حرق المصحف الشريف .. مظهر من مظاهر الاسلاموفوبيا
رئيس التحرير: طارق الجزولي
25 August, 2023
25 August, 2023
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة: شهد بداية القرن الحادي والعشرين حملة ممنهجة على مقدسات الدين الإسلامي في الدول الاوروبية، تمثلت في الرسوم المسيئة للنبي ﷺ، ومرورًا بالحملة الشرسة على النقاب في أوروبا، وتصاعد المد اليميني المعادي للمهاجرين، واخيرا حوادث حرق المصحف الشريف ، في السويد، والدنمارك وغيرها من الدول الاوربية وامريكا.وقد تكررت حوداث حرق المصحف خلال هذا القرن ،والتي بدات بحرق المصحف أمام السفارة التركية، والتي ارتكبها اليميني المتطرّف الدنماركي راسموس بالودان، للتنديد،كما يقول: بالمفاوضات التي تجريها ستوكهولم مع أنقرة حولالانضمام لحلف شمال الأطلسي.
.ولم تكن واقعة حرق نسخة من القرآن مؤخرا هي الأولى في هذا القرن ولم تكن السويد البلد الأول الذي يقع فيه هذا العمل الأرعن.
وقد رصدت وكالة الأناضول. أبرز حوادث تدنيس القرآن،خلال هذا القرن، ـوالتي يتبين من خلالها أن جلًّ تلك الحوادث تصدرها زعيم حزب "الخط المتشدد" الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان أو أنصاره.اذ قام بما اشرنا اليه اعلاه من حرق القرآن في 21 يناير 2023: ، وسط حماية من الشرطة أثناء ارتكابه الجريمة.وقد اوردت الوكالة سلسلة من احداث حرق القرآن قبل حادثة الحرق التي قام بها راسموس بالودان،والتي جرت وفقا للتواريخ التالية:
• 3 يوليو2022 ، أحرق لارس ثورن -زعيم حركة "أوقفوا أسلمة النرويج"- نسخة من المصحف الشريف، بضواحي العاصمة أوسلو.
• 1مايو 2022: أقدم راسموس بالودان على إحراق المصحف الشريف أمام أحد المساجد بالسويد، رغم رفض الشرطة منحه الترخيص لفعل ذلك.
• 14/ ابريل 2022 ، قام راسموس بالودان نفسه، بإحراق نسخة من القرآن الكريم في مدينة لينشوبينغ جنوبي السويد تحت حماية الشرطة.
• 30 /أغسطس 2020 ،أقدمت مجموعة نرويجية متطرفة معادية للإسلام تنتمي لحركة "أوقفوا أسلمة النرويج" (SIAN)على تمزيق صفحات من القرآن الكريم، والبصق عليها خلال مظاهرة مناهضة للإسلام في العاصمة أوسلو.
• 28 /أغسطس 2020، قام 3 ناشطين في حزب بالودان "الخط المتشدد" الدنماركي، بإحراق نسخة من القرآن في مدينة “مالمو” السويدية، اندلعت على إثرها مواجهات عنيفة بين الشرطة السويدية ومتظاهرين. كما حظرت السلطات السويدية دخول زعيم الحزب راسموس بالودان، إلى أراضيها لمدة عامين.
• 17-نوفمبر/،2019 ، نظمت حركة "أوقفوا أسلمة النرويج" (SIAN)، مظاهرة وقامت خلالها برمي نسختين من القرآن في سلة قمامة، ثم أحرق لارس تورسن زعيم المنظمة نسخة أخرى، ما دفع عديد من المحتجين الحاضرين حينها في الساحة إلى مهاجمته.
• 8 /يونيو/ 2019، عثرت السلطات الألمانية على حوالي 50 مصحفا ممزقا داخل مسجد "الرحمة" في وسط مدينة بريمن، أدان على إثرها المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا الواقعة بشدة وقال: إن الفعلة تهدف إلى إحداث "دوامة من الكراهية والعنف ضد المسلمين ومساجدهم".
• 22/ مارس/ 2019 ،أقدم بالودان على حرق نسخ من القرآن الكريم، بذريعة الاحتجاج على أداء صلاة الجمعة، أمام مبنى البرلمان الدنماركي.وقد أدى مسلمون في الدانمارك، صلاة الجمعة تلك،أمام مبنى البرلمان، للتعبير عن تنديدهم بمجزرة المسجدين في نيوزيلندا.
• 25/ ديسمبر/ 2015، هاجمت مجموعة من المتظاهرين قاعة صلاة للمسلمين في حي شعبي بأجاكسيو في جزيرة كورسيكا جنوب فرنسا، وخربوها وأحرقوا مصاحف وكتبوا عبارات معادية للعرب، وذلك غداة إصابة عمال إطفاء وشرطي بجروح بهجوم ملثمين في المدينة.
• ديسمبر/ 2015 ، أحرق رجل دنماركي يبلغ من العمر 42 عاما نسخة من المصحف الشريف في فناء منزله الخلفي ونشر مقطعا مصورا ينقل فعلته.
• 27-ديسمبر/ 2014 ، اعتقلت الشرطة البريطانية شابا قام بتمزيق نسخة مترجمة للإنجليزية من القرآن الكريم ووضعها في التواليت، ومن ثم حرقها، قبل أن تفرج السلطات عنه بكفالة، بحسب موقع "بيزنس إنسايدر"..
• 28/ابريل/ 2012، قام القس الأمريكي تيري جونز بحرق نسخة من المصحف وبث المشهد عبر الأنترنت احتجاجا على اعتقال رجل الدين المسيحي يوسف نادرخاني في إيران.
• .22 /مارس/ 2011، أشرف القس الأمريكي تيري جونز على حرق نسخة من المصحف في كنيسة صغيرة في فلوريدا، بعد تحميل المصحف الكريم مسؤولية وقوع عدد كبير من الجرائم. وقد أدان الرئيس الأمريكي العمل الذي أثار ردود فعل عنيفة في حينه، منها هجوم على مقر للأمم المتحدة في أفغانستان خلف عددا من القتلى.
• 18 /ابريل/ 2011، قضت محكمة بريطانية بسجن جندي سابق لمدة 70 يوماً بسبب إضرامه النار في المصحف الشريف في مركز مدينة كارلايل بإنجلترا.واعترف الجندي الذي يدعى أندرو رايان بارتكابه مضايقات ذات دوافع دينية وسرقة مصحف من إحدى المكتبات.
• 10 /ابريل/ 2011 ، إعتقلت الشرطة، ساين اوينز، المرشح عن الحزب اليميني المتطرف "البريطاني الوطني"، بعدما أحرق نسخة من المصحف في حديقة منزله.
• 2005/ شهدت عدة دول إسلامية وبريطانيا والهند مظاهرات كبيرة واحتجاجات على تقارير تفيد أن المصحف الشريف تعرض للتدنيس على أيدي محققين أميركيين في معتقل غوانتانامو في كوبا.
,وهذه الاحداث المتعددة التي جرت في اوقات مختلفة وفي اماكن مختلفة ولاسباب متباينة تهدف جميعها الى اهانة المسلمين بالتعدي على مقدساتهم.مما يستدعي الى الاذهان ظاهرة الاسلاموفوبيا ، التي تتمدد في اوساط عديدة في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية.( السويد ليست الأولى... وقائع حرق القرآن الكريم في القرن 21 (aa.com.tr))
ورغم المواقف العديدة التي أبدت من خلالها الدول الإسلامية استنكارها هذه الأفعال ورفضها لها والدعوة إلى عدم تكرارها. ووصل الأمر إلى استدعاء سفراء السويد والدنمارك من قبل العديد من الدول الإسلامية، فضلاً عن قيام متظاهرين عراقيين باقتحام السفارة السويدية ببغداد وحرق الأعلام السويدية.فإن ذلك لم يقف حائلاً دون تواصل حرق المصحف الشريف، ومنها ما حدث في يوم الثلاثاء 8 أغسطس الجاري في مدن عدة بالدنمارك، وعلى رأسها العاصمة كوبنهاغن، أمام سفارات كلّ من تركيا، وباكستان، والجزائر، وإندونيسيا، وإيران. وقد كان اخر هذه الاحداث ما وثقته وكالة فرانس برس ،حيث قام إدوين فاغنسفيلد، الذي يقود الفرع الهولندي لحركة “بيغيدا” اليمينية المتطرفة بتمزيق نسخة من القرآن برفقة شخصين آخرين.في لاهاي الجمعة 11/اغسطس. و”بيغيدا” أو “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب”، هي حركة عنصرية انطلقت من مدينة دريسدن الألمانية عام 2014 م، ضد تدفق المهاجرين، وهي تحذّر من “أسلمة الغرب” وتدعو لطرد المسلمين من أوروبا.
ولم تكن هذه الافعال أحداثاً عابرة أو حالات استثنائية في تاريخ أوروبا والغرب بشكل عام، وليست هذه اول مرة يتعرض فيها القرآن الكريم للحرق وسوء المعاملة ،فقد تعرض القرآن للحرق والاهانة عدة مرات خلال التاريخ . فقد حدث أول حرق للقرأن الكريم عام 1530م، حينما ظهرت في البندقية أول ترجمة لاتينية له. وفي نفس العام أصدر البابا كليمنت السابع ( 1478 -, 1534م.) ا مرسوما بإحراق هذه الطبعة. ثم تلى ذلك مباشرة من محاكم التفتيش الإسبانية مراسيم، تحظر إصدار أى ترجمات لاتينية للقرآن. وبقيت هذه القرارات نافذة المفعول حتى عام 1790. لكن في عام 1541م بدأ طابع يدعى يوهانز اوبورينوس، طباعة ترجمة لاتينية للقرآن في مدينة بال بسويسرا ، كان قد انجزها روبرت كيتون في القرن الثانى عشر، ولكن سلطات المدينة صادرت هذه الطبعة بأكملها..
ولكن مارتن لوثر (1483 – 1546م) ،زعيم الحركة الإصلاحية للكنيسة الكاثوليكية، قد عارض منع صدور هذه الترجمة ،بل دعا الى نشرها ومعرفة محتواها ، لما فيها من فائدة للمسيحية من حيث انها تمجد المسيح وتلحق الضرر بالمسلمين !!!، وهكذا صدرت هذه الطبعة في عام 1542م، وبها مقدمة كتبها مارتن لوثر نفسه. ولكن هذا المنع وحرق القرآن الكريم لم يتوقف، بل مورست هذه الجريمة مرات عديدة من قبل بعض المسيحيين أثناء الحرب الصليبية.
ومن تتبع تاريخ حالات حرق نسخ من القرآن الكريم في أوروبا لا نجد ما يدل على أي استنكار لجريمة حرق المصحف في عام 1530م، أوما تلاها من ممارسات مماثلة إبان الحروب الصليبية، بل سعت الكنيسة الى تحقيق اهدافها من تلك الحروب من تدمير للعالم الإسلامي والسيطرة عليه، اضافة الى قتل المسلمين والتمثيل بهم ، وهدم للمساجد وحرق نسخ من القرآن. وغير ذلك من الحوادث الكثيرة التي سجلتها كتب التاريخ.
وبعد سقوط الأندلس وسيطرة المسيحيين على كامل شبه الجزيرة الايبرية عام 1491م، ،قامت حملات مكثفة باسم المسيحية ،لانهاء الوجود الإسلامي في أسبانيا، تمثلت فيما يعرف :بمحاكم التفتيش.وقد جاء في نص قرار الملكة إيزابيلا ،والملك فرديناند،الذي صدر عام 1501م (إنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة،فإنه يحظر وجود المسلمين فيها،فإن كان بعضهم فيها، فإنه يحظر عليهم الاتصال بغيرهم،خوفاً من أن يتأخر تنصيرهم،أو بأولئك الذين نصروا ،لئلا يفسد إيمانهم،ويعاقب المخالفون بالموت ،أو بمصادرة الأموال). وفي سنة 1524م أصدر البابا مرسوماً يحث قضاة الديوان على تنصير المسلمين، وان يخرجوا من يأبى النصرانية منهم من أسبانيا،وأن تكون عقوبة المخالفين الرق مدى الحياة،ثم أتبعه بمرسوم آخر جاء فيه الأمر بتحويل كل المساجد الى كنائس. وفي سنة 1525م صدر أمر ملكي في أسبانيا يأمر المسلمين بوضع شارة زرقاء على قبعاتهم ،وأن يسلموا أسلحتهم،ومن خالف عوقب بالجلد ،وأن يسجدوا اذا مر كبير الأحبار في الطريق،وألا يقيموا شعائرهم،وأن يغلقوا مساجدهم.
وانشيء ما عرف تاريخياً بمحاكم التفتيش، التي اقترفت فيها كثير من الفظائع والمجازر بغية إجبار المسلمين على ترك دينهم واعتناق الديانة المسيحية. وكان أول ما قامت به تلك المحاكم هو جمع كل المصاحف والكتب العلمية والدينية وإحراقها على الملأ في ساحة عامة، كخطوة أولى لتنصير المسلمين،وذلك بقطع صلتهم مع تراثهم الديني والعلمي.
وترتب على تلك الإجراءات أن أجبر المسلمون على ترك دينهم، وحُرًم عليهم استخدام اللغة العربية،والأسماء العربية،وارتداء اللباس العربي،ومنعوا من الاغتسال ودخول الحمامات. وهكذا عمل الصليبيون لمحو كل أثرٍ إسلامي بالأندلس، فحرقت المكتبات وطمست معالم الثقافة الإسلامية،واُبيد ملايين المسلمين.
الإستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي: ثم تلى مأساة الأندلس، الإستعمار الأوربي للعالم الإسلامي ليعمق من العداء الأوربي للمسلمين .فقد بدأ الإستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي منذ منتصف القرن السادس عشر، وشاركت فيه معظم الدول الأوربية: هولندا،وروسيا القيصرية، والامبراطورية البريطانية،و فرنسا، وأسبانيا،وايطاليا.ووقعت معظم الدول الإسلامية تحت الاحتلال الأوربي من أندونيسيا ،و شبه القارة الهندية ومصر وشمال افريقية :الجزائر، تونس. والمغرب،و ليبيا،و قبرص,و جنوب اليمن،الى السنغال ونيجيريا.
ولم يقتصر الإستعمار الأوروبي على احتلال الأرض ونهب الثروات بل سعت الدوائر الإستعمارية الأوروبية إلى طمس الهوية الدينية والثقافية والحضارية واللغوية للشعوب الإسلامية، وعملوا على تغيير المنظومة القانونية و تفكيك المنظومة الاجتماعية الإسلامية ومظاهرها المختلفة.وحيكت المؤامرات ووضعت الخطط ، لتمزيق العالم الإسلامي، وإضعافه، واستغلال موارده الطبيعية من أجل بنـاء الاقتصاديات الأوروبية المزدهرة في تلك المرحلة، مما كان له مضاعفات سياسية ونفسية وثقافية على مجمل العلاقات التي تربط دول العالم الإسلامي بالدول الأوروبية، وبالولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد.
وقد صاحب تلك الحملات العدائية والدموية من قبل الكنيسة التنصيرية والحملات الإستعمارية، ، حملات لبث ثقافة الكراهية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الذهنية الأوربية ،حتى تكون خلال التاريخ مخزون هائل من الصور النمطية السالبة عن الإسلام والمسلمين.
