دولة الجمهوريين: الحكم لله محمود وعلى الجميع السجود
عادل عبد العاطي
29 March, 2022
29 March, 2022
مقدمة:
يظن البعض إن الفكرة الجمهورية عقيدة دينية فقط، لا علاقة لها بالسياسة ولا الواقع المعاش. وفي الحقيقة ليس هناك ما هو أكثر خطلاً من هذه الفكرة. فالجمهوريون تأسسوا على قاعدة حزب سياسي هو الحزب الجمهوري، ولم يتخلوا عن الحزب الا لدواع التقية السياسية والجبن عن المواجهة، سوى كان ذلك في زمن عبود او زمن النميري، والدليل انهم بعد ان توقفوا عن النشاط باسم الحزب طوال سنين حكم عبود، أعادوا تأسيسه مرة أخرى بعد اكتوبر، حتى حله نميري فيما حل من أحزاب في مايو 1969، فخضعوا للقرار وبدأوا العمل تحت اسم الاخوان الجمهوريين.
وحاول الجمهوريون إعادة بناء حزبهم بعد اغتيال محمود والتفكك الأولى للتنظيم، حيث أطلق البعض منهم في تسعينات القرن الماضي التنظيم الجمهوري الجديد. ونشط بعضهم في منظمات سياسية مختلفة مثل الحركة الشعبية او حركة حق، ثم عادوا للعمل تحت اسم الحزب الجمهوري بقيادة محمود محمد طه، أما بعد ثورة ديسمبر فقد انخرط بعضهم في شراكة العسكر وقحت وعاثوا فسادا تحت حكومة البرهان حميدتي حمدوك، مما تناولناه في غير هذا المكان.
هذا من ناحية الممارسة. أما من ناحية التنظير فإن اول الكتب المؤسسة للجمهوريين هي ذات طبيعة سياسية بحتة، ومن بينها رسالة «السفر الأول» لعام 1945 ورسالة «قل هذا سبيلي» لعام 1952 وكتيب «أسس دستور السودان» لعام 1955 وغيرها. وقد تطرقنا لهذه الكتيبات في دراسة سابقة. كما إن اخر كتاب كتبه محمود محمد طه في عام 1984 وهو «الديباجة» ذو طابع سياسي واضح، وفيه يلخص محمود كثيرا من أفكاره السياسية (والدينية). وقد اريد لكتيب «الديباجة» أن يكون تطويرا لكتاب «أسس دستور السودان» وديباجة للدستور السوداني القادم في دولة الجمهوريين.
دولة الجمهوريين دولة دينية متطرفة ومتشددة:
دولة الجمهوريين كما قلنا من قبل هي دولة دينية متطرفة ومتشددة، إذ ان الجمهوريين لا يعدوا ان يكونوا جزءا من حركات الإسلام السياسي. يقول محمود محمد طه في كتاب «طريق محمد» الذي كتبه في عام 1966:
(إن دولة القرآن قد أقبلت، وقد تهيأت البشرية لها بالمقدرة عليها وبالحاجة إليها، فليس عنها مندوحة.)
أما في كتاب «أسس دستور السودان» فيكتب محمود في صفحة الغلاف الأخيرة: (هذا كتاب ((أسس دستور السودان ((وهو في نفس الأمر (أسس الدستور الإسلامي) الذي يتحدث عنه المتحدثون، ويدعو له الداعون، من غير ان يعرفوا اليه السبيل. هو أسس الدستور الإسلامي حقا، ولكننا لا نسميه إسلاميا لأننا لا نسعى إلى اقامة حكومة دينية، بالمعنى الشايع عند الناس، حيث الدين لا يعني غير العقيدة(
المتأمل للنص أعلاه، ولما يتبعه، يرى أن الجمهوريين يريدون إقامة الدستور الإسلامي، الذي لا يقف عند مستوى الاحكام الإسلامية فقط، ولا عند مستوى العقيدة، بل يتعداها لكل تفاصيل الحياة، ويقوم على أسلمة المجتمع بالكامل، وفق فكرة الجمهوريين. وهذا الدستور الإسلامي وهذه الأسلمة والجمهرة ليس للمسلمين فقط، وإنما لكل البشر في الدنيا. في هذا هم أكثر تطرفا من داعش.
يقول «دستور الحزب الجمهوري»:
(هذا المجتمع دستوره الدستور الإسلامي - ونحب ان ننبه إلى أن كلمة إسلامي هنا تعني ما يعنيه الجمهوريون، لا الدعاة السلفيون)
ويتابع (ولكن الدستور الإسلامي بهذا المعنى - دستور القرآن- لا يمكن أن يتحقق في المجتمع إلا إذا تحقق لدي طائفة صالحة من الأفراد، ولذلك فإن أعضاء الحزب الجمهوري يمارسون تطبيق دستور القرآن على أنفسهم عبادة بالليل، وبالنهار، ثم ترجمة لهذه العبادة إلى معاملة.)
ليصل الى النتيجة وهي جمهرة كل المجتمع:
(بخلق النموذج الجمهوري، وهذا يعني المسلم الصحيح الإسلام، المسلم ذا القلب السليم، والذهن الصافي، وبإشاعة هذا النموذج في الناس، فإن القدرة ستمكن الجمهوريين من تطبيق دستور القرآن على المجتمع السوداني وبذلك تجيء جمهورية السودان نموذجا صالحا للدول، كما يحاول اليوم الفرد الجمهوري أن يخلق من نفسه نموذجا صالحا للأفراد.)
والمجتمع الذي يدعو له الجمهوريين مجتمع ذو بعد واحد، لا اختلاف فيه في الفكر ولا الشعور، مقولبة فيه الناس على نمط واحد، بناءا على أيدلوجية واحدة. بل إن النساء فيه تلبس نفس الزي. أنظر إليهم يقولون:
(إن الفكرة الجمهورية إنما تقدم نموذجا للمجتمع المرتقب، فهي مجتمع داخل المجتمع الكبير، يتميز أفراده بوحدة الفكر، ووحدة الشعور. فهم يفكرون، في الأمر الواحد، قريبا من قريب، لا يختلفون في تقويم الأحداث اليومية الجارية، وان تباعدت بهم المسافات، ذلك بأنهم إنما يصدرون عن مواقف مبدئية، وينطلقون من فكرة مركزية، وتلك هي المذهبية الإسلامية الواعية)
دولة الجمهوريين دولة الرسالة الأحمدية:
وهذه الدولة هي دولة الرسالة الثانية(الأحمدية)، وهي دولة ظل الاعداد الروحي يتم لها، وفق زعم الجمهوريين، منذ زمن الامام علي بن ابي طالب، من طرف بنوه وبني بيته وخلفاءه وكبار الصوفية. يقول الجمهوريون:
(وقد قام علي بن أبي طالب وبنوه، وخلفاؤه، من آل بيته، ومن الصوفية، منذ عهد حسن البصري، والجنيد، وأبو يزيد البسطامي، وعبد القادر الجيلاني، بذلك العمل الروحي الجليل في التمهيد، والإعداد للرسالة الثانية ممدودين بمدد الولاية المحمدية، وهم يستشرفون العهد القادم، والدولة القادمة.. تلك التي هاموا بها، وبشروا، قالوا:
لنا دولة في آخر الدهر تظهر وتظهر مثل الشمس لا تتستَّر
وهكذا ظلت خلافة عليٌّ – خلافة النبوة، معطلة التطبيق في وقت خلافة (الرسالة المحمدية)، كما يمثلها أبو بكر، وعمر، وعثمان. وستكون (للرسالة الأحمدية) دولة علي يدي رجل من نسل علي بن أبي طالب، هو المسيح المحمدي، يقوم بتطبيق شريعة النبوة (السنة) كشريعة عامة للناس، وسيكون له خليفته، من بعده، من نسل علي بن أبي طالب، أيضا، يخلفه على تلك الدولة. وهي جنة الأرض حيث تملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.. كما سنرى..)
