توثيق مذابح جمهورية جنوب السودان لمحاسبة سلفا كير ورياك مشار

 


 

 


ushari@hotmail.com
تقديم
(1)
من العلم العام أن قبيلة الدينكا وقبيلة النوير، كقبيلتين ممثَّلَتَين بالقادة الحكوميين القبيليين، ولابد بمثقفين من الدولة الوليدة، نفذتا مذابح مريعة. ويمكن دون مغالطة تكييف هذه المذابح على أنها من الجرائم ضد الإنسانية، بسبب استهداف المدنيين، وفق سياسات مرسومة بأشكال متعددة للهجوم المنظم واسع النطاق، وبسبب وجود عقلية شريرة ذات أغراض لدى القبيلة كقبيلة، ولدى القادة القبيليين.
كذلك تتمثل المذابح ما يمكن تكييفه قضائيا بصورة سائغة على أنه جريمة الإبادة الجماعية بتعريفها المتعلق بقصد تدمير المجموعة العرقية، وبالتخطيط، وبالإتيان بالأفعال الإجرامية الثابتة كالقتل العمد للمدنيين، وطردهم من ديارهم (كالتطهير العرقي في بعض التفسيرات)،  ومثل فرض ظروف من الحياة ستفضي إلى موتهم. ودونك من تمت إعاقتهم، والاعتداء الجنسي عليهم، أو تنقيلهم، أو تنزيحهم، أو التمثيل بجثثهم، أو أكل لحومهم.
يتحمل الرئيس سلفا كير ميارديت ونائبه رييك مشار المسؤولية الجنائية الكاملة عن هذه المذابح التي وقعت وأودت بحياة آلاف المدنيين. وهما، سلفا ورييك، يقفان اليوم، موضوعيا، كتفا لكتف مع المتهمَيْن لدى المحكمة الجنائية الدولية، الهاربيْن من العدالة، الرئيس عمر البشير ونائبه أيضا، عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع السابق ووالي الخرطوم.
(2)
فما موقف المثقفين الجنوبيين من هذه الجرائم العالمية التي ارتكبها أشخاص معروفون محددون بأسمائهم، على مستوى الإتيان بالأفعال الإجرامية المباشرة وعلى مستوى مسؤولية القيادات التي تعلم أو ينبغي لها أن تعلم عن المخططات والأفعال، والظاهر أنها مشاركة عن علم وبالقصد الجنائي في تنفيذ هذه المذابح؟
الذي أراه أن الهم الأساس الملقى على عاتق المثقفين في جنوب السودان الآن هو التوثيق التفصيلي لهذه الجرائم. دون اكتراث للجان التحقيق الاحتيالية من الاتحاد الإفريقي، وهو اتحاد حكام طغاة فاسدين، أو حتى من الأمم المتحدة، أو من منظمات طوعية أو مسيحية. فهذه جهات سياسية تخضع تقاريرها لمصالح لا تتسق مع الحقيقة، ولا مع الأخلاق، أو مع مصلحة أهل جنوب السودان. وهي لم تقدم من معلومات إلا ما كان أصلا معروفا من قبل وسائل الإعلام ومن أهل الجنوب أنفسهم. وأفتت اللجنة المحتالة من الاتحاد الأفريقي أن جريمة الإبادة الجماعية لم تقع. خدعة تعلمتها اللجنة المخادعة من الحكومات الغربية التي كانت رفضت تقييم مذابح رواندا على أنها "إبادة جماعية" فقط لتعفي نفسها من لزوم التدخل.
(3)
فمثقفو جنوب السودان الآن في مفترق طريق.
إما أن يسلكوا طريق أولاد العرب في السودان القديم، أولئك الذين أنكروا أو برروا المذابح ضد المدنيين من أهل جنوب السودان التي اقترفتها "القبيلة العربية الإسلامية"، وهي قبيلة، ممثلة بالقوات المسلحة السودانية في حرب الجنوب، وبالمجموعات القبيلية التكوينية الحليفة للحكومة العربية الإسلامية، مثل الرزيقات والمسيرية، وبالمليشيات الإجرامية من كل نوع.
أو أن يرفض المثقفون من الجمهورية الجديدة الولاء الذي تفرضه عليهم القبيلة الإجرامية، وهي إجرامية، كقبيلة يقترف أعضاؤها الجريمة من وحي الانتماء القبيلي، لحماية القبيلة وبتشجيعها وبدعم منها. أقصد قبيلتي الدينكا والنوير، بأعوانهما. وأن يتجه هؤلاء المثقفون إلى التوثيق التفصيلي للمذابح التي وقعت في حدود جمهورية جنوب السودان منذ ديسمبر 2013، وما قبل ذلك. تحديدا لأغراض محاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم من بين القبيليين الحكوميين وغير الحكوميين، بتقديمهم يوما للمحاكمات في المحاكم المشتركة التي يدور التفكر في إنشائها، والأفضل في المحاكم الوطنية إن كان رئيس القضاء شان ريش مادوت قادرا على تمكين القضائية الجنوبية من القيام بهذا الدور التاريخي، وإلا انتهى أمر قضائية جنوب السودان لتلحق برصيفتها الفاسدة في الخرطوم المعروف أمرها ولاؤها للعصابات الإسلامية لا يهمها إجرام ولا إفساد.  
بدون هذا التوثيق التفصيلي للمذابح، سيفلت المسؤولون من العقوبة، بما في ذلك من العقوبة الرمزية بكشف جرائمهم. ولن يفهم أهل الجنوب طبيعة ما حل بهم من بشاعات مريعة، وكذا لن يدركوا ما يتعين عليهم فعله لكي لا تصبح دولتهم بصورة قارة كدولة السودان الإجرامية. وهم في جنوب السودان يعرفون أكثر من غيرهم معنى أن تكون الدولة إجرامية، بعد أن كانوا ضحية ذلك إجرامها، على أقل تقدير منذ حكومة الصادق المهدي ومن بعد على يد المثقفين الإسلاميين المجاهدين، شعارهم الله أكبر على غير المسلمين، وعلى المسلمين المعارضين. وها هي اليوم مادية الدولة الإجرامية مجسدنة في جمهورية جنوب السودان، وها هم قادتها معروف أنهم خططوا للمذابح ونفذوها، لذات الأغراض المعروفة، نهب موارد الدولة، من البترول.
(3)
أنشر فيما يلي المسودة الأولية لأحد فصول كتابي الجديد المعد للنشر عن مسألة كتاب "مذبحة الضعين – الرق في السودان". لتستبين للمثقفين في جمهورية جنوب السودان أهمية التفاصيل الدقيقة في توصيف المذابح، وبعض الأفكار عن كيفية البحث لتوثيق أقوال الشهود ولإعادة تركيب الجريمة. مع التفكر في الإطار القانوني لتحديد الوقائع وتسجيلها وصياغتها بطريقة مشدودة إلى المحاسبة.
أرى هذا الفصل من كتابي مفيدا في بعض أبعاد التحقيق والتوثيق، لا كلها. لكنه يبين مردود الهم بالتفاصيل الدقيقة التي تُغزِّرُ صورة السلوكيات الإجرامية التي يقترفها أشخاص محددون باسم القبيلة أو نيابة عنها، بالطبع وفق تكييف غرضي للقبيلة من قبل هؤلاء الأشخاص، هنا تحويلهم القبيلة إلى فاعل مجرم. وليس صحيحا أن القبيلة لا يمكن تجريمها أو أنه لا علاقة لها، كقبيلة، بالمذابح التي وقعت في جنوب السودان، أو فيما تبقى من مسخ السودان القديم.
...
هذا الفصل من الكتاب مفيد كذلك للمثقفين الباحثين من قبيلة المعاليا، الذين اقترحت عليهم في مراسلات معهم منهجا لتوثيق المذابح وإشراك رصفائهم من المثقفين الرزيقات المتحللين من قيد القبيلة المركب في الدماغ، إشراكهم  في ذات المجهود العلمي.
كذلك تنتظرنا في السودان عمليات التوثيق لمذابح أخرى حاضرة، مثل المذبحة التي اقترفها المثقفون الإسلاميون المتحالفون مع العسكر ضد شباب سبتمبر 2013. وتنتظرنا عمليات التوثيق لمذابح القوات المسلحة السودانية في دافور وفي جبال النوبة وفي منطقة النيل الأزرق، وكذا في جنوب السودان. وهنالك المذابح القبلية المتكثرة في مساحات دارفور، ومذبحة القضارف للأثيوبيين في ديم النور في السبعينات التي كتبت عنها تقريرا لوكالة اللاجئين بالأمم المتحدة في العام 1986، دون أن تطلب مني ذلك في سياق دراسة عن اللاجئين خارج المعسكرات، لكنها عتمت على التقرير. ولا تخلو بقية أرجاء السودان من هذي أشكال التقتيل الجماعي للمدنيين.
(4)
تظل هذه المذابح تتكرر في الدولتين بسبب تكرار إفلات مقترفيها من الملاحقة القانونية. فنحن في السودان، وفي جمهورية جنوب السودان، نعيش عهد "الدولة الإجرامية". ليس إجرامها لأسباب نفسية، بل يظل مشدودا إلى التخطيط العقلاني الواعي من قبل القيادات السياسية، وهي عصابات، لنهب الموارد البترولية والأرصدة. ولابد للنهب من حماية، بالجريمة.  
تخلقت في الدولتين آليات أيديولوجية ذات مادية في الممارسات، آليات متشابهة لتحقيق ذات أهداف نهب الموارد. كالعنصرية، والتعبئة العرقية، وإعمال الدين الإسلامي، والمسيحية أيضا، للتبرير والتضليل، ولتزييف وعي المواطنين، ولقهرهم ومنعهم من التفكير. دائما لتحقيق ذلك غرض الإفساد المتمثل في هدف الاستحواذ على المال وعلى كل ما يمكن تحويله إلى قيمة مالية.
فإلى الفصل من مسودة كتابي عن كتاب "مذبحة الضعين والرق في السودان":  
...
مذبحة الضعين
أقدم في هذا الفصل [من كتابي عن كتاب مذبحة الضعين] تفصيل سبع صور مركبة تلخِّص موضوعيا "الكيفية" التي تم بها تنفيذ مذبحة الضعين. المذبحة التي قتلت فيها قبيلة الرزيقات، كقبيلة، متواطئة مع حكومة الصادق المهدي، ومستقوية بها، ومحمية لاحقا بالبرلمان الذي غطى على الجريمة برفض التحقيق فيها، قتلت قبيلة الرزيقات ألفين من المدنيين الدينكا المنزحين في مدينة الضعين، في يوم واحد السبت 28 مارس 1987.  
تأتي الصور السبعة مشدودة إلى رغبة الرزيقات في التطهير من دنس الغريب في سياق الصدمة، صدمة الهزيمة المرة التي تجرعتها مليشيا القبيلة لأول مرة في منطقة سفاهة على أيدي الشباب من الدينكا ملوال أعضاء الجيش الشعبي لتحرير السودان. فنجد الآتي في مذبحة الضعين، في مكانها وزمانها وسياقها:
1. تصميم الرزيقات على تقتيل الدينكا المدنيين في مدينة الضعين، انتقاما منهم على الإذلال الذي تعرضت له القبيلة في معركة سفاهة.
2. النهب، به جرد الرزيقات أجساد الدينكا المستهدفين من الملابس والساعات والمبالغ المالية، في سياق تنفيذ المذبحة. فالنهب جزء من كل عنف جماعي. وأحيانا هو السبب. وفيه التعويض عن المغانم الضائعة بعد الهزيمة.
3. استخدام الرزيقات لتقنية الحرق بالنار، كالحل النهائي لتطهير دار الرزيقات من دنس الدينكاوي الغريب وقد بدأ يتحدى جلاديه.
4. التعبير عن مشاعر اللذة والمتعة والبهجة لدى الرزيقات أثناء تنفيذهم المذبحة.
5. اغتيال الشرطة المحلية لقيادات الدينكا لغرض التغطية على جريمة المذبحة.
6. تواطؤ قيادات الرزيقات والمسؤولين الحكوميين ورجال الأمن ضد الدينكا وتقاعسهم عن حمايتهم. بما في ذلك التغطية الإضافية على جريمة المذبحة من قبل الحكومة المركزية (الصادق المهدي) متعاونة مع الحكومة الولائية، ومع آخرين متنفذين.
7. اختطاف الرزيقات أطفال الدينكا أثناء المذبحة، لغرض استرقاقهم بعد تقتيل عدد مقدر منهم ومن النساء والرجال.
...
سنجد أشكالا مشابهة أو ذات اختلاف سياقي لكل واحد من هذه الصور السبعة أو لأغلبها، عند دراسة كل عنف جماعي في شكل "مذبحة". ولكل مذبحة خصوصيتها المتعلقة بسياقاتها، لكنها تلتقي مع المذابح الأخرى في خصائص جوهرية مثل البشاعة في التقتيل، واللذة والبهجة عند التقتيل، والتواطؤ من قبل المسؤولين، والتغطية على الجريمة. وتعلق ذلك كله بالنهب، بأشكاله.