وقد كان للتنصير الكنسي وللإستشراق دور كبير في رسم تلك الصورة وتقديم نموذج مشوه عن الإسلام والمسلمين في المجتمعات الأوروبية. ذلك أنه بعد أن فشلت الحملات الصليبية في القضاء على الإسلام أو هزيمة المسلمين بقوة السلاح ، أدرك رجال الكنيسة أنَّه لا سبيل إلى مقاومة العقيدة الإسلامية بالسيف والحرب،ومن ثم أقبلوا على دراسة الإسلام للرد عليه،ووضع حاجز سميك يحول بين الإسلام الحق وبين المجتمعات الأوربية.وهكذا أضيف إلى جو العداء والحقد الذي ولدته الصراعات الدموية والحروب،جو من التعصب والجهل غذته الكنيسة وشجعته لخدمة أغراضها وأهدافها التبشيرية،وتوطيد نفوذها في أوروبا،وسيطرتها على عقول الناس وقلوبهم وأفكارهم.
وفي هذا الجو المشحون بالعداء ،نشأ الإستشراق، وخطا خطواته الأولى في أحضان الكنيسة.واتخذ الرهبان الصليبيون من الهجوم على الإسلام وسيلة لإثارة حماس الجماهير ضده.ومن ثم نجدهم يصفون الإسلام بأنَّه رجس من عمل الشيطان.وأنَّ القرآن هو نسيج من الأباطيل،وأنَّ المسلمين هم نوع من الهمج المجردين من أية مشاعر إنسانية.ويوصف الإسلام أحياناً بأنَّه بدعة مسيحية ومكيدة من الشيطان لإغواء الناس من الاعتقاد الحق. ويمضي آخرون في الخيال والجهل، فيصورون الرسول ﷺ كساحر استطاع أن يحطم كنيسة الشرق وأفريقيا عن طريق الشعوذة والخداع.واستطاع أن ينال النصر في حروبه عن طريق إطلاق العنان للشهوة الجنسية بين أتباعه،وحول هذه الأكاذيب حيكت الكثير من الأساطير الشعبية والقصص الخيالية عن الإسلام والمسلمين. ( انظر: في هذا الصدد:
1-Islam and the West (N.A.Daniel)
2-Western Views of Islam in the Middle Ages (R.W. Southern)
التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا ).
ويمضي تاريخ العلاقة بين المسلمين والغرب محملا بتلك الشحنات من العداء والتنميط المشوه ،من أجل وضع حاجز بين الغرب وبين الإسلام الحق،واستمرت تلك الدوائر:( التنصير والاستشراق والاستعمار)، في وصف الاسلام بأنه خطر يهدد أوروبا ويسعى إلى القضاء على حضارتها،ومظاهر التقدم فيها. ولم يرتبط ذلك التخويف من الإسلام والتحذير من الخطر الاسلامي، بأحداث سبتمبر/ 11 /2001م،كما يشاع، بل دق ناقوس الخطر من الإسلام ، و العالم الاسلامي يمر بأسؤأ فترات تاريخه،.فبعد نهاية الحرب العالمية الاولى،وهزيمة الدولة العثمانية على يد الحلفاء، نجد اللورد اللنبي،(1861 - 1936 م)، ممثل الحلفاء، في بيت المقدس، يصرح قائلاً في سنة 1918م: “اليوم انتهت الحروب الصليبية”؟. ويقف الجنرال الفرنسي غورو( 1867-1946م) - وقد دخل دمشق في السنة نفسها- أمام قبر صلاح الدين الأيوبي قائلاً: “لقد عدنا يا صلاح الدين” ،ويستعيد هاذين الجنرالين الى الاذهان، العداء التاريخي بين الاسلام والغرب متمثلا في الحروب الصليبية.
وبعد القضاء على الخلافة العثمانية بسنوات، كتب المستشرق الانجليزي جب Gibb عام 1932م ، كتابه المشهور: الإسلام الى أين؟ Whither Islam? ،ضمنه في مقدمته المطولة آراء لعدد من المستشرقين الأوربيين الذين أجمعوا على احتمال تحول العالم الإسلامي الى قوة تهدد أوروبا، ما لم يتم تدارك ذلك من جذوره ،حسب تحليلهم" . (See: Whither Islam: PP:9-74).
وفي نفس السياق ،يذهب مسؤول فى وزارة الخارجية الفرنسية فى العام 1952م، إلى أن الإسلام أشد خطراً من الشيوعية التي كانت تمثل تحدياً للغرب الرأسمالي، فيقول: " ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي، فهي حلقة لاحقة لحلقات سابقة، وإذا كان هناك خطر فهو خطر سياسي عسكري فقط، ولكنه ليس خطراً حضارياً تتعرض معه مقومات وجودنا الفكري والإنساني للزوال والفناء. إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي. فالمسلمون عالَمٌ مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا بها قواعد عالم جديد، دون حاجة إلى الإستغراب، أي دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية بصورة خاصة في الشخصية الحضارية الغربية، وإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعى فى نطاقه الواسع ، انطلقوا فى العالم يحملون تراثهم الحضارى الثمين ، وانتشروا فى الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية،ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ"
(https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/islamic-faith/233873/12-10
وفي عام 1989م،طرح فرنسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر" The end of History And The Last Man ،نظريته "نهاية التاريخ ، والتي ذهب فيها إلى : "أن الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية الأمريكية تشكل نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية، والصورة النهائية لنظام الحكم البشري، وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ ،ومن ثم فإنه لا خيار الا باتباعها ...."!!! (انظر:ماذا يتبقى من نظرية صراع الحضارات د سليمان العسكري ، ص: 22 )
كما صاغ هنتغتون من خلال كتاباته،ما عرف بصدام الحضارات،والقول بحتمية الصدام بين الإسلام والغرب ،ويقول في ذلك: "إن هذا الصدام الحتمي سيكون بين شعوب ذات ثقافة بروتستانتية/كاثوليكية، أي أوربية وأمريكية من جهة ، وشعوب ذات ثقافة إسلامية، أو ثقافة كونفوشية (العالم الإسلامي والصين وكوريا الشمالية)، من جهة أخرى، غير أنه عاد فركز على كون الصراع حتمياً بين الحضارة البروتستانتية/الكاثوليكية من جهة، والإسلام من جهة أخرى، وعدد أسبابا لذلك.." ،( المصدر السابق ، ص 10).
ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001م ،والتي كان لها أثر كبير في تنامي (الإسلاموفوبيا)،العداء للإسلام.وفي أعقاب تلك الاحداث ، أعلنت الحكومة الأمريكية الحرب على الإرهاب ، و تم اتخاذ تدابير عدة كان من بينها إصلاح النظم القانونية بغية التصدي للتهديدات الجديدة التي يمثلها الإرهاب ، و تمت إعادة صياغة قانون الهجرة ، وتركزت التدابير الأخرى على تحسين الآليات الرامية إلى ضمان الحد من تدفق الموارد الاقتصادية و المالية لدعم الأنشطة الإرهابية . وسارعت وسائل الاعلام إلى تقسيم العالم إلى قسمين أو قطبين: أحدهما يمثل الثقافة والحضارة الغربية، و الآخر يمثل الثقافة أو الحضارة الإسلامية، وبات الإرهاب –في نظر الرأي العام الغربي- يمثل الوجه الآخر للإسلام،بفضل أبواق الدعاية الإعلامية، وجهود برنارد لويس في الكيد للإسلام،وجهود تلاميذه من اقطاب اللوبي الصهيوني المهيمن على حقل دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الأمريكية من أمثال:مارتن كريمرMartin Kremer وستانلي كيرتزStanley Kurtz،ودانيال بايبس Daniel Pipes،وغيرهم.( انظر:الإسلام وأزمة العصر ( برنارد لويس) ترجمة أحمد هيكل تقديم ودراسة رؤوف عباس،المقدمة: .ص:15)
وشهدت السنوات التالية لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ، اشتعال موجة عارمة من الحقد والتشويه ضد الإسلام والمسلمين. وقد زاد من حدة اشتعال هذه المواجهة عدة ظواهر تمثلت في ما يلي:
1-السقطات المروعة التي وقع فيها كبار السياسيين الغربيين من أمثال الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي استحضر الحروب الصليبية CRUSADE عند إشارته إلى المعركة المقبلة ضد الإرهاب، وتصريحاته حول الحرب مع الفاشية الإسلامية. وذلك نتيجة لوقوعه تحت التأثير الفكري والسياسي لفلاسفة الحروب الدينية الغربيين ضد الإسلام في العصر الحديث، بجناحيهم الديني المتطرف أمثال: بات روبرتسون ، وجراهام، وفولهام.. وغيرهم، والسياسي العلماني أمثال صمويل هنتنجتون، صاحب نظرية صراع الحضارات والثقافات، وبرنارد لويس منظر الموجة الحديثة من العداء للإسلام، فضلا عن التأثر الشديد بضغوط اللوبي الصهيوني والمسيحيين الصهيونيين، والكارهين للعرب والمسلمين، المناصرين ل”إسرائيل”، تحت دعاوى دينية متطرفة..
2- تصريحات بعض السياسيين الغربيين التي تضمنت الاستعداء على الإسلام والمسلمين،ومن بينها تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني (1936 – 2023م)، التي ادّعى فيها تفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية، اضافة الى التصريحات المسيئة إلى الإسلام ومقدساته التي صدرت عن قادة دينيين أمريكيين أمثال الراحل جيرى فولويل ( 1933 - 2007 م )،مؤسس منظمة «الأغلبية الأخلاقية»، الذى وصف النبى ﷺ ،بانه إرهابى، وبات روبرتسون1930) -2023م) ،الذى وصل به طموحه في سنوات التسعينيات إلى حد ترشيح نفسه للرئاسة الأمريكية (عن الحزب الجمهورى) ،ووصف القرآن بأنه يشبه كتاب هتلر «كفاحى».
3--إثارة بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، من خلال الإعلام أو المناهج الدراسية التي رسخت في ذهن المجتمعات الغربية أن الإسلام تخلف وظلامية ورجعية، وأنه يمثل العنف والإرهاب والتدمير. وقد ادى ذلك كله الى انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» أو الخوف غير المبرر من الإسلام في المجتمعات الغربية،وتنامي المشاعر العدائية لكل ما هو إسلامي.
ونتيجة للتلك المشاعر العدائية،تفشت مظاهر التطاول والاستهزاء على الإسلام وعلى المسلمين وكان من اشد تلك المظاهر تطرفا الرسوم الكاريكاتورية المهينة للنبي محمد ﷺ، التي نشرتها صحيفة :"يولاندس بوستن" Jyllands-Posten،الدنمركية، في سبتمبر 2005م ،وفي احدي تلك الرسوم الاثني عشر عرضت صورة النبي وهو يرتدي عمامة على شكل قنبلة (وبالتالي تصويره بأنه إرهابي).و في أوائل فبراير 2006 م،أعادت العديد من الصحف في 22 دولة أوروبية نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية. الأمر الذي ولد قدراً هائلاً من الغضب والاستياء بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، عبروا عنه في احتجاجات ومظاهرات واسعة النطاق و الدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية.
وقد كان لذلك كله أثر كبير على الرجل العادي في الغرب الذي لم يعرف الإسلام إلا من خلال كتابات المستشرقين واحاديث الكنسيين،وتصريحات السياسيين،وتقارير الإعلاميين، وكان من الطبيعي ان تتنامي تلك الصورة السلبية عن العرب والمسلمين في المخيال الغربي الأوروبي والأمريكي ،و الرفض للإسلام وبالتالي للمسلمين، وتحول هذه المشاعر إلى مرض أطلق عليه "الرهاب من الإسلام والمسلمين(الإسلاموفوبيا).
الأسباب الحقيقية وراء الحملة ضد الإسلام والمسلمين:
رغم الخلفيات التاريخية للصراع بين الغرب والعالم الإسلامي ،وما وقع من خصومات وما نتج عنها من سوء الظن وعدم الثقة ،واحتدام الصراع بين الحين والآخر ،فإن هناك أسباباً مباشرة تقف وراء تجدد الحملات ضد الإسلام والمسلمبن ،لعل من أهمها :
1-ضعف القيم التي كانت تسود في أوروبا: فقد عاش الغرب فترة من الزمان يتظاهر بأنه يحمل قيماً تقوم على احترام الثقافات والحضارات والقيم الإنسانية المختلفة،وصور نفسه- حتى في فترة الإستعمار- بأنه حامل مشعل الحرية وحقوق الإنسان والدعوة الى التقدم البشري.ويبدوا أن التقدم المادي وغلبة المادية على الحضارة الغربية،ادى الى تلاشي تلك القيم او على الأقل ضعفها، وحلّت محلها-للأسف- قيم عنصرية وثقافة أحادية تركز على التفوق العلمي والمادي للغرب، وظهرت الدعوات الى سمو الغرب في مقابل النظرة الدونية للآخرين، وقد سبقت الاشارة الى ما طرحه فرنسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر" The end of History And The Last Man ،نظريته "نهاية التاريخ" ، ودعواه بأن الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية الأمريكية تشكل نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية، والصورة النهائية لنظام الحكم البشري، وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ"، ومن ثم فإنه لا خيار إلاَّ باتباعها،وبما أن الإسلام يمثل تحديا حقيقيا لهذه الدعوة،وتقف قيمه الثقافية ومبادئه ضدها،فلا بد اذن من السعي الى ازالته حتى يتمهد الطريق لتنفيذ اشواق الغرب وطموحات ساسته.
كما أدى التحوّل العلماني في المجتمعات الغربية،التي تبنت العلمانية المتوحشة التي تعادي الاديان، إلى تآكل القيم الدينية مع إمكانية ازدرائها وتقليص قضية حماية الدين إلى الحد الأدنى. فقد قررت الدنمارك إزالة فقرة “ازدراء القيم الدينية” في عام 2017، التي كانت موجودة في قانون العقوبات منذ 334 عامًا. أما في ألمانيا، فقد نوقش إلغاء قانون مماثل من القانون الاتحادي، فالمادة 166 من قانون العقوبات الألماني والمتعلقة بـ “ازدراء المعتقدات الدينية” وهي عمليا ،لا توضع في حيّز التطبيق، فيما يلاحق الادّعاء العامّ أعمال ازدراء الأديان، ولا يتمّ رفعها إلى المحكمة إلا إذا اعتُبرت بأنها “تشكل تهديدًا على السلم العام.
2- التنافس بين الكنيسة والإسلام: إن التنافس بين الديانتين الإسلامية والكاثوليكية بات على أشدّه في القرن العشرين، وأصبح عدد المسلمين اليوم -كما تقول بعض الاحصائيات- أكبر من عدد الكاثوليك في العالم. فالقى هذا التنافس بظلاله على المؤسسات الدينية في الغرب لإعطاء بُعد سلبي، وصورة سيئة عن الإسلام وحضارته. وكما يقول جون سبوزيتو" لقد شكل نجاح الإسلام وتوسعه المبكر تحدياً على المستوى اللاهوتى والسياسى والثقافى، كما شكل تهديداً للغرب المسيحى. وحيث إن كلا من الإسلام والمسيحية يمتلك شعوراً برسالة ومهمة عالمية، كان محتما أن تسير العلاقة بينهما إلى المواجهة بدلاً من التعاون. وذلك وبسبب تاريخ طويل، غالبا ما كان العالم المسيحى خلاله يسب النبىﷺ والإسلام الذى كانت صورته مشوهة جداً بالنسبة لهم، وبسبب تاريخ حديث، كان الإسلام خلاله يوضع على قدم المساواة مع الإرهاب والتطرف". (التهديد الإسلامى خرافة أم حقيقة" جون إسبوزيتو، ص:45.)