أما هذه الدولة فهي دولة العسل واللبن، وهي تنزيل للجنة على الأرض. أنظر إليهم يقولون:
(أن السودان (هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب) وذلك لما سيفترع تطبيق دولة القرآن التي أظلنا وقتها، والتي ستتوج التطور المادي الحاضر، وتلقحه.. فتقيم جنة الأرض حيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. وما آلام العالم الحاضر، وما يعانيه من تمزق، الا إشتداد آلام الطلق (هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق أنكم لفي خلق جديد) ؟!)
ولطالما تغنى الجمهوريون بدولتهم الخرافية والمتخلفة هذه، التي بالمناسبة نقلوا بعض ملامحها من اقطاب الصوفية، وخصوصا ابن عربي، ولكن بتشويه للفكرة الصوفية. لذلك لم يجدوا غضاضة – في اوهامهم وفي انتظارهم لمجيء دولتهم- ان يتغنوا بكلمات الشاعر والقطب الصوفي عبد الغني النابلسي التي جاء ذكرها في عاليه:
وقد قال محي الدين وهو المقرر
لنا دولة في آخر الدهر تظهر
وتظهر مثل الشمس لا تتستر
أو في قوله الثاني:
هذه دولتنا قد حضرت .... دولة العز وكنز الفرح
كيف تأتي دولة الجمهوريين:
كما أسلفنا من قبل إن دولة الجمهوريين (الثيوقراطية الرجعية المتطرفة) لا تأتي عبر نضال سياسي أو عسكري، فالجمهوريون هم أجبن أهل السودان يدارون كل حاكم وينكسرون أمام أي ديكتاتور ويميلون الى التمسح بالطغاة والمستبدين ومحاولة استمالتهم (راجع موقفهم ورسائلهم لمحمد نجيب وجمال عبد الناصر وإبراهيم عبود ثم بعد ذلك موقفهم المهادن والخاضع للنميري طوال 13 عاما). ثم إنهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بآلياتها حتى يحاولوا تنزيل دولتهم عن طريق الانتخابات. فقد قاطعوا كل انتخابات مرت بالسودان من 1954 وحتى تاريخه، ديمقراطية كانت او غير ديمقراطية. في هذا يقول أحد منظريهم عوض الكريم موسى عن موقف محمود من الانتخابات:
(الأستاذ محمود قال لو 99% من الشعب السوداني بقوا جمهوريين ما بنخوض الانتخابات. لأنو نحنا أمر دين. داعي أنا لي قامة جاية اللي هو المسيح المحمدي. أمرنا أمر دين ما أمر سياسة).
كيف اذن تأتي دولة الجمهوريين؟ تأتي عبر نزول الله على الأرض في صورة المسيح المحمدي (أقرأ محمود محمد طه) وخضوعنا التام له وتمكين دولتهم. يقول الجمهوريون في كتاب «الشيعة» التالي:
(والبشرية، اليوم، إنما هي مقبلة على دورة جديدة من دورات حياتها على هذا الكوكب، بها تدخل عهد (الإنسانية)، أو عهد (المدنية) بقفزة أشبه بتلك التي دخلت بها عهد (البشرية) من عهد (الحيوانية)، وقد ظلت في عهد بشريتها هذه متأثرة برواسب عهد الحيوانية – عهد (الغابة). وإنما تفتتح دورة (الإنسانية) ببروز الإنسان الكامل من بشرية اليوم، وقد تمهدت له الأرض بالدعوة إلى البعث الإسلامي في مستوى الرسالة الثانية من الإسلام. والإنسان الكامل هو الذي سيحمل اسم (الله) الأعظم، في الأرض، وسيقوم برسالة الوسيلة (الخليفة) بين الذات الإلهية والخلائق، في الأرض، وسيكون مطاعا في الأرض كما ظل مطاعا في السماء، قال تعالى: (هو الذي في السماء إله، وفي الأرض إله..). وبذلك فسيلاقي أفراد الإنسانية ربهم، في الأرض، وسيكونون مسئولين عنده، مسئولية فردية حسية.)
كيف سيكون الحكم في هذه الدولة (الإلهية) العجيبة، وما هي علاقة المحكومين بالحاكم/ الإله حينها؟ انها علاقة العبودية المطلقة لا علاقة المواطنة. انظر الى قولهم اللاحق:
(وسيكونون محكومين وعلى قمتهم (المهدي)، بالدستور، وهو القرآن (ومركزيته الكلمة "لا إله إلاّ الله" التي مركزيتها "الله" – الاسم الأعظم الذي يحمله المسيح).. وسيكون (المسيح)، فوق ذلك الدستور، إذ هو (لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون))
لقد أثبتنا من قبل ان الجمهوريين حينما يتحدثون عن المسيح وعن المسيح المحمدي وعن الأصيل الواحد وعن الانسان الكامل الخ، فإنهم يتحدثون عن محمود محمد طه. ذلك الذي قالوا عنه (انت ابن مريم فينا – لم يبق غير التجلي). فدولتهم هي دولة يحكمها الله محمود، وما على البقية الا الخضوع والسجود، والطاعة له في الأرض، كما كان مطاعاً في السماء.
وينتبه الجمهوريون لتناقضهم الفج، المتمثل في التشنيع على الشيعة في عشرات الصفحات، بسبب من ولاية الفقيه وادعاء العصمة الخ، ليعودوا ليتبنوا مفهوماُ أكثر تخلفاً عن الشيعة في مفهوم الحاكم – الإله الذي كان موجوداً في طفولة البشرية، حيث وًجد عند الفراعنة المصريين وعند الرومان مثلا، فيقولون هذا القول الباهت:
(وقد يبرز تساؤل: لماذا تأخذون على الشيعة ذهابهم إلى وضع أئمتهم، كالخميني، فوق الدستور؟ والجواب قريب، وهو أن (المسيح) إنما هو (الخليفة)، هو الوسيلة بين الذات الإلهية، المطلقة، والخلائق، فهو لا يخضع إلاّ لمحاسبة تلك الذات. والدستور (الحرية) إنما هو نفحة منه هو، به يسير الخلائق إلى مرضاة الذات.)
