جحيم سجن ومعتقل سوبا 

 


 

 

     يحاول النظام السوداني الإنقلابي المعروف بإنقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر 2021م، بقيادة الفريق "البرهان" وشركائه "حميدتي" و " كباشي" وغيرهم إلى عمل إختراق في الساحة السياسية بشكل براغماتي إنتهازي مرتكزاً على تبريرية الشرعية التشاركية الزائفة لخلق منطق ديمقراطي في محاولة لإقناع الشعب السوداني بأحقية الإجراءات الإنقلابية التي قام بها المجلس العسكري تجاه عرقلة طريق السلطة المدنية الكاملة، وذلك من خلال الإستماتة في محاولات الإقناع، والتي لم تفلح مما جعله يستعيض عن ذلك بالإجراءات الأمنية الشرسة بإعادته لصلاحية جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وهي حالة يتم توصيفها بمفهوم (الأمنوقراطية)، ويمكن فهمها من خلال الإستلاف والدمج من كلمتي (أمن) + (ديمقراطية)؛ وهي سمة تلجأ إليها الأنظمة الشمولية في محاولتها لتغليف سلوكها الوحشي، تجاه الحريات والأفراد من أجل تمديد تسلطها وبطشها بعدد من المبررات كالشوفينية والتجريم وعدم الإعتبار لرأي الآخرين وإنها الصحيح المطلق والعالمة بمصالح الشعوب والتقرير نيابةً عنهم.

 أمنوقراطية نظام "البرهان"، شرعنتها فكرة شراكته المنتهية مع المكون المدني، فخلق منها مسوغات وهمية للإنقلاب، بهدف حماية البلد من الإنهيار و وقف عبث الطبقة السياسية على حد قوله!، مما جعله يلجأ للتدابير الأمنية الوحشية. فمنذ إنقلاب 25 أكتوبر، دخل السودان مرحلة جديدة من القتل الممنهج للثوار في المواكب، أستخدمت فيه سلطة "البرهان" ونظامه المكون كل الأسحلة المشروعة والغير مشروعة والمحرمة في محاولة يائسة منها لوقف مد الشارع تجاه رفضه للإجراءات الإنقلابية التي قام بها الجيش وبعض الحركات المسلحة وبعض المدنيين، ولكن بسالة الشارع بثواره من كنداكات وشفاته، كانت متاريس عصية على تمرير مخطط الإنقلاب، مما جعل ذات السلطة الإنقلابية تلجأ لإعادة صلاحيات جهاز الأمن الذي أوقف نشاطه بعد ثورة ديسمبر 2018م، كقشة إنقاذ للسلطة الإنقلابية بجل مكوناتها، فعملت على القيام بحملات شرسة ومتسارعة تجاه الشعب  كله وبشكل هستيري يوضح رعب السلطة مما يحدث من مقاومة، ويظهر هذا الرعب الهستيري من خلال أصناف المعتقلين في السجون التي تحولت إلى معتقلات (سجن سوبا نموذجاً)، والذي أصبح مكاناً مفضل لجهاز الأمن بالتواطؤ مع وزارة الداخلية، إذ أستقبل هذا السجن كل الشعب السوداني من خلال الفئات التي شرفته أطفال قُصر، غير سودانيين، ناشطين سياسين، مواطنين ليس لديهم أي إهتمامات سياسية ... الخ من التصنيفات، أي أن الإعتقالات كانت تظهر فيها عدم المؤسسية الواضحة والإرتباك. هذا بخلاف خطة جهاز الأمن الجديدة في عمل شراكة بأسم اللجنة الأمنية المشتركة، وتضم الجيش والدعم السريع والشرطة والمخابرات العامة، بالإضافة إلى ممثل النائب العام وممثلين لأطراف العملية السلمية الموقعة على إتفاق سلام جوبا، وذلك للإلتفاف حول تحمل المسؤولية كاملة بتوريط هذه الأجهزة، والتي إنساقت لمخطط جهاز الأمن وأصبحت بالفعل مشاركة لجرائمه ومتواطئة وفي مصاف المسؤولية مثلها مثل جهاز الأمن، وتظهر هذه الشراكة الهشة من داخل (سجن ومعتقل سوبا)، حيث تمّ إفقاد الشرطة من مهنيتها وإفراغها من مهامها الأساسية في توطين العدالة والحقوق.

