تفنيد خطاب حميدتي الأخير

 


 

محمد خالد
2 January, 2025

 

كما العادة في كل خطابات محمد حمدان دقلو (حميدتي) جاء خطابه الأخير بمناسبة عيد الاستقلال والعام الجديد، مليء بادعاءات تناقض الواقع وتستخدم لغة خطابية جوفاء تهدف إلى فرض صورة غير حقيقة عن مليشيا الدعم السريع قسراً وإخضاعاً "بالزندية" بتقديمها كمدافع عن مصالح الشعب. فيما يلي تحليل نقدي وتفنيد لأهم ما ورد في الخطاب:

*مسؤولية الحرب*

الادعاء:
حميدتي ألقى باللوم على قيادة القوات المسلحة والحركة الإسلامية في إشعال الحرب، مدعياً أن قوات الدعم السريع فقط تدافع عن نفسها وعن مصالح الشعب في الحكم المدني الديمقراطي.

التفنيد:
الحرب التي اندلعت في أبريل ٢٠٢٣ جاءت نتيجة صراع على السلطة بين الإسلاميين وقادة الجيش وقوات الدعم السريع، والثلاثي يتحمل مسؤولية إشعال الحرب بغض النظر عمن أطلق الرصاصة الأولى، فهذا الثلاثي كان يتربص ببعضه البعض منذ ما قبل إنقلاب ٢٥ أكتوبر وبعده. ادعاء حميدتي بأنه يدافع عن الشعب وحقوقه المدنية يتناقض مع الانتهاكات الواسعة التي ارتكبتها قواته، بما في ذلك القتل الجماعي، الاغتصاب، والنهب، مما أدى إلى نزوح الملايين. إذا كانت مليشيا الدعم السريع تدافع عن الشعب وحقوقه، فلماذا تستهدف المدنيين في الخرطوم ودارفور والجزيرة وأماكن أخرى؟. كذلك فإن حميدتي قد هدد الشعب في كثير من خطاباته مثلاً : "تمطر حصو"، "الحصل في التلاتة يوم حقت فض الإعتصام لو استمرت شهر تاني في زول بقعد في الخرطوم، ناس كتيرة جرت، والله العمارات الغالية دي إلا تسكنها الكدايس"، "أحسن الناس تفتح عيونها"، وأثناء الحرب في خطاب مصور أمام قواته قال: "في ناس كانت قطاطيهن بحرقن، تاني القطية والعمارة واحد"، فمثل هذه الأقوال لا تصدر ممن يريد مصلحة الشعب فالذي يريد مصلحة شعبه لا يهدده، وحتى إن حاولنا أن نسقط مثال القطية والعمارة على الهامش والمركز فالدفاع عن حقوق صاحب القطية لا يأتي بحرق العمارة وإنما بتحويل القطية إلى مسكن أفضل برد الحقوق من صاحب العمارة إن كانت العمارة من فساد، وبالطبع ليست كل عمارة بنيت من فساد أو يمتلكها الفلول. كذلك لم يحدث أن حميدتي تحدث عن عماراته هو وهي هنا ثروته الإقتصادية من ذهب جبل عامر وغيره التي حصل عليها بدون وجه حق بل كانت هي مكافأة البشير له على الحماية، والتقديرات تشير إلى أن ثروته الشخصية وعائلته تبلغ مليارات الدولارات.

*الالتزام بالانتقال الديمقراطي**

الادعاء:
حميدتي يدعي التزام قواته بحماية الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف ثورة ديسمبر.

التفنيد:
هذا الادعاء يفتقر إلى المصداقية، حيث إن مليشيا الدعم السريع كانت جزءاً من النظام الذي قمع الثورة الشعبية وشاركت في فض اعتصام القيادة العامة عام ٢٠١٩، ثم شاركت في إنقلاب ٢٥ أكتوبر. لا يمكن لمن شارك في قمع المطالبين بالديمقراطية أن يدعي حمايتها. وحتى إن صدقنا إعتذاره عن الإنقلاب وأنه غير مساره، فإن الإنتهاكات الواسعة وسلوك وخطاب قواته على الأرض يُكذِب هذا الإدعاء. الحقيقة هي أن جميع إدعاءات حميدتي تكذبها أفعال قواته.

*الأزمات الإنسانية*

الادعاء:
حميدتي أشار إلى أن الحرب تسببت في أزمات إنسانية واجتماعية واقتصادية، لكنه تجاهل الإشارة إلى دور قواته في تفاقم هذه الأزمات.

التفنيد:
قوات الدعم السريع مسؤولة بشكل مباشر عن تفاقم الأوضاع الإنسانية. التقارير الدولية توثق تورطها في إحراق القرى، قصف المدنيين، اغتصاب النساء، ونهب المدنيين والمساعدات الإنسانية. تحميل الحرب بشكل عام المسؤولية دون الاعتراف بالدور المباشر لهذه القوات هو محاولة بائسة للتنصل من المسؤولية.