دولة النمر ودولة الأسد:
تسود وسط الجمهوريين الكثير من الطوباوية المرتبطة بجنون العظمة. في هذا وقع في يدي أنهم اسموا دولتهم وعهدهم بدولة الأسد التي تعقب عهد ودولة النمر (النميري). هذا ما يفسر تسامح محمود والجمهوريين مع نميري، وازدياد نشاطهم المحموم منذ العام 1979، وظاهرة انهم كانوا يترقبون ظهور المسيح منذ ذلك الوقت. وليس صدفة ان الثلاثة كتب التي اصدروها عن تجلي المسيح وقرب نزوله قد أتت في أعوام 1980و1981 و1982، أي زمن تفسخ دولة (النمر) المزعوم، وكذلك ظهرت الفكرة في كتاب «الشيعة» وكتاب «الجمهوري والمهاجر والاكتوبري» ومحاضرة الأصيل الواحد، التي تسير في ذات النسق والتي كُتبت في نفس الفترة.
يقول الأستاذ أبو بكر القاضي في تفسير عدم معارضة الجمهوريين لشخص النميري حتى العام 1983:
(السبب الداخلي الآخر هو ان الاستاذ محمود قد قال لنا ليس بين نظام مايو وبين دولة الجمهوريين نظام آخر، وان هذا عهد النمر، سيعقبه عهد الأسد الذي هو عهد دولة الجمهوريين، وهذا الفهم يقتضي ان يبقى نظام مايو لحين يكمل الجمهوريون استعدادهم الروحي للتجلي وتغيير النظام المحلي والكوني. وهذا الفهم يقتضي ان يبقى نظام مايو لحين يكمل الجمهوريون استعدادهم الروحي للتجلي وتغيير النظام المحلي والكوني.)
هذا أيضا ما يمكن أن يفسر العداء الشديد الذي قابل به محمود قوانين سبتمبر 1983 التي أعلنها نميري، والتي كانت بمثابة عهد الضبع وليس عهد الأسد. ولا ريب أنه كان من المؤلم لمحمود أنه بعد 30 عاماً من الدعوة لرسالته الثانية، أن يشهد في السودان عودة نموذج الرسالة الأولى بكل ذلك الزخم الإخواني – الوهابي. هذا أيضاً ما يفسر اقدام محمود على ما يشابه الانتحار في تحدى النميري. فبالنسبة لرجل بلغ ال77 عاماً وافنى عمره وعمر تابعيه في تغذية الأوهام عن عودة المسيح، ما كان تقبُل دولة الشريعة المدرسية بمبلوع عنده. لذلك كان لا بد من التطرف في المعارضة، في وقت كان الضبع فيه يتحرق للدم. تطرف محمود إذن كوسيلة للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه، ومن التنبؤات التي لم تتحقق.
الجمهوريون وسر العداء للشيعة والثورة الإيرانية:
لقد أنتبه الأستاذ أبو بكر القاضي لغيبية هذه المفاهيم ولا ديمقراطيتها ونخبويتها بل وفاشيتها، حين تحدث عن ان الفكرة الجمهورية تطرح تغييرا بلا جمهور، وأن مجيء دولتها يتم عبر (انقلاب كوني). كما فسر سر عدائهم للشيعة ولما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران، والشيعة هم الأقرب لهم في غنوصيتهم، وفي ذلك كتب:
(بدأ العد التنازلي لهبوط هيبة الفكرة الجمهورية في صدري وفي صدر الجمهوريين عموما في عام 1979 الموافق نهاية القرن الهجري الرابع عشر، حيث أعلن الاستاذ إن رابع القرون «بعد العشرة» ناقص التكوين. اي ان عيسى المنتظر والمهدي المنتظر سيظهران قبل نهاية القرن الرابع عشر وقد جهر الجمهوريون بهذا «السر» علنا في بريطانيا في حديقة هايدبارك.
ومعلوم ان قناعة وعقيدة الجمهوريين هي ان الاستاذ محمود هو صاحب الوقت والمسيح المنتظر. انقضى القرن الرابع عشر دون ان يحدث «التجلي» وبالطبع يستطيع القارئ تصور حجم الاحباط الذي اصاب «المنتظرين» في نهاية ذلك العام. في تلك الفترة ظهرت الثورة الايرانية بقيادة الامام الخميني عليه السلام. وبالرغم من ان ثورة الخميني كانت ثورة شعبية لها قيادة واعية ومدركة لأهداف الثورة.
وقد تمت الثورة في زمن طويل ومعارضة منظمة عرفت بثورة «الكاسيت» وهي ثورة أعظم من ثورة اكتوبر الشعبية السودانية عام 1964 التي مجدتها الفكرة الجمهورية في كتاب «لا إله الا الله»، الا ان الفكرة الجمهورية لم تعترف بالثورة الايرانية بل اعتبرتها فتنة واصدرت كتابا باسم «فتنة إيران» كما اصدرت كتابا اخر بعنوان «الخميني يؤخر عقارب الساعة». والساعة المعنية هي ساعة مجيء المسيح المتنظر- الذي هو حسب عقيدة الجمهوريين - هو الاستاذ محمود-.)
ويواصل القاضي:
(معلوم ان الاستاذ محمود كان يقول ان الله هو الذي غيب شمس الشريعة- الرسالة الاولى- حتى يتمكن الاستاذ محمود وتلاميذه من التبشير بالرسالة الثانية. وكان الاستاذ يعترف بانه لو ان شمس الشريعة كانت ساطعة لما استطاع ان يبشر بالرسالة الثانية. القراءة العلمية تقول ان الفكرة الجمهورية رفضت الاعتراف بالثورة الايرانية رغم بعدها الشعبي العظيم، انطلاقا من اسباب ذاتية هي كون الخميني- روحيا- ملأ مقام صاحب الوقت وهو المقام الذي كانت تنتظره الفكرة الجمهورية لنفسها)
دولة الجمهوريون ودولة ابن عربي:
رغم ان محمود محمد طه والجمهوريين يغترفون بلا اقتباس ولا إشارة من ابن عربي ومن أفكار كبار الصوفية وغير الصوفية كالقوني والجيلي والغزالي وغيرهم، وفي هذا لنا رجعة، إلا ان انهم يتراجعون كثيرا عن مواقف أولئك الأقطاب، وخصوصا عن ابن عربي. وقد بيّنا تأخر موقفهم عن ابن عربي في مسألتين: الأولى هي موقفهم الرجعي من المرأة، والثانية هي نهجهم التكفيري وموقفهم المخزي من الحرية الدينية. فلننتقل الآن الى جانب آخر.
يعتبر ابن عربي من كبار مفكري الصوفية، وهو صاحب كتابات موسوعية وخيال جامح وأفكار خصبة يتجاوز بعضها زمكانها. وهو إن لم يكتب في السياسة أو يضع نظرية في شأن الدولة مباشرة، فهو يطرح ما بين السطور مشروع دولة واقعية، غير الدولة الباطنية المعروفة عند الصوفية. نجد ذلك ربما في كتابه الصغير «التدبيرات الإلهية في اصلاح المملكة الإنسانية» وهو كتاب ديني سياسي يختلط فيه الفكر الصوفي الغنوصي وقضية اصلاح الفرد مع ما أسماه العلماء المسلمون بالأحكام السلطانية أي اصلاح الدولة، مع مشروع أكبر هو تبيان القوانين الكونية. والراجح إن الكتاب مكتوب بلغة صوفية لإظهار أفكار بن عربي السياسية دون تعريض نفسه للخطر من الملوك – الطغاة في عصره. وهو في هذا يقول ان لكتابه مستويين للخاصة والعامة. وكثيرا ما يفرد فقرات فيه يقول فيها انها للخاصة.
