حمدوك عبر تقدم يؤسس لقيم الجمهورية بعيدا عن حقول رؤية وحل الفكر الديني

 


 

طاهر عمر
4 January, 2024

 

بالمناسبة هناك نقاط عبرت عنها تقدم بقيادة حمدوك فيما يتعلق بفكرة العيش المشترك المرتكز على المساواة و ما يتعلق بمسألة الحق في الحقوق و هذا يحتاج لجهد فكري كبير لأن مسألة إنزال فكرة المساواة على أرض الواقع تحتاج لفكر عباقرة الرجال و هم في أغلب الأحيان يدركون لحظات تكوّن مفاصل الزمن و يدركون بشكل واضح لا لبس فيه كيف تتحوّل المفاهيم لتدفع الإنسانية التاريخية دفعا نحو التقدم و السير نحو الإزدهار المادي.
بعدها يصبح الإنسان التاريخي واثق من أن تجربته ستمكنه من إدراك أن المجتمع لا يحتاج لأوامر من خارجه أي أن تأتي من جهة أن يصبح للخطاب الديني قوة سياسية أو اقتصادية كما هو حال مجتمعنا السوداني التقليدي خلال الخمسة قرون الأخيرة أي منذ قيام سلطنة الفونج.
للأسف مسيرة المجتمع السوداني خلال الخمسة قرون الأخيرة مسيرة معاكسة لسير مواكب الإنسانية نضرب مثلا أن الإصلاح الديني في عام 1517 في أوروبا تزامن مع قيام سلطنة الفونج في وقت كانت مسيرة الانسانية التاريخية تسير نحو هدف تحقق اليوم في قيم الجمهورية و مواثيق حقوق الإنسان عكسه نجد حال مجتمعنا السوداني التقليدي يعكس أقبح صورة و هو مقيّد و غائص في وحل فكر الخطاب الديني و يريد أن يأبّد صورة مجتمع سوداني يأبى أن يغادر فكر القرون الوسطى.
و معروف عن تاريخ القرون الوسطى أن فكره كان لا تشغله فكرة العدالة و المساواة و هنا ينام سر فكر الإنسانيين الكبار و تفكيرهم فيما كان سائد من غياب لفكر يبحث في ظاهرة المجتمع البشري عن فكرة المساواة و عبر فكر الإنسانيين الكبار إنفتح باب الحديث عن فكرة المساواة التي تشغل بال الإنسان منذ ليل الحياة و كان فكر الإنسانيين مقاوم لفكر الكنيسة التي كانت تحاول المحافظة على حالة إنشغال الإنسان بفكرة الخلاص الأخروي. و من هناك بداء فكر الإنسانيين يجر الإنسانية التاريخية من ظلام القرون الوسطى و يسير بها نحو أفق فكر عصر الأنوار و كان الثمن باهظا من العرق و الدم و الدموع.
حال مجتمعنا السوداني و ثقافته ابنة ذهنية تاريخ الخوف لم ينتج غير أحزاب الطائفية في السودان و هي أحزاب بفكر خطاب ديني لم يغادر أفكار ما قبل الإصلاح الديني و ما زال أتباع الطائفية غارقيين في ايمانهم التقليدي و تقديسهم و تبجيلهم للامام و الختم و المرشد عند الكيزان و للأسف عندما أنفتح الباب للتأثر بالخارج لم تجلب ذهنية النخب السودانية ابنة تاريخ الخوف غير شيوعية تقليدية كدين بشري موازي لأحزاب دينية و هي أحزاب الطائفية بختمها و امامها و جماعة كيزانية بمرشد لتقدم الأستاذ الشيوعي ليكمل مربع كساد الفكر بأضلاعه الأربعة المرشد للكيزان و الختم للختمية و الامام للأنصار و الأستاذ الشيوعي الذي ينسب له الحزب الذي قد أصبح يشكل للشيوعي السوداني الذي لا يؤمن بفكرة الدولة من الأساس صورة دولة متخيلة لشيوعي منتشي فيها بحتمياته التي تقابل السياجات الدوغمائية لأتباع وحل الفكر الديني في السودان.
خلال سبعة عقود فشلت جميع الأحزاب السودانية في ترسيخ فكرة قيم الجمهورية و سادت وسط أتباع الاحزاب السودانية روح الخنوع للامام و الختم و المرشد و الأستاذ الشيوعي و هي إنعكاس للأنساق الثقافية المضمرة و هي تعكس صورة مجتمعنا السوداني التقليدي و خنوعه لثقافة سلطة الأب و ميراث التسلط لذلك تجد الشيوعي السوداني قابل بأن يقرر أعضاء اللجنة المركزية بدلا عنه و يفكروا بدلا عنه و هو خانع مثل أتباع الكنيسة في القرون الوسطى و لا يستطيع شق عصا الطاعة مثله و الكوز الخانع للمرشد أو الأنصاري الخانع للامام و الختمي الخانع للختم و كلهم كالميت بين يدي غاسله لا ينشدون غير صورة الخلاص الأخروي.
حالهم معاكس لحال من أجاب على سؤال ما التنوير الذي أجاب عنه عمانويل كانط و الإجابة بأن لا تترك أي كان أن يفكر بدلا عنك لا المرشد و لا الختم و لا الامام و لا الأستاذ الشيوعي الذي قد أصبح مانجلك الشيوعي السوداني.