*الدعوة لإنهاء الحرب وبناء جيش جديد*

الادعاء:
حميدتي دعا إلى وقف الحرب وتأسيس جيش قومي مهني.

التفنيد:
هذا الموقف يتسم بالنفاق. قوات الدعم السريع ليست جيشاً قومياً، بل ميليشيا بنيت على أسس قبلية، وكانت جزءاً من الصراعات في دارفور. الدعوة إلى بناء جيش قومي مهني تأتي في وقت تشارك فيه هذه القوات في حرب مدمرة للسودان. ومع حقيقة أن الجيش به إختلالات، إلا أن حميدتي أيضاً لم يسبق أن يتطرق إلى أن قواته هي مليشيا قبلية تتزعمها أسرة بل أخوين أحدهما قائد القوات والثاني نائبه، مما يعكس تناقضاً واضحاً. كذلك الدعم السريع به عدد لا يستهان به من المرتزقة الأجانب، فظهر رئيس جبهة حركة "نضال مظلوم" التشادية في فيديو من معارك المدرعات، كذلك قتل مهدي بشير القيادي في حركة "فاكت" التشادية في معارك الفاشر، وأيضاً ظهور المرتزقة الكولومبيين في معارك الفاشر. الحقيقة هي إن كان الجيش السوداني به مشاكل تتعلق بالتمثيل العرقي والجهوي في القيادة والضباط، فالدعم السريع مشاكله الداخلية أعمق وأكثر تعقيداً من حيث الوطنية والتمثيل، وهو ما يتجاهله حميدتي تماماً.

*رفض العنصرية وخطابات الكراهية*

الادعاء:
حميدتي دعا إلى وقف العنف العنصري وخطابات الكراهية، مدعياً أن قواته تعمل على تحقيق الوحدة الوطنية.

التفنيد:
تتناقض هذه الادعاءات مع الواقع على الأرض، حيث تورطت قوات الدعم السريع في تصعيد خطاب الكراهية والعنف على أسس عرقية، خاصة في الخرطوم والجزيرة ودارفور. التقارير تشير إلى استهداف منهجي لجماعات عرقية معينة، وهو ما يناقض دعوته لنبذ العنصرية.

*السلام الحقيقي ومعالجة جذور الحروب*

الادعاء:
حميدتي دعا إلى سلام يعالج جذور الحروب ويعيد بناء السودان على أسس جديدة.

التفنيد:
قوات الدعم السريع نفسها جزء من جذور الحروب في السودان، إذ لعبت دوراً محورياً في تأجيج الصراعات العرقية والقبلية في دارفور، والآن في أجزاء واسعة من البلاد. دعوة حميدتي للسلام تبدو محاولة لتجميل صورته الرَثة أمام المجتمع الدولي، وليس التزاماً حقيقياً بحل جذور الأزمات.

*ضبط المتفلتين*

الادعاء:
حميدتي تحدث عن ضبط "المتفلتين" عامة وفي صفوف قواته.

التفنيد:
هذا الادعاء يتكرر في معظم خطابات حميدتي. ومع ذلك، لم نرَ أي محاسبة فعلية أو شفافية في التحقيقات. الحديث عن "متفلتين" هو محاولة مكشوفة للتنصل من المسؤولية المباشرة عن الجرائم. كذلك فإن حجم الإنتهاكات وتكرارها يثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنها ترتكتب بواسطة الدعم السريع وليست تفلتات محدودة. أيضاً فإدعاءاته الكثيرة بالسيطرة تتناقض مع وجود متفلتين.

*رفض تقسيم السودان*

الادعاء:
حميدتي حذر من مخططات تقسيم السودان التي يتبناها "الفلول".

التفنيد:
الانتهاكات التي ترتكبها قوات حميدتي كذلك هي من أكبر المهددات لوحدة السودان. استهداف المدنيين والتسبب في نزوح ملايين الأشخاص يعمّق الانقسامات الاجتماعية والجغرافية، مما يجعل دعوته لوحدة السودان فارغة من المضمون.

خطاب حميدتي الأخير هو إحدى محاولاته الفاشلة لإعادة صياغة صورته كمدافع عن الديمقراطية والسلام، لكنه مليء بالتناقضات والادعاءات الزائفة. مسؤولية الدعم السريع عن الانتهاكات والدمار الذي لحق بالسودان لا يمكن إنكارها. القوى المدنية مطالبة بالتصدي لهذا الخطاب وتفكيك زيفه، مع التركيز على تحقيق العدالة للضحايا والعمل على بناء سودان جديد فعلاً، خالٍ من حكم الميليشيات.

mkaawadalla@yahoo.com

محمد خالد

 

آراء