ويكاد ابن عربي أن يكون واعياً لكل محتويات كتابه هذا؛ ولطريقة كتابته، فهو يقول في مقدمته:
(فإني بنيت هذا الكتاب، المستخرج من العلم اللُدني، المسمى في الإمام المبين الذي لا يدخله ريب ولا تخمين ب "التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية". وهو يشتمل على مقدمة وتمهيد وأحد وعشرون بابًا من دقائق التوحيد في تدبير الُملُك الذي لا َيبيد، على التدبير الحكمي والنظام الإلهي. وجاء غريبًا في شأنه، ممزوجًا رمزه ببيانه، يقرأه الخاص والعام (قد علم كل أناس مشربهم). وهو لباب التصوف، وسبيل التصّرف. يلهج به الواصل والسالك. ُيعرب عن حقيقة الإنسان وعلو منصبه على سائر الحيوان، وأنه مختصر من العالم المحيط، مركب من كثيف وبسيط. حتى برز على غاية ا لكمال وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال. فليس في الجود ُبخل، ولا في القدرة نقصان، وليس أبدع من هذا العالم في الإمكان)
والكتاب رغم تهويماته الصوفية الا انه تمجيد مطلق للإنسان، وفيه اهتمام أيضا بالجوانب العملية للقضايا السلطانية، اذ يتحدث فيه ابن عربي خلال حوالي 14 بابا عن قضايا عملية من بينها الحاكم وصفاته، ودور العدل في مملكته، ثم يعرج بعدها للوزير (رئيس الوزراء بمفهومنا) ودوره وصفاته، ثم ينطلق لدور الكاتب (الجهاز الاداري في وقتنا) ودوره وصفاته، ليحقق بعدها دور العاملين على الخراج والزكاة (وزارة المالية في زماننا)، ولا ينسى الإشارة لدور السفارة والسفراء، وينتهي بالحديث عن الجيش ودور القادة والجند والترتيبات العسكرية.
والحاكم عند ابن عربي ليس حاكما مطلقا (لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون) كما عند الجمهوريين، وإنما هو مطالب بمطالب شتى والتزامات عديدة، ومنها الإقرار بنعمة الله عليه، وضرورة التحبب الى الرعية بالهبات، وعدم إضاعة الحقوق، وتجنب قرناء السوء الذين يأكلون أموال الناس، وعدم تقبل الهدية (الرشوة) من الرعية، والالتزام بالشريعة في حياته الخاصة، والتحفظ في الكلام والحركة، ، والاستعانة بالأعوان من وزراء وكتاب وقادة جند وسفراء لتسيير أمور الدولة ، وقبل كل شيء الالتزام بالعدل الذي هو أساس الملك، والمساواة بين الرعية.
فشتان ما بين دولة ابن عربي التي تٌعلي من شأن الانسان وتقيد السلطان، ودولة محمود محمد طه التي تُزري بالإنسان وتأله السلطان.
خاتمة:
لقد كتبنا من قبل ان دولة الجمهوريين ستطبق الحدود في اكثر اشكالها بشاعة وتطرفاً، بما فيها حدود مختلف عليها مثل حد الزنا. كما إنها دولة ستقفل النساء في البيوت باعتبار إن مكان المرأة في البيت، حسب محمود محمد طه، وهي دولة لا تتسامح مع الآخر الديني باعتبار ان الدين عند الله الإسلام، وإن الإسلام والدين المعني هو الفكرة الجمهورية لا غير، وكل ما عداها باطل وليس بشيء. فهي دولة لا تعترف بشيء من حقوق الانسان ولا بأي درجة من درجات الاختلاف.
وقد رأينا في هذا المقال ان هذه الدولة لا تأتي عن طريق النضال السياسي او الانتخابات، ذلك انها دولة المسيح ودولة الله، رغم محاولة الجمهوريين استدراج الطغاة لتطبيق بعض برنامجهم، او السماح لهم بالتبشير حتى يظهر (الرجل). وقد اوضحنا من قبل ان هذا الرجل المنتظر المسمى بالأصيل الواحد والمسيح المحمدي والانسان الكامل انما هو محمود محمد طه نفسه لا غير، الذي يتنزل من الذات الإلهية ويترقى من هيئته الإنسانية ليصبح الله الذي ينزل في ظل من الملائكة والغمام فيحكمنا ونكون مسؤولين امامه وتكون حريتنا هبة منه ثم يحاسبنا في يوم القيامة.
وإذا كان النازيون قد صكوا شعارا شمولياً لدولتهم الفاشية هو (Ein Volk, Ein Reich, Ein Führer!) أي شعب واحد دولة واحدة زعيم واحد. فإن الجمهوريين يقترحون أمة عالمية واحدة تنطلق دولتها من السودان تقودها أيدلوجية واحدة هي الفكرة الجمهورية ويقودها رجلٌ، ليس هو زعيم ارضي يحيا ويهرم ويموت، وانما هو الله شخصياً عندما يتنزل ويتجلى في شخص محمود.
يقول أبو بكر القاضي في حاكم الدولة الجمهورية، محمود محمد طه أي الانسان الكامل أي الله الارضي ما يلي:
(ثم من هو الله الذي يسيرنا؟ لأن الله في الفكرة الجمهورية مفهوم له تنزلات، فهناك الله ــ الذات القديمة المطلقة التي لا تسمى ولا توصف، ثم الله في التنزل الذي هو الإنسان الكامل الذي يحاسب الناس يوم القيامة نيابة عن الله الخالق القديم، إذن (الله ــ الإنسان الكامل) هو مفهوم وثني، سلطاني، إذ هو ملك يوم الدين.
إذن فإن الفكرة الجمهورية وهي داعية الى اقامة دولة الصوفية التي على قمتها ــ الله ــ الذي هو الإنسان الكامل انما ترتب لإقامة دولة استبدادية دينية تلغي الآخر الاسلامي من مذاهب وفرق اسلامية كما تلغي الاخر من كتب سماوية وكنفوشوسية. الخ. فهذه دولة أنصار السنة المحمدية، التي لا تعترف بالآخر إلا تابعا للدولة الاسلامية يخضع لسلطانها ويدفع الجزية.)
هذه الدولة مع ذلك ليس لها علاقة بدولة الصوفية او الدولة الباطنية كما عبر عنها السادة الصوفية في احلامهم وكتاباتهم، أي دولة العدل والإحسان، وإنما هي دولة شمولية فاشية لا تعرف الاختلاف، وتجعل من فرد واحد ليس فقط حاكما مطلق لا يُسأل عن افعاله، بل تجعل منه إلهاً وتجعل منا عبيدا نُساق من طرفه وطرف خليفته واتباعه كما تُساق النعاج.