أولا،
تصميم الرزيقات على قتل الدينكا
قدم الشهود الدينكا الناجون من المذبحة صورا حية لمشاهداتهم عن تصميم الرزيقات على النفاذ إلى الدينكا المتمترِسين داخل عربات السكة الحديد المغلقة وقتلهم. جاء العشرة ألفا من المهاجمين الرزيقات (تقرير حكومة الصادق المهدي) إلى محطة السكة الحديد مسلحين بالبنادق والسيوف والحراب والشَّلَكايات (حربة طويلة ذات أشكال). وكانوا يحملون أيضا الفؤوس، والسكاكين، والعكاكيز، والعصي، والحجارة. بعضهم كانوا يمتطون الجياد بدون سروج، وكانوا يمارسون تقتيل الدينكا في تنسيق تناغمي مع المسلحين من أغلبية العشرة ألفا التي كانت جاءت إلى محطة القطار راجلة.
في مسرح الجريمة رقم 6، العربات الحديدية الثمانية زائدا العربة الخشبية، كانت المعضلة الوحيدة أمام المعتدين الرزيقات هي كيفية النفاذ إلى الأطفال والنساء والعدد القليل من الرجال المحتمين داخل تلك العربات الحديدية المُغلَّقة من الداخل بالحبال. فسعوا بالفؤوس إلى تكسير أبواب العربات الحديدية. واستخدموا الحراب والشلكايات يَشُكُّونها بين الشقوق في جسد العربة الحديدية لتقطيع الحبال التي كان الدينكا ربطوا بها الأبواب من الداخل.
قال لي أرياك بيول:
...
 "أنا شايف زول عندو شلكاي. في رأس القطر، بعد دينكا بَرْبُط الباب بتاع القطر بي جُوَّا، عشان ما بفتحوه، هو طلع فوق في راس القطر بشلكاو، وقطَّع الحبِل الهو جوا القطر. شكَّاه بين الباب. الباب انفتح. واحد [دينكا] من جوا قال بطعنو بي حربة، وهو يطعن بشلكاي. ديلاك بناولوا ليهو جاز كمان بَكُبْ، وديل التِّحِتْ ديل تَشُّوا [بالنار]".
...   
نرى من أعلاه أنه حين فشل المعتدون الرزيقات في النفاذ بالفؤوس والشلكايات إلى الدينكا في داخل العربات الحديدية، استخدموا فنيات الحرق. بصب الجاز داخل العربات الحديدية عبر الفجوات التي نجحوا في إحداثها في هيكل العربة الحديدة، وبالسعي لإشعال النار فيها. ليضطر الدينكا في الداخل إلى فتح الأبواب والخروج هربا من الدخان والنار. مما سأعرض له بالتفصيل.
فالموضوع هنا هو "التصميم" على قتل الآخر المستهدف. وهو تصميم صَبَغَ "طريقةَ" الرزيقات المسلحين في مجمل سلوكياتهم الهجومية على المدنيين الدينكا، واستخدامهم كافة الأسلحة، مثل الخرتوش وبنادق الكلاشينكوف والجيم والأسلحة البيضاء والعكاكيز والحجارة. ومن بعد، سلاح الحرق بالنار.
قال الشاهد أرياك بيول:
...
"لمن قفلوهم جُوَّا العربات، دي خلاص الحكومة جُوْا اجتمعوا، وقفلوا الناس ديل جوَّا. بعد الكبارين اجتمعوا [تحت النيماية]... .... بعد ما خلُّونا للعرب، الضَّرِب مستمر حتى المساء.
العرب، العندو خرتوش، العندو كْلاجْ والحراب والعكاكيز والسكاكين، والسيوف دي كُلُّو شغالين.
وديل بمشوا بشَلِّعوا البيوت بجيب شراقنة [جمع شرقانية، مصنوعة من القش لبناء الحوش]. والبجيب جاز المحروق، وبس بجوا بْرُشُّوا شرقانية.
بعد الباب ضربوه فتحوه، وديل بضرُب جُوَّة، بس بَدُّوهو نار وبَجْدَعوهو جوَّة العربات. ناس واقفين في صَف القطر ... والبَضرُب بحجر. في واحدين عندهم كلاج، ياخي في أي أنواع من السلاح. بنادق كُتار.
[سؤال مني وطلب للتفصيل عن هوية الأشخاص المعتدين]
ما بنأخد ... لنشوف زول. غايتو شُفْتَ زي خمسة ديل مِوجِّهين علينا، ديل شايلين سلاح."
...
كذلك تعرف الشهود الدينكا على أسماء وهويات المعتدين عليهم في محطة السكة الحديد. من الرزيقات، ومن مجموعات قبيلية أخرى كالجوامعة والهَوْسا والزغاوة وغيرهم. منهم جيران وشخصيات معروفة في السوق وفي الحياة العامة بمدينة الضعين.
"بِنشوف بالشباك جيرانَّا زاتُم بِشاكْلوا. مثلاً في الجيران هني في أولاد الهوسا ما بعرف أفرزهم. بِضارْبوا الناس. في واحد اسمو جِبْرين كموسنجي. تاني واحد اسمو ابراهيم يعقوب، من الكِديانية. جارنا هو فِي، قاعِد.
في واحد من أولاد أم روابة ديل، كان مؤجر ليهو كُشُكْ في حِلَّتْنا، شايفو واقف بي دَقَلو [عصاة ضخمة] وبِشاكِل. هَسِّي موجود في الضعين، اسمو أحمد، من أولاد الجوامعة في أم روابة.
في ناس ما بقدر بَفَصِّل أسماءهم، واحد جارنا اسمو إبراهيم، جارنا، بناء. تاني واحد اسمو عبد الرحمن عتام، سَبَّابي في الحمير في الزريبة [سمسار]. ولدو شغال في المطافئ عسكري، بقولوا ليهو يحيى عبد الرحمن عتام.
ياهو ديل جيراننا شُفتَهُم بَدُق الناس الحارسين في الشباك [العربة الحديدية المحاصرة].
البَمْرُق بَدُقوهو، يِفتِّشو جيوبو، لو لقوا قروش بشيلو، لو لقوا ساعة في يدو، جلابية سمح، يشيلو، بنطلون سمح بشيلو. حتى يجيبوا القش يتِشُّوا النار".
...
وقال فرانسيس أتيينق، وهو كان يعمل عَتَّالِيَّا في محطة السكة الحديد [أي، يحمل الشَّوَّالات والبضائع على ظهره] :
[أعضاء فرع الرزيقات] الشَّطِّيَّة أكثر الناس الشُّفناهم في هذه الشَّكلة. هم الأغلبية في المدينة. المحمدية اتْلموا. بتاعين الكارُّو فوق حصين الكوارو فقط. كل ... 25 ... ما عندهم سروج بردعة، لبدة.  بعضهم يركب في ضَهَر حصان ساكِت.
الدينكا، كنا نحن سامعين لكلام العرب بِتْونسوا إنو المشاكل في البحر، قالوا جماعتهم هناك [ماتوا]، الانتقام دا عملوه سرِّيا، لو كُنَّا شعرنا بأي شيء كنا عملنا شيء، كنا مفتكرين الحكومة تحفظنا، لكن خَلَّتْنا".
...
أما جيمس دينق أشول، الراوية الأساس وهو الشاهد أيضا، فقد قال الآتي من موقعه في العربة الخشبية المكشوفة التي كانت على القضيب الأول، وكانت أهم هذه المشاهدات من موقعه لوقائع بدأت في العربات الحديدية المتوقفة على القضيب الثاني. وهي العربات التي كان الرجال الدينكا يهربون من داخلها المشتعل بالنار والدخان، ويشقون طريقهم يريدون النجاة. كان جيمس دينق أشول يشاهد ما يحدث لهؤلاء الدينكا الفارين. أي، المطاردة من قِبل شباب الرزيقات ""الفرسان"" المصممين على قتل الدينكا الفارين. قدم جيمس صورة للتناغم بين "الفرسان" على الجياد والرزيقات الراجلين على الأرض. فيطارد "الفارس" من على جواده الدينكاوي الفار، ويطعنه بالحربة. ثم يتركه جريحا ليجهز عليه المعتدون الرَّجالة بالعصي وبالعكاكيز ويحرقونه.
...
"الساعة عشرة الناس كلهم [عشرة ألفا حسب أقوال الصادق المهدي] جوا مهاجمين [على الدينكا، ثلاثة ألفا في محطة السكة الحديد]: حراب، سكاكين، عكاكيز. كان هناك بعض الدينكا بايتين مع بعض الناس مِنَّهم رزيقات. الصباح كانوا عاوزين يجوا القطر، كان يلقاهم الرزيقات في الشارع للمحطة ويقتلوهم.
بعد الساعة عشرة المواطنين جُو. بتاعين البوليس كانوا يضربوا رصاص في الهوا. اتنين بوليس،  سجون سبعة حارسين، أربعة بوليس السكة الحديد.
ضغطوا واحدين من الدينكا جروا في القَطر، نزلوا وجروا ليهربوا. كان يلحقوا بيهم بالحصين ويقتلوهم.
[سؤال: من بالتحديد؟]
أنا شفتهم جارين تلاتة ناس فقط، نزلوا من القطر جارين، يلحق بهم فارس الرزيقات. وعندما يكون قصاد الدينكا يطعن بالحربة، بعدها يأتي الناس بالعكاكيز ويقتلوه.
الناس الفي الحصين 25 حصان تقريبا. الراكبين هذه الحصين شباب الرزيقات. بعضهم في الرابطة، رابطة شباب الحي الرابع. رابطة شباب الحي الرابع كانوا يجتمعوا، ساكنين في الحي سبعة أعضاء. بعضهم عندهم حصين. يجتمعوا للنظافة في الحي الرابع، قبل المشكلة. ما كان في مشكلة. عند النظافة كان يشارك معهم الدينكا.
أنا شفت واحد منهم فقط من الـخمسة وعشرين. أحمر، من الرزيقات. من السبعة. أنا بَعرِفو. نِسيت اسمو. كل حي عنده رابطة للنظافة. الثلاثة الذين فاتوا يجيبوا القش، ويحرِقوا بالكبريت.
العساكر كانوا يضربوا رصاص في الهواء عندما يلاحظ أن واحد جاري لاحقه الناس وقتلوه.
[سؤال: هل أنت متأكد أن الشرطة ضربت رصاص؟]
أنا متأكد إنو ناس الشرطة ضربوا رصاص في الهواء للتخويف.
قعدنا لحدي الساعة 5:30 مساء وراء العربات. ناس الجيش دخلوا عرباتهم [الأربعة] ودخلوا وقفلوا بابهم. الملازم طلب منهم المساعدة، لكنهم رفضوا. أن هذه ليست مسئوليتهم.
في عرب فلقونا بالحجارة، أنا ضربني حجر بسيط. كنا نسمع صوت سلاح في العربات التي وراءنا ولا أعرف الناس لموا وراء القطر الكبير [على القضيب الثاني]."
...
وأقدم فيما يلي مشاهدات فرانسيس أتيينق، العتَّالي:
"النار تعمل سخانة ودخان. بعكاز، كان هناك بوليس واقفين في طرفي القطر. قالوا القُوَّة دي ما بتِنْقَدِر. العربية دي نمرة 1 . باب القطر كسروه بفاس.
الناس الفي أوضة البوليس لموا فيهو العرب الفي النيمة. رجعوا للناس الكاشفين ضغطوا على العساكر. وبعدها استمروا مشوا للسجن [غرفة في نقطة شرطة محطة السكة الحديد]. [مسرح الجريمة رقم 7]
القش بجيبوا من البيوت الجنب السكة حديد.
كل الشرطة مشوا بَضْحكوا.
بحرقوا القش، القطر بِسخن، الناس بنزل، الشباك فتحتو، ضرِب العكاز. يرموا القش رُبْطة بي جُوَّا.
[من، مثلا؟]
لحد بعرف زول واحد اسمو اسماعيل نيوبي كموسنجي في الضعين. كان واقف قدام العربية رقم 1 بالخرطوش بضرُب. بَجُوا أخوانو عندو خزنة رصاص قدام العربية رقم 1. عندو دكان في موقف سفاها. بيتو في الربع الرابع، عندو مرتين من الرزيقات، أولادو صغار.
 عمره قَدُرْنا، عُمري 36 سنة. أنا اشتغلتَ معاهو.
...
 من الساعة 11 لحدي المغرب، هناك مَرَة اِضَّرَبَتْ في يدها، مَرَةْ مراج مايووم. دينكا. زوجها أيضاً اضَّرَب. في الحلة الآن في الضعين مع أولادها. الزوج كان هنا في المستشفى هنا [في نيالا]. سِمِع مرتو في الضعين رجع الضعين. مرتو مضروب. أولادو 2 ولد وبت واحد 6 سنة، واحد 4 سنة، البت أكبر مراج مايووم. الولد نفسو اسمو مايووم. زي 4 سنة، في الروضة في الكنيسة. يدها الشمال مضروب لسع الرصاص ما طلع. الدكتور قال يعملوا ليها عملية.
