دارفور: الاستعمار وروني ليهو!

 


 

 

فينيق

 

m.elgizouli@gmail.com

  أصدر البروفيسير محمود مامداني، صاحب كرسي الأستاذية في شؤون الحكم بجامعة كولومبيا (الولايات المتحدة)، يوغندي الجنسية، هذا العام كتابا يثير جدلا واسعا في مدونة مجلس البحوث الاجتماعية (نيويورك) الخاصة بدارفور (/http://www.ssrc.org/blogs/darfur) والتي يديرها آلكس دو فال صاحب "دارفور: تاريخ قصير لحرب طويلة (2005)"، والكتاب بعنوان ذي جرس (Saviours and Survivors) – ربما تجوز ترجمته "الناجون والمنقذون"، وعنوان جانبي "دارفور، السياسة، والحرب على الإرهاب". جدير بالذكر أن مامداني كان العام قبل الماضي ضيفا على معهد أبحاث السلم (جامعة الخرطوم) واتحاد الكتاب السودانيين وقدم محاضرة بقاعة الشارقة عنوانها "ضرورة العدالة في عمليات المصالحة الوطنية: دروس من الخبرة الافريقية"، وأفصح حينها عن نيته تطوير أفكاره عن دارفور لتصبح كتابا يضاف إلى سلسلة كتبه "الحارة"، وعنواينها مترجمة على عجلة إلى العربية: "مسلم جيد، مسلم سئ: أميركا، الحرب الباردة وأصول الإرهاب (2004)"، "عندما يصبح الضحايا قتلة: الاستعمار، الأهالي والإبادة الجماعية في رواندا (2001)" و"مواطنون ورعايا: افريقيا المعاصرة وإرث الاستعمار المتأخر(1996)".في الواقع، لم يتح لي أن أقرأ كتابا لمامداني سوى "مسلم جيد، مسلم سئ" لكن يبدو من مناقشات دو فال وغيره وباعتبار ما خصنا به في محاضرة الخرطوم أنه صوب سهاما ناقدة نحو التصور الدارج للصراع في دارفور "عرب وزرقة"، ونقدا أشد لتدابير تحالف "إنقاذ دارفور" الناشط في الولايات المتحدة والدول الغربية الكبرى. بحسب دو فال فارق مامداني الجرد الإثني والمسطرة الحقوقية للصراع وفضل أن يؤرخ لأصل أزمة دارفور في المواجهة بين الاستعمار وافريقيا فبحث الخطوات التي اتخذها الاستعمار البريطاني لتصفية الهياكل الإدارية والاجتماعية لسلطنة الفور، خاصة تلك التي تتخطى الهويات الإثنية وتخضعها، ولإحكام قبلية ذات طابع إداري وتراتبية عرقية. وفي ذلك لمح من فكرة مامداني الرئيسة والقائلة بتحدي القسمة "الاستعمارية" بين ما هو تقليدي وما هو حديث، وفي مستوى آخر بين الهوية الدينية/العرقية والطبقة الاجتماعية، فالهوية (التقليدية) بحسب الزعم الاستعماري أصل جوهر لا يمسه التاريخ بينما الطبقة (الحديثة) بنت التاريخ تنشأ فيه. ولقد اعتمد الاستعمار البريطاني في إدارته "أهالي" افريقيا خطة لوقارد في الحكم غير المباشر بثنائياتها المانوية: الإدارة الأهلية مقابل الإدارة المدنية، والأعراف القبلية مقابل القانون المدني والحاكورة القبلية مقابل الملكية الفردية للأرض. أشار دو فال في تعليقه على كتاب مامداني إلى واقع أن الجبهة الإسلامية في سعيها لإحكام سيطرتها على اقليم دارفور، وظنا منها في "مشروع حضاري"، أعادت ذات الخطة الاستعمارية (الحضارية) ضمن هجين من الحداثة والرجعية يلبس وجه الوطن، ذلك بإحياء "إدارة أهلية" اختارت قياداتها وفقا للولاء السياسي، وبفرض تراتبية عرقية في دارفور لا تشبه سوى عقيدة هارولد ماكمايكل، السكرتير الإداري لحكومة السودان الاستعمارية (1926-1933)، في تفوق العرب "الحضاري" على شعوب السودان "الزنجية"، لكن دون أن يتوفر لهم البطش العسكري الذي يفرضون به هيبة الدولة أول الأمر قبل تدبير هياكلها وأذرعها.عند مامداني دارفور امتحان عسير لوحدة شعوب افريقيا وامتحان مضاعف لاستقلالها، ولا تصح الأولى في واقع الأمر سوى بالآخير، فلنعرف أين مواقع الاستعمار اليوم، ومن ممثلوه وزبانيته.

20/04/09   

 

آراء