عادل عبد العاطي
24/3/2022م
abdelaati@gmail.com
//////////////////////
يظن البعض إن الفكرة الجمهورية عقيدة دينية فقط، لا علاقة لها بالسياسة ولا الواقع المعاش. وفي الحقيقة ليس هناك ما هو أكثر خطلاً من هذه الفكرة. فالجمهوريون تأسسوا على قاعدة حزب سياسي هو الحزب الجمهوري، ولم يتخلوا عن الحزب الا لدواع التقية السياسية والجبن عن المواجهة، سوى كان ذلك في زمن عبود او زمن النميري، والدليل انهم بعد ان توقفوا عن النشاط باسم الحزب طوال سنين حكم عبود، أعادوا تأسيسه مرة أخرى بعد اكتوبر، حتى حله نميري فيما حل من أحزاب في مايو 1969، فخضعوا للقرار وبدأوا العمل تحت اسم الاخوان الجمهوريين.
وحاول الجمهوريون إعادة بناء حزبهم بعد اغتيال محمود والتفكك الأولى للتنظيم، حيث أطلق البعض منهم في تسعينات القرن الماضي التنظيم الجمهوري الجديد. ونشط بعضهم في منظمات سياسية مختلفة مثل الحركة الشعبية او حركة حق، ثم عادوا للعمل تحت اسم الحزب الجمهوري بقيادة محمود محمد طه، أما بعد ثورة ديسمبر فقد انخرط بعضهم في شراكة العسكر وقحت وعاثوا فسادا تحت حكومة البرهان حميدتي حمدوك، مما تناولناه في غير هذا المكان.
هذا من ناحية الممارسة. أما من ناحية التنظير فإن اول الكتب المؤسسة للجمهوريين هي ذات طبيعة سياسية بحتة، ومن بينها رسالة «السفر الأول» لعام 1945 ورسالة «قل هذا سبيلي» لعام 1952 وكتيب «أسس دستور السودان» لعام 1955 وغيرها. وقد تطرقنا لهذه الكتيبات في دراسة سابقة. كما إن اخر كتاب كتبه محمود محمد طه في عام 1984 وهو «الديباجة» ذو طابع سياسي واضح، وفيه يلخص محمود كثيرا من أفكاره السياسية (والدينية). وقد اريد لكتيب «الديباجة» أن يكون تطويرا لكتاب «أسس دستور السودان» وديباجة للدستور السوداني القادم في دولة الجمهوريين.
دولة الجمهوريين دولة دينية متطرفة ومتشددة:
دولة الجمهوريين كما قلنا من قبل هي دولة دينية متطرفة ومتشددة، إذ ان الجمهوريين لا يعدوا ان يكونوا جزءا من حركات الإسلام السياسي. يقول محمود محمد طه في كتاب «طريق محمد» الذي كتبه في عام 1966:
(إن دولة القرآن قد أقبلت، وقد تهيأت البشرية لها بالمقدرة عليها وبالحاجة إليها، فليس عنها مندوحة.)
أما في كتاب «أسس دستور السودان» فيكتب محمود في صفحة الغلاف الأخيرة: (هذا كتاب ((أسس دستور السودان ((وهو في نفس الأمر (أسس الدستور الإسلامي) الذي يتحدث عنه المتحدثون، ويدعو له الداعون، من غير ان يعرفوا اليه السبيل. هو أسس الدستور الإسلامي حقا، ولكننا لا نسميه إسلاميا لأننا لا نسعى إلى اقامة حكومة دينية، بالمعنى الشايع عند الناس، حيث الدين لا يعني غير العقيدة(
المتأمل للنص أعلاه، ولما يتبعه، يرى أن الجمهوريين يريدون إقامة الدستور الإسلامي، الذي لا يقف عند مستوى الاحكام الإسلامية فقط، ولا عند مستوى العقيدة، بل يتعداها لكل تفاصيل الحياة، ويقوم على أسلمة المجتمع بالكامل، وفق فكرة الجمهوريين. وهذا الدستور الإسلامي وهذه الأسلمة والجمهرة ليس للمسلمين فقط، وإنما لكل البشر في الدنيا. في هذا هم أكثر تطرفا من داعش.
يقول «دستور الحزب الجمهوري»:
(هذا المجتمع دستوره الدستور الإسلامي - ونحب ان ننبه إلى أن كلمة إسلامي هنا تعني ما يعنيه الجمهوريون، لا الدعاة السلفيون)
ويتابع (ولكن الدستور الإسلامي بهذا المعنى - دستور القرآن- لا يمكن أن يتحقق في المجتمع إلا إذا تحقق لدي طائفة صالحة من الأفراد، ولذلك فإن أعضاء الحزب الجمهوري يمارسون تطبيق دستور القرآن على أنفسهم عبادة بالليل، وبالنهار، ثم ترجمة لهذه العبادة إلى معاملة.)
ليصل الى النتيجة وهي جمهرة كل المجتمع:
(بخلق النموذج الجمهوري، وهذا يعني المسلم الصحيح الإسلام، المسلم ذا القلب السليم، والذهن الصافي، وبإشاعة هذا النموذج في الناس، فإن القدرة ستمكن الجمهوريين من تطبيق دستور القرآن على المجتمع السوداني وبذلك تجيء جمهورية السودان نموذجا صالحا للدول، كما يحاول اليوم الفرد الجمهوري أن يخلق من نفسه نموذجا صالحا للأفراد.)
والمجتمع الذي يدعو له الجمهوريين مجتمع ذو بعد واحد، لا اختلاف فيه في الفكر ولا الشعور، مقولبة فيه الناس على نمط واحد، بناءا على أيدلوجية واحدة. بل إن النساء فيه تلبس نفس الزي. أنظر إليهم يقولون:
(إن الفكرة الجمهورية إنما تقدم نموذجا للمجتمع المرتقب، فهي مجتمع داخل المجتمع الكبير، يتميز أفراده بوحدة الفكر، ووحدة الشعور. فهم يفكرون، في الأمر الواحد، قريبا من قريب، لا يختلفون في تقويم الأحداث اليومية الجارية، وان تباعدت بهم المسافات، ذلك بأنهم إنما يصدرون عن مواقف مبدئية، وينطلقون من فكرة مركزية، وتلك هي المذهبية الإسلامية الواعية)
دولة الجمهوريين دولة الرسالة الأحمدية:
وهذه الدولة هي دولة الرسالة الثانية(الأحمدية)، وهي دولة ظل الاعداد الروحي يتم لها، وفق زعم الجمهوريين، منذ زمن الامام علي بن ابي طالب، من طرف بنوه وبني بيته وخلفاءه وكبار الصوفية. يقول الجمهوريون:
(وقد قام علي بن أبي طالب وبنوه، وخلفاؤه، من آل بيته، ومن الصوفية، منذ عهد حسن البصري، والجنيد، وأبو يزيد البسطامي، وعبد القادر الجيلاني، بذلك العمل الروحي الجليل في التمهيد، والإعداد للرسالة الثانية ممدودين بمدد الولاية المحمدية، وهم يستشرفون العهد القادم، والدولة القادمة.. تلك التي هاموا بها، وبشروا، قالوا:
لنا دولة في آخر الدهر تظهر وتظهر مثل الشمس لا تتستَّر
وهكذا ظلت خلافة عليٌّ – خلافة النبوة، معطلة التطبيق في وقت خلافة (الرسالة المحمدية)، كما يمثلها أبو بكر، وعمر، وعثمان. وستكون (للرسالة الأحمدية) دولة علي يدي رجل من نسل علي بن أبي طالب، هو المسيح المحمدي، يقوم بتطبيق شريعة النبوة (السنة) كشريعة عامة للناس، وسيكون له خليفته، من بعده، من نسل علي بن أبي طالب، أيضا، يخلفه على تلك الدولة. وهي جنة الأرض حيث تملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.. كما سنرى..)