سجن سوبا أصبح من خلال موجة المعتقلين الذين زُج بهم، مركزاً بديلاً لمعتقل موقف شندي (التلاجات)، بتحويله من سجن إلى قبو وجحيم في حق المخطوفيين. هذا يُلقى بظلاله على وزارة الداخلية وإدارة السجن بشكل مباشر، بتضمينهما من الشركاء الأساسيين في الإنتهاكات التي تحدث، رغم محاولة تنصلهما؛ إذ أن سيطرة جهاز الأمن وخنوع إدارة السجن لا يدفع عنها المسؤولية، لأن الشكل القانوني لكل الخطوات بخصوص حق المعتقلين تكاد تكون معدومة بداية من إعلام أسرة المعتقل كحق أصيل، تتحدث عنه إدارة السجن بكل إستحياء عن عدم مقدرتها في غتاحة الفرصة للمعتقل بإخطار ذويه، هذا بالإضافة للقصور الواضح في تطيب وتداوى المعتقلين المرضى أو المصابين، بخلو عيادة السجن من (أ،ب ...) صيدلية. مبررات مخجلة في عدم توفر الأدوية بأي زريعة من ضعف في الميزانية او خلافه، للدرجة التي يسقط فيها بعض المعتقلين إنهاكاً من المرض ما بين الموت والحياة، بالرغم من رفع البلاغات بأحوال المرضى في المعتقلى لكن لا حياة لمن تنادي من إدارة السجن، التي تتذرع بضرورة السماح من جهاز الأمن لهم بنقل المرضى الذين وصلوا لحالات حرجة للمستشفيات المتخصصة، لدرجةان إحضار الأدوية كان يقع على عاتق أهل المعتقل المريض بعد أن يصل إلى مسامعهم خبر إعياء أبنهم، أي بمعنى أذا لم يتنثى لأهل المعتقل سماع أحواله يمكن أن يموت نتيجة الإهمال والتجاهل واللامبالاة من إدارة السجن أولاً بقبولها بهذه الوضعية التي عملت على الإنتقاص من دورها ومهنيتها؛ لهذا فإن إدارة السجن مُسؤولة ومحاسبة بشكل مباشر يضعها في جانب واحد مع هذا الجهاز الباطش.

كما الملاحظ بأن جهاز الأمن ودوره السئ في إنتهاك الحقوق، ولكنه قد ياخذ درجة تميزه عن الشرطة في الحِفاظ على ممتلكات المعقتلين نوعاً ما، خلاف الشرطة التي أصبح كوادرها يسترزق من مقتنيات المعتقلين والثوار بشكل سخيف (نقود – هواتف – ممتلكات أخرى)، لذا فأن الشرطة حقيقة تحتاج لعملية هيكلة وأسس جديدة بعد أن فقدت ثقة المواطنيين بتحولت من حامي لي حرامي.

معتقل سجن سوبا يعمل على إبتزاز المعتقلين من خلال توفير الحاجيات الغذائية بسعر مضاعف، في شكل واضح لعملية الإستثمار من إدارة السجن في المعتقلين وبقية المساجين الاخرين؛ ويلجأ المعتقلين وغيرهم إلى الإقبال على شراء نسبة لطبيعة لردءة الأكل وهو عبارة عن وجبتين خلال فترة الظهر والأخرى في المساء، لذا يعتمد المعتقلين على الغذاء خلال هذه الفترة بالشراء من الدكان (الإستثماري) الداخلي بالسجن.

تؤاطو الشرطة يظهر في تسلميها للمعتقلين المتهمين في قضايا أخرى لجهاز الأمن، بأهداف بلاغات كيدية توضح وعدم مهنتيها‘ وعدم مقدرتها على فصل الذاتي من الموضوعي كمؤسسة دولة للجميع دون أي إمتيازات او إنتماءات ضيقة؛ هذا بالأضافة لإيداع المعقتلين بعد الإفراج عنهم في حراستها بالأقسام، مع مطالبة للضمانات وإرغام وإلزام المعتقلين المطلق سراحهم على كتابة تعهدات!.

ان تجربة نضال الشعب السوداني، تجاه الديكتاتوريين، يبدو إنها لم تلهم النظام الإنقلابي ""للبرهان" في قراءة التاريخ السياسي والنضالي لجماهير شعبنا، وما بحكم سلفه الديكتاتوري "البشير" ببعيد، ولكنه كما قيل أن الأنظمة الشمولية تقرأ من نفس الكتاب دون أن تتعلم؛ لذا وعليه يجب الرفع من التوعية والمقاومة والفضح للجهاز المنشئ الجديد القديم، من خلال تعرية كوادره ومحاربتهم إجتماعياً ورصد إنتهاكاتهم، وتفعيل التوعية بما يستجد من أساليب وطرق لهذا الجهاز، وقطع الطريق على إستقراره، كمعول أخير يعتمد عليه نظام "البرهان" وزمرته من الإنقلابيين، لذا وفي ظل حالة الهياج التي تعتري النظام الإنقلابي، وإلتزاماً للمناهضين بقيم الثورة (حرية سلام عدالة) والتحول الديمقراطي، عليه العمل في حالة إستعداد لإي إحتمالات من هذا النظام متمثلة، يستمد فيها الشعب السوداني قوته من نضالاته وبسالة بناته وأبناءه.

_____________

حرية *** سلام ***  عدالة

مؤشر ضمير لحقوق الإنسان لرصد وتوثيق الإنتهاكات وتسجيل حالة مقاومة


freedom860@hotmail.com

 

آراء