3- استغلال العداء للإسلام لأغراض سياسية: هناك فئة من الساسة الغربين العاطلين اتخذوا من عداوة المسلمين والاساءة اليهم والى الإسلام، وسيلة لدعم مواقفهم السياسية ، وحاولوا تحميل المسلمين في الغرب كل ما تمر البلاد الغربية من تدهور اقتصادي وخلل اجتماعي. وعلى هذا المنوال أصبحت مهاجمة الإسلام والإساءة إلى رموزه وقيمه وسيلة الكثيرين من الساعين إلى الشهرة، والكسب السياسي ، و قد قادت بعض الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا- مثل الجبهة الوطنية في فرنسا، والحزب القومي البريطاني، وحزب Vlaams Belang "فلامس بيلانج" بزعامة دي فينتر في بلجيكا،و الحزب القومي اليميني المتطرف (NPD)في ألمانيا - حملة منظمة مضادة للوجود الإسلامي في اوروبا،من أجل كسب اصوات الناخبين عن طريق اثارة مشاعرهم المعادية للإسلام. .كما يمكن تلمس الأصابع الصهيونية التي تدفع نحو تضليل الشعوب الأوربية والامريكية عن إدانة اسرائيل والتغطية على مجازرها ضد الشعب الفلسطيني واحتلالها لأراضيه ، وذلك باستخدام مصطلحات في وصف المجاهدين الفلسطينيين مثل" الفاشية الإسلامية"،و"الإرهاب الإسلامي" ،وغيرها من المصطلحات التي روج لها كتاب صهاينة من أمثال: دانيال بايبس. Daniel Pipes
4- أزمة المهاجرين لا سيما المسلمبن: فقد هجرت الدول الإستعمارية إبَّان فترة الإستعمار أعداداً كبيرة من سكان المستعمرات من أجل انشاء البنية التحتية للمدن الأوربية،وبعد انتهاء الاستعمار بدأ الغربيون يشعرون بالضيق من وجود وتنامي اعداد اولئك المهاجرين. وشهدت بريطانيا -خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين- حملة قوية قادها النائب البريطاني اليميني انوخ باولEnoch Powel ،وشهر بخطبته نهر الدم ،والتي حذر فيها من خطر المهاجرين على المجتمع البريطاني ووحدة نسيجه الاجتماعي،ودعا الى ايقاف الهجرة والسعي الى التخلص من المهاجرين(.انظر: http://www.telegraph.co.uk/comment/3643823/Enoch-Powells-Rivers-of-Blood-speech.html)
و منذ بدايات التسعينات من القرن العشرين، توسع الجدل حول المسلمين المهاجرين بخاصة ،في عدة دول أوروبية، ،وظهرت حملات عدائية تمثلت في الهجوم على النقاب والحجاب" ،ودعت الى منعه في المدارس والمؤسسات و الاماكن العامة،وتصويره بأنه مخالف لقيم الحضارة الغربية.ويبدو ان الهدف لم يكن الحجاب لذاته ،والا لضاقت المجتمعات الغربية بأشكال العري المنتشرة فيه،و بمختلف الازياء والرموز التي تعبر عن ثقافات واديان مختلفة،مثل زي الراهبات الذي لا يختلف كثيرا عن الزي الشرعي للمرأة المسلمة،وبعمامة السيخ ،وازياء الهنود ،و بالقلنسوات التقليدية لليهود. ويبدو ان هذا الرفض للمظاهر الإسلامية دون سواها في المجتمعات الغربية ، ،انما هو تعبير عن ظاهرة ضيق الغربيين بالمسلمين، الذين تميزو عن الآخرين بسعيهم للحفاظ على هويتهم ،وذلك بعد عقود من الذوبان في الثقافة الغربية،. فقد ادى تنامي وعي المسلمين في الغرب عموماً بإسلامهم عقيدة وسلوكاً وثقافة وهوية وتأثيرهم في المجتمعات الغربية إلى الإقبال الكثيف من قبل الغربيين على الإسلام وأصبح الإسلام الدين الأكثر والأسرع انتشاراً. أمام هذه الظاهرة غير المسبوقة راح كثير من الساسة والخبراء والمفكرين يحذرون من الأخطار الديمغرافية والسياسية التي يمثلها تنامي الإسلام وانتشاره في أوروبا على المجتمعات الأوروبية. واتخذ هذا التحذير شكلين -كما يقول فريد هاليداي -شكل استراتيجي ارتبط بقضايا أمنية كالاسلحة النووية ،والامدادات النفطية ،والارهاب،والآخر شعبوي تعلق بقضايا الهجرة ،والاستيعاب والعرق والحجاب" (انظر:الإسلام والغرب : خرافة المواجهة - فريد هاليداي- ص: 185.)
5-إسهام بعض المرتدين في تشويه صورة الإسلام: ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة فئة من المسلمين المتمردين على الإسلام الكارهين لأنفسهم وثقافتهم وحضارته ،واتخذوا من إعلان الإرتداد عن الإسلام والهجوم على قيمه وتعاليمه سبيلاً لبناء مجد شخصي تافه. وتلقفتهم دوائر عديدة في الغرب ،وجعلت منهم أبواقاً للتشهير بالإسلام والعالم الإسلامي. ومن بين هؤلاء : سلمان رشدي Salman Rushdie ،وتسليمة نسرين Taslima Nasreen ،وشهلة شفيق Chahla Chafiq ،وايان هرسي علي Ayaan Hirsi Ali ، وابراهيم ابن الوراق Ibn Warraq وغيرهم ،ممن فتحت لهم وسائل الاعلام الغربي ابوابها ،وشجعتهم الدوائر الكنسية والمحافل السياسية على مهاجمة الإسلام ،والطعن في تشريعاته ونظمه ،واتهامه بتشجيع الارهاب ،ومحاربة الحضارة الغربية ،واضطهاد المرأة ،والتعدي على حقوق الانسان،الى غير ذلك من التهم الباطلة والمطاعن الزائفة. التي سعى اولئك من من ورائها الى تحقيق الشهرة من أيسر الطرق وأقصرها وأكثرها خسة ودناءة ،بل بلغت الوقاحة ببعض من هؤلاء المأجورين ان اصدروا بيانا يصرحوا فيه بمهاجمة الاسلام وقيمه،وعبروا عن خروجهم على تعاليم الاسلام ومقرراته.،ولم يكن لهولاء على اختلاف ما بينهم،من المواهب ما يستحقون به المجد الذي أحيط بهم والشهرة التي نالوها،لولا ردود أفعال بعض المسلمين غير المنضبطة،والمتشنجة.
وهكذا يمكن القول بأن هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 تسببت في انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب كما راينا ، وكان من بين مظاهر انتشار هذه الظاهرة ،حرق المصاحف مصحوباً بهجوم مسعور على الإسلام، ووصمه بصفات الإرهاب والعنف. ففي العام 2010 م،أعلن القس الامريكي المدعو تيري جونز «اليوم العالمي لحرق القرآن»، داعيًا إلى حرق نسخ من القرآن في ذكرى هجمات سبتمبر على نيويورك وواشنطن، بدعوى أن الكتاب المقدس للمسلمين يدعو إلى العنف والإرهاب والتطرف، وقد تراجع عن فكرته هذه ، ليعود فيحرق المصحف في مناسبتين أخريين عامي 2011 و 2012م، كما سبق ان اشرنا. كما قام جنود أمريكيون بإحراق نسخ من القرآن في قاعدة باغرام الأمريكية في أفغانستان في فبراير 2012، إضافة إلى ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية من أن محققين أمريكيين قاموا بتدنيس القرآن الكريم، في معتقل غوانتنامو سيئ الصيت.ثم تلى ذلك الاحداث التي اشرنا اليها اعلاه من حرق للمصحف واهانته والتعدي عليه.
حرق المصاحف بين الاسلاموفوبيا وحرية التعبير:
يزعم الغرب أنه بحمايته لأولئك المسيئين إلى مقدسات المسلمين ومشاعرهم ( ومن بينها حرق المصاحف)، فإنما يحمي حرية التعبير التي يعُدّها أسمى الحريات، ومع تقديرنا لاحترام حرية التعبير في كل مكان، إلا أن تعمُّد الإساءة إلى فئة من البشر سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ليس من حرية التعبير، لأن الحرية كما تَعلّمنا تنتهي عندما تمس الآخرين، والغرب نفسه غير صادق في إدعاءاته عن حرية التعبير، فهو لا يسمح لأحد بالإساءة إلى الصهيونية مثلاُ. وقد تابعنا ماذا فعل بالفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي الذي تعرّض لمحاكم تفتيش وصدر ضده حكم بالحبس عام 1998 م،بسبب كتابه “الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل”، لأنه شكك في الأرقام الشائعة عن ضحايا (الهولوكوست) على أيدي النازيين. فحرية الراي تلك تختفي ولا يسمح بها حين يتعلق الأمر بالمساس باليهودية أو بالدولة الصهيونية ، وليدة الجرائم الأوروبية النازية والفاشية ضد يهود أوروبا بالذات.
وكدليل على ازدواجية المعايير في التعامل، تعهدت السويد لسفير إسرائيل بمنع أي محاولة لحرق التوراة أمام سفارة الكيان الصهيوني، وذلك بعد تقدم مواطن سويدي بطلب رسمي للسماح له بذلك لاختبار صدق الديمقراطية السويدية في حماية حرية التعبير، وقد شكر السفير الإسرائيلي حكومة السويد على تفهمها.!!! . ومن المؤكد أن حكومة السويد لن تجرؤ على السماح بحرق التوراة أو الإنجيل.
ولم تعط تلك الدول،اعتبارا لما يترتب على هذه الممارسات من بروز مظاهر الكراهية بين المجتمعات والمتمثلة في خطاب الكراهية الذي عرفته الامم المتحدة بأنه«أي نوع من الاتصال في الكلام أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أي عامل هوية آخر». وهو امر يحظره القانون الدولي ويدعو الدول الى اتخاذ الاجراءات لمنعه.لا سيما اذا تضمن التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، أو في حال «تسبب بتأجيج العنف»،,فقد نصت المادة 20(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: «يحظر القانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف».
انظر: https://www.ohchr.org/ar/instrumentsmechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights
ولا شك ان حرق نسخ من القرآن هو عمل يتضمن التحريض على التمييز والعداء والكراهية، وكذلك العنف بدليل أنه تسبب في مرات عديدة بعنف متبادل وخلق بيئة معادية للمسلمين بصفتهم الجماعية كمسلمين، ويتضمن عنصرية دينية واضحة، وبالتالي هو عمل محظور في القانون الدولي، ولا يمكن الادعاء بحرية الرأي والتعبير لتبريره قانونياً واعتباره عملاً مشروعاً. ومن ثم فإنه يتوجب على السلطات السويدية، كما قالت المفوضية الأوروبية، اتخاذ خطوات بشأن الحادثة، مؤكدة أنه "لا مكان للعنصرية وكراهية الأجانب والكراهية العرقية والدينية في الاتحاد الأوروبي"، وهو إقرار بأن الحادثة هي عمل عنصري وينم عن كراهية الأجانب والتي يجب أن يحاسب عليها القانون".
إنه من الصعب علينا، أن نفهم كيف باتت حرية التعبير في أوروبا محصورة في حرق القرآن الكريم، والتطاول على الإسلام، وعلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ونشر الرسوم الكرتونية المسيئة له عليه السلام، في استفزاز صريح ليس موجها لأبناء الجاليات المسلمة فقط، وانما لكل المسلمين في كل بقاع الأرض.
• منطلقات المقدمين على حرق المصحف: إن منطلقات من يقدمون على حرق المصحف ،بالاضافة الى جو العداء المشحون بالكراهية الذي ولدته الاسلاموفوبيا، تعود على الاغلب الى عدة امور من بينها :
• 1-جهلهم بالإسلام،فمعظم الغربيين يقدمون على هذه الجرائم ،منساقين وراء الاعلام المغرض ،والساسة الفاشلون ،ومن غير ان تكون لهم معرفة بالاسلام او اطلاع على تعاليمه،ولو قيض لاحدهم الاطلاع على القرآن لما اقدم على فعله الاجرامي. بل لوجدوا في الاسلام ما يلبي اشواقهم وتطلعاتهم ،وخير مثال على ذلك ما حدث للسياسي الهولندي أرنود فان دورن:" Arnoud Van Doorn" ( 1967م--)، نائب رئيس الحزب الهولندي (حزب من أجل الحرية)،الذي يعد أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً وتشدداً ضد الإسلام والمسلمين، ومنتج فيلم" فتنة "، المسيء للنبي محمدﷺ.فقد اعتنق الإسلام مطلع عام 2013 م. وحالياً هو عضو المجلس البلدي في لاهاي، ورئيس مجلس إدارة حزب الوحدة، وهو حزب مبني على مبادئ إسلامية، وسفير علاقات المشاهير في جمعية الدعوة الإسلامية الكندية في اوروبا ،وقد عبر عن ما حدث له من تحول تجاه الاسلام فقال:" كانت نظرتي للاسلام سيئة.لقد انجرفت مع كل التصريحات السلبية عن الاسلام.وهذا سبب ما يتلقاه المرء من طرف السياسة،وفي الشارع ووسائل الاعلام.لذلك انجرفت مع الكراهية ضد الإسلام.كنت اعتبر الاسلام في ذلك الوقت انه شيء غير جيد .وان هذه الاحكام المسبقة التي عند كثير من الناس في الغرب عن الإسلام، مثل قمع النساء ،والعدوانية والسيطرة على العالم بالعنف ،ودين غير متسامح.هذه كانت نظرتي قبل عدة سنوات للاسف".
• ويمكن ان يذكر في هذا المقام، المستشار القانوني للرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون ( 1913 – 1994)، روبرت كرين ( 1929 - 2021)م) وهو اكاديمي يهودي حاصل على دكتوراه في القانون العام من جامعة هارفارد ،والدكتوراه في القانون الدولي والمقارن،ثم تولى رئاسة جمعية هارفارد للقانون الدولي.وقد كلفه الرئيس بمتابعة ملف عن الاصولية الاسلامية، وضعته المخابرات الأمريكية، ورغم ذلك فإن ما ورد فيه من معلومات ترك أثرا ايجابيا في نفسه. وكما يحكي هو عن كيفية اسلامه :انه في عام 1980م تابعت بأمر من حكومتي ندوات ومؤتــــمرات عن الإسلام شارك فيها عدد من قادة الفكر الإسلامي, منهم الداعية والمفكر الاسلامي السوداني( الدكتور حسن الترابي)، الذي تكلم عن مبادئ الإسلام وحركيته, ثم شاهدته يصلي ويسجد، فاعتقدت أن في هذا السجود إهانة له ولإنســــــانيته،ولكنني -كما يقول- أدركت ان الشيخ الترابي، ينحني لله وليس لبشر كائنًا من كان، وأنه يسجد للخالق وحده. ويمضي روبرت الى القول انه بعد استفاقة قلبه ، أعمل عقله،واستعان بما لديه من ثقافة وعلم، حتى تيقن ان الاسلام هو الطريق الصحيح.. ثم يشير الى لقائه البروفيسور روجيه جارودي في دمشق وناقشــــــه أفكاره وازداد يقينا بان الاسلام هو الذي يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليات والجزئيات والضروريات. وان ما ورد فيه من مباديء ليست من وضع البشر, وتبين له ذلك يقينا ، حين قرأ آيات الميراث في القرآن فتعجّب-كما يقول- من إيجازها وإعجازها وشمولها الكامل واعلن أنه لا قدرة لبشر على فعل ذلك ،وهكذا انشرح قلبه لهذا الدين الفارق الحق،كما يقول، وأعــــلن إسلامه في عام 1980م وأطلق على نفسه اسم (فاروق عبدالحق).،وفي حوار مع احد أساتذة القانون من اليهود ،ساله عن حجم قانون المواريث الامريكي،فاجاب محاوره، انه في أكثر من ثمانية مجلدات. فقال له كوين: إذا جئتك بقانون للمواريث فيما لا يزيد على عشرة سطور، فهل تصدق أن الإسلام دين صحيح؟,فأتاه بآيات المواريث من القرآن الكريم وقدمها له، فجاءه اليهودي بعد عدة أيام مرددا ما سبقه اليه روبرت كوين، قائلاً : لا يمكن لعقل بشري أن يحصي كل علاقات القربى بهذا الشمول الذي لا ينسى أحدا، ثم يوزع عليهم الميراث. هذا العدل الذي لا يظلم أحدا، ثم أسلم هذا الرجل اليهودي!. فروبرت وكثير من امثاله في مختلف التخصصات اقبلوا على اعتناق الإسلام،لما وجدوا فيه من المثل العليا،والقيم التي تتوافق مع الفطرة الانسانية، مما جعله الدين الأكثر انتشارا، وخياراً للعديد من نخب العلماء والمفكرين الغربيين مثل رجاء جارودي الذي سبق ذكره، ومراد هوفمان يرحمهما الله وكثير غيرهم.