أما هذه الدولة فهي دولة العسل واللبن، وهي تنزيل للجنة على الأرض. أنظر إليهم يقولون:
(أن السودان (هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب) وذلك لما سيفترع تطبيق دولة القرآن التي أظلنا وقتها، والتي ستتوج التطور المادي الحاضر، وتلقحه.. فتقيم جنة الأرض حيث لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.. وما آلام العالم الحاضر، وما يعانيه من تمزق، الا إشتداد آلام الطلق (هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق أنكم لفي خلق جديد) ؟!)
ولطالما تغنى الجمهوريون بدولتهم الخرافية والمتخلفة هذه، التي بالمناسبة نقلوا بعض ملامحها من اقطاب الصوفية، وخصوصا ابن عربي، ولكن بتشويه للفكرة الصوفية. لذلك لم يجدوا غضاضة – في اوهامهم وفي انتظارهم لمجيء دولتهم- ان يتغنوا بكلمات الشاعر والقطب الصوفي عبد الغني النابلسي التي جاء ذكرها في عاليه:
وقد قال محي الدين وهو المقرر
لنا دولة في آخر الدهر تظهر
وتظهر مثل الشمس لا تتستر
أو في قوله الثاني:
هذه دولتنا قد حضرت .... دولة العز وكنز الفرح
كيف تأتي دولة الجمهوريين:
كما أسلفنا من قبل إن دولة الجمهوريين (الثيوقراطية الرجعية المتطرفة) لا تأتي عبر نضال سياسي أو عسكري، فالجمهوريون هم أجبن أهل السودان يدارون كل حاكم وينكسرون أمام أي ديكتاتور ويميلون الى التمسح بالطغاة والمستبدين ومحاولة استمالتهم (راجع موقفهم ورسائلهم لمحمد نجيب وجمال عبد الناصر وإبراهيم عبود ثم بعد ذلك موقفهم المهادن والخاضع للنميري طوال 13 عاما). ثم إنهم لا يؤمنون بالديمقراطية ولا بآلياتها حتى يحاولوا تنزيل دولتهم عن طريق الانتخابات. فقد قاطعوا كل انتخابات مرت بالسودان من 1954 وحتى تاريخه، ديمقراطية كانت او غير ديمقراطية. في هذا يقول أحد منظريهم عوض الكريم موسى عن موقف محمود من الانتخابات:
(الأستاذ محمود قال لو 99% من الشعب السوداني بقوا جمهوريين ما بنخوض الانتخابات. لأنو نحنا أمر دين. داعي أنا لي قامة جاية اللي هو المسيح المحمدي. أمرنا أمر دين ما أمر سياسة).
كيف اذن تأتي دولة الجمهوريين؟ تأتي عبر نزول الله على الأرض في صورة المسيح المحمدي (أقرأ محمود محمد طه) وخضوعنا التام له وتمكين دولتهم. يقول الجمهوريون في كتاب «الشيعة» التالي:
(والبشرية، اليوم، إنما هي مقبلة على دورة جديدة من دورات حياتها على هذا الكوكب، بها تدخل عهد (الإنسانية)، أو عهد (المدنية) بقفزة أشبه بتلك التي دخلت بها عهد (البشرية) من عهد (الحيوانية)، وقد ظلت في عهد بشريتها هذه متأثرة برواسب عهد الحيوانية – عهد (الغابة). وإنما تفتتح دورة (الإنسانية) ببروز الإنسان الكامل من بشرية اليوم، وقد تمهدت له الأرض بالدعوة إلى البعث الإسلامي في مستوى الرسالة الثانية من الإسلام. والإنسان الكامل هو الذي سيحمل اسم (الله) الأعظم، في الأرض، وسيقوم برسالة الوسيلة (الخليفة) بين الذات الإلهية والخلائق، في الأرض، وسيكون مطاعا في الأرض كما ظل مطاعا في السماء، قال تعالى: (هو الذي في السماء إله، وفي الأرض إله..). وبذلك فسيلاقي أفراد الإنسانية ربهم، في الأرض، وسيكونون مسئولين عنده، مسئولية فردية حسية.)
كيف سيكون الحكم في هذه الدولة (الإلهية) العجيبة، وما هي علاقة المحكومين بالحاكم/ الإله حينها؟ انها علاقة العبودية المطلقة لا علاقة المواطنة. انظر الى قولهم اللاحق:
(وسيكونون محكومين وعلى قمتهم (المهدي)، بالدستور، وهو القرآن (ومركزيته الكلمة "لا إله إلاّ الله" التي مركزيتها "الله" – الاسم الأعظم الذي يحمله المسيح).. وسيكون (المسيح)، فوق ذلك الدستور، إذ هو (لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون))
لقد أثبتنا من قبل ان الجمهوريين حينما يتحدثون عن المسيح وعن المسيح المحمدي وعن الأصيل الواحد وعن الانسان الكامل الخ، فإنهم يتحدثون عن محمود محمد طه. ذلك الذي قالوا عنه (انت ابن مريم فينا – لم يبق غير التجلي). فدولتهم هي دولة يحكمها الله محمود، وما على البقية الا الخضوع والسجود، والطاعة له في الأرض، كما كان مطاعاً في السماء.
وينتبه الجمهوريون لتناقضهم الفج، المتمثل في التشنيع على الشيعة في عشرات الصفحات، بسبب من ولاية الفقيه وادعاء العصمة الخ، ليعودوا ليتبنوا مفهوماُ أكثر تخلفاً عن الشيعة في مفهوم الحاكم – الإله الذي كان موجوداً في طفولة البشرية، حيث وًجد عند الفراعنة المصريين وعند الرومان مثلا، فيقولون هذا القول الباهت:
(وقد يبرز تساؤل: لماذا تأخذون على الشيعة ذهابهم إلى وضع أئمتهم، كالخميني، فوق الدستور؟ والجواب قريب، وهو أن (المسيح) إنما هو (الخليفة)، هو الوسيلة بين الذات الإلهية، المطلقة، والخلائق، فهو لا يخضع إلاّ لمحاسبة تلك الذات. والدستور (الحرية) إنما هو نفحة منه هو، به يسير الخلائق إلى مرضاة الذات.)