وهذا كان يوم  بعد الساعة 12 حتى الساعة 6 بتِشُّوا الناس نيران لحد الساعة 7 بعد ما عربية جيمس [دينق أشول] مشت. العرب سيطروا على العربات الأخرى. قالوا خلوهم نلقوهم الصباح. في العربات حرقوهم، وناس النقطة، المرة داك مَرَق بدري، ديل ماتوا.
....
كموسنجي ابراهيم يعقوب من ........ جارنا نحن قاعدين جوة معاهم. ناس دينكا مساكين في واحدين ليهو 50 سنة ثلاثين سنة وهم عارفين البداوسو ياتو. ما مفروض الحكومة يخليهم يكتلونا. زول يَكُتْلوا قِدَّام الحكومة. دا. أمن في، وجُوَّا المدينة ولا في الخلا، ناس.. [أرياك بيول]
...
تلك كانت الأفعال التي بينت تصميم الرزيقات على تقتيل الدينكا في المحطة. وهو تصميم مدفوع بمشاعر الكراهية العنصرية والغضب وبالاستحواذ بالرغبة الجامحة في الانتقام المسبب للألم الفظيع. الانتقام الذي سيُطهِّر أرض دار الرزيقات من خطر الدينكا. وقد رأينا أن البيان الرسمي لقبيلة الرزيقات كان صوَّر الدينكا المدنيين المنزحين في المدينة بأنهم من أعوان جون قرنق وأنهم الخطر الداخلي في المدينة.
في هذا التصميم القوي على التقتيل، وجد الرزيقات التنفيس عن مشاعر الغضب والإحباط المتأتية من إذلال الهزيمة غير المسبوقة التي وقعت على أيدي الشباب المحاربين أهل هؤلاء الدينكا المدنيين المنزحين في الضعين.
ثانيا،
نهب الرزيقات للملابس والساعات والأموال والأطفال من الدينكا
كان النهب من أهم عمليات تنفيذ المذبحة. أراد المعتدون من الرزيقات بمشاركتهم في المذبحة أن يتحصلوا على بعض غنائم، مما عرفوا أنها قد تكون المغانم الأخيرة بعد تغير موازين القوى في منطقة سفاهة والهزيمة المرة التي تعرضوا لها.
تتواتر توصيفات نهب الضحايا الأحياء والمقتولين قبل حرقهم. كان الرزيقات يقفون أمام هذه العربات الحديدية المغلقة، بينما كانت تدور عمليات النفاذ إلى الدينكا داخلها، أو إجبارهم على الخروج منها. فما أن ينزل الدينكاوي الرجل أو المرأة، على سبيل المثال، هربا من الدخان والسَّخانة والنيران إلا وانقض عليه الرزيقات المنتظرون أمام العربات الحديدية. غرضهم قتله، وكذا نهب المبالغ المالية الصغيرة في جيبه، وانتزاع ملابسه وساعته. "مرة لابسة هِدِم سمِح، بشيلوهو الهدم السمح دا. الصبي الدقوهو، بدَخِّلوا أيدينهن في جيوبو بشيلوا القروش".
قال أرياك بيول:
...
"البمرق بدقوا، يفتش جيوبو، لو لقوا قروش بشيلو. لو لقوا ساعة في يدو، جلابية سمح يشيلوا. بنطلون سمح بشيلو. حتى يجيبوا القش يتشوهو بالنار.
...
أعاد ذات أرياك بيول هذه القصة، في سياق آخر:
بس والجنى نازل [من العربة المحترقة] كمان خلاس، أو ضربوه تِحِت، خلاس بطلعوا مِنُّو الجلابية أو منطلون. طلعوا منه القروش. عندو ساعة في يد. بس بشيلو.
...
والله شفت درجة ناس والله شايلين قش. في قدامي في ناس تشوهم ثلاثة كلُّو، بعد ما سلبوهم من الملابس جابوا قش، عديل تشوهم.
ثالثا،
استخدام الرزيقات تقنيات مختلفة لحرق أجساد الدينكا
نعلم ابتداء أن العربات الحديدية كانت اكتظت بالدينكا الذين غلقوا أبوابها ونوافذها عليهم من الداخل، وربطوها بالحبال. فكان الإجراء الذي اتبعه المعتدون للنيل من المحتمين بهذه العربات هو تسخينها بإشعال النار تحتها. إذ هرع الرجال والصبية والنساء من الرزيقات إلى المنازل المجاورة للمحطة. وانتزعوا منها حزماً من القش وعدداً من مجموعات القش المنسوجة في "شرقانيات". أتوا بها وألقوها تحت العربات الحديدية. ثم أشعلوا فيها النار. وزجوا بجوالات مشبَّعة بالجاز والبنزين والزيت المحروق من خلال الفتحات المحيطة بأبواب ونوافذ العربات الحديدية. وأشعلوا النار في هذه أيضاً.
يقدم أحد الشهود، فرانسيس أتيينق، توصيفاً لهذا الإجراء:
...
"عرب بتِشُّوا قطر. يتشوه بالقش. يجيب قش. يخُتُّوهو تِحت القطر. يقوم نار. نار وَكِت يقوم، بيعمل سخانة بي جُوَّة.  ويعمل دخان في الشبابيك ديل. طبعاً قطر دا بِسَخِّن. نار ما بتاكلو. لكن بسخن بجوة. إنت دار تفتح شباك، خلاس تلقى ضرِب بالعكاز. فتحتَ شباك كدا، بيشيل قش، ربطة كدة بيرمي جوة. خلاص زول سخَّنت بتَمْرُق. مرقْتَ، بضرُبوك بعكاز. ناس كُتار. العالم دا كلو إتلَمَّ في القطر دا ..."
...
وحكى شهود عيان آخرون أن المهاجمين المسلحين كانوا ينتظرون بالبنادق والسيوف والعصي والحراب والسكاكين أمام العربات الحديدية. كان هدفهم، كما أسلفت القول، أن يضطر من هم بداخل العربات إلى فتح النوافذ لطرد الدخان المتراكم بالداخل، أو فتح الأبواب للخروج من العربات التي بدأ حديدها يحمأ نتيجة اشتعال النار تحتها.
وعندما كان الدينكا في بعض العربات يفتحون النوافذ أو الأبواب لطرد الدخان، كان المعتدون الواقفون أمام عربات القطار يطلقون عليهم الرصاص من بنادقهم. وكان آخرون من المهاجمين يقذفونهم بالحجارة وبالحراب. ومن ثم، كان بعض الدينكا يضطرون إلى الهبوط من العربات. فتنهال عليهم العصي والسيوف والسكاكين والحراب. وروى شهود العيان أن الذين كانوا يولون هاربين، كان يتعقبهم بعض عرب الرزيقات الذين امتطوا الخيل. يطاردونهم ويطعنونهم بالحراب. ثم يهرع الباقون من الراجلين ليُجهِزوا عليهم بالعصي، ويحرقون جثثهم.
...
استخدم الرزيقات تكنولوجيا الحرق لأجساد الدينكا وفق الوضعيات التي وجدوهم فيها في محطة السكة الحديد. ويمكن تلخيصها في أربع وضعيات: حرق جميع ركاب العربة الخشبية على القضيب الثاني [مائتي طفل وامرأة وأربعين رجلا]؛ حرق أغلبية اللائذين بحوش نقطة شرطة المحطة [خمسمائة أغلبهم من النساء والأطفال]؛ الكوموسنجي إسماعيل نيوبي، أيقونة المذبحة وبرميله من المحروقات يدحرجه مع بعض الصبية؛ حرق الدينكا في العربات الحديدية؛ حرق الدينكا الفارين من العربات المحترقة.
وأبين فيما يلي التقنيات التي استخدمها الرزيقات في كل وضعية وفق خصائصها والمعوقات التي اكتنفتها للنفاذ إلى الدينكا وإبادتهم:
(1)
وضعية حرق الدينكا المائتين وأربعين في العربة الخشبية المكشوفة
كانت هذه أسوأ الوضعيات بالنسبة للدينكا الموجودين فيها المستهدفين بالقتل. فالعربة الخشبية، بسبب الخشب، كانت توفر مادة خام ذات قابلية للاشتعال. وسهَّل هيكلُ العربة وتصميمُها تغذيتَها بقدر كاف من الأوكسجين لتسهيل اشتعال النار فيها وفي محتوياتها البشرية. وسهلت وضعيةُ جلوس الضحايا صغار الأجساد من النساء والأطفال انتشار الحريق بينهم عند إلقاء الأشياء المحترقة فوقهم. فارتفاع جدران العربة الخشبية جعل منها سجنا لا يمكن الهروب منه بسهولة.
لا أجد توصيفا دقيقا في الأوراق للكيفية التي تم بها حرق الدينكا في هذه العربة الخشبية. إلا أن الأمر لم يكن معقدا كحال الوضعيات الأخرى. فكل ما يتطلبه الأمر هو قذف حزم القش المشتعلة، والشرقانيات وقطع الأقمشة المغموسة في الجاز أو البنزين أو الزيت المحروق. قذفها فوق رؤوس الأطفال والنساء والعدد القليل من الرجال. فيتم الاشتعال الكامل سريعا وتحترق الأجساد الدينكاوية. مقصد الرزيقات ومنظمي عملية الحرق.
لم ينج أحد من هذه العربة الخشبية التي كانت متوقفة على القضيب الثاني، الخلفي.
كان الدينكا الذين ركبوا في العربة الخشبية المكشوفة لتقلهم خارج مدينة الضعين الأكثر قابلية للتعرض للقتل. كان عددهم حوالى 240 شخصا. نعلم ذلك من أن ركاب العربة الخشبية الأخرى على القضيب الأول الذين نجوا من الموت كانوا 241 شخصا، أربعون منهم من الرجال والبقية من النساء والأطفال.
قال أرياك بيول إنه تم حرق جميع من كان في هذه العربة الخشبية على القضيب الثاني. "عربية خشب ما طلع ولا زول". كانت هذه العربة الخشبية  محفورة في ذاكرة جميع الشهود، بما في ذلك في ذاكرة الذين لم يشهدوها تحترق أو وقد احترقت بركابها وإنما سمعوا قصتها المروِّعة من الشهود أو من الرواة.
(2)
وضعية حرق خمسمائة ويزيد من الدينكا داخل حوش نقطة شرطة السكة الحديد    
كانت هذه الوضعية معقدة بالنسبة للرزيقات المعتدين. من حيث العدد الضخم للأطفال والنساء. لكن انحصار السبعمائة شخصا في مساحة مسوَّرة، ومحاصَرة من قبل المعتدين الرزيقات، جعلها تتمثل أيضا خصائص الشَّرَك الذي لا يمكن الخروج منه. لكني أرى أنه لابد أن عددا من السبعمائة شخصا تمكنوا من القفز فوق السور القصير ومن الهروب. بعضهم لابد تم قتله لاحقا. لكني أقدر أن عددا من الهاربين تمكن من الإفلات والنجاة.
فالعقل لا يقبل أن سبعمائة شخصا ويزيد حُرقوا عن بكرة أبيهم هكذا في هذا الحوش قصير الجدار الحديدي بالفلنكات. علما أن البيان الرسمي لقبيلة الرزيقات يذكر هذا الحوش في معية عربات السكة الحديد على أنهما كانا مكان قتل الرزيقات للدينكا: " ..... "
لكن البيان يصمت عن مثل الأسئلة التي أفكر فيها، مثل عدد الذين نجوا من حوش نقطة محطة السكة الحديد.
قدم  شهود  العيان توصيفا دقيقا للكيفية التي تم بها حرق الخمسمائة شخصا ويزيد من الدينكا في هذه الوضعية. وهي كانت الوضعية الأكثر لصاقة بذاكرة الدينكا.
تمثل الرمز الأيقوني لمذبحة الضعين في الصورة السارية للرزيقي المدعو اسماعيل نيوبي مع بعض الأطفال والصبية الرزيقات يدحرجون برميلا من الوقود لاستخدامه في حرق الدينكا. حيث توقفوا بالبرميل أمام حوش نقطة بوليس محطة السكة الحديد. وبه أولئك السبعمائة ويزيد من الأطفال والنساء والرجال الدينكا.
يقول الشهود إن اسماعيل نيوبي، الكموسنجي، وكان مسلحا، فتح برميل الوقود. وظل يصب للصبية الرزيقات في مواعين منزلية أتوا بها. وكان الصبية بدورهم يرشون الوقود على الدينكا في داخل حوش نقطة بوليس المحطة.
واقعة غير قابلة للتصديق. لكن من الصعب على الإنسان اختراعها أصلا.  وهي واقعة لم تكن في ذاتها ضرورية ليتم اختراعها. وفي نهاية الأمر، لا تعدو هذه الواقعة الفظيعة كونها تمثلا لتقنية عملية لحرق أجساد الدينكا الذين كانوا داخل ذلك الحوش.