• 2- هناك من اغرته الشهرة وسعى الى تحقيقها عن طريق الاساءة للاسلام وحرق القرآن الكريم ، ،كما يبدو من مسلك القس جونز،الذي يمثل نكسة خطيرة لمبدأ التسامح، ولكن سعيىه الدايم إلى الشهرة دفعه الى التخلي عن أحد أبرز المبادئ اللاهوتية والأخلاقية للديانة المسيحية.فكتب كتابه عن الاسلام بعنوان :«الإسلام هو الشيطان»،دفعه الى حرق المصحف الشريف.
3-هناك من استغل حرق المصحف من اجل هدف سياسي ، فظهر العديد من السياسيين والنشطاء الأوروبيين، الذين اعتمد خطابهم وعملهم السياسي على توجيه إهانات ممنهجة ومتكررة للقرآن. ومن هؤلاء السياسي الهولندي خيرت فيلدرز، الذي صنع حياته السياسية من خلال ضخ خطاب معادٍ للإسلام والمطالبة عام 2016م، بحظر القرآن الكريم في هولندا، كما عمد السياسي السويدي الدنماركي راسموس بالودان منذ عام 2020، بتنفيذ مجموعة من الأنشطة لحرق نسخ من القرآن الكريم في الأماكن العامة. وهو زعيم حزب “سترام كورس” اليميني المتطرف، وعرف بعدائه للمسلمين والإسلام. ودعا الى طرد المسلمين وغير البيض من الشمال، وكان قد أدين سابقًا بالعنصرية والتحريض على العنف في الدنمارك بعد مقطع فيديو على Youtube حيث أدلى فيه بتصريحات مهينة حول معدل الذكاء لغير البيض.
وقد سبق ان اشرنا الى هذه الثلة من الساسة الغربين الفاشلين اتخذوا من عداوة المسلمين والاساءة اليهم والى الإسلام، وسيلة لدعم مواقفهم السياسية ، وحاولوا تحميل المسلمين في الغرب كل ما تمر به البلاد الغربية من تدهور اقتصادي وخلل اجتماعي،واتخذوا من حرق القرآن سبيلا الى اثارة المسلمين ولفت انظار ناخبيهم وكسب ثقتهم.
وقد استغل هؤلاء الساسة بعض المغمورين ممن يسعون للشهرة او الحصول على مكاسب مادية رخيصه للقيام بهذه الاعمال القذرة ،من اجل منافع انية ومصالح مادية . ففي 28 حزيران/يونيو 2023، قام سلوان موميكا، وهو لاجئ عراقي في السويد ذو أصول المسيحية، بتمزيق نسخة من القرآن الكريم، ثم حرقها عند مسجد ستوكهولم المركزي، في أول أيام عيد الأضحى، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحاً بتنظيم الاحتجاج إثر قرار قضائي.
وفي 20 تموز/يوليو 2023 كرّر سلوان موميكا نفس الفعل، حيث قام بحرق نسخة من القرآن الكريم وإضافة إلى ذلك، حرق العلم العراقي أمام السفارة العراقية في السويد، مما أثار غضب الشعب العراقي والحكومة العراقية، ونتيجة لذلك قررت الحكومة العراقية طرد السفيرة السويدية وقطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع ستوكهولم.
وكما ذكر الدكتور محمد جميح :" فإن هذه الأفعال ستستمر ما دام الخطاب اليميني يتقدم المشهد الأوروبي والغربي عموماً، وما دامت الأحزاب اليمينية المتطرفة تحصد نتائج طيبة في الانتخابات، على وقع خطابها المعادي للعرب والمسلمين والمهاجرين، بشكل عام، وما دامت هذه الأفعال تحظى بالحماية التي توفرها الأجهزة الأمنية، بذريعة «حرية التعبير» في هذا البازار الكبير الذي يتنافس فيه المتطرفون على تصدُّر المشهد الذي يرون أن تصدره يكون بإشعال المزيد من الحرائق، بما أن هذه الأفعال تجلب لهم اهتمام وسائل الإعلام، وتتحول إلى كاش سياسي في صندوق الانتخابات، مستغلين جمهوراً تجري عليه أكبر عمليات غسيل الأدمغة، يتم قولبته في قوالب جاهزة للاستعمال في أغراض شتى" ( انظر. حرق القرآن بين الأمس واليوم،( محمد جميح )،القدس العربي . 26 - يوليو – 2023م)
مواقف المسلمين تجاه الظاهرة : أثارت حوادث حرق القرآن الكريم، غضباً بين أوساط المسلمين وإدانات من دول عربية وإسلامية اعتبرتها "عملاً استفزازياً لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم". ولكن لم يبد من اي مسلم رد فعل انتقامي بأن يسعى الى حرق اي من الكتب المقدسة لدى من ارتكبوا هذا الجرم ،او شجعوا عليه او سكتوا عنه( الإنجيل أو التوراة ) والسبب الرئيسي في موقف المسلمين هذا ،يعود الى مبدأ التسامح الذي يعتبر جزءاً اصيلاً في الحضارة الاسلامية، ومكون من مكونات المسلمين الثقافية ،التي تنهى عن أن يبادل المسلم الاخرين بالإساءة.
و من الطبيعي ان يعبر المسلمون عن غضبهم لما قام به المجرمون من التعدي على مقدساتهم،وما سببته الإساءة للمقدسات الدينية وحرق الكتب الدينية من الاستفزاز والغضب لدى كثير من المسلمين. ولكن الرد على هذا الفعل بالعنف وأعمال الشغب والتخريب ليس سوى تفريغ لشحنات الغضب،,ومن ثم ينبغي الدعوة الى ضبط النفس وتنظيم التعبير عن الغضب بطريقة ايجابيه.ومن ذلك عدم اكتفاء الحكومات ببيانات الشجب و التنديد،بل ينبغي ان يكون ردالمسلمين افرادا وجمعات ردا مدروسا، يتناسب مع عظم الجرم ، وعلى الجميع اتخاذ الخطوات التالية:
1- اللجوء للعقوبات الاقتصادية و سلاح المقاطعة لمنتجات و سلع و خدمات البلدان المعتدية. كمقاطعة المنتجات السويدية وعدم التعامل مع الشركات السويدية الهولندية.
.2-صدور بيانات إدانة رسمية من الدول الاسلامية والعربية جميعاً،ومن مؤسسات بارزة، مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الأزهر ومجلس التعاون الخليجي، ووزارات الخارجية للدول العربية والاسلامية.
3- على الدول الاسلامية الثرية ان تستغل ثرواتها لبناء أوطان تصلح لعيش جميع أبناءها و تصبح جاذبة لكل المستضعفين، و حامية للمظلومين خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف في معظم البلدان الغربية.
4- ان يقوم الساسة والحقوقيون المسلمون، برفع مذكرات على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، لاستحصال قرار، يجرم كل من يحاول خلق الكراهية والبغضاء والفتن والاضطرابات في العالم، عبر الاساءة الى الرموز الدينية للامم والشعوب، ولابد ان يكون موقف المسلمين موحدا في هذا الشأن، ليكون اكثر تأثيرا، فالغرب لم ولن يرضخ، الا في حال راى مصالحه معرضة للخطر، وبذلك يرسل المسلمون رسالة واضحة الحروف للكيان الاسرائيلي، مفادها انهم لن يقفوا مكتوفي الايدي في حال تعرض المسجد الاقصى لادنى تهديد.
5—على المسلمين ان ينظروا الى الجانب الايجابي من تلك الاحداث ،وما يمكن ان يترتب عليها من فوائد مثل: دفع كثير من الغربيين الى السعي الى التعرف على القرآن الكريم الذي تدور حوله كل هذه الاحداث،والبحث عن الاسلام الذي يثور المسلمون في انحاء العالم للدفاع عنه وعن رسوله وعن قرآنه. ويعيدوا الى الاذهان ماحدث بعد احداث سبتمبر/ 11 . فرغم ما عاني المسلمون على اثرها من موجة من العداء والاخذ بالشبهات والتعدي على كل من بدت عليه سيماء الاسلام من لحية للرجال أوحجاب بالنسبة للمرأة .ففي هذا الجو العدائي للاسلام والمسلمين ،بدا الناس يسالون عن الدين الاسلامي ، الذي يتحمس اتباعه لنصرته ،ويضحون بانفسهم في سبيله ،فادت تلك الاسئلة الى ان يكتب الدكتور اسبسيتوا ، كتابه الشهير بعنوان: ما يحتاج كُل شخص أن يعرفه عن الإسلام : What Everyone needs to Know About Islam :John L.Esposito. Oxford University Press’2002
وفي تقديمه للكتاب يبين ذلك ،جون إسبوسيتو فيقول : انه عقب احداث سبتمبر ،كان هناك طلب كبير على اي معلومات عن الاسلام ،وقد دعي إسبسيتو،بحكم تخصصه لمخاطبة قاعدة واسعة من المسؤولين الامريكيين،شملت اعضاء في الكونجرس ، وبعضا من ادراة الرئيس بوش ،والمؤسسات الحكومية ،والادارات العسكرية، والاجهزة الإعلامية،ومن خلال هذه التجربة تحددت الأسئلة الأكثر إلحاحا التي يطرحها الناس باستمرار حول الإسلام. ووضعها في مؤلفه المذكور اعلاه ، في سبعة فصول، وقعت في 204 صفحة ،تضمنت: معلومات عامه عن الاسلام،العقيدة والعمل،الاسلام والديانات الاخري،العادات والثقافة، العنف والارهاب، المجتمع السياسة والاقتصاد، المسلمون في الغرب . ومن ناحية اخرى فقد شهدت الفترة التي اعقبت احداث سبتمبر11،نمواً في عدد المسلمين رغم تنامي المشاعر المعادية لهم، وكانت فترة مشرقة للمسلمين في الولايات المتحدة، حيث تضاعف عددهم ليصل إلى 3.5 ملايين نسمة، وتعززت مكانتهم في المجتمع الأميركي بشكل غير مسبوق.
وأفاد تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية أن المسلمين كانوا الأقلية الدينية الأكثر بروزا في الولايات المتحدة خلال السنوات التي تلت احداث سبتمبر، حيث تضاعف عدد المساجد بالبلاد منذ عام 2001. وعلى صعيد التعليم، كانت الأرقام لافتة، ففي ولاية ميشيغان -على سبيل المثال- أصبح المسلمون يشكلون 15% من عدد الأطباء رغم أن نسبة السكان المسلمين بالولاية لا تتجاوز 3%..وعلى الصعيد الفني، وفي عالم السياسة، برزت النائبتان رشيدة طليب وإلهان عمر، كما انتُخب عدد كبير من المسؤولين المسلمين في حكومات الولايات واللجان المحلية المختلفة.
وبذلك وجد المسلمون في امريكا المكانة التي تليق بهم بعد مرور 4 قرون على دخول الإسلام إلى الولايات المتحدة، لكن ذلك تزامن مع تنامي المشاعر المعادية للإسلام في المجتمع منذ أحداث: 11 /سبتمبر( انظر:السنوات الأكثر ازدهارا منذ أحداث 11 سبتمبر.. تفوق مذهل للمسلمين بأميركا رغم حملات التشوي،الجزيرة نت)
وهكذا كانت احداث سبتمبر نعمة على المسلمين في امريكا،ونأمل ان تكون حوداث حرق المصاحف ايضا نعمة على المسلمين ، فيتحسن وضع المسلمين ،وينتشر على اثرها الاسلام في اوروبا.وقد عبر احد المسؤولين المسلمين في السويد او الدنمارك عن تفاؤله وقال :انه من الملاحظ ان كل حادث حرق للقران يصاحبه فتح لمؤسسة اسلامية .
6-واخيرا على المسلمين في الغرب ان يفوتوا الفرصة على مثيري الشغب، ومؤججي الفتنة والعداوة بين المجتمعات ، والساعين الى دق اسفين بين الغرب والاسلام ،بأن يسعوا الى إقامة علاقة مع العقلاء من الغربيين على أساس المباديء الإنسانية النبيلة التي بشر بها الإسلام ونادت بها الأديان السماوية جميعاً ،والتي تنطلق من الإيمان بوحدة الأصل الإنساني ،والأخوة الإنسانية ،و الأصل المشترك للأديان الموحى بها جميعا،والعمل الجماعي في اطار التعاون الإنساني النزيه من أجل إشاعة قيم الخير والعدل والسلام ,و لا بد ان تقوم هذه العلاقة أيضا على أساس أحكام القانون الدولي ،بحيث يكون الحق فوق القوة ،وتسود في الأرض وتهيمن على العلاقات الدولية قوة القانون لا قانون القوة ،وبذلك يتوجه الجميع ،إلى عمل إنساني تضامني ،من اجل مستقبل مزدهر للبشرية جمعاء.( انظر: نحن والآخر ( عبد العزيز بن عثمان التويجري) الشرق الاوسط : 01 رمضـان 1426 هـ 3 اكتوبر 2005 العدد 9806. )، وان يتخذ الحوار وسيلة لتدعيم قنوات التواصل مع الأخرين ،من اجل التعريف بالإسلام وبمبادئه السمحة ،والتفاهم مع غير المسلمين من أجل إرساء دعائم السلام العالمي.
Ahmed Mohamed Ahmed Elgali
ahmedm.algali@gmail.com
أ.د. احمد محمد احمد الجلي
الخميس 8 صفر/1445ه
الموافق 24/اغسطس/2023م
مقدمة: شهد بداية القرن الحادي والعشرين حملة ممنهجة على مقدسات الدين الإسلامي في الدول الاوروبية، تمثلت في الرسوم المسيئة للنبي ﷺ، ومرورًا بالحملة الشرسة على النقاب في أوروبا، وتصاعد المد اليميني المعادي للمهاجرين، واخيرا حوادث حرق المصحف الشريف ، في السويد، والدنمارك وغيرها من الدول الاوربية وامريكا.وقد تكررت حوداث حرق المصحف خلال هذا القرن ،والتي بدات بحرق المصحف أمام السفارة التركية، والتي ارتكبها اليميني المتطرّف الدنماركي راسموس بالودان، للتنديد،كما يقول: بالمفاوضات التي تجريها ستوكهولم مع أنقرة حولالانضمام لحلف شمال الأطلسي.
.ولم تكن واقعة حرق نسخة من القرآن مؤخرا هي الأولى في هذا القرن ولم تكن السويد البلد الأول الذي يقع فيه هذا العمل الأرعن.