دولة النمر ودولة الأسد:
تسود وسط الجمهوريين الكثير من الطوباوية المرتبطة بجنون العظمة. في هذا وقع في يدي أنهم اسموا دولتهم وعهدهم بدولة الأسد التي تعقب عهد ودولة النمر (النميري). هذا ما يفسر تسامح محمود والجمهوريين مع نميري، وازدياد نشاطهم المحموم منذ العام 1979، وظاهرة انهم كانوا يترقبون ظهور المسيح منذ ذلك الوقت. وليس صدفة ان الثلاثة كتب التي اصدروها عن تجلي المسيح وقرب نزوله قد أتت في أعوام 1980و1981 و1982، أي زمن تفسخ دولة (النمر) المزعوم، وكذلك ظهرت الفكرة في كتاب «الشيعة» وكتاب «الجمهوري والمهاجر والاكتوبري» ومحاضرة الأصيل الواحد، التي تسير في ذات النسق والتي كُتبت في نفس الفترة.
يقول الأستاذ أبو بكر القاضي في تفسير عدم معارضة الجمهوريين لشخص النميري حتى العام 1983:
(السبب الداخلي الآخر هو ان الاستاذ محمود قد قال لنا ليس بين نظام مايو وبين دولة الجمهوريين نظام آخر، وان هذا عهد النمر، سيعقبه عهد الأسد الذي هو عهد دولة الجمهوريين، وهذا الفهم يقتضي ان يبقى نظام مايو لحين يكمل الجمهوريون استعدادهم الروحي للتجلي وتغيير النظام المحلي والكوني. وهذا الفهم يقتضي ان يبقى نظام مايو لحين يكمل الجمهوريون استعدادهم الروحي للتجلي وتغيير النظام المحلي والكوني.)
هذا أيضا ما يمكن أن يفسر العداء الشديد الذي قابل به محمود قوانين سبتمبر 1983 التي أعلنها نميري، والتي كانت بمثابة عهد الضبع وليس عهد الأسد. ولا ريب أنه كان من المؤلم لمحمود أنه بعد 30 عاماً من الدعوة لرسالته الثانية، أن يشهد في السودان عودة نموذج الرسالة الأولى بكل ذلك الزخم الإخواني – الوهابي. هذا أيضاً ما يفسر اقدام محمود على ما يشابه الانتحار في تحدى النميري. فبالنسبة لرجل بلغ ال77 عاماً وافنى عمره وعمر تابعيه في تغذية الأوهام عن عودة المسيح، ما كان تقبُل دولة الشريعة المدرسية بمبلوع عنده. لذلك كان لا بد من التطرف في المعارضة، في وقت كان الضبع فيه يتحرق للدم. تطرف محمود إذن كوسيلة للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه، ومن التنبؤات التي لم تتحقق.
الجمهوريون وسر العداء للشيعة والثورة الإيرانية:
لقد أنتبه الأستاذ أبو بكر القاضي لغيبية هذه المفاهيم ولا ديمقراطيتها ونخبويتها بل وفاشيتها، حين تحدث عن ان الفكرة الجمهورية تطرح تغييرا بلا جمهور، وأن مجيء دولتها يتم عبر (انقلاب كوني). كما فسر سر عدائهم للشيعة ولما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران، والشيعة هم الأقرب لهم في غنوصيتهم، وفي ذلك كتب:
(بدأ العد التنازلي لهبوط هيبة الفكرة الجمهورية في صدري وفي صدر الجمهوريين عموما في عام 1979 الموافق نهاية القرن الهجري الرابع عشر، حيث أعلن الاستاذ إن رابع القرون «بعد العشرة» ناقص التكوين. اي ان عيسى المنتظر والمهدي المنتظر سيظهران قبل نهاية القرن الرابع عشر وقد جهر الجمهوريون بهذا «السر» علنا في بريطانيا في حديقة هايدبارك.
ومعلوم ان قناعة وعقيدة الجمهوريين هي ان الاستاذ محمود هو صاحب الوقت والمسيح المنتظر. انقضى القرن الرابع عشر دون ان يحدث «التجلي» وبالطبع يستطيع القارئ تصور حجم الاحباط الذي اصاب «المنتظرين» في نهاية ذلك العام. في تلك الفترة ظهرت الثورة الايرانية بقيادة الامام الخميني عليه السلام. وبالرغم من ان ثورة الخميني كانت ثورة شعبية لها قيادة واعية ومدركة لأهداف الثورة.
وقد تمت الثورة في زمن طويل ومعارضة منظمة عرفت بثورة «الكاسيت» وهي ثورة أعظم من ثورة اكتوبر الشعبية السودانية عام 1964 التي مجدتها الفكرة الجمهورية في كتاب «لا إله الا الله»، الا ان الفكرة الجمهورية لم تعترف بالثورة الايرانية بل اعتبرتها فتنة واصدرت كتابا باسم «فتنة إيران» كما اصدرت كتابا اخر بعنوان «الخميني يؤخر عقارب الساعة». والساعة المعنية هي ساعة مجيء المسيح المتنظر- الذي هو حسب عقيدة الجمهوريين - هو الاستاذ محمود-.)
ويواصل القاضي:
(معلوم ان الاستاذ محمود كان يقول ان الله هو الذي غيب شمس الشريعة- الرسالة الاولى- حتى يتمكن الاستاذ محمود وتلاميذه من التبشير بالرسالة الثانية. وكان الاستاذ يعترف بانه لو ان شمس الشريعة كانت ساطعة لما استطاع ان يبشر بالرسالة الثانية. القراءة العلمية تقول ان الفكرة الجمهورية رفضت الاعتراف بالثورة الايرانية رغم بعدها الشعبي العظيم، انطلاقا من اسباب ذاتية هي كون الخميني- روحيا- ملأ مقام صاحب الوقت وهو المقام الذي كانت تنتظره الفكرة الجمهورية لنفسها)
دولة الجمهوريون ودولة ابن عربي:
رغم ان محمود محمد طه والجمهوريين يغترفون بلا اقتباس ولا إشارة من ابن عربي ومن أفكار كبار الصوفية وغير الصوفية كالقوني والجيلي والغزالي وغيرهم، وفي هذا لنا رجعة، إلا ان انهم يتراجعون كثيرا عن مواقف أولئك الأقطاب، وخصوصا عن ابن عربي. وقد بيّنا تأخر موقفهم عن ابن عربي في مسألتين: الأولى هي موقفهم الرجعي من المرأة، والثانية هي نهجهم التكفيري وموقفهم المخزي من الحرية الدينية. فلننتقل الآن الى جانب آخر.
يعتبر ابن عربي من كبار مفكري الصوفية، وهو صاحب كتابات موسوعية وخيال جامح وأفكار خصبة يتجاوز بعضها زمكانها. وهو إن لم يكتب في السياسة أو يضع نظرية في شأن الدولة مباشرة، فهو يطرح ما بين السطور مشروع دولة واقعية، غير الدولة الباطنية المعروفة عند الصوفية. نجد ذلك ربما في كتابه الصغير «التدبيرات الإلهية في اصلاح المملكة الإنسانية» وهو كتاب ديني سياسي يختلط فيه الفكر الصوفي الغنوصي وقضية اصلاح الفرد مع ما أسماه العلماء المسلمون بالأحكام السلطانية أي اصلاح الدولة، مع مشروع أكبر هو تبيان القوانين الكونية. والراجح إن الكتاب مكتوب بلغة صوفية لإظهار أفكار بن عربي السياسية دون تعريض نفسه للخطر من الملوك – الطغاة في عصره. وهو في هذا يقول ان لكتابه مستويين للخاصة والعامة. وكثيرا ما يفرد فقرات فيه يقول فيها انها للخاصة.
