خليل إبراهيم يستبعد قبول وثيقة الدوحة

 


 

 


الجزيرة نت -الخرطوم

استبعد رئيس حركة العدل والمساواة المتمردة في  إقليم دارفور خليل إبراهيم التحاق حركته بوثيقة سلام الدوحة التي اعتبرها غير ملبية لمطالب دارفور. وقال إبراهيم الذي عاد مؤخرا من ليبيا إن الحكومة السودانية حاولت تصفيته جسديا هناك، ونفى في حديثه للجزيرة نت إدخاله أسلحة متطورة وذخائر عبر الحدود التشادية الليبية إلى دارفور بعد سقوط القذافي. ورفض اتهام حركته بالقتال ضمن كتائب القذافي ضد الثوار الليبيين، مشيرا إلى أن الحركة لم تكن طرفًا في الصراع الليبي "والذين أطلقوا هذه الإشاعة المغرضة أرادوا بها استعداء الشعب الليبي ضد أشقائه من السودانيين والأفارقة".

وفيما يلي نص الحوار:

كيف كانت الإقامة بليبيا ولماذا امتدت لأكثر مما كان متوقعا؟

بقائي في ليبيا على الرغم من أنه يمثل أمرا مؤلما وقاسيا بحرماني من الاتصال بشعبي فإن ذلك الغياب يعزى إلى عزمنا على العودة إلى الميدان في السودان قبل التوجه إلى أية وجهة أخرى، مقابل إصرار نظام الخرطوم وجهات إقليمية أخرى على نقلنا إلى الدوحة بغير إرادتنا، لإبرام اتفاق سلام حسب هوى النظام من جهة، وتمنع السلطات الليبية عن السماح لنا بالسفر إلى دارفور حرصًا على علاقتها مع الخرطوم من الجهة الأخرى، أمّا شكل الإقامة فكانت إقامة جبرية دون الإرادة بل إقامة على إرادة الآخرين الذين لم يرغبوا في ذهابي لدارفور في الوقت الذي أفقدوني كل وثائقي الثبوتية منعًا للسفر إلى أي وجهة.

كيف خرجتم إذن من ليبيا وكم عددكم؟

خرجنا من ليبيا عبر الصحراء بعد أن ذهبت عنا الحراسات التي كانت تقيد تحركاتنا بفعل الثورة هناك. وقد تكرمت قوات الحركة بترتيب الأمر من ألفه إلى يائه عبر ما سموها "عملية قفزة الصحراء"، رغم ما اكتنف العملية من مخاطر محققة وصعاب جمة، فكان التوفيق حليف العزم الصادق. أما وفد الحركة الذي بقي في طرابلس الغرب منذ مايو/ أيار 2010 فهو تسعة أشخاص فقط، أما عدد الذين أمنوا خروجنا من قوات الحركة، فيدخل ضمن الأسرار العسكرية.


قلتم إنكم تعرضتم لمحاولة تصفية من قوات أمن سودانية وإذا كان الأمر كذلك فمن الذي تعتقدون أنه قد ساعدهم في هذا بل من أدخلهم إلى ليبيا ومهد لهم الطريق؟

المعلومات المؤكدة عندنا أن نظام الخرطوم أرسل أكثر من فرقة اغتيالات تحت غطاء إجلاء المواطنين السودانيين أو الإغاثة وتم نشرهم في خمس مدن على الأقل. وعلى رأسها مدينة طرابلس حيث كنت مقيمًا آنذاك. والحركة على علم بأسماء بعض من قادوا هذه الفرق. كما أننا على علم بأنهم استعانوا ببعض الأجانب لهذه المهمة.


تتهمون بالمشاركة مع كتائب القذافي في قتال ثوار ليبيا؟

العدل و المساواة حركة تقاتل من أجل إرساء قيم العدالة والحرية وحق الشعب في اختيار قادته والمشاركة في إدارة بلاده، فلا يقبل عقلاً أن تحمل السلاح في وجه من حملوا السلاح لذات القيم والأهداف، والحركة لم تكن طرفًا في الصراع الليبي. والذين أطلقوا هذه الإشاعة المغرضة أرادوا بها استعداء الشعب الليبي ضد أشقائه من السودانيين والأفارقة بعد أن حرمتهم الحروب حق الحياة الآمنة الكريمة في بلادهم.


ذكرت تقارير صادرة من تشاد أنكم أدخلتم أسلحة كثيرة وذخائر وعربات وكميات من الذهب إلى دارفور بعد سقوط القذافي؟

شباب حركة العدل والمساواة السودانية الذين نفذوا عملية "قفزة الصحراء" لإنقاذ قيادة الحركة من بين أنياب المخابرات السودانية ومن مخاطر الحرب الدائرة هناك ذهبوا بأسلحتهم وعتادهم ومركباتهم وعادوا بها. أما الحديث عن ذهب منثور على قارعة الطريق يحصل عليه المارة متى ما أرادوا وبالحاويات، فحديث لا يصدر إلا ممن ذهب عنه عقله. وإن الظروف التي دخلوا فيها إلى الأراضي الليبية وخرجوا منها ظروفا ضيقة حرجة وبالغة التعقيد لا تسمح بالتفكير إلا في المخرج الآمن وتنفيذ المهمة الموكلة إليهم بنجاح. وقد أكد مدير البنك المركزي الليبي أن ذهبهم لم يخرج من بلادهم، وبذلك قطعت جهيزة قول كل خطيب.


