د. صابر وديون السودان الخارجية

 


 

 


خرج الينا د. صابر محافظ بنك السودان السابق في ربيع منصبه شاهرا سيف معلوماته مؤكداً أن اقتصاد السودان لا يتأثر بالأزمات العالمية. وكان تبريره أن السودان لا يتعامل بالدولار، يا ضحالة هذا التبرير الذي يشبه ( تكسير التلج) .مثل هذه المعلومات قد تدمر الاقتصاد والمصداقية في آن واحد، تدمر الاقتصاد عن طريق تضليل الرأي العام وقيادة الدولة (Miss leading) وتدمر مصداقية الموقع والمنصب والمؤسسة. المؤسف في تصريحات القادة في السودان أنها مرتبطة بالمنصب لذلك تصريحات ربيع منصبهم تختلف عن تصريحات صيف المنصب ، القيادي في السودان يدافع عن سياسات الحكومة بشراسة بقدر تمدده في الموقع أو المنصب وعند مغادرته الموقع والمنصب يعلن ما خفي من نقاط ضعف ومخاطر تهدد أمن واقتصاد السودان ويتوعد الشعب المسكين المغلوب علي أمره بأزمات اقتصادية وأمنية مستدامة . ما قاله وصرح به د. صابر محافظ بنك السودان السابق في الاقتصاد السوداني كثير بقدر طول بقائه في المنصب، فهو الذي أفتي بأن إنفصال الجنوب لا يؤثر من قريب أو بعيد في اقتصاد شمال السودان هذا طبعا في ربيع منصبه أو قل قبل ترجله من المنصب بقليل.لا يهمني كثيرا دوفعات القادة في السودان عن نظامهم فهي خواء ومرتبطة بالموقع والمنصب وأحيانا يكون دافعها إثني بحت.
سوف أتناول قضايا ديون السودان الخارجية بطريقة منهجية محايدة من حيث الكم والجهات الدائنة ومن حيث أسباب تراكم الديون الخارجية وبعدها أسلط الضوء علي الأثر الاقتصادي والاجتماعي والأمني علي شعب السودان.الديون الخارجية علي السودان ليست وليدة اليوم ولا الأمس القريب ولكنها نتاج فشل إدارة الموارد الإقتصادية في السودان ونتاج فشل التخطيط الاقتصادي منذ إستقلاله.من المهم جدا التوضيح بأن للنظم الشمولية حظاً أوفر في هذه الديون وذلك لغياب المنهجية في السياسة المالية والنقدية وبالتالي النتيجة نهج اقتصادي هزيل وضعيف وغير راشد بقدر حجم غياب الحريات وضعف المشاركة .الحقيقة التي ينبغي الإعتراف بها أن ثورة الانقاذ إنتهجت نهجا خاطئا في إدارة الموارد الاقتصادية أكثر من غيرها من النظم واوكلت مهام جسام الي أهل الولاء غير المؤهلين في مشاريع تم تمويلها بالديون الخارجية ( مشروع سد مروي مثلا) قد يكون مشروع سد مروي ناجحا في تقديم بعض الخدمات الضرورية ولكن الفرق في إعتماد موارد الإبتداء والصرف الفعلي كبير جدا مما يعكس ضعف دراسات الجدوي في تقدير التمويل او سوء استغلال الدين الخارجي في صرف غير منطقي او غير مدرج.هذا يؤكد قولنا في الاستغلال غير المنهجي وغير العلمي للديون الخارجية.الإستغلال السئ للديون الخارجية كانت نتيجته دمار الخطوط البحرية السودانية والسكة حديد ومشروع الجزيرة ومشاريع القضارف ودلتا طوكر وموانئ السودان و......ألخ مشروعات كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المقال ولنا عودة في ذلك بالتفاصيل.
المهم نعود الي موضوع الديون الخارجية ، أصل الديون كان 15.4 مليار دولار ثم قفزت الي 35.6 مليار دولار في نهاية 2009م. أفادنا د. صابر في صيف منصبه وبعد مغادرته للمنصب بأيام معدودات أنها بلغت في نهاية 2010م 37.5 مليار أي بزيادة 2 مليار دولار في عام واحد. وأفادنا أيضا أن السودان يعد أكثر دولة ديونا في العالم وتجاوز السودان سقف (الهيبك) بأكثر من 200% مما يعكس صعوبة ما يواجهه السودان في التعامل الخارجي. كعادة القادة في السودان حين ينسل من تحتهم الكرسي والمنصب والموقع بشر د. صابر محمد حسن الشعب السوداني بصدمة اقتصادية طويلة الأمد أو مستدامة حسب إفادته المقتضبة.   