المهم في الأمر أن ما يشغل بال البشرية اليوم هو كيف تحقق فكر المساواة بين أفراد المجتمع و قد أفرزت تجربة الانسان بأن الديمقراطية الليبرالية ليست نظم حكم فحسب بل فلسفة تحقيق فكرة العيش المشترك عبر تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع البشري بعيدا عن حقول رؤية الفكر الديني لأن الإنسانية و عقلها التاريخي قد نضج و أصبح يستدل على عقلانية الفرد و أخلاقيته و لا يحتاج لأوامر من خارج المجتمع عبر مهماز الفكر الديني الذي ينخس به المرشد و الامام و الختم بطن أتباعه ليحسهم على تحقيق فكرة الخلاص الأخروي. الديمقراطية قد أصبحت بديلا للفكر الديني الذي لا يمكن أن يحقق فكرة المساواة بين أفراد المجتمع و هذا أصعب حقيقة لا يريد أتباع الفكر الديني في السودان مواجهتها و التغلب عليها أي أن الدين لا يجلب المساواة و قد رأينا كيف حكم الكيزان السودان عبر ثلاثة عقود و هم يكرّسون لفكرة اللا عدالة و اللا مساواة بين أفراد المجتمع بسبب خنوعهم لفكرهم الديني الذي لا يفضي لفكرة المساواة و لهذا قلنا أن الكوز السوداني هو تجسيد لآخر صور القرون الوسطى و ثقافة تكريس اللا مساواة في محاولة تحقيق دولة الإرادة الإلهية.
و لا يختلف عن الكوز الامام الصادق المهدي و كان لا يستحي بأن يقول نحن أغلبية مسلمة و معنا أقلية مساكنة و يمكننا أن نعطيهم من الحقوق و غيره من فكر الامام الصادق المهدي الذي يجسد فكر رجل الدين أكثر من السياسي الذي يعرف بأن المساواة في الحقوق لا تتم إلا بإبعاد الفكر الديني سواء كان فكر ديني لأغلبية أو أقلية لهذا قلنا أن حال مجتمعنا السوداني التقليدي لا يقدم إلا مفكر تقليدي لا يؤمن بالمساواة كحال الصادق المهدي الذي يصف الآخر بأنه أقلية مساكنة و رغم هذا يتحدث الصادق المهدي عن تحول ديمقراطي يريد تحقيقه بفكره فكر القرون الوسطى.
و يجد الصادق المهدي من يبجّله و يقدّسه من بين الشيوعيين السودانيين كما رأينا كمال الجزولي و الحاج وراق في لجنة تخليد فكر الصادق المهدي كمفكر قرون وسطى لا يتحرج من فكرة اللا مساواة و اللا عدالة و نجد من بعد ذلك من يتواطى معه ككمال الجزولي و الحاج وراق كتواطؤ حسن حنفي مع خطاب الكيزان الديني و تواطؤ عبد الخالق محجوب و بحثه لدور للدين في السياسة السودانية و تبعه محمد ابراهيم نقد كمتواطي مع الخطاب الديني الى أن وصل لعلمانية محابية للأديان و هو يجسد جبن و خوف أتباع اليسار و تواطؤهم مع الخطاب الديني كما يصفهم هشام شرابي.
نقول لحمدوك عبر تقدم يمكنك أن تقطع علاقة تواطؤ النخب السودانية مع الخطاب الديني و تقول لهم أن ديمقراطية توكفيل تعني المساواة التي لا تتحقق في حقول رؤية الخطاب الديني و أن الدين شأن فردي يمثل أفق الرجاء للفرد في مواجهته لمصيره و لا يحتاج لوساطة رجال الدين. لأن الانسان عقلاني و أخلاقي و يعرف أن الدين ظاهرة اجتماعية أما علاقة الفرد في صراعه مع مجتمعه لا تحققها غير معادلة الحرية و العدالة التي لا تتحقق بغير فصل الدين عن الدولة.
و على الشعب السوداني أن يدرك بأنه لا يمكنه مغادرة محطات الحروب كالحرب العبثية و الجهل و الفقر و المرض قبل مغادرته لمحطة فكر وحل الفكر الديني الذي لا يمكنه تحقيق فكرة المساواة و فكرة العيش المشترك و عليه على حمدوك أن يخرج رأسه من بين كتفيه و يطرد خجله نتاج روح الخنوع للأنساق الثقافية المضمرة من الرمال و يقول لكل صاحب خطاب ديني و كل متواطئ مع الخطاب الديني أن المساواة بين أفراد المجتمع و فكرة العيش المشترك لا يحققها غير التاريخ الطبيعي للإنسانية التي لا يمثلها غير الفكر الليبرالي بشقيه السياسي و الاقتصادي.
و نقول لحمدوك أنك عندما درست يا حمدوك الاقتصاد و نظرياته و تاريخ الفكر الاقتصادي و نظريات النمو الاقتصادي نظن أنك قد شفيت أو قد كنست من عقلك كل أوساخ زمن إنتمائك للحزب الشيوعي السوداني كما قال الامام محمد عبده عندما طالبه رجال الأزهر أن يرجع لهم شهادة تخرجه من الأزهر لأنه كان له فكر إصلاح مفارق لدربهم قال الامام محمد عبده أنه أحتاج لعشرة سنوات حتى يكنس الأوساخ التي رماها الأزهر في عقله و كذلك حمدوك بعد دراسته للإقتصاد و نظرياته و معرفته باقتصاد التنمية يكون قد فارق وسخ الحزب الشيوعي السوداني كمفارقة محمد عبده لأفكار الأزهر المتحجرة و عليه نريد من حمدوك أن تكون تقدم طريق تحقيق المساواة و العدالة عبر الديمقراطية التي قد أصبحت بديلا للفكر الديني كما يقول توكفيل.

taheromer86@yahoo.com

 

آراء