وقد رصدت وكالة الأناضول. أبرز حوادث تدنيس القرآن،خلال هذا القرن، ـوالتي يتبين من خلالها أن جلًّ تلك الحوادث تصدرها زعيم حزب "الخط المتشدد" الدنماركي اليميني المتطرف راسموس بالودان أو أنصاره.اذ قام بما اشرنا اليه اعلاه من حرق القرآن في 21 يناير 2023: ، وسط حماية من الشرطة أثناء ارتكابه الجريمة.وقد اوردت الوكالة سلسلة من احداث حرق القرآن قبل حادثة الحرق التي قام بها راسموس بالودان،والتي جرت وفقا للتواريخ التالية:
• 3 يوليو2022 ، أحرق لارس ثورن -زعيم حركة "أوقفوا أسلمة النرويج"- نسخة من المصحف الشريف، بضواحي العاصمة أوسلو.
• 1مايو 2022: أقدم راسموس بالودان على إحراق المصحف الشريف أمام أحد المساجد بالسويد، رغم رفض الشرطة منحه الترخيص لفعل ذلك.
• 14/ ابريل 2022 ، قام راسموس بالودان نفسه، بإحراق نسخة من القرآن الكريم في مدينة لينشوبينغ جنوبي السويد تحت حماية الشرطة.
• 30 /أغسطس 2020 ،أقدمت مجموعة نرويجية متطرفة معادية للإسلام تنتمي لحركة "أوقفوا أسلمة النرويج" (SIAN)على تمزيق صفحات من القرآن الكريم، والبصق عليها خلال مظاهرة مناهضة للإسلام في العاصمة أوسلو.
• 28 /أغسطس 2020، قام 3 ناشطين في حزب بالودان "الخط المتشدد" الدنماركي، بإحراق نسخة من القرآن في مدينة “مالمو” السويدية، اندلعت على إثرها مواجهات عنيفة بين الشرطة السويدية ومتظاهرين. كما حظرت السلطات السويدية دخول زعيم الحزب راسموس بالودان، إلى أراضيها لمدة عامين.
• 17-نوفمبر/،2019 ، نظمت حركة "أوقفوا أسلمة النرويج" (SIAN)، مظاهرة وقامت خلالها برمي نسختين من القرآن في سلة قمامة، ثم أحرق لارس تورسن زعيم المنظمة نسخة أخرى، ما دفع عديد من المحتجين الحاضرين حينها في الساحة إلى مهاجمته.
• 8 /يونيو/ 2019، عثرت السلطات الألمانية على حوالي 50 مصحفا ممزقا داخل مسجد "الرحمة" في وسط مدينة بريمن، أدان على إثرها المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا الواقعة بشدة وقال: إن الفعلة تهدف إلى إحداث "دوامة من الكراهية والعنف ضد المسلمين ومساجدهم".
• 22/ مارس/ 2019 ،أقدم بالودان على حرق نسخ من القرآن الكريم، بذريعة الاحتجاج على أداء صلاة الجمعة، أمام مبنى البرلمان الدنماركي.وقد أدى مسلمون في الدانمارك، صلاة الجمعة تلك،أمام مبنى البرلمان، للتعبير عن تنديدهم بمجزرة المسجدين في نيوزيلندا.
• 25/ ديسمبر/ 2015، هاجمت مجموعة من المتظاهرين قاعة صلاة للمسلمين في حي شعبي بأجاكسيو في جزيرة كورسيكا جنوب فرنسا، وخربوها وأحرقوا مصاحف وكتبوا عبارات معادية للعرب، وذلك غداة إصابة عمال إطفاء وشرطي بجروح بهجوم ملثمين في المدينة.
• ديسمبر/ 2015 ، أحرق رجل دنماركي يبلغ من العمر 42 عاما نسخة من المصحف الشريف في فناء منزله الخلفي ونشر مقطعا مصورا ينقل فعلته.
• 27-ديسمبر/ 2014 ، اعتقلت الشرطة البريطانية شابا قام بتمزيق نسخة مترجمة للإنجليزية من القرآن الكريم ووضعها في التواليت، ومن ثم حرقها، قبل أن تفرج السلطات عنه بكفالة، بحسب موقع "بيزنس إنسايدر"..
• 28/ابريل/ 2012، قام القس الأمريكي تيري جونز بحرق نسخة من المصحف وبث المشهد عبر الأنترنت احتجاجا على اعتقال رجل الدين المسيحي يوسف نادرخاني في إيران.
• .22 /مارس/ 2011، أشرف القس الأمريكي تيري جونز على حرق نسخة من المصحف في كنيسة صغيرة في فلوريدا، بعد تحميل المصحف الكريم مسؤولية وقوع عدد كبير من الجرائم. وقد أدان الرئيس الأمريكي العمل الذي أثار ردود فعل عنيفة في حينه، منها هجوم على مقر للأمم المتحدة في أفغانستان خلف عددا من القتلى.
• 18 /ابريل/ 2011، قضت محكمة بريطانية بسجن جندي سابق لمدة 70 يوماً بسبب إضرامه النار في المصحف الشريف في مركز مدينة كارلايل بإنجلترا.واعترف الجندي الذي يدعى أندرو رايان بارتكابه مضايقات ذات دوافع دينية وسرقة مصحف من إحدى المكتبات.
• 10 /ابريل/ 2011 ، إعتقلت الشرطة، ساين اوينز، المرشح عن الحزب اليميني المتطرف "البريطاني الوطني"، بعدما أحرق نسخة من المصحف في حديقة منزله.
• 2005/ شهدت عدة دول إسلامية وبريطانيا والهند مظاهرات كبيرة واحتجاجات على تقارير تفيد أن المصحف الشريف تعرض للتدنيس على أيدي محققين أميركيين في معتقل غوانتانامو في كوبا.
,وهذه الاحداث المتعددة التي جرت في اوقات مختلفة وفي اماكن مختلفة ولاسباب متباينة تهدف جميعها الى اهانة المسلمين بالتعدي على مقدساتهم.مما يستدعي الى الاذهان ظاهرة الاسلاموفوبيا ، التي تتمدد في اوساط عديدة في اوروبا والولايات المتحدة الامريكية.( السويد ليست الأولى... وقائع حرق القرآن الكريم في القرن 21 (aa.com.tr))
ورغم المواقف العديدة التي أبدت من خلالها الدول الإسلامية استنكارها هذه الأفعال ورفضها لها والدعوة إلى عدم تكرارها. ووصل الأمر إلى استدعاء سفراء السويد والدنمارك من قبل العديد من الدول الإسلامية، فضلاً عن قيام متظاهرين عراقيين باقتحام السفارة السويدية ببغداد وحرق الأعلام السويدية.فإن ذلك لم يقف حائلاً دون تواصل حرق المصحف الشريف، ومنها ما حدث في يوم الثلاثاء 8 أغسطس الجاري في مدن عدة بالدنمارك، وعلى رأسها العاصمة كوبنهاغن، أمام سفارات كلّ من تركيا، وباكستان، والجزائر، وإندونيسيا، وإيران. وقد كان اخر هذه الاحداث ما وثقته وكالة فرانس برس ،حيث قام إدوين فاغنسفيلد، الذي يقود الفرع الهولندي لحركة “بيغيدا” اليمينية المتطرفة بتمزيق نسخة من القرآن برفقة شخصين آخرين.في لاهاي الجمعة 11/اغسطس. و”بيغيدا” أو “وطنيون أوروبيون ضد أسلمة الغرب”، هي حركة عنصرية انطلقت من مدينة دريسدن الألمانية عام 2014 م، ضد تدفق المهاجرين، وهي تحذّر من “أسلمة الغرب” وتدعو لطرد المسلمين من أوروبا.
ولم تكن هذه الافعال أحداثاً عابرة أو حالات استثنائية في تاريخ أوروبا والغرب بشكل عام، وليست هذه اول مرة يتعرض فيها القرآن الكريم للحرق وسوء المعاملة ،فقد تعرض القرآن للحرق والاهانة عدة مرات خلال التاريخ . فقد حدث أول حرق للقرأن الكريم عام 1530م، حينما ظهرت في البندقية أول ترجمة لاتينية له. وفي نفس العام أصدر البابا كليمنت السابع ( 1478 -, 1534م.) ا مرسوما بإحراق هذه الطبعة. ثم تلى ذلك مباشرة من محاكم التفتيش الإسبانية مراسيم، تحظر إصدار أى ترجمات لاتينية للقرآن. وبقيت هذه القرارات نافذة المفعول حتى عام 1790. لكن في عام 1541م بدأ طابع يدعى يوهانز اوبورينوس، طباعة ترجمة لاتينية للقرآن في مدينة بال بسويسرا ، كان قد انجزها روبرت كيتون في القرن الثانى عشر، ولكن سلطات المدينة صادرت هذه الطبعة بأكملها..
ولكن مارتن لوثر (1483 – 1546م) ،زعيم الحركة الإصلاحية للكنيسة الكاثوليكية، قد عارض منع صدور هذه الترجمة ،بل دعا الى نشرها ومعرفة محتواها ، لما فيها من فائدة للمسيحية من حيث انها تمجد المسيح وتلحق الضرر بالمسلمين !!!، وهكذا صدرت هذه الطبعة في عام 1542م، وبها مقدمة كتبها مارتن لوثر نفسه. ولكن هذا المنع وحرق القرآن الكريم لم يتوقف، بل مورست هذه الجريمة مرات عديدة من قبل بعض المسيحيين أثناء الحرب الصليبية.
ومن تتبع تاريخ حالات حرق نسخ من القرآن الكريم في أوروبا لا نجد ما يدل على أي استنكار لجريمة حرق المصحف في عام 1530م، أوما تلاها من ممارسات مماثلة إبان الحروب الصليبية، بل سعت الكنيسة الى تحقيق اهدافها من تلك الحروب من تدمير للعالم الإسلامي والسيطرة عليه، اضافة الى قتل المسلمين والتمثيل بهم ، وهدم للمساجد وحرق نسخ من القرآن. وغير ذلك من الحوادث الكثيرة التي سجلتها كتب التاريخ.
وبعد سقوط الأندلس وسيطرة المسيحيين على كامل شبه الجزيرة الايبرية عام 1491م، ،قامت حملات مكثفة باسم المسيحية ،لانهاء الوجود الإسلامي في أسبانيا، تمثلت فيما يعرف :بمحاكم التفتيش.وقد جاء في نص قرار الملكة إيزابيلا ،والملك فرديناند،الذي صدر عام 1501م (إنه لما كان الله قد اختارهما لتطهير مملكة غرناطة من الكفرة،فإنه يحظر وجود المسلمين فيها،فإن كان بعضهم فيها، فإنه يحظر عليهم الاتصال بغيرهم،خوفاً من أن يتأخر تنصيرهم،أو بأولئك الذين نصروا ،لئلا يفسد إيمانهم،ويعاقب المخالفون بالموت ،أو بمصادرة الأموال). وفي سنة 1524م أصدر البابا مرسوماً يحث قضاة الديوان على تنصير المسلمين، وان يخرجوا من يأبى النصرانية منهم من أسبانيا،وأن تكون عقوبة المخالفين الرق مدى الحياة،ثم أتبعه بمرسوم آخر جاء فيه الأمر بتحويل كل المساجد الى كنائس. وفي سنة 1525م صدر أمر ملكي في أسبانيا يأمر المسلمين بوضع شارة زرقاء على قبعاتهم ،وأن يسلموا أسلحتهم،ومن خالف عوقب بالجلد ،وأن يسجدوا اذا مر كبير الأحبار في الطريق،وألا يقيموا شعائرهم،وأن يغلقوا مساجدهم.
وانشيء ما عرف تاريخياً بمحاكم التفتيش، التي اقترفت فيها كثير من الفظائع والمجازر بغية إجبار المسلمين على ترك دينهم واعتناق الديانة المسيحية. وكان أول ما قامت به تلك المحاكم هو جمع كل المصاحف والكتب العلمية والدينية وإحراقها على الملأ في ساحة عامة، كخطوة أولى لتنصير المسلمين،وذلك بقطع صلتهم مع تراثهم الديني والعلمي.
وترتب على تلك الإجراءات أن أجبر المسلمون على ترك دينهم، وحُرًم عليهم استخدام اللغة العربية،والأسماء العربية،وارتداء اللباس العربي،ومنعوا من الاغتسال ودخول الحمامات. وهكذا عمل الصليبيون لمحو كل أثرٍ إسلامي بالأندلس، فحرقت المكتبات وطمست معالم الثقافة الإسلامية،واُبيد ملايين المسلمين.
الإستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي: ثم تلى مأساة الأندلس، الإستعمار الأوربي للعالم الإسلامي ليعمق من العداء الأوربي للمسلمين .فقد بدأ الإستعمار الأوروبي للعالم الإسلامي منذ منتصف القرن السادس عشر، وشاركت فيه معظم الدول الأوربية: هولندا،وروسيا القيصرية، والامبراطورية البريطانية،و فرنسا، وأسبانيا،وايطاليا.ووقعت معظم الدول الإسلامية تحت الاحتلال الأوربي من أندونيسيا ،و شبه القارة الهندية ومصر وشمال افريقية :الجزائر، تونس. والمغرب،و ليبيا،و قبرص,و جنوب اليمن،الى السنغال ونيجيريا.
ولم يقتصر الإستعمار الأوروبي على احتلال الأرض ونهب الثروات بل سعت الدوائر الإستعمارية الأوروبية إلى طمس الهوية الدينية والثقافية والحضارية واللغوية للشعوب الإسلامية، وعملوا على تغيير المنظومة القانونية و تفكيك المنظومة الاجتماعية الإسلامية ومظاهرها المختلفة.وحيكت المؤامرات ووضعت الخطط ، لتمزيق العالم الإسلامي، وإضعافه، واستغلال موارده الطبيعية من أجل بنـاء الاقتصاديات الأوروبية المزدهرة في تلك المرحلة، مما كان له مضاعفات سياسية ونفسية وثقافية على مجمل العلاقات التي تربط دول العالم الإسلامي بالدول الأوروبية، وبالولايات المتحدة الأمريكية فيما بعد.
وقد صاحب تلك الحملات العدائية والدموية من قبل الكنيسة التنصيرية والحملات الإستعمارية، ، حملات لبث ثقافة الكراهية وتشويه صورة الإسلام والمسلمين في الذهنية الأوربية ،حتى تكون خلال التاريخ مخزون هائل من الصور النمطية السالبة عن الإسلام والمسلمين.
وقد كان للتنصير الكنسي وللإستشراق دور كبير في رسم تلك الصورة وتقديم نموذج مشوه عن الإسلام والمسلمين في المجتمعات الأوروبية. ذلك أنه بعد أن فشلت الحملات الصليبية في القضاء على الإسلام أو هزيمة المسلمين بقوة السلاح ، أدرك رجال الكنيسة أنَّه لا سبيل إلى مقاومة العقيدة الإسلامية بالسيف والحرب،ومن ثم أقبلوا على دراسة الإسلام للرد عليه،ووضع حاجز سميك يحول بين الإسلام الحق وبين المجتمعات الأوربية.وهكذا أضيف إلى جو العداء والحقد الذي ولدته الصراعات الدموية والحروب،جو من التعصب والجهل غذته الكنيسة وشجعته لخدمة أغراضها وأهدافها التبشيرية،وتوطيد نفوذها في أوروبا،وسيطرتها على عقول الناس وقلوبهم وأفكارهم.