نعلم أنه تم إحراق أجساد أكثر من خمسمائة من الدينكا في تلك الوضعية. وثابتة مشاركة الأطفال الرزيقات في المذبحة في أكثر من مسرح للجريمة. شاهدناهم يتعلمون من حرق منازل الدينكا في حلة فوق، أمس الجمعة 27 مارس 1987.
قال الشهود إن الأطفال الرزيقات وإسماعيل نيوبي وغيرهم كانوا يقذفون بالأشياء المحترقة فوق رؤوس الدينكا المحاصرين داخل الحوش.
قال لي شرطي البوليس ديو باك ديو أن أسجل في كتاب مذبحة الضعين إنه حسب الضحايا المحروقين طَقْ طق طق. وكانوا حوالي خمسمائة. طق طق طق. علما أن العدد قد يتجاوز الخمسمائة.
لم نسمع عن أن أيا من أصحاب الحوش نجا بحياته. لكني أتوقع أن بعضهم، من الرجال، لابد حاول القفز فوق السور القصير المحاط من قبل الرزيقات المسلحين، ومنهم من نجح.
لم تكن هنالك حواجز نفسية بين الرزيقات المعتدين وإبادة الدينكا في العربة الخشبية، وكان من السهل حرق أجساد الدينكا فيها. فلم تكن وجوه الـ 240 من الأطفال والنساء وبعض الرجال واضحة. كانت أجسادهم تستبين بصعوبة من بين فتحات خشبات العربة.
على عكس حرق الدينكا في حوش نقطة محطة السكة الحديد. كانت إحدى المشكلات الصغيرة في الحوش متمثلة في العدد الكبير للدينكا المستهدفين بالإبادة. وربما كان ظهور أوجه الأغلبية وهم الأطفال والنسوة المستهدفين مصدر مشكلة نفسية مؤقتة، حتى لا نجرد هؤلاء الرزيقات المعتدين من إنسانية ما.
فقد كانت الوجوه الدينكاوية الممسك بها رعب الموت وقد دنا واضحة بالنهار دون أية حواجز أمام الرزيقات المعتدين. ولعل الوجوه أرَّقت ضمير البعض منهم. لكنهم، بسبب تصميمهم على إبادة الدينكا، أنجزوا ما كانوا جاؤوا إلى محطة السكة الحديد خصيصا لإنجازه. فأحرقوهم. علَّ تلك صورة وجوه الأطفال والنساء الدينكا تنمسح من المخيال المحفور في دماغ الرزيقي المعذب. لم يكن الأمر يتعدى حل المشكلات الفنية في حرق هذا الكم الهائل من البشر في مساحة مفتوحة في وضح النهار.
...
كان للرزيقي اسماعيل نيوبي دور محوري في تسهيل حرق أجساد الدينكا في محطة السكة الحديد. فقد تحدث الشهود أنهم شاهدوه يدحرج ذلك برميله للوقود من الحلة. وكان يساعده عدد من الصبية من الرزيقات. وقد توقف إسماعيل نيوبي بالبرميل أمام حوش نقطة بوليس محطة السكة الحديد. ووزع الوقود على الصبية في مواعين منزلية ليرشوا الوقود على الدينكا في الحوش. لم تكن هذي الفعلة الإجراميةُ الوحيدةَ التي اقترفها إسماعيل نيوبي في ذلك اليوم المحدد، السبت 28/3/1987 في محطة السكة الحديد بمدينة الضعين.
قال فرانسيس أتيينق العتالي، في ذات المقابلة السابقة المسجلة والمكتوبة، إنه شاهد مشاركة اسماعيل نيوبي في حرق العربة الحديدية التي كان فرانسيس أحد ركابها:  
بحرقوا القش، القطر بسخن، الناس بنزل، الشباك فتحتو، ضرِب العكاز. يرفعوا القش ربطة بجوا لحدي ...
[مَن، مثلا؟]
بعرف زول واحد اسمو اسماعيل نيوبي كموسنجي في الضعين. كان واقف قدام العربية رقم 1 بالخرطوش بضرُب. بَجُوا أخوانو عندو خزنة رصاص قدام العربية رقم 1. عندو دكان في موقف سفاها. بيتو في الربع الرابع، عندو مرتين من الرزيقات، أولادو صغار.
 عمره قَدُرْنا، عُمري 36 سنة. أنا اشتغلتَ معاهو.
كان جاء في الكتاب ما يلي:
وهنالك مأساة فرانسيس أتيينق الذي كان يعمل حمالاً في سوق الضعين. كان دخل عربة في محطة السكة الحديد غير تلك التي احتمت بها زوجته مع أطفاله الثلاثة. وعند نهاية التقتيل في مساء السبت، نزل فرانسيس من عربته يبحث عن أفراد عائلته. ولكنه وجد أربعتهم جثثاً هامدة ملقاة أمام إحدى العربات. وكانت النار المشتعلة تحت العربة قد "أكلت كرعين بتاع المرة".
زوجتي مريم بول، الأولاد بتير اتيينق 7 سنة، لونغار 4 سنة، بنت لويل 3 سنة. "كلهم مضروبين بعكاكيز. والنار أكل كرعين المرة".
(3)
وضعية حرق الدينكا في العربات الحديدية
كانت أغلبية الدينكا موجودة في العربات الحديدية الثمانية [أو هي الستة، في رواية واحدة غير واضحة من أرياك بيول]. فبمعدل 250 شخصا، على أقل تقدير، في كل عربة، نتحدث عن ألفين من الدينكا في العربات الحديدية المتوقفة على القضيب الثاني.
كان الرزيقات يحرقون، بالتزامن، الدينكا الخمسمائة ويزيد في حوش نقطة بوليس محطة السكة الحديد. ويحرقون بالتزامن أيضا المائتين وأربعين في العربة الخشبية المكشوفة. وظل يدور، بالتزامن، برنامج الحرق النهائي للدينكا الألفين في العربات الحديدية الثمانية [أو هم الألف وخمسمائة في ست عربات، بحساب أرياك بيول الذي لا يذكر أكثر من ست عربات حديدية]. وذلك بالإضافة إلى من تم حرقهم في مسارح الجريمة الأخرى في مدينة الضعين، في الشوارع، وكمائن الطوب، والفرنين، والمصنع الصابون، وفي البيوت، وفي المراحيض العامة، وفي الخلاء خارج المدينة.
أما هنا في العربات الحديدية الثمانية (أو الستة) فقد وجد الرزيقات أنفسهم أمام مشكلة عملية. تمثلت في أن الدينكا غلقوا عليهم أبواب هذه العربات الحديدية من الداخل وأمنوا باب كل عربة وشباكها (وهو جزء من الباب ذاته). غلقوها بالحبال وبكل ما كان يمكن استخدامه. وعليه، لم يكن ممكنا النفاذ المباشر أو المسهل إلى الدينكا لحرق أجسادهم، كما كان عليه الحال بشأن العربة الخشبية المكشوفة وبشأن الحوش.
فابتدع الرزيقات حلولا انتقامية مروعة للمشكلة العملية التي كانت تمنعهم من النفاذ إلى الأجساد الدينكاوية داخل العربات الحديدية، لحرقها. تمثلت الحلول الانتقامية في وسيلتين متزامنتين.
أولا، استخدام الفؤوس والشلكايات لتكسير أبواب العربات الحديدية. وفتح شقوق بين الأبواب المغلقة وأطرها الحديدية. من خلال هذه الشقوق كانوا يدخلون الحراب والشلكايات لتقطيع الحبال التي استخدمها الدينكا في تغليق الأبواب. عرقل الدينكا بالداخل هذه المحاولات، باستخدام الشقوق ذاتها لطعن الرزيقات الذين كانوا يحاولون فتح الأبواب بهذه الطرق. فلجأ الرزيقات إلى طريقة الحرق. بدأوا يصبون الوقود خلال الشقوق، ثم يحشرون  من خلالها الأشياء المحترقة.
ثانيا، إشعال النيران تحت العربات الحديدية. مما كان لابد سيجعل الحديد يحمأ ليتم قتل الدينكا جميعهم داخل العربات، بسبب ارتفاع درجة الحرارة وبسبب الحروق.
أو، أن يحمأ حديد العربات بسبب الحريق من تحتها،  فلا يعود بلاط العربة الحديدية يطاق. مما سيضطر الدينكا  المتحصنين داخل العربات إلى الخروج منها. حيث ينتظرهم أمام هذه العربات المحترقة  المسلحون بالبنادق والسيوف والحراب والعصي والعكاكيز والحجارة. وأيضا بأدوات الحرق ذاتها مثل القش والوقود والكبريت.
كانت هذه الطريقة كافية في بعض العربات الحديدية. واضطر الدينكا الذين كانوا فيها إلى الخروج منها. ينتظرهم الرزيقات أمام الباب، بالأسلحة وبأدوات الحرق. فكان يتم قتلهم  وحرقهم مباشرة أمام العربات ذاتها.
وصفت الشاهدة الدينكاوية أقول كول المنظر بأن جثث الدينكا كانت مرصوصة "مِتل الطوب" أمام عربات القطار. وأنهم كانوا أيضا متروكين "مِتل البهائم"، دون دفن للجثث.
لكن بعض الدينكا الذين اضطروا إلى الخروج من العربات الحديدية المحترقة كانوا مسلحين بالحراب ونجحوا في شق الصف الأمامي من المهاجمين الرزيقات، ليلاقوا حتفهم بالحرق النهائي. في سياق مطاردتهم من قبل "الفرسان". مما أنتقل إليه الآن:
(4)
وضعية حرق الدينكا الفارين من داخل العربات الحديدة المشتعلة
استخدم الرزيقات وسيلة حرق الجسد، بشأن الدينكا الذين تم أصلا قتلهم عند فرارهم من العربات الحديدية المشتعلة. فهؤلاء الفارون، كان يتكفل بشل حركتهم "فرسان" الرزيقات الممتطون للخيل. كان "الفارس" الرزيقي يطارد فريسته الفارة، فيطعنها. وما أن يقع الدينكاوي، يجرده الرزيقات الراجلون من جلابيته إن كانت في حالة جيدة، أو من بنطلونه. ومن ساعته. ومن كل مفيد لهم كان يحمله معه. ثم يجهزون عليه بالعصي وبالعكاكيز.
لكن الرزيقات لم يكن يشفي غليلهم ضد الدينكاوي قتله، أو نزع الحياة ذاتها منه. خاصة وهو يكون كان تحداهم أصلا بمحاولته الجريئة للنجاة بنفسه، وربما كان أصاب أحدَهم في مقاومته ضد عدوانهم. فيأتون بالوقود والقش والكبريت لإشعال النار في جثته.  
....
جميع هذه الوضعيات لحرق الدينكا تحدث عنها الشهود. مما يرد في توصيف تنفيذ عمليات القتل والحرق والنهب في مسارح الجريمة المختلفة.
كان حرق الجسد، جسد الدينكاوي، التعبير الفاصل عن الحل النهائي، على المستوى النفساني في مخيال الرزيقات، كأشخاص وكقبيلة. الحل النهائي لمسألة الدينكا المعذِّبة لا تطاق. بصورها في شظايا الذاكرة الرزيقية المزحومة بالصور. صورة مقاومة العبد الدينكاوي. واخضرار أرضه. مقارنة مع الجفاف والقحط في كثير دار الرزيقات. وصورة جون قرنق بتحديه الأكبر للعلاقات العنصرية السائدة. ومنافسة الدينكا المنزحين للرزيقات في الموارد والخدمات. وهنالك صورة الجرحى والقتلى الرزيقات في معركة سفاهة. وصورة "الفارس"  الرزيقي من أبو مطارق، عمر قادم. الذي استبانت حدود ذكورته المفترضة. وظهرت حقيقة الخرافة عن "الفارس الرزيقي". فها هو الفارس المختبئ داخل الدبابة الحديدية لا يجرؤ على الخروج يحترق جسده، يخاف من الحرق ينتظره أمام الدبابة على أيدي شباب الدينكا ملوال المسلحين.
وهنالك في المخيلة الرزيقية صورة الإعلان الواضح عن المخاطر الجديدة التي ستكتنف غزوات النهب من قبل المليشيات الرزيقية  إلى أرض الدينكا مجددا. والتهديد بتجفيف مورد ريع الرق.
لابد كانت جميع هذه الصور تترى في العقل الجمعي للعشرة ألفا من الرزيقات الذين كانوا جاءوا مسلحين في حالة هياج ونشوة مستحوذين بتلك عقلانية الهذيان يريدون مسح ذاكرة الإذلال في هزيمتهم في سفاهة. يريدون الآن تنفيذ الحل النهائي، تنظيف أرض الرزيقات من دنس العبيد الدينكا. ووضع حد للعذاب النفساني الذي سببه لهم شباب الدينكا بمقاومتهم المسلحة ضد القهر والطغيان الرزيقي، وتحديه.
