تغيير السُلّم التعليمي ليس الحل …!!! (2)

 


 

 

بسم الله الرحمن الرحيم
المؤتمر القومي للتعليم

يشكل السُلّم التعليمي أحد أهم المعايير التي يُعوَّل عليها في الارتقاء بجودة التعليم ، وهو يختلف من بلد لآخر وفقاً لمرئيات خبراء التربية في البلد المعنى .بعض الدول اعتمدت سُلّماً تعليمياً بعينه واستقرت عليه دون تعديل أوتبديل لسنوات طويلة وجنت ثماره وانصقلت تجربته بالممارسة العملية داخل إطار المرفق التعليمي ، وثمة دول ظلت حائرة ومنها بلادنا كحيرة مدربي كرة القدم حيث تعتمد نظام (5-3-4 ) ثم تعدله (8-3) وهنالك دول رأت التعديل من (5-4-4) إلى (4-4-4) وأخرى تعمد نظاماً (6-3-3) ثم تعدله إلى (5-3-3) ثم تعود مرة أخرى لاعتماد نظامها الذي سبق أن تم تعديله ، بيد أن الأكثر اعتماداً في أغلب الدول تتألف مرحلة الأساس من 6سنوات  والمرحلة المتوسطة أو الإعدادية من 3سنوات والثانوية من 3سنوات . شهد النظام التعليمي السوداني من الاستقلال في اعتقادي ثلاثة تعديلات في السُلّم التعليمي أولها كان عقب الاستقلال مباشرة حيث استُحدث سلم تعليمي تنقسم فيه المراحل التعليمية 4سنوات للمرحلة الابتدائية ومثلها للإعدادية ومثلها للمرحلة الثانوية ، والتعديل الثاني كان في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي خلال العهد المايوى حيث استحدث وزير التربية والتعليم انذاك د.محي الدين صابر نظام (6-3-3) والتعديل الثالث هو الذي يعمل به حالياً ، ويبدو واضحاً من تصريحات بعض المسئولين عن التعليم الآن أن ثمة تعديلاً رابعاً سوف يطرأ على السُلّم التعليمي من خلال المؤتمر القومي للتعليم إلا أن رؤية هؤلاء ليست واضحة ، وهنالك تجاه يرى ضرورة الأخذ بالنظام القديم (4-4-4) وتجاه آخر يدعو إلى  إعادة سنة الفراغ في النظام الحالي وتطبيق نظام (6-3-3) الذي كان مطبقاً في السابق بينما ثمة تجاه ثالث يدافع عن النظام الحالي كذلك هنالك خبراء خرجوا باقتراح رابع مفاده إضافة عامين كاملين لنظام السُلّم التعليمي  ليصبح 6سنوات للمرحلة الابتدائية وإضافة وعام  للمرحلة الثانوية لتُصبح 4سنوات . و مازال الجدل قائماً حول التعديل القادم للسُلّم التعليمي وان كانت جل الآراء تتفق وتنظر إلى السُلّم التعليمي (6-3-3) باعتباره حلاً مناسباً للمرحلة الحالية التي يمر بها التعليم الآن . لذلك علينا أن نشير إلى أن السُلّم التعليمي هو في جوهره رؤية إستراتيجية لتنظيم سنوات الدراسة ضمن ما نسميه المراحل التعليمية ، وتحديد الرابط بين كل مرحلة وأخرى بما يحقق التطوير والارتقاء بمستوى التعليم والاستفادة من مخرجاته البشرية استجابة لمطالب المجتمع واحتياجاته التنموية ، ولتحقيق ذلك لابد من مراعاة مستوى الأهداف التعليمية والمناهج والتقويم والاداره وفوق كل ذلك المعلم الذي ينقل هذا الجهد إلى واقع تطبيقي داخل المنشأة التعليمية ، المعلم سيظل محور المنظومة التعليمية بل هو لب الإصلاح وحجر الزاوية فيها ومن الممكن أن يُبنى منهج في غاية الجودة والإتقان ويظل مردودة ضعيف ويصبح الإصلاح مجرد حبر على ورق ما لم يأت المعلم الحصيف الذي ينفخ فيه من روحه ويحوله إلى واقع . لذلك أجمعت كل آراء علماء التربية بأن إصلاح أي عملية تعليمية يجب أن يكون أساسه المعلم .