وفي هذا الجو المشحون بالعداء ،نشأ الإستشراق، وخطا خطواته الأولى في أحضان الكنيسة.واتخذ الرهبان الصليبيون من الهجوم على الإسلام وسيلة لإثارة حماس الجماهير ضده.ومن ثم نجدهم يصفون الإسلام بأنَّه رجس من عمل الشيطان.وأنَّ القرآن هو نسيج من الأباطيل،وأنَّ المسلمين هم نوع من الهمج المجردين من أية مشاعر إنسانية.ويوصف الإسلام أحياناً بأنَّه بدعة مسيحية ومكيدة من الشيطان لإغواء الناس من الاعتقاد الحق. ويمضي آخرون في الخيال والجهل، فيصورون الرسول ﷺ كساحر استطاع أن يحطم كنيسة الشرق وأفريقيا عن طريق الشعوذة والخداع.واستطاع أن ينال النصر في حروبه عن طريق إطلاق العنان للشهوة الجنسية بين أتباعه،وحول هذه الأكاذيب حيكت الكثير من الأساطير الشعبية والقصص الخيالية عن الإسلام والمسلمين. ( انظر: في هذا الصدد:
1-Islam and the West (N.A.Daniel)
2-Western Views of Islam in the Middle Ages (R.W. Southern)
التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا ).
ويمضي تاريخ العلاقة بين المسلمين والغرب محملا بتلك الشحنات من العداء والتنميط المشوه ،من أجل وضع حاجز بين الغرب وبين الإسلام الحق،واستمرت تلك الدوائر:( التنصير والاستشراق والاستعمار)، في وصف الاسلام بأنه خطر يهدد أوروبا ويسعى إلى القضاء على حضارتها،ومظاهر التقدم فيها. ولم يرتبط ذلك التخويف من الإسلام والتحذير من الخطر الاسلامي، بأحداث سبتمبر/ 11 /2001م،كما يشاع، بل دق ناقوس الخطر من الإسلام ، و العالم الاسلامي يمر بأسؤأ فترات تاريخه،.فبعد نهاية الحرب العالمية الاولى،وهزيمة الدولة العثمانية على يد الحلفاء، نجد اللورد اللنبي،(1861 - 1936 م)، ممثل الحلفاء، في بيت المقدس، يصرح قائلاً في سنة 1918م: “اليوم انتهت الحروب الصليبية”؟. ويقف الجنرال الفرنسي غورو( 1867-1946م) - وقد دخل دمشق في السنة نفسها- أمام قبر صلاح الدين الأيوبي قائلاً: “لقد عدنا يا صلاح الدين” ،ويستعيد هاذين الجنرالين الى الاذهان، العداء التاريخي بين الاسلام والغرب متمثلا في الحروب الصليبية.
وبعد القضاء على الخلافة العثمانية بسنوات، كتب المستشرق الانجليزي جب Gibb عام 1932م ، كتابه المشهور: الإسلام الى أين؟ Whither Islam? ،ضمنه في مقدمته المطولة آراء لعدد من المستشرقين الأوربيين الذين أجمعوا على احتمال تحول العالم الإسلامي الى قوة تهدد أوروبا، ما لم يتم تدارك ذلك من جذوره ،حسب تحليلهم" . (See: Whither Islam: PP:9-74).
وفي نفس السياق ،يذهب مسؤول فى وزارة الخارجية الفرنسية فى العام 1952م، إلى أن الإسلام أشد خطراً من الشيوعية التي كانت تمثل تحدياً للغرب الرأسمالي، فيقول: " ليست الشيوعية خطراً على أوروبا فيما يبدو لي، فهي حلقة لاحقة لحلقات سابقة، وإذا كان هناك خطر فهو خطر سياسي عسكري فقط، ولكنه ليس خطراً حضارياً تتعرض معه مقومات وجودنا الفكري والإنساني للزوال والفناء. إن الخطر الحقيقي الذي يهددنا تهديداً مباشراً عنيفاً هو الخطر الإسلامي. فالمسلمون عالَمٌ مستقل كل الاستقلال عن عالمنا الغربي، فهم يملكون تراثهم الروحي الخاص، ويتمتعون بحضارة تاريخية ذات أصالة، فهم جديرون أن يقيموا بها قواعد عالم جديد، دون حاجة إلى الإستغراب، أي دون حاجة إلى إذابة شخصيتهم الحضارية والروحية بصورة خاصة في الشخصية الحضارية الغربية، وإذا تهيأت لهم أسباب الإنتاج الصناعى فى نطاقه الواسع ، انطلقوا فى العالم يحملون تراثهم الحضارى الثمين ، وانتشروا فى الأرض يزيلون منها قواعد الحضارة الغربية،ويقذفون برسالتها إلى متاحف التاريخ"
(https://www.alanba.com.kw/ar/kuwait-news/islamic-faith/233873/12-10
وفي عام 1989م،طرح فرنسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر" The end of History And The Last Man ،نظريته "نهاية التاريخ ، والتي ذهب فيها إلى : "أن الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية الأمريكية تشكل نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية، والصورة النهائية لنظام الحكم البشري، وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ ،ومن ثم فإنه لا خيار الا باتباعها ...."!!! (انظر:ماذا يتبقى من نظرية صراع الحضارات د سليمان العسكري ، ص: 22 )
كما صاغ هنتغتون من خلال كتاباته،ما عرف بصدام الحضارات،والقول بحتمية الصدام بين الإسلام والغرب ،ويقول في ذلك: "إن هذا الصدام الحتمي سيكون بين شعوب ذات ثقافة بروتستانتية/كاثوليكية، أي أوربية وأمريكية من جهة ، وشعوب ذات ثقافة إسلامية، أو ثقافة كونفوشية (العالم الإسلامي والصين وكوريا الشمالية)، من جهة أخرى، غير أنه عاد فركز على كون الصراع حتمياً بين الحضارة البروتستانتية/الكاثوليكية من جهة، والإسلام من جهة أخرى، وعدد أسبابا لذلك.." ،( المصدر السابق ، ص 10).
ثم وقعت أحداث 11 سبتمبر 2001م ،والتي كان لها أثر كبير في تنامي (الإسلاموفوبيا)،العداء للإسلام.وفي أعقاب تلك الاحداث ، أعلنت الحكومة الأمريكية الحرب على الإرهاب ، و تم اتخاذ تدابير عدة كان من بينها إصلاح النظم القانونية بغية التصدي للتهديدات الجديدة التي يمثلها الإرهاب ، و تمت إعادة صياغة قانون الهجرة ، وتركزت التدابير الأخرى على تحسين الآليات الرامية إلى ضمان الحد من تدفق الموارد الاقتصادية و المالية لدعم الأنشطة الإرهابية . وسارعت وسائل الاعلام إلى تقسيم العالم إلى قسمين أو قطبين: أحدهما يمثل الثقافة والحضارة الغربية، و الآخر يمثل الثقافة أو الحضارة الإسلامية، وبات الإرهاب –في نظر الرأي العام الغربي- يمثل الوجه الآخر للإسلام،بفضل أبواق الدعاية الإعلامية، وجهود برنارد لويس في الكيد للإسلام،وجهود تلاميذه من اقطاب اللوبي الصهيوني المهيمن على حقل دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الأمريكية من أمثال:مارتن كريمرMartin Kremer وستانلي كيرتزStanley Kurtz،ودانيال بايبس Daniel Pipes،وغيرهم.( انظر:الإسلام وأزمة العصر ( برنارد لويس) ترجمة أحمد هيكل تقديم ودراسة رؤوف عباس،المقدمة: .ص:15)
وشهدت السنوات التالية لهجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) ، اشتعال موجة عارمة من الحقد والتشويه ضد الإسلام والمسلمين. وقد زاد من حدة اشتعال هذه المواجهة عدة ظواهر تمثلت في ما يلي:
1-السقطات المروعة التي وقع فيها كبار السياسيين الغربيين من أمثال الرئيس الأميركي جورج بوش، الذي استحضر الحروب الصليبية CRUSADE عند إشارته إلى المعركة المقبلة ضد الإرهاب، وتصريحاته حول الحرب مع الفاشية الإسلامية. وذلك نتيجة لوقوعه تحت التأثير الفكري والسياسي لفلاسفة الحروب الدينية الغربيين ضد الإسلام في العصر الحديث، بجناحيهم الديني المتطرف أمثال: بات روبرتسون ، وجراهام، وفولهام.. وغيرهم، والسياسي العلماني أمثال صمويل هنتنجتون، صاحب نظرية صراع الحضارات والثقافات، وبرنارد لويس منظر الموجة الحديثة من العداء للإسلام، فضلا عن التأثر الشديد بضغوط اللوبي الصهيوني والمسيحيين الصهيونيين، والكارهين للعرب والمسلمين، المناصرين ل”إسرائيل”، تحت دعاوى دينية متطرفة..
2- تصريحات بعض السياسيين الغربيين التي تضمنت الاستعداء على الإسلام والمسلمين،ومن بينها تصريحات رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني (1936 – 2023م)، التي ادّعى فيها تفوق الحضارة الغربية على الحضارة الإسلامية، اضافة الى التصريحات المسيئة إلى الإسلام ومقدساته التي صدرت عن قادة دينيين أمريكيين أمثال الراحل جيرى فولويل ( 1933 - 2007 م )،مؤسس منظمة «الأغلبية الأخلاقية»، الذى وصف النبى ﷺ ،بانه إرهابى، وبات روبرتسون1930) -2023م) ،الذى وصل به طموحه في سنوات التسعينيات إلى حد ترشيح نفسه للرئاسة الأمريكية (عن الحزب الجمهورى) ،ووصف القرآن بأنه يشبه كتاب هتلر «كفاحى».
3--إثارة بعض المفاهيم المغلوطة عن الإسلام، من خلال الإعلام أو المناهج الدراسية التي رسخت في ذهن المجتمعات الغربية أن الإسلام تخلف وظلامية ورجعية، وأنه يمثل العنف والإرهاب والتدمير. وقد ادى ذلك كله الى انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» أو الخوف غير المبرر من الإسلام في المجتمعات الغربية،وتنامي المشاعر العدائية لكل ما هو إسلامي.
ونتيجة للتلك المشاعر العدائية،تفشت مظاهر التطاول والاستهزاء على الإسلام وعلى المسلمين وكان من اشد تلك المظاهر تطرفا الرسوم الكاريكاتورية المهينة للنبي محمد ﷺ، التي نشرتها صحيفة :"يولاندس بوستن" Jyllands-Posten،الدنمركية، في سبتمبر 2005م ،وفي احدي تلك الرسوم الاثني عشر عرضت صورة النبي وهو يرتدي عمامة على شكل قنبلة (وبالتالي تصويره بأنه إرهابي).و في أوائل فبراير 2006 م،أعادت العديد من الصحف في 22 دولة أوروبية نشر تلك الرسوم الكاريكاتورية. الأمر الذي ولد قدراً هائلاً من الغضب والاستياء بين المسلمين في جميع أنحاء العالم، عبروا عنه في احتجاجات ومظاهرات واسعة النطاق و الدعوة إلى مقاطعة البضائع الدنماركية.
وقد كان لذلك كله أثر كبير على الرجل العادي في الغرب الذي لم يعرف الإسلام إلا من خلال كتابات المستشرقين واحاديث الكنسيين،وتصريحات السياسيين،وتقارير الإعلاميين، وكان من الطبيعي ان تتنامي تلك الصورة السلبية عن العرب والمسلمين في المخيال الغربي الأوروبي والأمريكي ،و الرفض للإسلام وبالتالي للمسلمين، وتحول هذه المشاعر إلى مرض أطلق عليه "الرهاب من الإسلام والمسلمين(الإسلاموفوبيا).
الأسباب الحقيقية وراء الحملة ضد الإسلام والمسلمين:
رغم الخلفيات التاريخية للصراع بين الغرب والعالم الإسلامي ،وما وقع من خصومات وما نتج عنها من سوء الظن وعدم الثقة ،واحتدام الصراع بين الحين والآخر ،فإن هناك أسباباً مباشرة تقف وراء تجدد الحملات ضد الإسلام والمسلمبن ،لعل من أهمها :
1-ضعف القيم التي كانت تسود في أوروبا: فقد عاش الغرب فترة من الزمان يتظاهر بأنه يحمل قيماً تقوم على احترام الثقافات والحضارات والقيم الإنسانية المختلفة،وصور نفسه- حتى في فترة الإستعمار- بأنه حامل مشعل الحرية وحقوق الإنسان والدعوة الى التقدم البشري.ويبدوا أن التقدم المادي وغلبة المادية على الحضارة الغربية،ادى الى تلاشي تلك القيم او على الأقل ضعفها، وحلّت محلها-للأسف- قيم عنصرية وثقافة أحادية تركز على التفوق العلمي والمادي للغرب، وظهرت الدعوات الى سمو الغرب في مقابل النظرة الدونية للآخرين، وقد سبقت الاشارة الى ما طرحه فرنسيس فوكوياما في كتابه "نهاية التاريخ وخاتم البشر" The end of History And The Last Man ،نظريته "نهاية التاريخ" ، ودعواه بأن الديمقراطية الليبرالية الرأسمالية الأمريكية تشكل نقطة النهاية في التطور الإيديولوجي للإنسانية، والصورة النهائية لنظام الحكم البشري، وبالتالي فهي تمثل نهاية التاريخ"، ومن ثم فإنه لا خيار إلاَّ باتباعها،وبما أن الإسلام يمثل تحديا حقيقيا لهذه الدعوة،وتقف قيمه الثقافية ومبادئه ضدها،فلا بد اذن من السعي الى ازالته حتى يتمهد الطريق لتنفيذ اشواق الغرب وطموحات ساسته.
كما أدى التحوّل العلماني في المجتمعات الغربية،التي تبنت العلمانية المتوحشة التي تعادي الاديان، إلى تآكل القيم الدينية مع إمكانية ازدرائها وتقليص قضية حماية الدين إلى الحد الأدنى. فقد قررت الدنمارك إزالة فقرة “ازدراء القيم الدينية” في عام 2017، التي كانت موجودة في قانون العقوبات منذ 334 عامًا. أما في ألمانيا، فقد نوقش إلغاء قانون مماثل من القانون الاتحادي، فالمادة 166 من قانون العقوبات الألماني والمتعلقة بـ “ازدراء المعتقدات الدينية” وهي عمليا ،لا توضع في حيّز التطبيق، فيما يلاحق الادّعاء العامّ أعمال ازدراء الأديان، ولا يتمّ رفعها إلى المحكمة إلا إذا اعتُبرت بأنها “تشكل تهديدًا على السلم العام.
2- التنافس بين الكنيسة والإسلام: إن التنافس بين الديانتين الإسلامية والكاثوليكية بات على أشدّه في القرن العشرين، وأصبح عدد المسلمين اليوم -كما تقول بعض الاحصائيات- أكبر من عدد الكاثوليك في العالم. فالقى هذا التنافس بظلاله على المؤسسات الدينية في الغرب لإعطاء بُعد سلبي، وصورة سيئة عن الإسلام وحضارته. وكما يقول جون سبوزيتو" لقد شكل نجاح الإسلام وتوسعه المبكر تحدياً على المستوى اللاهوتى والسياسى والثقافى، كما شكل تهديداً للغرب المسيحى. وحيث إن كلا من الإسلام والمسيحية يمتلك شعوراً برسالة ومهمة عالمية، كان محتما أن تسير العلاقة بينهما إلى المواجهة بدلاً من التعاون. وذلك وبسبب تاريخ طويل، غالبا ما كان العالم المسيحى خلاله يسب النبىﷺ والإسلام الذى كانت صورته مشوهة جداً بالنسبة لهم، وبسبب تاريخ حديث، كان الإسلام خلاله يوضع على قدم المساواة مع الإرهاب والتطرف". (التهديد الإسلامى خرافة أم حقيقة" جون إسبوزيتو، ص:45.)