كان حرق الرزيقات لأجساد الدينكا الأحياء والمقتولين منهم في الوضعيات أعلاه فعلا تقنيا له بنيته ومدخلاته وأدواته ووسائله. وهو تمثل امتدادا لحرق مساكن الدينكا في حلة فوق، يوم أمس الجمعة 27/3/1987. والذي كان حلقة في سلسلة عمليات حرق مشهورة استهدفوا بها الدينكا. منها حرق منزل محرر الرقيق، مانجوك جيينق مانجوك في أبو مطارق. وحرق مساكن الدينكا في شمال بحر الغزال. وحرق مخازن الذرة في قرية الشيخ مشام أنقوي. وهنا في محطة السكة الحديد،  نجد حرق الأجساد الحية وتلك التي انتزعت منها الحياة انتزاعا بالعصي والسكاكين والكلاج.
فأقدم مقتطفات من توصيف مشاهد حرق الرزيقات للدينكا في المحطة. ونجد أن الدينكا يستخدمون ذات العبير العربي في الرزيقية العامية "تَشَّ"، ويخرِّجون منها تَشُّوا، وتَشُّوهو، وبيتِشوا، وغيرها.
قال أرياك بيول [وهو مسلم]:
...
"بعد داك سمعنا ضرب وتَشْ. ديل مساكين هاجموه وحرقوه ساكت. البمرق بدقوهو، يفتش جيوبو، لو لقوا قروش بشيلو. لو لقوا ساعة في يدو، جلابية سمح يشيلوا. بنطلون سمح بشيلو. حتى يجيبوا القش يتشوا بالنار.  
...
أنا ما عارف اسمو، أعرف شخصيتو، العرب والقطر دا كلو عارف واحد قصير كدي، لابس حجاب بجاي وبجاي. عندو كلاج مطبق بجي بضرُب، ويجيب نيران بنزين، بدوه كبريت، يجدعوه جوة.
[سؤال: من أين البنزين والزيت؟]
الناس البنزين يشيلوهو من القطر، والزيت المحروق بمشي بشيلو.
...
بعد داك سمعنا ضرب وتَشْ …. الضرب مستمر من الساعة تمانية وربع لحدي الساعة سبعة. الآذان في الليل داك نزَّلت عيالي، مرقت على دونكي حسكنيتة. يوم الأحد.
....
العرب، العندو خرتوش، العندو كلاج والحراب والعكاكيز والسكاكين، والسيوف دي كُلُّو شغالين.
وديل بمشوا بشَلِّعوا البيوت بجيب شراقنة. والبجيب جاز المحروق، وبس بجو برشوا شرقانية، وبعد الباب ضربوه فتحوه، وديل بضرب جوة، بس بدوه نار، وبجدعوه جوة عربات.
ناس واقفين في صف القطر .. والسلاح، والبضرُب بي حجر.
بس والجنا نازل كمان خلاس، أو ضربوه تحت، خلاس بطلعوا منو الجلابية أو منطلون. طلعوا منه القروش. عندو ساعة في يد. بس بشيلو."
....
وقال عن حرق الدينكا الذين نزلوا من عربات القطار:
"والله شفت درجة ناس والله شايلين قش. في قدامي في ناس تشوهم ثلاثة كلو، بعد ما سلبوهم في الملابس جابوه قش، عديل تشوهم. لمن أنا نزلت زاتو الناس ديل ملمومين زي دا. باقي الناس ما بطلعوا. في واحدين ينزل بعد ما نزل خلاس بطقوه خلاس بنتهي وفي منهم الأيامهم ما تمت …"
...
"العربية بتاعتنا ما مات فيها زول، ما قدر يفتحوه. حرقوه تحت بقش حصل لينا سخانة. بعد داك خرجت مراتب، رقَّدنا عيال. نعال ... ضربوا لحدي ما جوا. الآذان الأول [أرياك بيول مسلم].
عربية الخشب ما طلع زول. 3 عربات حرقوه. واحد خشب. [مسجلة في الشريط الكاسيت رقم 4 أ]".
...
هكذا، استلهمتْ عمليات حرق أجساد الدينكا ثقافة معرفية متكاملة في ذاكرة الرزيقات. لكن تنفيذ تلك عمليات الحرق لم تتطلب إلا التعامل اللحظي مع المشكلات التقنية القائمة أمامها في الحين ذاته. فكان يتم حلها بعمليات التفكير العقلاني المشبوب بالهذيان عن صفاء القبيلة الرزيقية لا يعكر صفوها إلا هذا الطفل الدينكاوي وأمه وأبوه وقد تحصنوا داخل العربات الحديدية، أو هم كانوا في متناول اليد في العربة الخشبية المكشوفة، أو في حوش نقطة شرطة محطة السكة الحديد.
رابعا،
تعبير الرزيقات عن مشاعر الفرح والابتهاج والمتعة في تقتيل المدنيين الدينكا
كان العشرة ألفا من الرزيقات في محطة السكة الحديد يعبرون عن فرحة غامرة اجتاحتهم أثناء تنفيذهم للمذبحة في محطة السكة الحديد. فلقد أتيحت لهم الفرصة كاملة لتنفيذ الحل النهائي لمسألة الدينكا التي ظلت تؤرقهم. في مدينة الضعين بعيدا عن إمكانات المقاومة الموازية والكافية لرد عدوانهم. فالدينكا الفقراء المنزحون في المدينة كانوا في حالة استضعاف أمام "الفرسان" المسلحين بالمدافع الرشاشة مثل الكلاج (الكلاشينكوف) والجيم وهم  فوق ظهور الجياد. وأمام أعضاء الميليشيات الرزيقية الحانقين. كانت المذبحة فرصتهم الانتقامية للتنفيس عن الغم الذي سببته لهم هزيمتهم أمام شباب الدينكا في سفاهة.
جرى التعبير عن مشاعر المتعة في تقتيل الدينكا وحرقهم باستعراض الذكورية الرزيقية أمام رهط المسؤولين القبيليين والحكوميين ورجال الأمن وعساكر الجيش الأربعة المجتمعين تحت النيماية.
كان «فرسان الرزيقات» وأعضاء الميليشيات يقفزون، ويطلقون رصاص بنادقهم في الهواء، ويبشرون فوق رؤوس قياداتهم القبيلية وفوق رؤوس المسؤولين الحكوميين ورجال الأمن والجيش. وهم استعرضوا فحولتهم وشجاعتهم أمام نسائهم المشاركات في العدوان أيضا. فتناغمت مع مشاعر البهجة حكَّامات الرزيقات اللاتي كن يزغردن لفتيان الرزيقات ويغنين أغاني الموت لأطفال الدينكا ونسائهم وبضعة رجال منهم أغلبهم من العجزة كبار السن من بينهم مسلمون، مما يستبين من صور الناجين في معسكر كاس. أما الدينكاوي الرجل الشاب القوي، مصدر الخطر، فقد كان مصيره القتل السريع في جميع الأحوال.
وحتى عساكر بوليس الضعين، وبعضهم كان متواطئا ومتقاعسا عن أداء مهامه، انتقلت إليهم عدوى الفرحة الغامرة بتقتيل الدينكا وحرقهم. قال فرانسيس أتيينق العتالي: "بعد الساعة 12 كل الشرطة مشوا بضحكوا".  
وقال أرياك بيول ما يلي:
"عرب دي واحد ببشر قدام الحكومة. قال خَلِّي لي دينكا ديل. مسؤولين، من جا، مسؤولين ناس على الرضي، ...  العرب بجي يعمروا في السلاح ...  وبس طوالي في واحد قدامهم بضرُب طلقة. قِدام الحكومة. بِبشِّر فيهم. أنا قاعد نراعي.   
المسؤولين كانوا يحنسوا العرب عشان يمشوا. العرب بقول ليهم إنتو أمشوا.
طيب، إنت حكومة واقف، ويجي مسكين ساكت بسلاح فوق، يجي يبشِّر في راسك.
وخلاس، جماعتك ديل بِغنُّوا، وديل بهِزُّوا، وديل بضربوا. إلا عوين بزغرد. الحكامات ديل كلهن جَنْ بس بزغردن."
كان الرزيقات يخلقون خلقا المشاهد التي تبعث البهجة في نفوسهم. قال الشاهد ديو باك ديو ما يلي:
"يعني الناس ديل ماتوا موتة ما بتتفسر زاتو. كتلوهم ... المرة الحامل، ولية واقفة زي دا بشرطوا بطنها حتى تقع هي.  جناها وقع وبعد داك حتى هي تقع بوراهو. مرة ضربوها وقعت حاملة.  بفجغوها هني في قلبها.  الجنا بمرق بخرقها. ويمرقوا لباسها عشان يشوفوا الشنتور بتاعها".
كانت بهجة الرزيقات في ذلك عرس ذبح الدينكا وحرقهم أمرا مفهوما. في أنثروبولوجيا العنف الجماعي ضد المدنيين العزل. وفي علم النفس.
قال لي مانجوك جيينق مانجوك، محرر العبيد، عن واقعة جرت في سياق محادثاته مع صهره عمدة أبو مطارق فضل النبي سالم أبو كلام. قال إن العمدة الرزيقي لا يمكن أن يؤتمن جانبه وإن كان متزوجا من دينكاوية أخت مانجوك ذاته. لأن مانجوك كان شاهد العمدة الرزيقي "بضحك" حين جاءه خبر قتل الرزيقات للدينكا في شمال بحر الغزال.
وقال الشهود على العدوان على المصلين الدينكا في الكنيسة إن شباب الرزيقات كانوا "يضحكون" أثناء هجومهم على المصلين في الكنيسة.
خامسا،
تصفية قيادات الدينكا
تظل ملابسات تصفية قيادات الدينكا في مدينة الضعين غير واضحة إلى هذا اليوم. وتختلف الروايات من قبل الشهود، ومن قبل الذين سمعوا، وأقوال الشرطة المروية. وتشمل هذه القيادات المقتولة على وجه التحديد:
بنجامين كون، رئيس الكنيسة. من قبيلة جور شول.
دينق ألويل، شيخ الدينكا في الربع الرابع
قوم ماليت، شيخ الدينكا في حي آخر.
ونجا من الموت المحقق القيادي الراوية جيمس دينق أشول. كان تم البحث عنه  والسؤال عنه باسمه من قبل ذات ضابط الشرطة علي المنا والعسكري، ليأخذاه مع بنجامين كون وشيخي الدينكا، لكنهما لم يعثرا عليه. فقد كان جيمس دينق أشول، بمحض الصدفة، في مكان آخر، في العربة الخشبية على القضيب الأول التي نجا جميع ركابها من التقتيل.
أرى من مجمل الشهادات ووقائع المذبحة أن الجهات الحكومية وجهات قبيلية متفقة معها، قررت تصفية قيادات الدينكا الذين كانوا شاهدوا المذبحة تدور حتى منتصف النهار وبعد انسحاب المسؤولين الذين كانوا اجتمعوا تحت النيماية. وربما كان ذلك قرارا تم اتخاذه بين أشخاص قياديين، أو كان تم اتخاذه في سياق الاجتماع تحت النيماية. يظل هذا التقدير تحليلا. لكنه تحليل سائغ وهو الأرجح بسبب الوقائع والأسباب التي أوردها فيما يلي:  
قدم أرياك بيول معلومات تشير إلى تحامل أحد ضباط الشرطة، رائد الجوازات، ضد القس بنجامين كون. وقد عبر هذا الضابط ضمنيا عن شكوكه في أن بنجامين كون لم يكن قسيسا فقط، بل كان أيضا من المتمردين أعوان جون قرنق؛ وأنه كان يعقد "اجتماعات" في الكنيسة لدعم جون قرنق.
ثابت أن القس بنجامين كون وقيادات الدينكا كانوا في عربات مختلفة في محطة السكة الحديد مع بقية الدينكا. حتى بعد انتهاء اجتماع المسؤولين تحت النيماية وانصرافهم بعد العاشرة صباحا وقبل منتصف النهار.
بعد انتهاء الاجتماع السري، سري عن الدينكا بينما كان يدور تحت النيماية أمامهم، ولم تكن تمت دعوة قيادات الدينكا لحضوره، وبعد انصراف المسؤولين من المحطة، عاد إلى المحطة الضابط علي المنا وعسكري من الشرطة، في إحدى سيارات اللاندروفر المكشوفة المعروفة عند الشرطة، من الصور الفتوغرافية. في حوالى الساعة 12 ظهرا. كانا يبحثان في العربة التي حدث أن كان فيها فرانسيس أتيينق العتالي، أحد أهم الشهود.
وفق قصة فرانسيس أتيينق، أخذ الضابط علي المنا والشرطي القس بنجامين كون وشيخ الدينكا دينق ألويل معهما من داخل تلك العربة الحديدية رقم 5. وهما كانا سألا عن جيمس دينق أشول المرشد في الكنيسة، الراوية، فلم يجداه. وهما وجدا بعدها الشيخ قوم ماليت في العربة رقم 4. أخذا ثلاثتهم. بنجامين كون وقوم ماليت ودينق ألويل. وأعاداهم الثلاثة مقتولين، بعد ربع ساعة، ورميا بجثثهم أمام العربات. قالا إن العرب كتلوهم. وذهبا.
