حاجة تكسف
6 May, 2009
أقاصي الدنيا
محمد محمد خير
لا أظن أنني بحاجة لاجترار العبارات الكلاسيكية التي تؤكد أن الأدب مرآة الأمة وأن حضارة الشعوب تعكسها آدابها فأنا لا أستطيب المباشرة ولا التراكيب الجاهزة على نحو (أدلى بدلوه ـ ولا نامت أعين الجبناء) وكل العبارات التي تجري حذرياً على نسق العادة.
الأسبوع الماضي كان في ضيافتنا الشاعر المحوري الأستاذ عالم عباس اذي شهدت أمواج الخليج على اندفاعاته الشعرية التي خاطبت اللؤلؤ والمحار والصدى فكان محل غبطة السودانيين ومكان دهشة العرب وقد قصدت بهذه الخطوة المتعارضة جذرياً مع السائد الدبلوماسي إدارة حملة إعلامية للأدب السوداني مثلما نفعل للترويج للاستثمار في السودان حتى بلغت الحملة منذ وقت طويل سقفها الأعلى ببلوغها (السودان سلة غذاء العالم). الحملة الإعلامية للأدب تفرضها ضرورة ملحة أهمها حالة العزلة الكاملة التي يعيشها الأدب السوداني وحالة محليته الكبرى الأشبه بـ"نشرة الساعة الثامنة" ذات أخبار الوفيات وأحمد شرفي ويقام المأتم بمنزل الأسرة.
الفرق بين الأدب السوداني ونشرة الثامنة أنه قابل للخروج من ربقة المحلية إلى قضاء أوسع فيما تظل نشرة الثامنة بحكم طبيعتها محلية وغير قابلة لنقل أخبار وفيات نيوزلندا أو كوالا لامبور غير أن الأدب السوداني لم ينتقل لهذا الفضاء برغم تأهله لذلك ّقبل نحو أسبوعين كنت أطالع سلسلة الروايات التي تم ترشيحها من قبل عدة دور نشر عربية لجائزة الرواية العربية العالمية المتواءمة مع جائزة البوكر البريطانية وكان عدد الروايات نحو مئتي رواية غير أنها جميعاً كانت من مصر والأردن ولبنان وفلسطين والعراق وسوريا وكانت الترشيحات خالية تماماً من السودان فماذا يعني هذا ؟
وفي نفس اليوم كنت أطالع صحيفة (أخبارالأدب) ولفت نظري مستطيل طويل عليه أسعار الصحيفة في كل البلدان .. تخيلوا أن لها أسعاراً استرالية وأمريكية وآسيوية ولها سعر في كل البلدان العربية إلا السودان !!
شبت (حريقة) في قلبي وأنا أطالع الأسعار تذكرت يوم كنا صفوفاً لاغتناء مجلة الأدب ويوم كان محمد إبراهيم الشوش رئيساً لتحرير مجلة الدوحة أحد أهم مصادر المعرفة والتنوير في القرن العشرين وكان النور عثمان مترجمها الرصين الأوحد في ملف يمتد لأكثر من عشرين صفحة وتذكرت (اليوم السابع) ومقالات صلاح أحمد إبراهيم التي تغلف بها المجلة غلافها الأمامي وتذكرت أيام المربّد وصولات محي الدين فارس واجتراحات سامي سالم النقدية.
وازدادت (الحريقة) لهباً حين عدت للوراء لمجلة الفجر وحقبة الأربعينات وسابقاتها التي شهدت عبقرية العقاد الذي جاء من مصر ليدفن معاوية محمد نور وتوالت الحقب عبد الله عشري الصديق ومدرسة الهاشماب ومحمد محمد علي وشيخ المجذوب وتوفيق صالح جبريل حتى بتن قواريري في إطراق.
جلسنا أنا وعالم في حضرة الأستاذ عبد الإله عبد القادر المدير التنفيذي لجائزة العويس الثقافية الذي كان يحدثنا بوجع عن غياب السودان الكامل عن هذه الجائزة منذ عشرين عاماً. فاز بها أكثر من 40 أديباً ليس من بينهم سوداني ولها أكثر من مئة محكّم وليس بينهم أي سوداني بالطبع (إيش لون ما عطو أساتذة؟) هكذا كان يسأل وعلى رزم لسعة التساؤل كنا نطاطئ رأسينا !!
قوبل عالم بحفاوة زادت قليلاً عن المعدل المطلوب وفرح بذلك كثيراً لكنه قال لي أنه لم يشعر يوماً بالأسى بمثلما شعر بذلك في مؤسسة العويس.
أيها الجماليون مطلوب حملة للتعريف بالأدب السوداني.
نشرت بصحيفة (الأحداث).