3- استغلال العداء للإسلام لأغراض سياسية: هناك فئة من الساسة الغربين العاطلين اتخذوا من عداوة المسلمين والاساءة اليهم والى الإسلام، وسيلة لدعم مواقفهم السياسية ، وحاولوا تحميل المسلمين في الغرب كل ما تمر البلاد الغربية من تدهور اقتصادي وخلل اجتماعي. وعلى هذا المنوال أصبحت مهاجمة الإسلام والإساءة إلى رموزه وقيمه وسيلة الكثيرين من الساعين إلى الشهرة، والكسب السياسي ، و قد قادت بعض الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة في أوروبا- مثل الجبهة الوطنية في فرنسا، والحزب القومي البريطاني، وحزب Vlaams Belang "فلامس بيلانج" بزعامة دي فينتر في بلجيكا،و الحزب القومي اليميني المتطرف (NPD)في ألمانيا - حملة منظمة مضادة للوجود الإسلامي في اوروبا،من أجل كسب اصوات الناخبين عن طريق اثارة مشاعرهم المعادية للإسلام. .كما يمكن تلمس الأصابع الصهيونية التي تدفع نحو تضليل الشعوب الأوربية والامريكية عن إدانة اسرائيل والتغطية على مجازرها ضد الشعب الفلسطيني واحتلالها لأراضيه ، وذلك باستخدام مصطلحات في وصف المجاهدين الفلسطينيين مثل" الفاشية الإسلامية"،و"الإرهاب الإسلامي" ،وغيرها من المصطلحات التي روج لها كتاب صهاينة من أمثال: دانيال بايبس. Daniel Pipes
4- أزمة المهاجرين لا سيما المسلمبن: فقد هجرت الدول الإستعمارية إبَّان فترة الإستعمار أعداداً كبيرة من سكان المستعمرات من أجل انشاء البنية التحتية للمدن الأوربية،وبعد انتهاء الاستعمار بدأ الغربيون يشعرون بالضيق من وجود وتنامي اعداد اولئك المهاجرين. وشهدت بريطانيا -خلال الستينات والسبعينات من القرن العشرين- حملة قوية قادها النائب البريطاني اليميني انوخ باولEnoch Powel ،وشهر بخطبته نهر الدم ،والتي حذر فيها من خطر المهاجرين على المجتمع البريطاني ووحدة نسيجه الاجتماعي،ودعا الى ايقاف الهجرة والسعي الى التخلص من المهاجرين(.انظر: http://www.telegraph.co.uk/comment/3643823/Enoch-Powells-Rivers-of-Blood-speech.html)
و منذ بدايات التسعينات من القرن العشرين، توسع الجدل حول المسلمين المهاجرين بخاصة ،في عدة دول أوروبية، ،وظهرت حملات عدائية تمثلت في الهجوم على النقاب والحجاب" ،ودعت الى منعه في المدارس والمؤسسات و الاماكن العامة،وتصويره بأنه مخالف لقيم الحضارة الغربية.ويبدو ان الهدف لم يكن الحجاب لذاته ،والا لضاقت المجتمعات الغربية بأشكال العري المنتشرة فيه،و بمختلف الازياء والرموز التي تعبر عن ثقافات واديان مختلفة،مثل زي الراهبات الذي لا يختلف كثيرا عن الزي الشرعي للمرأة المسلمة،وبعمامة السيخ ،وازياء الهنود ،و بالقلنسوات التقليدية لليهود. ويبدو ان هذا الرفض للمظاهر الإسلامية دون سواها في المجتمعات الغربية ، ،انما هو تعبير عن ظاهرة ضيق الغربيين بالمسلمين، الذين تميزو عن الآخرين بسعيهم للحفاظ على هويتهم ،وذلك بعد عقود من الذوبان في الثقافة الغربية،. فقد ادى تنامي وعي المسلمين في الغرب عموماً بإسلامهم عقيدة وسلوكاً وثقافة وهوية وتأثيرهم في المجتمعات الغربية إلى الإقبال الكثيف من قبل الغربيين على الإسلام وأصبح الإسلام الدين الأكثر والأسرع انتشاراً. أمام هذه الظاهرة غير المسبوقة راح كثير من الساسة والخبراء والمفكرين يحذرون من الأخطار الديمغرافية والسياسية التي يمثلها تنامي الإسلام وانتشاره في أوروبا على المجتمعات الأوروبية. واتخذ هذا التحذير شكلين -كما يقول فريد هاليداي -شكل استراتيجي ارتبط بقضايا أمنية كالاسلحة النووية ،والامدادات النفطية ،والارهاب،والآخر شعبوي تعلق بقضايا الهجرة ،والاستيعاب والعرق والحجاب" (انظر:الإسلام والغرب : خرافة المواجهة - فريد هاليداي- ص: 185.)
5-إسهام بعض المرتدين في تشويه صورة الإسلام: ظهرت خلال العقود الثلاثة الأخيرة فئة من المسلمين المتمردين على الإسلام الكارهين لأنفسهم وثقافتهم وحضارته ،واتخذوا من إعلان الإرتداد عن الإسلام والهجوم على قيمه وتعاليمه سبيلاً لبناء مجد شخصي تافه. وتلقفتهم دوائر عديدة في الغرب ،وجعلت منهم أبواقاً للتشهير بالإسلام والعالم الإسلامي. ومن بين هؤلاء : سلمان رشدي Salman Rushdie ،وتسليمة نسرين Taslima Nasreen ،وشهلة شفيق Chahla Chafiq ،وايان هرسي علي Ayaan Hirsi Ali ، وابراهيم ابن الوراق Ibn Warraq وغيرهم ،ممن فتحت لهم وسائل الاعلام الغربي ابوابها ،وشجعتهم الدوائر الكنسية والمحافل السياسية على مهاجمة الإسلام ،والطعن في تشريعاته ونظمه ،واتهامه بتشجيع الارهاب ،ومحاربة الحضارة الغربية ،واضطهاد المرأة ،والتعدي على حقوق الانسان،الى غير ذلك من التهم الباطلة والمطاعن الزائفة. التي سعى اولئك من من ورائها الى تحقيق الشهرة من أيسر الطرق وأقصرها وأكثرها خسة ودناءة ،بل بلغت الوقاحة ببعض من هؤلاء المأجورين ان اصدروا بيانا يصرحوا فيه بمهاجمة الاسلام وقيمه،وعبروا عن خروجهم على تعاليم الاسلام ومقرراته.،ولم يكن لهولاء على اختلاف ما بينهم،من المواهب ما يستحقون به المجد الذي أحيط بهم والشهرة التي نالوها،لولا ردود أفعال بعض المسلمين غير المنضبطة،والمتشنجة.
وهكذا يمكن القول بأن هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 تسببت في انتشار ظاهرة «الإسلاموفوبيا» في الغرب كما راينا ، وكان من بين مظاهر انتشار هذه الظاهرة ،حرق المصاحف مصحوباً بهجوم مسعور على الإسلام، ووصمه بصفات الإرهاب والعنف. ففي العام 2010 م،أعلن القس الامريكي المدعو تيري جونز «اليوم العالمي لحرق القرآن»، داعيًا إلى حرق نسخ من القرآن في ذكرى هجمات سبتمبر على نيويورك وواشنطن، بدعوى أن الكتاب المقدس للمسلمين يدعو إلى العنف والإرهاب والتطرف، وقد تراجع عن فكرته هذه ، ليعود فيحرق المصحف في مناسبتين أخريين عامي 2011 و 2012م، كما سبق ان اشرنا. كما قام جنود أمريكيون بإحراق نسخ من القرآن في قاعدة باغرام الأمريكية في أفغانستان في فبراير 2012، إضافة إلى ما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية من أن محققين أمريكيين قاموا بتدنيس القرآن الكريم، في معتقل غوانتنامو سيئ الصيت.ثم تلى ذلك الاحداث التي اشرنا اليها اعلاه من حرق للمصحف واهانته والتعدي عليه.
حرق المصاحف بين الاسلاموفوبيا وحرية التعبير:
يزعم الغرب أنه بحمايته لأولئك المسيئين إلى مقدسات المسلمين ومشاعرهم ( ومن بينها حرق المصاحف)، فإنما يحمي حرية التعبير التي يعُدّها أسمى الحريات، ومع تقديرنا لاحترام حرية التعبير في كل مكان، إلا أن تعمُّد الإساءة إلى فئة من البشر سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين ليس من حرية التعبير، لأن الحرية كما تَعلّمنا تنتهي عندما تمس الآخرين، والغرب نفسه غير صادق في إدعاءاته عن حرية التعبير، فهو لا يسمح لأحد بالإساءة إلى الصهيونية مثلاُ. وقد تابعنا ماذا فعل بالفيلسوف الفرنسي روجيه غارودي الذي تعرّض لمحاكم تفتيش وصدر ضده حكم بالحبس عام 1998 م،بسبب كتابه “الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل”، لأنه شكك في الأرقام الشائعة عن ضحايا (الهولوكوست) على أيدي النازيين. فحرية الراي تلك تختفي ولا يسمح بها حين يتعلق الأمر بالمساس باليهودية أو بالدولة الصهيونية ، وليدة الجرائم الأوروبية النازية والفاشية ضد يهود أوروبا بالذات.
وكدليل على ازدواجية المعايير في التعامل، تعهدت السويد لسفير إسرائيل بمنع أي محاولة لحرق التوراة أمام سفارة الكيان الصهيوني، وذلك بعد تقدم مواطن سويدي بطلب رسمي للسماح له بذلك لاختبار صدق الديمقراطية السويدية في حماية حرية التعبير، وقد شكر السفير الإسرائيلي حكومة السويد على تفهمها.!!! . ومن المؤكد أن حكومة السويد لن تجرؤ على السماح بحرق التوراة أو الإنجيل.
ولم تعط تلك الدول،اعتبارا لما يترتب على هذه الممارسات من بروز مظاهر الكراهية بين المجتمعات والمتمثلة في خطاب الكراهية الذي عرفته الامم المتحدة بأنه«أي نوع من الاتصال في الكلام أو الكتابة أو السلوك، يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس دينهم أو عرقهم أو جنسيتهم أو عرقهم أو لونهم أو نسبهم أو جنسهم أو أي عامل هوية آخر». وهو امر يحظره القانون الدولي ويدعو الدول الى اتخاذ الاجراءات لمنعه.لا سيما اذا تضمن التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، أو في حال «تسبب بتأجيج العنف»،,فقد نصت المادة 20(2) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على ما يلي: «يحظر القانون أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف».
انظر: https://www.ohchr.org/ar/instrumentsmechanisms/instruments/international-covenant-civil-and-political-rights
ولا شك ان حرق نسخ من القرآن هو عمل يتضمن التحريض على التمييز والعداء والكراهية، وكذلك العنف بدليل أنه تسبب في مرات عديدة بعنف متبادل وخلق بيئة معادية للمسلمين بصفتهم الجماعية كمسلمين، ويتضمن عنصرية دينية واضحة، وبالتالي هو عمل محظور في القانون الدولي، ولا يمكن الادعاء بحرية الرأي والتعبير لتبريره قانونياً واعتباره عملاً مشروعاً. ومن ثم فإنه يتوجب على السلطات السويدية، كما قالت المفوضية الأوروبية، اتخاذ خطوات بشأن الحادثة، مؤكدة أنه "لا مكان للعنصرية وكراهية الأجانب والكراهية العرقية والدينية في الاتحاد الأوروبي"، وهو إقرار بأن الحادثة هي عمل عنصري وينم عن كراهية الأجانب والتي يجب أن يحاسب عليها القانون".
إنه من الصعب علينا، أن نفهم كيف باتت حرية التعبير في أوروبا محصورة في حرق القرآن الكريم، والتطاول على الإسلام، وعلى النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، ونشر الرسوم الكرتونية المسيئة له عليه السلام، في استفزاز صريح ليس موجها لأبناء الجاليات المسلمة فقط، وانما لكل المسلمين في كل بقاع الأرض.
• منطلقات المقدمين على حرق المصحف: إن منطلقات من يقدمون على حرق المصحف ،بالاضافة الى جو العداء المشحون بالكراهية الذي ولدته الاسلاموفوبيا، تعود على الاغلب الى عدة امور من بينها :
• 1-جهلهم بالإسلام،فمعظم الغربيين يقدمون على هذه الجرائم ،منساقين وراء الاعلام المغرض ،والساسة الفاشلون ،ومن غير ان تكون لهم معرفة بالاسلام او اطلاع على تعاليمه،ولو قيض لاحدهم الاطلاع على القرآن لما اقدم على فعله الاجرامي. بل لوجدوا في الاسلام ما يلبي اشواقهم وتطلعاتهم ،وخير مثال على ذلك ما حدث للسياسي الهولندي أرنود فان دورن:" Arnoud Van Doorn" ( 1967م--)، نائب رئيس الحزب الهولندي (حزب من أجل الحرية)،الذي يعد أكثر الأحزاب اليمينية تطرفاً وتشدداً ضد الإسلام والمسلمين، ومنتج فيلم" فتنة "، المسيء للنبي محمدﷺ.فقد اعتنق الإسلام مطلع عام 2013 م. وحالياً هو عضو المجلس البلدي في لاهاي، ورئيس مجلس إدارة حزب الوحدة، وهو حزب مبني على مبادئ إسلامية، وسفير علاقات المشاهير في جمعية الدعوة الإسلامية الكندية في اوروبا ،وقد عبر عن ما حدث له من تحول تجاه الاسلام فقال:" كانت نظرتي للاسلام سيئة.لقد انجرفت مع كل التصريحات السلبية عن الاسلام.وهذا سبب ما يتلقاه المرء من طرف السياسة،وفي الشارع ووسائل الاعلام.لذلك انجرفت مع الكراهية ضد الإسلام.كنت اعتبر الاسلام في ذلك الوقت انه شيء غير جيد .وان هذه الاحكام المسبقة التي عند كثير من الناس في الغرب عن الإسلام، مثل قمع النساء ،والعدوانية والسيطرة على العالم بالعنف ،ودين غير متسامح.هذه كانت نظرتي قبل عدة سنوات للاسف".