أولا، هنالك رواية من أرياك بيول قد تبدو مناقضة لهذه القصة. لكنها لا تنقضها. فقد قال أرياك بيول إن آخر مرة شوهد فيها بنجامين كون وشيوخ الدينكا كانت في الصباح مع المدير الإداري ابراهيم الطاهر والضابط علي المنا. مما قد يُفهم منه أنهم قتلوا حين كانوا في عهدة الضابط الإداري وضابط الشرطة في صباح ذلك اليوم. لكن هذا التقدير غير صحيح. فأرياك بيول قد يكون فعلا شاهدهم للمرة الأخيرة في تلك الوضعية في عهدة الضابط الإداري. وذلك كان في بداية اليوم في الصباح حوالي السابعة والنصف صباحا. لكن فرانسيس أتيينق، العتالي، شاهدهم أحياء بعد ذلك حين كان بنجامين كون في ذات العربة الحديدية التي كان فيها فرانسيس أتيينق.
يقول أرياك بيول عن وقائع جرت في اجتماع جرى في يوم الخميس 26/3/1987 حضره أرياك بيول وضم الشرطة وبنجامين كون. فيه عبر أحد ضباط الشرطة عن شكوكه في أفعال الكنيسة وفي أفعال نسبها إلى القس بنجامين كون. ولمح لأسلحة قد تكون مخبأة في الكنيسة:
"على المنا، ورائد الجوازات، سأل بنجامين قال في اجتماع كل يوم الأحد، قال قاعدين تجتمعوا في الكنيسة.
قلنا ليهو والله نحن طبعاً أنا زول مسلم وما حصل لي يوم مشيت الكنيسة. ناس الكنيسة ديل تمشي يوم الأحد ودا فرحتهم بمشي بصلي، مافي غرض.
[بنجامين] قال ديل... ولا كدة. لو تفتش ما بتلقى سلاح ولا أي مسدس. بنجامين قال للرائد الجوازات.
قبل الحوادث اجتمعنا مع الحكومة يوم الخميس 26 شهر تلاتة، قبلها بيومين. رائد الجوازات قال لبنجامين.
نادونا بس من الحلة، جانا عربية بتاع الرائد. عربية نائب المحافظ جانا قال تمشوا. كل المسؤولين تجونا في المكتب. نادى بنجامين، دينق أني، مالتينق قوم، أرياك بيول، دينق لوال، عرديب مدوك. مسؤولين الدينكا في الأحياء المختلفة.
بعد ما مشينا قال يا جماعة غايتو في مشاكل بين الدينكا وعرب في سفاهة. إنتو تنزروا لجماعة بتاعكم دا طبعا بشربوا مريسة وبمشوا بشاكلوا وبسووا ... العرب دي دايرين يتسببوا ليكم في مشاكل. بس هسي أي واحد بعد عشية أو ضهر ما يطلع من بيتو. تقعدوا واحد يحفظ نفسو.
الرائد دا بعدين قال لبنجامين طبعاً عندك اجتماع كل يوم الأحد. بنجامين قال لي ناس دي بجي يصلوا مافي اجتماع بالنسبة للإنتو قاصدين، ما عندنا. دا يوم 26. 27، 28 حصل الحوادث.
وبالذات الصباح [28 مارس] بنجامين قال ليهو سيادتك ونحن خلينا كنيسة فاتح من البارح مفاتيح عندي نمشي نقفلو قال لي اركب. وركبو دينق ديل ركبوهم هم المسؤولين ديل مشى ركب قفل الكنيسة دا بدري الساعة 7:30 وركب معاهو من الربع الأول.
 بعد داك الجماعة ركبونا في القطر وشاكلونا في القطر. الناس ديل ماجوا راجعين زاتو. مشوا مع مسؤول آدم الطاهر (مدير إداري) ومع على المنا في العربية بتاع آدم الطاهر. مع دينق لوال وبنجامين. ومن ودوه تاني ما جوا. مشوا في الربع الأول السكة حديد، مشوا الدونكي الجنوبي، في واحدين.
في المحطة ما شفت بنجامين ولا هو ولا دينق، ضربوهم ولا دقوهم بعكاز مافي زول عارف."
فمن منظور أرياك بيول، لم ير بنجامين كون أو شيوخ الدينكا منذ ذهابهم في سيارة مع المدير الإداري آدم الطاهر والضابط علي المنا في السابعة والنصف صباحا. وهذا صحيح. لكن ليس صحيحا قوله إن "الناس ديل ما جوا راجعين زاتو". والصحيح، وفق رواية فرانسيس أتيينق، العتالي، أن القس بنجامين كون ودينق لوال رجعا إلى محطة السكة الحديد واستقرا في عربتين مختلفتين مع بقية الدينكا. وبعد انفضاض المسؤولين من اجتماعيهم في النيماية. حوالي الساعة 12 ظهرا. حضر الضابط علي المنا ومعه عسكري في سيارة اللاندروفر البيضاء التابعة للشرطة. فأخذا معهما بنجامين كون ودينق ألويل [أو هو دينق لوال] وقوم ماليت. وبعد ربع ساعة أعاداهم الثلاثة جثثا هامدة. أنزل العسكري الجثث الثلاث ورمي بها أمام العربات الحديدية بين بقية الجثث. وهما قالا إن العرب قتلوهم. وانصرفا.
أما جيمس دينق أشول، الراوية، فقد قال إن "بنجامين بعد ما كان في العربية مع المحافظ لم نره". وهذه أيضا رواية صحيحة لا تناقض رواية فرانسيس أتيينق. فجيمس ما كان ممكنا له أن يرى زميله القس بنجامين كون منذ ذلك الصباح مع المحافظ، لأن جيمس كان في عربة أخرى، العربة الخشبية على القضيب الأول.
نعلم أن ضابط الشرطة علي المنا والعسكري حين جاءا ظُهراً إلى العربة الحديدية لاقتياد بنجامين كون كانا أيضا يبحثان عن جيمس دينق أشول ذاته، وهو القس الثاني في الكنيسة. بالرغم من أنه لم يكن من قيادات الدينكا الكبيرة. لكن جيمس دينق أشول كان شخصا متعلما وله القدرة أن يكون له صوت في توصيف ما حدث إن جاء وقت لتحقيق. خاصة وإن جيمس دينق أشول كان هو الذي كان جاء إلى الشرطة ليبلغ عن الاعتداء على المصلين في الكنيسة، وركب مع عساكر الشرطة في سيارتهم للتحقيق في ما حدث في الكنيسة وفي الحي المجاور لها وفي حلة فوق.
فتشير هذه الخيوط المتكثرة بقوة إلى أهمية التحقيق في ظروف وملابسات تصفية القس بنجامين كون وقيادات الدينكا حين كانوا في عهدة ضابط الشرطة على المنا وعسكري شرطة في سيارة حكومية.
قال لنا جيمس دينق أشول بعد شهر واحد من وقوع المذبحة:
"هنالك روايتان. البعض يقول بنجامين قُتل، والبعض يقول إنه [مشى] في السكة على رجله. ذهب القس خاطر جوزيف [من رئاسة الكنيسة في نيالا] للسؤال عن بنجامين بعد أسبوعين من المذبحة. أرسلوا رسالة من نيالا للضعين للاستفسار. قالوا [البوليس] لهم إن بنجامين لم يكن موجودا بين الجثث. ربما في أي مكان الآن.
عندما تم استلام رد البوليس معهم في الضعين، قالوا [؟] إنه قتل وحرق في محطة البوليس [أي في حوش نقطة شرطة محطة السكة حديد، حيث تم قتل وحرق خمسمائة شخصا ويزيد].
كان فرانسيس أتيينق العتالي مع شيخ الحلة في محطة البوليس [في السكة الحديد]. العساكر كتلوهم وودوهم المستشفى وقالوا إنهم ... قال بنجامين إنو سيموت لأجل الصليب.
وهناك رواية تقول إن بنجامين حمل بندقية رشاش وقتل رزيقات".
أرى أن رواية فرانسيس أتيينق هي الأقرب إلى الصحة. لأنها الأكثر تفصيلا والأكثر كمالا، بالرغم من جزئية صغيرة سأعرض لها. لكن أقوال فرانسيس أتيينق لا تناقض الروايات الأخرى، بالضرورة. لأن الآخرين لم يكونوا يعرفون مكان بنجامين كون فيما بعد أن كانوا شاهدوه في الصباح مع الضابط علي المنا والمدير الإداري.
ولا يعتد برواية الشرطة المتواطئة أن بنجامين غير معروف مصيره أو مكانه.
وكذا تبدو الروايات عن أن بنجامين لفظ أنفاسه في المستشفى وهو يقول إنه "يموت لأجل الصليب" من نوع القصص الشعبية المنسوجة سراعا، وهي أتت دون تحديد للتفاصيل الأكثر أهمية. ونعلم أن نساء الرزيقات المتحزمات كن يرابطن أمام المستشفى لمنع أي جريح من تلقي الإسعاف في المستشفى وما كن ليقدمن استثناء لبنجامين ليدخل المستشفى للعلاج وليموت فيها.
أما رواية مقاومة بنجامين حاملا مدفعا رشاشا من داخل نقطة محطة السكة الحديد وإطلاقه النيران على الرزيقات فقد تكون صحيحة لأنها مربوطة بواقعة أن جميع أفراد قبيلة بنجامين كون الأربعين ويزيد في الضعين، وهي قبيلة الجور شول، لقوا حتفهم داخل مكتب نقطة شرطة السكة الحديد. ويبدو واضحا أن بنجامين، إذا كان حقا كان معهم في ذلك المكان، تركهم لاحقا وركب في العربة التي كان فيها فرانسيس أتيينق.
...
وهذا ما قد يفسر الجزئية التالية في أقوال فرانسيس أتيينق، ومهنته عتالي في محطة السكة الحديد لشحن القطارات بالبضائع ولتنزيل البضائع:
"الضابط آدم وقَّف الشحِن بتاع الفول المبشور عشان يركِّبوا فيهو الناس ديل يودوهم نيالا. البوليس قال العرب الزريبة كانت مليانة بهائم. اليوم داك الضباط علي آدم الكبير قالوا الناس يركبوا.
قبل الضرب هم رجعوا. بعد ما مشوا كان في عساكر بس. كنت بعاين من شباك. البضرُب العرب كانوا بنجامين.
الناس الفي أوضة [نقطة] البوليس [في محطة السكة الحديد] لموا فيهو العرب الفي النيمة، رجعوا للناس الكاشفين، ضغطوا على العساكر، وبعدها استمروا مشوا للسجن. القش بجيبوا في البيوت الجنب السكة حديد،
ثم بعدها يمضي فرانسيس أتيينق ليقول:
بنجامين كان في عربية نمرة خمسة. جاء الضابط علي [المنا]. جاء بقدام سأل الجماعة جوا وين بنجامين بتاع الكنيسة؟ سأل في اثنين. زي الساعة 12. قال بنجامين وين؟ وشيخ دينق ألويل؟ قال ليهو وين جيمس؟ قال ما بعرف. ركَّبوا بنجامين ودينق ألويل في الاندروبل. قوم ماليت شيخ الربع الرابع لقوهو في العربية نمرة أربعة. ما كان في زول عنده جبخانة كتير، فقط عكاكيز…
مع الضابط علي الضابط علي جا، العسكري نزلهم. قال للناس العرب كتلوهم.
شفتهم مضروبين. بنجامين مضروب في أذنه، تحت أذنه اليمين. راقد على اليمين، ومفتوحة فتحة كبيرة بهناك خلف. شفت دا الساعة ....
الشيوخ دينق ألويل مضروب تحت الكتف اليمين وفتحة كبيرة في الصدر رصاص. الشيخ قوم ماليت ما متأكد من ضربَتو. جابوهم الضابط علي [المنا] ومعاهو عسكري. الضابط سايق لاندروفر. وراء معاهو العسكري، الضابط زي الساعة اتناشر ساقوهم، الساعة اتناشر وربع جابهم راجعين"
...
فقصة فرانسيس أتيينق هي الأكثر تفصيلا بين جميع الروايات، وأراها هي الصحيحة. وأن بنجامين كان في البداية مع أهله الجور الأربعين ويزيد في مكتب نقطة السكة الحديد، ومنها أطلق الرصاص على المعتدين الرزيقات، ثم ترك ذلك المكتب ليستقر في العربة الحديدية المتوقفة على القضيب الثاني، ومنها تم أخذه وقتله، ومرجح أن الذي قتله هو الضابط علي المنا والعسكري في صحبته. خاصة وأنهما اجتهدا في التغطية على الجريمة بأن أعادا الجثتين إلى محطة السكة الحديد، وكان الصحيح أن بفتحا بلاغا بالحادثة وأن يأخذا الجثتين إلى المشرحة في المستشفى إذا لم يكونا شخصيا متورطين في عملية الاغتيال الشنيعة.
يجب أن نندرج في هذه التفسيرات بسبب أن رئيس الوزراء الصادق المهدي وجه أعضاء حزبه بإسقاط مقترح من النائب البرلماني المعارض من كتلة جبال النوبة بإجراء مجرد التحقيق في المذبحة التي كان معروفا أنه قتل فيها ما لا يقول عن ألف شخصا في يوم واحد، وتبين لاحقا أن العدد يفوق الألفي شخصا.
