)*.. هذا محض كذب على الله ورسوله.. فالحدود معرَّفة في القرآن وفي السنة.. والمعلوم أنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو من يفصِّل في الشريعة.. وقد فصَّل في أمر الحدود قولاً وعملاً.. فيقول د. النعيم في هذا الموضوع: *(الحدود دي صحيح ذكرت في القرآن، الجرائم المحددة.. السرقة، الزنا.. لكن القرآن ما سماها الحدود)*.. سماها ماذا؟! كما قلت لك أن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن الحدود قولاً وفعلاً.. وأنا أعرف أنك لا تعترف بالسُنَّة، وبالطبع حتى بالقرآن!! *وما قلته أنت هو أن مفهوم الحدود لم يرد في القرآن، وأنت هنا تحاول أن تعدل من قولك ذاك، وهيهات.*

نكتفي بهذا عن حديثنا عن أقوال د. النعيم في الندوة.. فهي أقوال لم تخرج عن إتجاهه لتفكيك الفكرة، كما لاحظ عدد كبير من الاخوان.. ونؤجّل الحديث عن موقفه من السودان والشعب السوداني، إلى وقت لاحق.

الدكتور عبدالله أحمد النعيم، لقد نصحتك كثيراً، ولفترة طويلة عبر الزمن.. إنّك في أسوأ حالة يكون عليها إنسان.. لقد خرَّبت ما بينك وبين ربك بصورة ليس عليها من مزيد.. أرجع إلى ربك، وتب إليه لعلّه يتقبلك.. هذا هو المخرج الوحيد، ولا مخرج غيره.. والموت في الرقاب، ويمكن أن يحدث في أي لحظة.. فاحذر التسويف.. إنّ الذين يؤيدونك على ما أنت عليه، يخونونك، ويخونون أنفسهم.. يصورون لك حالك، وكأنك بخير!! لا.. أنت لست بخير.. معاداة الله ورسوله، ودينهما أمر ليس مضمون العواقب، فكفاك خداعاً لنفسك.. أنت أكثر من غيرك من يعرف ضلال ما أنت فيه، فأمرك ليس أمر فكر، ولا مواقف، وإنما هو وظيفة.. فارجع الآن، قبل فوات الأوان.. هذه نصيحتي لك، وهي نصيحة صادقة، وقد كررتها كثيراً، ولن أكررها بعد الآن!! أعانك الله على نفسك، وفتح بصيرتك، ووهب لك من التوبة ما يخرجك مما أنت فيه من ظلمات، إلى النور.. والله على كل شيء قدير، وهو غفور رحيم.

*ملاحظة:* كل النصوص التي وردت في هذه الحلقة أوردناها في حلقات سابقة موثَّقة.. ولذلك لن نحتاج إلى توثيقها مرة أخرى..

يتبع...

خالد الحاج عبد المحمود
رفاعة في 6/4/2023م

 

آراء