أصبحتم الآن أمام خيارات محدودة بعد فقدانكم القذافي الذي يقال إنه كان أحد حلفائكم وكذلك الرئيس ديبي أي بمعنى أدق أنكم تبدون كالمحاصرين الآن.

حركتنا حركة سودانية أصيلة ورغم حرصها على علاقات طيبة مع دول الجوار ومع العالم أجمع، فإنها لا ترهن قرارها أو مصيرها لطرف غير الخالق الديان ثم الشعب السوداني.

فعلاقتنا بنظام العقيد القذافي علاقة استضافة بعدما أعادتنا إلى طرابلس السلطات التشادية على متن طائرة الخطوط الأفريقية التي قدمنا عليها من القاهرة عبورًا بليبيا في طريق عودتنا من منبر المحادثات في الدوحة إلى قواعدنا في السودان. وستكشف لكم الأيام أن حركتنا ستبقى ما بقيت قضيتها العادلة.


ما هي أسباب تدهور العلاقة بين الحركة والنظام التشادي؟

تشاد دولة ذات سيادة وهي أدرى وأولى بتقدير مصالحها من غيرها ومن حقها اختيار من تصادق ومن تخاصم. أما في أمر علاقتنا بالنظام التشادي تحديدا، فيبدو أننا كنا مادة في مقاصة العلاقات بين نظام الخرطوم والنظام الحاكم في إنجمينا، ولعل شخصنة القضية من قبل حكومة الخرطوم كانت هي السبب في ذلك.


ما هو طرحكم الجديد الذي يجب أن ينبني عليه التفاوض المقبل ولماذا لا يكون ضمن مقررات الدوحة؟ وهل نتوقع لحاقكم به مستقبلا؟

العدل و المساواة حركة أكبر من أن تكون ملحقة باتفاق أبرم مع طرف آخر بل أخشى أن يكون النظام قد أضاع كل فرص الوصول إلى تسوية سلمية تبقيه جزءا من المعادلة السياسية في السودان.

والحركة على اقتناع أكثر من أي وقت مضى بأن النظام لا يرغب في الاتفاق معها لأنه غير مستعد لدفع الثمن الذي يتمثل في تغيير جذري لبنية الحكم في البلاد وطرق إدارتها، فنحن نسعى إلى كيفية حكم البلاد لا من يحكم، والحكومة تجري وراء من يستمر في الحكم وهذا يوضح التباعد بيننا وبينهم.


وماذا عن وثيقة الدوحة؟

وثيقة الدوحة في حالتها الراهنة لم تستجب لمطالب الشعب أو الثورة، ولا تمثل حلا مقبولا يخاطب جذور المشكلة، وطالما رفض النظام الحوار وانتهج مواصلة الحل العسكري فلا نرى أمامنا سوى العمل مع كل قوى المقاومة والقوى السياسية لإسقاط هذا النظام.


هل ترون أن قضية دارفور اختزلت من جديد بعد تعيين تجاني السيسي رئيس حركة التحرير والعدالة رئيسا لسلطة دارفور ومن قبله عضو المؤتمر الوطني الحاج آدم نائبا للرئيس؟

إن ظن النظام أن حل القضية يكمن في بعض الوظائف الديكورية أو المعلقة في الهواء التي يمن بها على فلان أو علان، فالقضية قضية حقوق الشعب المهضومة في المشاركة السياسية الحقيقية وفي نيل حقوقهم العادلة في ثروة البلاد دون غمط بسبب العرق أو الدين أو الانتماء الجهوي أو الولاء السياسي.

ولا بأس بتمثيل أهل الأقاليم في وظائف قيادية، وإشراكهم في اتخاذ القرارات المصيرية للوطن، شريطة أن تكون مؤسسات الدولة فاعلة وتخول السلطات للقيادات بالقانون لا بأمزجة طغاة منفردين بالسلطة، أو بإصدار القرارات عبر مطبخ لا يمت إلى مؤسسات الدولة بصلة.


تنطلقون من خلفية إسلامية والحركة الشعبية لا تتفق مع تلك الخلفية بل تسعى لمحاربتها "كما يقولون" فكيف تلتقون؟

نحن حركة قومية جامعة لكل ألوان الطيف السوداني السياسي والاجتماعي والجغرافي. وقد لفظ كل من انضم إليها انتماءاته السابقة بعدما تبين لهم أن قضية السودان أكبر من الولاءات الحزبية الضيقة وأن بقاء السودان كيانا موحدا وخروج شعبه من دائرة الفقر والجهل والمرض أولى وأهم من أية أيديولوجيات تتصارع حولها النخب. بهذا الفهم الذي يقدم حياة الشعب ورفاهيته وبقاء الوطن ووحدته على ما سواه من ولاءات، أمكن ويمكن اللقاء بين من تراءى للناس أضدادًا في الساحة السياسية في الماضي، بل انتهى عهد ادعاء ملكية الحق المطلق عند أي طرف.