سادسا،
تواطؤ المسؤولين وتقاعسهم عن حماية الدينكا
كان سلوك المسؤولين من قيادة قبيلة الرزيقات، على الرضي وحماد بشارة، ومن السلطة التنفيذية والأمنية في مدينة الضعين خليطا من مساعي حماية الدينكا والتواطؤ والتراخي لترك المذبحة تدور ليتم التخلص النهائي من الدينكا في المدينة، باستثناء الأطفال المسترقين في البيوت والمختطفين للتو في سياق تنفيذ المذبحة.
كانت واضحة الإجراءات الروتينية لحماية الدينكا الذين هرعوا إلى مركز الشرطة. وكانت الإجراءات لتنقيلهم من مركز الشرطة إلى المدرسة الغربية إلى حلة السكة حديد إلى محطة السكة حديد كلها في اتجاه حماية الدينكا. ذلك كله، كان على مستوى العمل المهني في روتينه. ولكن، ما أن بدأ الرزيقات في تنفيذ فعلي للمذبحة لقتل الدينكا حتى انتقلت العدوى إلى المسؤولين الحكوميين. أو كانت أتيحت الفرصة لهم للتفلت في شكل ممارسات التراخي والتقاعس عن تقديم الحماية.
على مستوى عقلاني آخر، اكتشف المسؤولون أن الأمر تجاوز توقعاتهم ورغباتهم الدفينة في قتل الدينكا. المسؤولون كانوا أيضا من "أعداء جون قرنق". وكانت ذاكرتهم مجرحة كذلك بتحدي الزرقة العبيد لهيمنة أولاد العرب. ومن ثم وجدوا وضعية جديدة في سياق التنفيذ الفعلي أمامهم لمذبحة مريعة ورائعة. فكان لزوم التستر على الجريمة العالمية التي وقعت تحت سمعهم وبصرهم، أمامهم مباشرة.
فيما يلي الأفعال المادية التي اقترفها المسؤولون أو سهلوها وتثبت الممالئة والتواطؤ من جانبهم مع المعتدين الرزيقات الذين قتلوا أكثر من ألف شخصا في مسرح الجريمة رقم 6 (العربات الحديدية والعربة الخشبية) وأكثر من خمسمائة قتيلا في حوش نقطة البوليس في المحطة.
(1)
مغادرة المسؤولين في قيادة الرزيقات وفي قيادة السلطة التنفيذية والأمنية محطة السكة الحديد بينما كانت المذبحة تدور أمامهم. وتركهم ثلاثة ألفا من الدينكا المدنيين أغلبهم من الأطفال والنساء ليلاقي ألفان منهم القتل والحرق على أيدي عشرة ألفا من الرزيقات المعتدين. ونتذكر أن القيادات الرزيقية المحورية اختفت وكانت سافرت من الضعين في ظروف غامضة بينما كانت هزيمة الرزيقات في سفاهة تستدعي وجودهم في الضعين؛
(2)
إقصاء المسؤولين قيادات الدينكا من اجتماعهم تحت النيماية؛
(3)
أخذ الضابط علي المنا وعسكري من الشرطة القس بنجامين كون، أحد أهم قادة الدينكا، وهو من قبيلة الجور شول، في المدينة، وشيخين من شيوخ الدينكا من العربة الحديدية رقم 5 ومن العربة الحديدية رقم 3، والذهاب بهم في سيارة الشرطة إلى خارج محطة السكة الحديد. ثم، بعد ربع ساعة،  إعادة ذات الضابط والعسكري من الشرطة القادة الثلاثة جثثا هامدة ألقيا بها بين الجثث المرصوصة "متل الطوب" أمام العربات الحديدية على القضيب الثاني. للتغطية على ملابسات قتل هؤلاء القادة الثلاثة بينما كانوا في عهدة الشرطة. قصد الضابط والعسكري تثبيت وقائع زائفة أن القادة الثلاثة  قتلوا في فوضى المذبحة. كان الإجراء الروتيني المعروف للضابط والعسكري، كما أسلفت، فتح بلاغ ثم أخذ الجثث الثلاثة إلى مشرحة مستشفى الضعين، إذا كان العرب الرزيقات حقيقة هم الذين قتلوهم، أو إذا كان الضابط والعسكري يؤديان واجبهما المفترض.
(4)
رفض عساكر محددين معروفين بالأسماء وبالسياق تقديم الحماية للدينكا في العربة الخشبية المكشوفة التي نجا جميع ركابها، ونعرف عن اقتراف أحد هؤلاء الشرطة فعلا إجراميا محددا. العسكري علي يوسف الذي ابتز مبالغ مالية من الدينكا في العربة الخشبية لقاء تقديمه الحماية لهم.
...
فيما يلي قليل من الصور المتكثرة التي تبين تواطؤ المسؤولين في وقوع المذبحة واستمرارها لتنتهي بقتل ألف شخصا تقريبا في مسرح الجريمة رقم 6 (العربات الحديدية الثمانية والعربة الخشبية المكشوفة).
"عرب دي واحد ببشر قدام الحكومة. قال خلي لي دينكا ديل. تكتيك فيهم بس. الكتلونا إلا هم المسؤولين. البوليس زاتو لما اجتمعوا، قال أنحن أدونا ماسورة فاضي ما فوقو أي طلقة. لمن ودونا السكة حديد مافي أي عسكري أدوه طلقة. قدام رائد زاتو أتكلم. على كدا نقول ليك كتلانا حكومة ما كتلانا المواطنين. طبعا مافي مواطن مانع في حكومة أصلو. ديل مساكين هاجموا وحرقوه ساكت. دا كلو ...
همن اجتمعوا. في واحد ملازم المطافئ، وفي واحد بقول ليهو آدم سلطان هو صول في السجون. ديل كلو بعد ما اجتمع مع الحكومة المحلية، خلاس أي واحد قام ركب عربيتو وفات.
أنا ما عارف اسمو، اعرف شخصيتو. العرب القطر دا كلو عارف واحد قصير كدي، لابس حجاب بجاي وبجاي. عندو كلاج مطبق بجي بضرب، ويجيب نيران بنزين بدوه كبريت يجدعوه جوة. الناس البنزين يشيلو في القطر، والزيت المحروق بمشي بشيلو.
البوليس قاعد، واقف، واقف في النيماية.
من جو مسؤولين على الرضي وحماد بشارة [من قيادات قبيلة الرزيقات] اجتمعوا بي، بجوا عرب ببشر بسلاحو قدام الحكومة. بس من هناك ركبوا عربيتهم رجعوا. والبوليس كلو فات. خلوا دينكا مع العرب بس. الساعة 9 –10 البوليس مشى. بعد داك ما شفنا زول ولا شفنا كاكي. بس ضرب بس ضرب سلاح جوة لمن نفتح الشباك بسيط نشوف الناس بضرب. ما عارفين لمن نفتح الشباك والباب نفتح. [أرياك بيول]
وعساكر الجيش الأربعة؟
في منهم رقيب أول، وعريف، ووكيل عريف، ديل الشايفنهم وعندهم سلاح جيم أي واحد عندو سلاح. الزول لابس أزرق دا ما عسكري، الهسي بقول لابس حجاب ما عسكري.
كلهم لابسين لبس الجيش الأخدر يكون من السلاح الجوي لابسين كسكتة أزرق... أزرق يكونوا ناس مطار.
أيوة شفتهم مشوا الحلة. لمن جو المسؤولين العرب اجتمعوا بيهم، همن قاعدين وقت داك شوية برفع السلاح.  ... [ضابط الشرطة] علي المنا جي، قال لي يا جماعة ماسك في الطريق عشان يجي بابور يسوق الناس ديل، عرب عارضوا هناك في الطريق. بعدين همن فروا. ... همني فروا ورقدوا انسحب ...
مسؤولين، من جا مسؤولين ناس على الرضي نادوا عساكر دي، الأربعة ديل جي جلسوا كتير خالس واقفين في الشمس. العرب بجي يعمِّروا في السلاح وفي ... وبس طوالي في واحد قدامهم بضرب طلقة قدام الحكومة ببشر فيهم. أنا قاعد نراعي. بس الأربعة ديل قطعوا مشوا الحلة. بسلاحهم. هم أول ناس مشوا خلوا المسؤولين.
وديل كمان ركبوا عرباتهم.
المسؤولين يحنسوا العرب والحكامات يزغردن.
المسؤولين كانوا يحنسوا العرب عشان يمشوا. العرب بقول ليهم انتو امشوا.
طيب أنت حكومة واقف ويجي مسكين ساكت بسلاح فوق يجي يبشر في راسك. وخلاس جماعتك ديل بغنوا وديل بهزوا وديل بضربوا. إلا عوين بزغرد. الحكامات ديل كلهن جن بس بزغردن".
أرياك بيول:
"لمن قفلوهم جوا العربات، دي خلاص الحكومة جوا اجتمعوا وقفلوا الناس ديل جوا. بعد الكبارين اجتمعوا وما في أي عسكري وفي ثلاثة عساكر بتاع الجيش. والعساكر أي واحد درع بندقيتو فات دخل جوا الحلة. وخلوا قطرهم. في أربعة عساكر كان جايين بقطر بعد ما جماعة اجتمعوا بيهم همن قطعوا فاتوا وخلونا للعرب ديل. بعد ما خلونا للعرب ...."

سابعا،
خطف الرزيقات أطفال الدينكا لاسترقاقهم
قالت تيجوك دوت أنيي إن امرأة رزيقية تعرفها، زهرة بت العمدة، خمشت طفلتها الرضيعة من بين يديها، وطعنتها بسكين، وحشرت يدها تحت فستان تيجوك تبحث عن محفظة النقود، ونهبت منها مبلغ ألف جنيها كان كل ما وجدته عند تيجوك. نعلم أن زهرة بت العمدة هربت بالطفلة المخطوفة إلى قرية كِريو. لكن الدينكا، بعد أن تعرفوا على الطفلة، نزعوها من زهرة وأعادوها إلى أمها تيجوك. ذلك كان في سياق بحث الدينكا عن أطفالهم الذين اختطفهم المعتدون أثناء المذبحة.
كذلك نعلم أن أطفال تيجوك الأربعة الآخرين تم اختطافهم من محطة السكة الحديد. وأن ابنها أكون دينق لوال وكان عندئذ في الثامنة من العمر اختطفه من محطة السكة الحديد الرزيقي مهدي جماع من أهالي أبو جابرة واستخدمه ليرعى بالأبقار. وقد تمكنت تيجوك من العثور على ابنها هذا، ومن تحريره من الرق بعد عامين. وهو موجود اليوم في مدينة أويل ويعمل في الحركة الشعبية برتبة نقيب. وقد تحدثت معه على الهاتف وعرفت منه وفاة والدته تيجوك، وبقية تفاصيل قفزه من شباك القطار واختطافه بواسطة الرزيقي مهدي جماع.
أقدم البيانات التالية من قصة تيجوك دوت أنيي في سياقها. منذ حضورها إلى محطة السكة الحديد. ثم الاعتداء عليها من قبل زهرة بت العمدة أمام العربة الحديدية المشتعلة. ومن بعد ضربها بعكاز في رأسها. وحملها إلى المستشفى وعدم قدرتها على الدخول إليه (بسبب نساء الرزيقات المرابطات لمنع الدينكا من تلقي العلاج). ثم سفرها للعلاج خارج الضعين. ومنها إلى نيالا وعودتها إلى الضعين لتواصل البحث عن أطفالها الخمسة المفقودين. كانت تيجوك قالت لي مع سليمان بلدو في العام 1987 "أنا متأكدة عيالي ما مات". وعرفت لاحقا أنها عثرت عليهم وتم لم شملهم معها، باستثناء ابنتها الكبرى التي لم يعثر عليها إلى يومنا هذا.
كانت تيجوك مرتبة الأفكار دائما:
"لما مشيتو نقطة [الشرطة] لقيتو ناس قبالنا لموهم ورقدوهم في مدرسة. صباح. بتّ في الحلة بتَّ في...  مشيت بوليس قريب صباح، قال بليل قال أمشي لِمْ في سكة حديد.
لقيت في حلة سكة حديد بوليس، قال: ياهو [قطار] نَقِل أركبوا في نقِل.
القطرين واحد راسو [بابور واحد للعربات على القضيبين]. رزيقي جا. بوليس جرا. رجع. لما بوليس رجع، شكل. نسوان يولعوا النار. أبو عيالي ضربوا في عربية. مافي راس [بابور القطر]. خير فتحوا الباب. أبو عيالي مات. أخوي ولد أمي مات.
دقاني شايل سلاح خرطوش. زول تاني عربي شايل سلاح يعرفني. موسى بريمة. لما شافني واقعة، ما دقاني. لما وقعت قال يا نانجوك أنت موت؟
طعنوني بسكين في راسي، وفي كلوة. المرة الطعنتني بسكين زهرة بت العمدة. ضربني. مرة جا طعني بسكين. عندي مطبقة فوقو ألف جنيه زهرة دي بت العمدة طلعت فستان وشالت 1000 جنيه. بلَّغْتَ.
