تعقيب على مقال الاستاذ جمال عنقرة: “معايير الجنسية السودانية”
د. أحمد الياس حسين
14 June, 2011
14 June, 2011
ahmed.elyas@gmail.com
أهل السودان الأصليين هم من عاش أسلافهم على تراب هذه الأرض منذ آلاف السنين باختلاف دياناتهم ولغاتهم
تابعت بشعور من الأسى والحزن ما كتبه الأخ الفاضل الأستاذ جمال عنقرة في صحيفة الوطن بتاريخ 12 / 6 / 2011 بعنوان "معايير الجنسية السودانية" عن موقف الدولة - المبنى على بعض الخلافات السياسية – من عدم منحها الجنسية السودانية لبعض أهلنا من جنوب السودان والذين مكثت أسرهم في الشمال لسنوات طويلة قبل عام 1956. ولا أود هنا الخوض في الحديث عن حقهم في الجنسية السودانية الذي أرى أنه حق لا جدال فيه، ولكنني أود أن أعلق على بعض الجوانب الهامة والمتعلقة بهذه القضية.
أولاً حقوق لمواطنة والجنسية التي نتعامل بها الآن مرتبطة بقيام الدولة القومية في أوربا الحديثة حيث أصبحت الدولة القومية هي التي تحدد هويات وجنسيات الشعوب، فانتماء المواطن وجنسيته تحدده الحدود السياسية للدولة وليس العرق أو الدين أو اللغة أو التاريخ المشترك أو اي نوع آخر من أنواع التواصل. فعلى سبيل المثال بعض أفراد الأسرة الحلفاوية التي جعلتها الحدود السياسية – التي وضعها الاستعمار البريطاني - داخل الحدود المصرية أصبح أفرادها مصريين جنسيتهم مصرية ويعتبرون أجانب في السودان، وكذلك باقي أفراد الأسرة الحلفاوية التي أصبحت داخل حدود السودان تتمتع بالجنسية السودانية وتعتبر غريبة في مصر بغض النظر عن صلة القرابة واللغة والدين وغيرها.
هذا الوضع لا يمت للتجربة الاسلامية بصلة، وبما أن قادتنا يتبنون النهج الاسلامي وأصحاب رسالة ينبغي أن يتذكروا أن الحدود السياسية بين الدول الاسلامية في تراثنا الاسلامي قيل عصر الاستعمار لم تكن هي محور الهوية والجنسية، فحق الاقامة والتملك وغيرهما من الحقوق كانت مكفولة لكل مواطني الدول الاسلامية مسلمين أو غير مسلمين أينما حلوا في أي دولة اسلامية في آسيا أو في افريقيا أو في أوربا. فما نتعامل به الآن لا ارتباط له بتراثنا الاسلامي.
وإذا تجاوزنا هذا باعتباره أمر واقع ينبغي التعامل معه نأتي إلي القضية الهامة وهي "أصول أهل السودان" والذين قال عنهم أخونا جمال عنقرة "أن أكثر السودانيين أصولهم أو على الأقل أصول آبائهم وافدة" وأرى أن هذا حكم خطير ينبغى تناوله بهذه بشئ من التريث المبني على المقدمات القائمة على الأدلة المقبولة، وهذه قضية تتطلب دراستها الكثير من الوقت وتضافر الجهود. فمن هم أهل هذه التراب التي نطلق عليها السودان بحدوده الحالية؟ أقول باختصار شديد أن أهل هذا البلد الأصليين هم سلالة الشعوب التي خلفت لنا تراثها المادي والمروي والمدون ما بين تشاد والبحر الآحمر وبين أسوان وجنوب السودان، والذين نتتبع ما نعرفه حتى الآن عن تراثهم على طول النيل وما بين أودية الأنهار بين نهر السوباط ونهر عطبرة وعلى أودية هوار والملك والمقدم وواحات الصحراء، هؤلاء كلهم هم أهل السودانيين الأصليين على مدار العصور.
أؤلئك الأسلاف الذين عاشوا قبل آلاف السنين كانوا وثنيين ويتحدثون لغات مختلفة لا نعرف الآن عن أكثرها شيئاً، ثم أصبح بعض أؤلئك الأسلاف مسيحيين بلغاتهم والتي لا نزال نجهلها ما عدا القليل منها، ثم أصبح جزء من أولئك الأسلاف مسلمين وتغيرت لغات بعضهم إلي اللغة العربية بينما احتفظ البعض الآخر بلغته من دان منهم بالاسلام أو استمر علي موروثه الديني. فالمسلمين متحدثي اللغة العربية سواء منهم من يوسمون بالمجموعة الجعلية أو المجموعة الجهنية ليست جذورهم – يا أخي جمال - من خارج السودان، فهم سلالة أولئك الأسلاف الذين عاشوا على تراب هذه الأرض لآلف السنين، والذي تغيرت لغاتهم من الرطانة إلى اللغة العربية التي أصبحت لغة الاسلام أو كما يطلق عليها في ماليزيا لغة القرأن. فالبديرية والشايقية والرباطاب والجعليين وغيرهم من أهل الشمال والشرق والغرب كلهم كانوا "رطانة" اندرست رطاناتهم على حساب لغة القرآن كما تندثر الآن لغات أهلنا النوبة في شمال السودان إذا لم يتداركوها.
فأهل السودان الأصليين هم من عاش أسلافهم على تراب هذه الآرض منذ آلاف السنين وهم سكان المدن والأرياف والصحارى في ربوع سوداننا الحبيب، وإذا اختلطوا ببعض الأسر أو الجماعات الوافدة فذلك لا يغير فيهم شئ، بل حدث التغير للوافدين الذين ذابوا في أهل البلاد الاصليين. وهذه قضية جاري دراستها من قبل بعض الباحثين، وأرى أن الضرورة تقتضى فتح باب النقاش حوله على أن يكون نقاشاً موضوعيا يستند على المصادر الجديرة بالثقة.
وإذا قالت بعض القوانين الحالية بخلاف ذلك فهنالك خلل في المعرفة والقوانين وليس قدحاً في مواطنة المواطن، وينبغي عزل الخلافات السياسية عن حقوق المواطنة، فالمواقف السياسية تعتبرقرارات مؤقته لا تتسم بصفة الدوام والأصالة وينبغي عدم خلطها بثوابت الشعوب.
كنت قد أرسلت هذا التعقيب إلى صحيفة الوطن عبر بريدها الالكتروني ولكن لم يتم استلامه.