هل من السهل إقناع مواطن دارفور بعدالة قضية الإقليم بعدما أصبحت بيد بعض التجار الذين لا يريدون لها أن تنتهي؟

إنسان دارفور وكل أهل السودان أوعى من أن يحتاج أي منهم إلى إقناع بعدالة قضيته، وأعرف بقضيته من كل الذين يسعون لتزييف إرادته و ادعاء تمثيله زورًا، أو الحديث بلسانه أو الاتجار بقضيته. فالذين يحسبون أن إنسان السودان البسيط لا يفقه قضيته هم الجهلاء الحقيقيون.

فاستكانة الإنسان البسيط وضعفه أمام جبروت السلطان أو سكوته حيال أحابيل الذين يتاجرون بقضيته قطعًا لا يعني جهله بقضاياه المرتبطة مباشرة بماء الشرب، ولقمة العيش.


هل لا تزال الحركة تطرح مشروع القومية أم تخلت عنه في وجود القبلية التي تتحكم في مفاصل قيادتها الحقيقية؟

الحركة متمسكة بطرحها القومي لأنها تؤمن بأن مظالم أقاليم السودان واحدة تسببت فيها الطريقة العرجاء التي حكم بها المركز البلاد منذ الاستقلال دون تعديل أو تحوير لمنهج المستعمر الاستعلائي الاستغلالي. فمحاولات البحث عن حلول محلية في صحاري الغرب أو في أدغال الجنوب أو في جبال الشرق، محاولات فاشلة تغذي النزعات الانفصالية ولا تخاطب جذور مشكلة البلاد.

أما الحديث عن تحكم القبلية في مفاصل الحركة وقيادتها فهو إما حديث من يجهل حقيقة الحركة وتركيبتها الإثنية أو حديث مغرض يسعى للانتقاص من قدر الحركة وقيادتها ولو بليّ عنق الحقيقة.


ماذا تتوقعون لولاية تجاني سيسي؟

الأمر في المقام الأول ليس أمر شخص ولكنه أمر وثيقة يراد بها تحقيق سلام وأمن واستقرار دارفور. فسجل نظام الخرطوم في التعامل مع الاتفاقيات التي يبرمها مع الأطراف المختلفة معه ليس بالسجل المبشر أو الذي يبعث على التفاؤل. ولو أضفنا إلى ذلك الكارثة الاقتصادية الماحقة التي ألمت بالاقتصاد السوداني بعد فقدانه لعائدات النفط واشتعال الحروب في كل ركن من البلاد نجد أن فرص تنفيذ الالتزامات المالية الواردة في وثيقة الدوحة –مع ضعفها- تتضاءل يوما بعد يوم.

ولو فشل الدكتور التجاني سيسي -الذي لا يملك سلطة حقيقية لتنفيذ شيء- في الاستجابة لمطالب الشعب ولو بنسبة معقولة سيكون ذلك سببًا لإطالة معاناة الأهل في معسكرات النزوح واللجوء وخصمًا من مستقبله السياسي وحافزا سلبيا لتوقيع أي اتفاق مع هذا النظام في المستقبل.


ما هو وجه الشبه بين أبوجا والدوحة ولماذا؟

لوثيقتي أبوجا والدوحة عوامل مشتركة كثيرة أهمها عدم مخاطبة جذور المشكلة، وعدم شمول الاتفاق من حيث الأطراف والموضوعات، وحصر القضية في الإطار الإقليمي الضيق وقد لعب تعنت الحكومة وانشقاق المقاومة وتدخّل بعض الأجندات الأجنبية دورًا مهمًّا في فشل محادثات السلام في كل من أبوجا والدوحة.


يرى كثيرون أنكم تمثلون الجناح العسكري لحزب المؤتمر الشعبي ويدللون على ذلك بأنه لم يسمع منكم انتقاد للترابي من قبل؟

العدل والمساواة حركة سياسية لها جناح عسكري وقد نشرت أدبياتها وحاورت النظام قبل أن تلجأ إلى السلاح مضطرة. وهي ليست جناحًا لحزب آخر، ولا علاقة تنظيمية لها بأي طرف. والذين أطلقوا هذه الفرية قصدوا منها دق إسفين بين الحركة والمجتمعات الغربية التي أصابها ما يسمى بـ"الإسلاموفوبيا" بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، ولكن الغرب أقدر على التثبت من الإشاعة ومن مطلقيها، ويتعامل مع الحركة بفهمه هو، لا بفهم أعداء الحركة، ومن يعتقد أن الحركة جناح لحزب آخر فهو يسيء للحركة بصورة صارخة ويحجر علينا تأسيس العمل النضالي دون الاعتماد على الآخرين.
المصدر:     الجزيرة

 

آراء