جابر راجل زغاوة، قال يا خوانا مرة دا. راجل دا جاب قال أنت ساعة 7 ساعدني على القيام مسكْني. ودَّاني مستشفى. لقيتو عرب كتير. في دينكا. قال ما يمشي مستشفى يمكن يَتِموك [يقتلوك].
تميت يومين في بيتو، بعرفو (لكن ما بعرف أسمو).
عرب كان بكتل ناس لسع. جيش بتاع جنوب جاء [كانت تيجوك تظن أن القوات المسلحة من جنوب السودان، أو جاءت من الجنوب، بسبب المساعدة التي تم تقديمها لها، ولأن الضابط الشمالي كان يتحدث الدينكاوية، فغير واضح تماما لي ما قصدته بـ "جيش بتاع جنوب"].
الزغاوة قال يا جماعة شيلو مرة دي، ودوني محل جيش بتاع طيارة، كان في دينكا تانيين في ظهر مع الحمار [قرية ضهر الحمار؟ أم حملوها على ظهر حمار؟] بنوم.
الجيش دكتور جيش خليت وراي مرة دينكا تانية. 5 يوم أنا قلت ماشة نيالا بفتش عيالي. قائد كبير بتاع مش دينكا لكن برطن رطانة دينكا. وصلنا البوليس عشان يودينا نيالا. لقيت ضابط بوليس جوا قال ودوا النسوان دا. قال بوليس عربية مافي. ركبنا إلى تبون أنا قعدت في تبون.
أبو عيالي مات نزلت مع اثنين في تبون. بوليس أداني ارنيك في مستشفى تبون هني قالوا مافي شكَل. ركبت من تبون لنيالا والضعين.
أنا متأكد عيالي ما مات. الساعة 4[الوقت التي غابت فيه عن الوعي بسبب ضربة في رأسها].
بعد تعالجت مشيت لموسى مادبو نسوانو قال سألت مرة عربي موسى قال أولاد نانجوك موسى بكلم مع عرب اخوانو أولادي خليهم أمشي لموسى أسألوا البت دي مسكوهم عرب اثنين أمشي لموسى يديك اسم زول لما مشيت، قالوا موسى مشى زريبة بالمغرب بعدين نمشي".
قال جيمس أقوير، رئيس لجنة أبناء سلاطين الدينكا، إن الرزيقات اختطفوا أربعة ألف طفلا في سياق مذبحة الضعين. وإذا صح هذا الرقم فلابد أن يشمل أطفالا اضطر أولياء أمورهم إلى تركهم مع الأسر الرزيقية قبل التوجه إلى المحطة، أو عند الهروب من الضعين. خاصة وأن الأسر الرزيقية كانت أصلا تحتفظ بعدد غير معروف لكنه كبير من الأطفال الدينكا رقيقا قبل المذبحة. وقد حدثت نزاعات حول الأطفال بين الآباء العائدين والأسر الرزيقية بعد  فترة من وقوع المذبحة.
بالإضافة إلى أقوال تيجوك في كتاب مذبحة الضعين الرق في السودان عن الأطفال الذين وجدتهم في بيوت الأسر الرزيقية، أثناء بحثها عن أطفالها المفقودين، فحين سألناها، أنا وبلدو، عن الطريقة التي تبحث بها عن أطفالها، بعد المذبحة مباشرة، ردت تيجوك:
في عرب قول يا نانجوك أمشي بيت داك. في جنا دينكا فوقو. مشيتو. ما لقيت جناي. خلاس برجع وبكرة بَلِف ... كل واحد ألقاه [في الطريق] بقول يا خوي عندي عيال راح. [بقول لي] فلان وفلان عندو.  مشيتو. ما لقيتو عيالي. لقيتهم سغار سغار خالس.
آي خلاس بقعد. عيسى محمود بقول يا نانجوك تاني أقعد. كان حكومة تجي تفتش ليكي. خلاس بقعد بفتش جوة الحلة هني."
ذكرت لنا تيجوك (نانجوك) دوت آنيي أن بعض عرب الرزيقات يخفون الآن عدداً غير معروف من الأطفال والفتيات الدينكا. وأن بعض هؤلاء كانوا مملوكين كأرقاء قبل المذبحة. وبعضهم تم اختطافهم أثناء المذبحة. سألنا تيجوك سؤالاً مباشراً: هل هنالك عرب استولوا على أطفال وبنات الدينكا في الضعين؟ فردت: "أولاد دينكا سغير؟ يا سلام يا خي..يا سلام ياخي ..."
وعندما طلبنا منها أن تعطينا أمثلة ووصفاً لهم ولاماكن وجودهم، قالت الآتي:
"لِقيت بنت واحدة في بيت جنب دونكي سكينة ... عمرها سبعة سنة.  ولقيت مرة كبير قالت مسكوها في حرب. أنا سألتو إنت بت وين؟ قال بت كدي. أنا قلت ليهو سلطان بتاعكم اسمو منو؟ قال سلطاننا اسمو  [... ] واحد كبيرة .. قال عندو راجل ..
لمت مشيت لقيت صغير كي ولد في بيت تاني. لمن مشيت لقيت ولد صغير برضو ضربوه هني. قريب في السوق هني. لقيتم ولد واحد كمان أنا عرفت قبيلتو.  قريب معاي. من ناس سلطان أروب. التلاتة دي لقيتم .. ولد الثالث دا القريب معايب سلميني ليهو خلاس سلمتو لأهلو.  أهلو شالوه أهلو في قوز. بعدين لقيت بت كبير رباي.  من بلدنا.  وفي بت تاني جنب دونكي الجنوبي.  مسكهم عرب.  بت قدر دي .. بعدين في بت كبير. هسي في والبت دا أنا سألتو. إنت شالوك من السكة حديد ولا جابوك من وين؟ بت دا قال أنا جابوه من بلد اسمو مريال باي. بلد سلطان رينج. قالت نحن ما مسكوه في سكة حديد".
وسألنا تيجوك: هذه البنت الأخيرة التي أُحضرت من مريال باي، هل أحضروها قسراً (جابوها غصب؟).  فردت مستغربة لسؤالنا:
"هي! ما يا هو بشيلوه. ناس كلو ماشي جنوب ياهو جرينا دا. عشان جنوب خربت. عشان كدا نحن جا هني .... نحن دا طبعا بلدنا زول لقيتو جنوب كعب".
أقرأ من مذكراتي من المقابلة مع تيجوك بيانات لم يتم ذكرها في كتاب مذبحة الضعين أو هي كانت وردت فيه ملخصة. هنا تتحدث تيجوك عن المذبحة وكيف أن العرب قتلوا خمسة أشخاصا في البداية مما جعلها تلوذ بمركز الشرطة مع أطفالها، وتواصل قصة ما حدث على النحو التالي:
" بالليل جاء عربي وكتل خمسة. ماكوت أنغوير، دينق قارام، تييب أليو ... جات بالليل تشوا بيوت. نحن جريتو براي لنقطة. أولادي: ماريا ريك، إيميليو أوكون، ميسيلينا تونغ، أدوانغ، أبوك،  ...لما مشيتو نقطة لقيتو ناس قبالنا لموهم ورقدوهم في مدرسة صباح [المدرسة الغربية]. بتّ في الحلة. بت في ... مشيت بوليس قريب صباح. قال بليل قال أمشي لـِم في سكة حديد. لقيت في حلة سكة حديد بوليس قال: ياهو نَقِل أركبوا في نقِل. القطرين واحد راسو ....
رزيقي جا. بوليس جرا. رجع. لما بوليس رجع. شكل. نسوان. يولعوا  النار. أبو عيالي ضربوا في عربية. مافي راس [بابور للقطار]. خير فتحوا الباب. أبو عيالي مات. أخوي ولد أمي مات".
...
فيتركنا مسرح الجريمة رقم 6 مع عدد مقدر من الأسئلة يمكن استقراؤها من كل واحد من مكوناته المتعددة. بعضها شكلي لكنه مهم، وبعضها موضوعي بصفة عميقة. وأرى ضرورة العثور على أشخاص من الناجين الذين كانوا في عربات القطار المختلفة، بما في ذلك من الذين كانوا في العربة الخشبية التي تشير جميع الروايات إلى أن لا أحد نجا منها. فالذي أراه، ربما في الخيال المركوز في التجارب وفي الحكمة، أن شخصا واحدا على الأقل يعيش دائما ليخبرنا عن حقيقة ذلك الذي حدث في مسرح جريمة القتل الجماعي.
...
تمكنت في شهر نوفمبر 2014 من إجراء مكالمات هاتفية مع أكون دينق لوال الذي يسكن في أويل بجمهورية جنوب السودان. وهو ابن الراحلة تيجوك دوت أنيي التي كنت أبحث عنها. وكانت وردت قصتها في كتاب مذبحة الضعين الرق في السودان. وهي كانت قالت لنا في الضعين في العام 1987 عن أطفالها الأربعة الذين تم أخذهم بعد أن أغمي عليها ووجدناها في الضعين تبحث عنهم. كان ابنها المفقود أكون حينئذ في الثامنة. وقد قال لي في العام 2014 عن قصة اختطافه من محطة السكة الحديد بواسطة الرزيقي مهدي جماع من أبو جابرة الذي أجبره على الرعي بالأبقار. وشرح لي ملابسات خروجه من العربة المحترقة في محطة السكة الحديد. وكيف أنه كان وقع على الأرض بعد قفزه من شباك العربة الحديديةـ "دَرْوشْتَ وما قادر بفهم". وما أن عاد إلى وعيه، وجد نفسه رقيقا مملوكا يرعى الأبقار.
....
ألفان من الأطفال والنساء وبعض الرجال من المدنيين الدينكا المنزَّحين، تم قتلهم داخل مدينة الضعين. وفيها قاض، ود المبارك المعروف، كذلك تعمد الغياب خارج المدينة مع القيادات الرزيقية الأساسية. وفيها شرطة ونيابة وإدارة حكومية متكاملة، ومحامون وأطباء. لكن لم يتم تقديم أحد للمحاكمة أو المساءلة. في عهد الصادق المهدي، أكرر، الذي أمر أعضاء حزبه في البرلمان بإسقاط المقترح للتحقيق في المذبحة. مجرد التحقيق. فالأمر متعلق بالعبيد قتلهم أسيادهم أولاد العرب المسلمين. وهو التفسير الوحيد لا يوجد غيره.
وهكذا، يثير ما أوردته أعلاه بشأن مسرح الجريمة رقم 6، وبشأن كل واحد من مسارح الجريمة العشرين في مدينة الضعين، أسئلة يمكن للباحثين السعي لإيجاد أجوبة عنها.
 
....
خاتمة
هذه هي نوعية الكتابة التفصيلية التي نريدها من المثقفين الجنوبيين عن المذابح التي اقترفتها قبيلتا الدينكا والنوير، القيادات المعروفة بالأسماء. والتفاصيل المشدودة إلى إطار مفاهيمي هي المقصودة.
وكذا الكتابة التفصيلية الدقيقة مطلوبة من المثقفين المعاليا والرزيقات عن المذابح الأخيرة والتي سبقتها. ونريد التفاصيل الدقيقة عن مذبحة الحكومة الإسلامية الإجرامية الفاسدة وقتلها للشباب في سبتمبر 2013. ومذبحة قطار بابنوسة، في حضور ناظر المسيرية.
ويجب أن لا ننس مذابح القوات المسلحة السودانية مليشيا الإسلاميين، مذابحها في جنوب السودان، وفي دارفور، والنيل الأزرق، وجنوب كردفان.
لا يمكن أن نكسر هذه الحلقة الشريرة من الجرائم ضد الإنسانية وجريمة الإبادة الجماعية ومن جرائم الحرب إلا بناء على فهم متكامل للوقائع ذات العلاقة. فتوفير هذا الفهم من التزامات المثقفين الذين تخضع كتابتهم للانتقاد.
على أساس مثل هذه الكتابة، وتطويرها في خطاب قانوني سياسي اجتماعي، يمكن أن نسعى إلى ضمان إخضاع الجناة في السودان وفي جمهورية جنوب السودان إلى المحاسبة. في يوم سيأتي. ومن ثم، يفتح الشباب السودانيون في شمال الوطن وفي جنوبه صفحة جديدة فيها كسر الخوف من هؤلاء الطغاة رؤساء العصابات الإجرامية، وفيها الأمل في القدرة على تركيب حياة خالية من العنف الجماعي الذي يٌعرِّف الدولتين الإجراميتين.
 
....
عشاري أحمد محمود خليل
ushari@outlook.com
أرجو من أي قارئ أن يرسل لي بالبريد الالكتروني صورة مصورة من النص الكامل لكتاب قبيلة الرزيقات بعنوان "الضعين أحداث وحقائق" الذي صدر ردا على كتاب "مذبحة الضعين –الرق في السودان".

 

آراء