ويكاد ابن عربي أن يكون واعياً لكل محتويات كتابه هذا؛ ولطريقة كتابته، فهو يقول في مقدمته:
(فإني بنيت هذا الكتاب، المستخرج من العلم اللُدني، المسمى في الإمام المبين الذي لا يدخله ريب ولا تخمين ب "التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية". وهو يشتمل على مقدمة وتمهيد وأحد وعشرون بابًا من دقائق التوحيد في تدبير الُملُك الذي لا َيبيد، على التدبير الحكمي والنظام الإلهي. وجاء غريبًا في شأنه، ممزوجًا رمزه ببيانه، يقرأه الخاص والعام (قد علم كل أناس مشربهم). وهو لباب التصوف، وسبيل التصّرف. يلهج به الواصل والسالك. ُيعرب عن حقيقة الإنسان وعلو منصبه على سائر الحيوان، وأنه مختصر من العالم المحيط، مركب من كثيف وبسيط. حتى برز على غاية ا لكمال وظهر في البرازخ بين الجلال والجمال. فليس في الجود ُبخل، ولا في القدرة نقصان، وليس أبدع من هذا العالم في الإمكان)
والكتاب رغم تهويماته الصوفية الا انه تمجيد مطلق للإنسان، وفيه اهتمام أيضا بالجوانب العملية للقضايا السلطانية، اذ يتحدث فيه ابن عربي خلال حوالي 14 بابا عن قضايا عملية من بينها الحاكم وصفاته، ودور العدل في مملكته، ثم يعرج بعدها للوزير (رئيس الوزراء بمفهومنا) ودوره وصفاته، ثم ينطلق لدور الكاتب (الجهاز الاداري في وقتنا) ودوره وصفاته، ليحقق بعدها دور العاملين على الخراج والزكاة (وزارة المالية في زماننا)، ولا ينسى الإشارة لدور السفارة والسفراء، وينتهي بالحديث عن الجيش ودور القادة والجند والترتيبات العسكرية.
والحاكم عند ابن عربي ليس حاكما مطلقا (لا يسأل عما يفعل، وهم يسألون) كما عند الجمهوريين، وإنما هو مطالب بمطالب شتى والتزامات عديدة، ومنها الإقرار بنعمة الله عليه، وضرورة التحبب الى الرعية بالهبات، وعدم إضاعة الحقوق، وتجنب قرناء السوء الذين يأكلون أموال الناس، وعدم تقبل الهدية (الرشوة) من الرعية، والالتزام بالشريعة في حياته الخاصة، والتحفظ في الكلام والحركة، ، والاستعانة بالأعوان من وزراء وكتاب وقادة جند وسفراء لتسيير أمور الدولة ، وقبل كل شيء الالتزام بالعدل الذي هو أساس الملك، والمساواة بين الرعية.
فشتان ما بين دولة ابن عربي التي تٌعلي من شأن الانسان وتقيد السلطان، ودولة محمود محمد طه التي تُزري بالإنسان وتأله السلطان.
خاتمة:
لقد كتبنا من قبل ان دولة الجمهوريين ستطبق الحدود في اكثر اشكالها بشاعة وتطرفاً، بما فيها حدود مختلف عليها مثل حد الزنا. كما إنها دولة ستقفل النساء في البيوت باعتبار إن مكان المرأة في البيت، حسب محمود محمد طه، وهي دولة لا تتسامح مع الآخر الديني باعتبار ان الدين عند الله الإسلام، وإن الإسلام والدين المعني هو الفكرة الجمهورية لا غير، وكل ما عداها باطل وليس بشيء. فهي دولة لا تعترف بشيء من حقوق الانسان ولا بأي درجة من درجات الاختلاف.
وقد رأينا في هذا المقال ان هذه الدولة لا تأتي عن طريق النضال السياسي او الانتخابات، ذلك انها دولة المسيح ودولة الله، رغم محاولة الجمهوريين استدراج الطغاة لتطبيق بعض برنامجهم، او السماح لهم بالتبشير حتى يظهر (الرجل). وقد اوضحنا من قبل ان هذا الرجل المنتظر المسمى بالأصيل الواحد والمسيح المحمدي والانسان الكامل انما هو محمود محمد طه نفسه لا غير، الذي يتنزل من الذات الإلهية ويترقى من هيئته الإنسانية ليصبح الله الذي ينزل في ظل من الملائكة والغمام فيحكمنا ونكون مسؤولين امامه وتكون حريتنا هبة منه ثم يحاسبنا في يوم القيامة.
وإذا كان النازيون قد صكوا شعارا شمولياً لدولتهم الفاشية هو (Ein Volk, Ein Reich, Ein Führer!) أي شعب واحد دولة واحدة زعيم واحد. فإن الجمهوريين يقترحون أمة عالمية واحدة تنطلق دولتها من السودان تقودها أيدلوجية واحدة هي الفكرة الجمهورية ويقودها رجلٌ، ليس هو زعيم ارضي يحيا ويهرم ويموت، وانما هو الله شخصياً عندما يتنزل ويتجلى في شخص محمود.
يقول أبو بكر القاضي في حاكم الدولة الجمهورية، محمود محمد طه أي الانسان الكامل أي الله الارضي ما يلي:
(ثم من هو الله الذي يسيرنا؟ لأن الله في الفكرة الجمهورية مفهوم له تنزلات، فهناك الله ــ الذات القديمة المطلقة التي لا تسمى ولا توصف، ثم الله في التنزل الذي هو الإنسان الكامل الذي يحاسب الناس يوم القيامة نيابة عن الله الخالق القديم، إذن (الله ــ الإنسان الكامل) هو مفهوم وثني، سلطاني، إذ هو ملك يوم الدين.
إذن فإن الفكرة الجمهورية وهي داعية الى اقامة دولة الصوفية التي على قمتها ــ الله ــ الذي هو الإنسان الكامل انما ترتب لإقامة دولة استبدادية دينية تلغي الآخر الاسلامي من مذاهب وفرق اسلامية كما تلغي الاخر من كتب سماوية وكنفوشوسية. الخ. فهذه دولة أنصار السنة المحمدية، التي لا تعترف بالآخر إلا تابعا للدولة الاسلامية يخضع لسلطانها ويدفع الجزية.)
هذه الدولة مع ذلك ليس لها علاقة بدولة الصوفية او الدولة الباطنية كما عبر عنها السادة الصوفية في احلامهم وكتاباتهم، أي دولة العدل والإحسان، وإنما هي دولة شمولية فاشية لا تعرف الاختلاف، وتجعل من فرد واحد ليس فقط حاكما مطلق لا يُسأل عن افعاله، بل تجعل منه إلهاً وتجعل منا عبيدا نُساق من طرفه وطرف خليفته واتباعه كما تُساق النعاج.
عادل عبد العاطي
24/3/2022م
abdelaati@gmail.com
//////////////////////