• ويمكن ان يذكر في هذا المقام، المستشار القانوني للرئيس الامريكي ريتشارد نيكسون ( 1913 – 1994)، روبرت كرين ( 1929 - 2021)م) وهو اكاديمي يهودي حاصل على دكتوراه في القانون العام من جامعة هارفارد ،والدكتوراه في القانون الدولي والمقارن،ثم تولى رئاسة جمعية هارفارد للقانون الدولي.وقد كلفه الرئيس بمتابعة ملف عن الاصولية الاسلامية، وضعته المخابرات الأمريكية، ورغم ذلك فإن ما ورد فيه من معلومات ترك أثرا ايجابيا في نفسه. وكما يحكي هو عن كيفية اسلامه :انه في عام 1980م تابعت بأمر من حكومتي ندوات ومؤتــــمرات عن الإسلام شارك فيها عدد من قادة الفكر الإسلامي, منهم الداعية والمفكر الاسلامي السوداني( الدكتور حسن الترابي)، الذي تكلم عن مبادئ الإسلام وحركيته, ثم شاهدته يصلي ويسجد، فاعتقدت أن في هذا السجود إهانة له ولإنســــــانيته،ولكنني -كما يقول- أدركت ان الشيخ الترابي، ينحني لله وليس لبشر كائنًا من كان، وأنه يسجد للخالق وحده. ويمضي روبرت الى القول انه بعد استفاقة قلبه ، أعمل عقله،واستعان بما لديه من ثقافة وعلم، حتى تيقن ان الاسلام هو الطريق الصحيح.. ثم يشير الى لقائه البروفيسور روجيه جارودي في دمشق وناقشــــــه أفكاره وازداد يقينا بان الاسلام هو الذي يحمل العدالة في مقاصد الشريعة وفي الكليات والجزئيات والضروريات. وان ما ورد فيه من مباديء ليست من وضع البشر, وتبين له ذلك يقينا ، حين قرأ آيات الميراث في القرآن فتعجّب-كما يقول- من إيجازها وإعجازها وشمولها الكامل واعلن أنه لا قدرة لبشر على فعل ذلك ،وهكذا انشرح قلبه لهذا الدين الفارق الحق،كما يقول، وأعــــلن إسلامه في عام 1980م وأطلق على نفسه اسم (فاروق عبدالحق).،وفي حوار مع احد أساتذة القانون من اليهود ،ساله عن حجم قانون المواريث الامريكي،فاجاب محاوره، انه في أكثر من ثمانية مجلدات. فقال له كوين: إذا جئتك بقانون للمواريث فيما لا يزيد على عشرة سطور، فهل تصدق أن الإسلام دين صحيح؟,فأتاه بآيات المواريث من القرآن الكريم وقدمها له، فجاءه اليهودي بعد عدة أيام مرددا ما سبقه اليه روبرت كوين، قائلاً : لا يمكن لعقل بشري أن يحصي كل علاقات القربى بهذا الشمول الذي لا ينسى أحدا، ثم يوزع عليهم الميراث. هذا العدل الذي لا يظلم أحدا، ثم أسلم هذا الرجل اليهودي!. فروبرت وكثير من امثاله في مختلف التخصصات اقبلوا على اعتناق الإسلام،لما وجدوا فيه من المثل العليا،والقيم التي تتوافق مع الفطرة الانسانية، مما جعله الدين الأكثر انتشارا، وخياراً للعديد من نخب العلماء والمفكرين الغربيين مثل رجاء جارودي الذي سبق ذكره، ومراد هوفمان يرحمهما الله وكثير غيرهم.
• 2- هناك من اغرته الشهرة وسعى الى تحقيقها عن طريق الاساءة للاسلام وحرق القرآن الكريم ، ،كما يبدو من مسلك القس جونز،الذي يمثل نكسة خطيرة لمبدأ التسامح، ولكن سعيىه الدايم إلى الشهرة دفعه الى التخلي عن أحد أبرز المبادئ اللاهوتية والأخلاقية للديانة المسيحية.فكتب كتابه عن الاسلام بعنوان :«الإسلام هو الشيطان»،دفعه الى حرق المصحف الشريف.
3-هناك من استغل حرق المصحف من اجل هدف سياسي ، فظهر العديد من السياسيين والنشطاء الأوروبيين، الذين اعتمد خطابهم وعملهم السياسي على توجيه إهانات ممنهجة ومتكررة للقرآن. ومن هؤلاء السياسي الهولندي خيرت فيلدرز، الذي صنع حياته السياسية من خلال ضخ خطاب معادٍ للإسلام والمطالبة عام 2016م، بحظر القرآن الكريم في هولندا، كما عمد السياسي السويدي الدنماركي راسموس بالودان منذ عام 2020، بتنفيذ مجموعة من الأنشطة لحرق نسخ من القرآن الكريم في الأماكن العامة. وهو زعيم حزب “سترام كورس” اليميني المتطرف، وعرف بعدائه للمسلمين والإسلام. ودعا الى طرد المسلمين وغير البيض من الشمال، وكان قد أدين سابقًا بالعنصرية والتحريض على العنف في الدنمارك بعد مقطع فيديو على Youtube حيث أدلى فيه بتصريحات مهينة حول معدل الذكاء لغير البيض.
وقد سبق ان اشرنا الى هذه الثلة من الساسة الغربين الفاشلين اتخذوا من عداوة المسلمين والاساءة اليهم والى الإسلام، وسيلة لدعم مواقفهم السياسية ، وحاولوا تحميل المسلمين في الغرب كل ما تمر به البلاد الغربية من تدهور اقتصادي وخلل اجتماعي،واتخذوا من حرق القرآن سبيلا الى اثارة المسلمين ولفت انظار ناخبيهم وكسب ثقتهم.
وقد استغل هؤلاء الساسة بعض المغمورين ممن يسعون للشهرة او الحصول على مكاسب مادية رخيصه للقيام بهذه الاعمال القذرة ،من اجل منافع انية ومصالح مادية . ففي 28 حزيران/يونيو 2023، قام سلوان موميكا، وهو لاجئ عراقي في السويد ذو أصول المسيحية، بتمزيق نسخة من القرآن الكريم، ثم حرقها عند مسجد ستوكهولم المركزي، في أول أيام عيد الأضحى، بعد أن منحته الشرطة السويدية تصريحاً بتنظيم الاحتجاج إثر قرار قضائي.
وفي 20 تموز/يوليو 2023 كرّر سلوان موميكا نفس الفعل، حيث قام بحرق نسخة من القرآن الكريم وإضافة إلى ذلك، حرق العلم العراقي أمام السفارة العراقية في السويد، مما أثار غضب الشعب العراقي والحكومة العراقية، ونتيجة لذلك قررت الحكومة العراقية طرد السفيرة السويدية وقطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع ستوكهولم.
وكما ذكر الدكتور محمد جميح :" فإن هذه الأفعال ستستمر ما دام الخطاب اليميني يتقدم المشهد الأوروبي والغربي عموماً، وما دامت الأحزاب اليمينية المتطرفة تحصد نتائج طيبة في الانتخابات، على وقع خطابها المعادي للعرب والمسلمين والمهاجرين، بشكل عام، وما دامت هذه الأفعال تحظى بالحماية التي توفرها الأجهزة الأمنية، بذريعة «حرية التعبير» في هذا البازار الكبير الذي يتنافس فيه المتطرفون على تصدُّر المشهد الذي يرون أن تصدره يكون بإشعال المزيد من الحرائق، بما أن هذه الأفعال تجلب لهم اهتمام وسائل الإعلام، وتتحول إلى كاش سياسي في صندوق الانتخابات، مستغلين جمهوراً تجري عليه أكبر عمليات غسيل الأدمغة، يتم قولبته في قوالب جاهزة للاستعمال في أغراض شتى" ( انظر. حرق القرآن بين الأمس واليوم،( محمد جميح )،القدس العربي . 26 - يوليو – 2023م)
مواقف المسلمين تجاه الظاهرة : أثارت حوادث حرق القرآن الكريم، غضباً بين أوساط المسلمين وإدانات من دول عربية وإسلامية اعتبرتها "عملاً استفزازياً لمشاعر مليار ونصف مليار مسلم". ولكن لم يبد من اي مسلم رد فعل انتقامي بأن يسعى الى حرق اي من الكتب المقدسة لدى من ارتكبوا هذا الجرم ،او شجعوا عليه او سكتوا عنه( الإنجيل أو التوراة ) والسبب الرئيسي في موقف المسلمين هذا ،يعود الى مبدأ التسامح الذي يعتبر جزءاً اصيلاً في الحضارة الاسلامية، ومكون من مكونات المسلمين الثقافية ،التي تنهى عن أن يبادل المسلم الاخرين بالإساءة.
و من الطبيعي ان يعبر المسلمون عن غضبهم لما قام به المجرمون من التعدي على مقدساتهم،وما سببته الإساءة للمقدسات الدينية وحرق الكتب الدينية من الاستفزاز والغضب لدى كثير من المسلمين. ولكن الرد على هذا الفعل بالعنف وأعمال الشغب والتخريب ليس سوى تفريغ لشحنات الغضب،,ومن ثم ينبغي الدعوة الى ضبط النفس وتنظيم التعبير عن الغضب بطريقة ايجابيه.ومن ذلك عدم اكتفاء الحكومات ببيانات الشجب و التنديد،بل ينبغي ان يكون ردالمسلمين افرادا وجمعات ردا مدروسا، يتناسب مع عظم الجرم ، وعلى الجميع اتخاذ الخطوات التالية:
1- اللجوء للعقوبات الاقتصادية و سلاح المقاطعة لمنتجات و سلع و خدمات البلدان المعتدية. كمقاطعة المنتجات السويدية وعدم التعامل مع الشركات السويدية الهولندية.
.2-صدور بيانات إدانة رسمية من الدول الاسلامية والعربية جميعاً،ومن مؤسسات بارزة، مثل منظمة التعاون الإسلامي، وجامعة الأزهر ومجلس التعاون الخليجي، ووزارات الخارجية للدول العربية والاسلامية.
3- على الدول الاسلامية الثرية ان تستغل ثرواتها لبناء أوطان تصلح لعيش جميع أبناءها و تصبح جاذبة لكل المستضعفين، و حامية للمظلومين خاصة في ظل صعود اليمين المتطرف في معظم البلدان الغربية.
4- ان يقوم الساسة والحقوقيون المسلمون، برفع مذكرات على مستوى مجلس الأمن والأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، لاستحصال قرار، يجرم كل من يحاول خلق الكراهية والبغضاء والفتن والاضطرابات في العالم، عبر الاساءة الى الرموز الدينية للامم والشعوب، ولابد ان يكون موقف المسلمين موحدا في هذا الشأن، ليكون اكثر تأثيرا، فالغرب لم ولن يرضخ، الا في حال راى مصالحه معرضة للخطر، وبذلك يرسل المسلمون رسالة واضحة الحروف للكيان الاسرائيلي، مفادها انهم لن يقفوا مكتوفي الايدي في حال تعرض المسجد الاقصى لادنى تهديد.
5—على المسلمين ان ينظروا الى الجانب الايجابي من تلك الاحداث ،وما يمكن ان يترتب عليها من فوائد مثل: دفع كثير من الغربيين الى السعي الى التعرف على القرآن الكريم الذي تدور حوله كل هذه الاحداث،والبحث عن الاسلام الذي يثور المسلمون في انحاء العالم للدفاع عنه وعن رسوله وعن قرآنه. ويعيدوا الى الاذهان ماحدث بعد احداث سبتمبر/ 11 . فرغم ما عاني المسلمون على اثرها من موجة من العداء والاخذ بالشبهات والتعدي على كل من بدت عليه سيماء الاسلام من لحية للرجال أوحجاب بالنسبة للمرأة .ففي هذا الجو العدائي للاسلام والمسلمين ،بدا الناس يسالون عن الدين الاسلامي ، الذي يتحمس اتباعه لنصرته ،ويضحون بانفسهم في سبيله ،فادت تلك الاسئلة الى ان يكتب الدكتور اسبسيتوا ، كتابه الشهير بعنوان: ما يحتاج كُل شخص أن يعرفه عن الإسلام : What Everyone needs to Know About Islam :John L.Esposito. Oxford University Press’2002
وفي تقديمه للكتاب يبين ذلك ،جون إسبوسيتو فيقول : انه عقب احداث سبتمبر ،كان هناك طلب كبير على اي معلومات عن الاسلام ،وقد دعي إسبسيتو،بحكم تخصصه لمخاطبة قاعدة واسعة من المسؤولين الامريكيين،شملت اعضاء في الكونجرس ، وبعضا من ادراة الرئيس بوش ،والمؤسسات الحكومية ،والادارات العسكرية، والاجهزة الإعلامية،ومن خلال هذه التجربة تحددت الأسئلة الأكثر إلحاحا التي يطرحها الناس باستمرار حول الإسلام. ووضعها في مؤلفه المذكور اعلاه ، في سبعة فصول، وقعت في 204 صفحة ،تضمنت: معلومات عامه عن الاسلام،العقيدة والعمل،الاسلام والديانات الاخري،العادات والثقافة، العنف والارهاب، المجتمع السياسة والاقتصاد، المسلمون في الغرب . ومن ناحية اخرى فقد شهدت الفترة التي اعقبت احداث سبتمبر11،نمواً في عدد المسلمين رغم تنامي المشاعر المعادية لهم، وكانت فترة مشرقة للمسلمين في الولايات المتحدة، حيث تضاعف عددهم ليصل إلى 3.5 ملايين نسمة، وتعززت مكانتهم في المجتمع الأميركي بشكل غير مسبوق.
وأفاد تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية أن المسلمين كانوا الأقلية الدينية الأكثر بروزا في الولايات المتحدة خلال السنوات التي تلت احداث سبتمبر، حيث تضاعف عدد المساجد بالبلاد منذ عام 2001. وعلى صعيد التعليم، كانت الأرقام لافتة، ففي ولاية ميشيغان -على سبيل المثال- أصبح المسلمون يشكلون 15% من عدد الأطباء رغم أن نسبة السكان المسلمين بالولاية لا تتجاوز 3%..وعلى الصعيد الفني، وفي عالم السياسة، برزت النائبتان رشيدة طليب وإلهان عمر، كما انتُخب عدد كبير من المسؤولين المسلمين في حكومات الولايات واللجان المحلية المختلفة.
وبذلك وجد المسلمون في امريكا المكانة التي تليق بهم بعد مرور 4 قرون على دخول الإسلام إلى الولايات المتحدة، لكن ذلك تزامن مع تنامي المشاعر المعادية للإسلام في المجتمع منذ أحداث: 11 /سبتمبر( انظر:السنوات الأكثر ازدهارا منذ أحداث 11 سبتمبر.. تفوق مذهل للمسلمين بأميركا رغم حملات التشوي،الجزيرة نت)
وهكذا كانت احداث سبتمبر نعمة على المسلمين في امريكا،ونأمل ان تكون حوداث حرق المصاحف ايضا نعمة على المسلمين ، فيتحسن وضع المسلمين ،وينتشر على اثرها الاسلام في اوروبا.وقد عبر احد المسؤولين المسلمين في السويد او الدنمارك عن تفاؤله وقال :انه من الملاحظ ان كل حادث حرق للقران يصاحبه فتح لمؤسسة اسلامية .
6-واخيرا على المسلمين في الغرب ان يفوتوا الفرصة على مثيري الشغب، ومؤججي الفتنة والعداوة بين المجتمعات ، والساعين الى دق اسفين بين الغرب والاسلام ،بأن يسعوا الى إقامة علاقة مع العقلاء من الغربيين على أساس المباديء الإنسانية النبيلة التي بشر بها الإسلام ونادت بها الأديان السماوية جميعاً ،والتي تنطلق من الإيمان بوحدة الأصل الإنساني ،والأخوة الإنسانية ،و الأصل المشترك للأديان الموحى بها جميعا،والعمل الجماعي في اطار التعاون الإنساني النزيه من أجل إشاعة قيم الخير والعدل والسلام ,و لا بد ان تقوم هذه العلاقة أيضا على أساس أحكام القانون الدولي ،بحيث يكون الحق فوق القوة ،وتسود في الأرض وتهيمن على العلاقات الدولية قوة القانون لا قانون القوة ،وبذلك يتوجه الجميع ،إلى عمل إنساني تضامني ،من اجل مستقبل مزدهر للبشرية جمعاء.( انظر: نحن والآخر ( عبد العزيز بن عثمان التويجري) الشرق الاوسط : 01 رمضـان 1426 هـ 3 اكتوبر 2005 العدد 9806. )، وان يتخذ الحوار وسيلة لتدعيم قنوات التواصل مع الأخرين ،من اجل التعريف بالإسلام وبمبادئه السمحة ،والتفاهم مع غير المسلمين من أجل إرساء دعائم السلام العالمي.
Ahmed Mohamed Ahmed Elgali
ahmedm.algali@gmail.com
أ.د. احمد محمد احمد الجلي
الخميس 8 صفر/1445ه
الموافق 24/اغسطس/2023م