الإعداد الجيد للمعلم يعتبر المدخل الأساسي لمواجهة أزمة التعليم التي نمر بها الآن الأزمة التي خلقناه دون وعى وإدراك إنها من صناعتنا نتحمل تبعاتها الآن ، وكلها نتاج طبيعي لسياسات الوزارة الخاطئة والتي شاركت فيها الدولة لأغراض سياسية ليست لها علاقة بجودة التعليم  ، نعم ينبغي أن يكون التعليم للجميع والتوسع فيه امرمطلوب ولكن بناءً على معايير محددة لايمكن تجاوزها بدأنا بإغلاق معاهد إعداد المعلمين تلك المؤسسات الناضجة تربوياً وأكاديمياً تلك المنارات التي لا يدخلها إلا معلم فكانت النتيجة تعليم جيد وخريج من أعلى وأرقى مستويات العالم العربي بل العالم الآخر .والدارس لنشأة هذه المرافق التربوية يرى دقة اختيار المكان حتى يتعود المعلم على العمل في البيئات المختلفة ، انتهينا من هذه المؤسسات وتم تحويلها إلى جامعات فأصبحت غير قادرة عن أداء دورها بل هي الآن أشبه بالمدارس الثانوية منها للجامعات . نعم إنها ثورة التعليم التي أُعلنت سياسياً دون مقومات ودون إمكانيات بل جاءت كسيل جارف دمرت كلما هو جيد في نظامنا التعليمي ، معاهد التأهيل التربوي كان لها دور متميز في تأهيل الذين انخرطوا في سلك التعليم من الثانوي هؤلاء يتلقوا دورات تدريبية مكثفة ليست أقل من برامج معهد التربية والفرق بينهما أنها تعقد في أثناء الدراسة في أيام محدده يعلمها كل  المعلمين ، انتهت هذه المؤسسات وجاء المنظرون واستبدلوا هذا النوع من التدريب بتسجيل المعلمين للدراسة بالجامعات على اعتبار أن يكون كل العاملين في الحقل التعليمي من خريجي الجامعات ، بدأت هذه الدراسة على نظام الكورسات وقد كان مردودها سلبي انعكس على أداء المعلم مما كان له عظيم الأثر في تدنى المستوى التعليمي بصفة عامة . والغريب الكثير من خريجي معاهد إعداد المعلمين التحقوا بالجامعات وكان تحصيلهم متميزاً وأحرزا أرفع الدرجات ورغم ذلك فضلوا مهنة التدريس التي تعتبر من أقدس المهن وأميزها ولا يأتي إليها الدارس إلا برغبته ثم اصبحت مهنة من لاعمل له ، حدثني أحد الزملاء أنه جاء للتدريس بعد أن عجز في الحصول على وظيفة ، لذلك طبيعي أن يتردى التعليم ويقل التحصيل ويصبح المخرج التعليمي على درجة من الضعف كما نشاهد الآن . وياليتنا وقفنا عند هذا الحد دار النشر التربوي كانت تابعة لوزارة التربية والتعليم مرتبطة بكل أقسامها وخاصة قسم المناهج والتي هي بدورها مسئولة عن كل المناهج المصاحبة للمقررات الدراسية إضافة لتزويد مكتبات المؤسسات التعليمة بالعديد من الكتب والمجلات التي تساعد بقدر كبير في توسيع مدارك الطلاب ، أصبحت الآن عبارة عن مخازن لبيع الكتب وانتهت كل الكتب والمجلات التي كانت تصدرها الدار انتهى عمك تنقو وسمير ومجلة الرائد ومجلة الإصلاحات  وأخيراً مجلة المعلم وغيرها العملية التعليمية ليست هي تغيير السُلّم التعليمي أو تعديله بل أكبر من ذلك بكثير لذلك علينا استشارة خبراء التربية وأعدادهم كثيره ولا خاب من استشار ، مسيرة التربية والتعليم زاخرة بالنماذج التربوية المتميزة التي تركت اثراً واضحاً في الأجيال اللاحقة كانوا جميعاً انموذجاً تربوياً انسانياً فريداً جمعوا بين مثالية المتدين الخلوق والمثقف الاصيل والتربوي المتمرس واللغوي الضليع والخطيب والخطاط المبهر وغيرها من الصفات الحميدة امتلأت قلوب طلابهم مهابةً لا تلبث أن تتحول إلى احترام وحب وجمعينا سعينا للاقتداء بهم ، تغيير السُلّم التعليمي ليس الحل والتغيير ضرورة حتمية والأهم منه أن يتم بالطريقة الصحيحة وأن يخضع لقياس قويم يحقق أثره في حياتنا ، التعليم يحتاج جهداً ذاتياّ وصدقاً مع النفس ومع الغير وصراحةً لا تدع مناطق مظلمة وتفاعلاً يجعل القضية مفتوحةً للنقاش إلى أن يتحقق الأثر الايجابي وتصبح الأمور في إطار تحقيق الأهداف وجنى الثمار . والله المستعان .


Elfatih eidris [eidris2008@gmail.com]

 

آراء