هذه الديون الخارجية تؤثر في كل مسارات حياتنا اليومية ليس لجيلنا الحالي فحسب ولكن في مسارات حياة الأجيال القادمة.ولأغراض تهم الشعب السوداني في المستقبل لابد من توضيح الجهات الدائنة، ذلك لأن الشعب السوداني شعب مسلم ويحتكم الي الشريعة الإسلامية كما يقول دستور السودان وهذه النقطة أهميتها تكمن في مدي تعامل السودان بالصيغ الإسلامية في ديونه الخارجية.الجهات الخارجية الدائنة لا تلتزم بالصيغ الإسلامية حسب دستورها وأحسب أنها لا تتنازل عن صيغها الربوية من أجل عيون السودان العسلية كما تقول السلطات السودانية في جوازها الرسمي. علي كل حال وحتي يتمكن الشعب السوداني من معرفة تلكم الدول نوردها هنا فقط للعلم:-
•        مؤسسات التمويل الدولية
•        الدول غير الأعضاء في نادي باريس
•        دول نادي باريس
•        البنوك التجارية
•        الموردون الأجانب
لا أحسب أن الدول أعلاه تعترف بالصيغ الإسلامية وطبعا لا تحترم رغبة السودان في التزاماته الدينية والذي يتنازل دائما سعادة حكومة المؤتمر الوطني الموقرة . السبب الاساسي لزيادة الديون هو الفوائد الجزائية والتعاقدية التي ترتبت لعدم او تاخر السداد بالإضافة الي الإقتراض الجديد. بلغت جملة الفوائد الجزائية والتعاقدية 20.3 مليار دولار أكثر من الدين الأصلي بنسبة 132%. نسبة اصل الدين تعادل 43.2% من جملة الديون ونسبة الفوائد التعاقدية تعادل 10.7% من جملة الديون ونسبة الفوائد الجزائية تعادل46.1%.
عموما هذه الزيادة الكبيرة في ديون السودان الخارجية وهذا المنوال التصاعدي في الديون الخارجية يترتب عليه إرتهان القرار والسيادة السودانية وارتهان الاقتصاد السوداني والسياسة السودانية والأمن السوداني ( وكمان ) الحدود السودانية لشروط الدول المانحة للقروض. ويساهم تراكم الديون الخارجية في تبطيء مسيرة التنمية ويخل بنتائج ميزان المدفوعات.
أسباب تراكم الديون الخارجية :-
هنالك اسباب كثيرة لتراكم الديون الخارجية علي السودان منها اسباب محلية واخري خارجية ومنها اسباب ادارية وسياسية ومن اهم الاسباب ما يلي:-
1- تنامي اوجه الصرف الحكومي مقارنة مع الموارد المتاحة
2- ضعف الدراسات الفنية والاقتصادية للمشاريع الممولة من الديون الخارجية
3- ضعف المقدرة التنفيذية للمشروعات الممولة بالدين الخارجي
4- المشاريع الممولة من الدين الخارجي لا تساهم في خدمة سداد الدين
5- تعدد نوافذ التعامل مع الدين الخارجي
6- عدم التقييد بالاسس السليمة لتقييم شروط الاقتراض الخارجي
7- ضعف ادارة الموارد الاقتصادية
8- تصاعد اسعار الفائدة والفوائد الجزائية للقروض التجارية
9- عدم استقرار السياسات المالية والنقدية
10- عدم وضوح سياسة الاقتراض من الخارج
مجمل النشاط في الديون الخارجية علي السودان فيه خلل في نواحي عدة ويحتاج الي مراجعة شاملة في كل فنياته وآن الآوان لتحديد المسارات الصحيحة المتعلقة بإستخدامات الديون الخارجية لإنفاقها في مجالاتها المخطط لها وبدراسات فنية واقتصادية واقعية .أقصد بهذه الواقعية ان بعض تكاليف المشاريع في مراحل التنفيذ تتضاعف بصورة غير منطقية.
أثر تراكم الديون الخارجية علي الاقتصاد السوداني :-
من أكبر المخاطر في التمويل الخارجي استغلال القروض في مشاريع ضعيفة الهيكلة الفنية والاقتصادية وغير ذات عائدات لتمويل خدمة الديون،هذا الاستغلال السئ للموارد الخارجية يساهم في ارتهان قرار الدولة  ووقوع الدولة في فخ الديون الخارجية. تراكم الديون الخارجية بسبب سوء ادارتها او سوء استغلالها يساهم في الضغط علي الموارد المحلية مما يترتب علي ذلك اللجوء الي التمويل بالعجز في الموازنة العامة للدولة.تراكم الديون الخارجية يعني ازدياد نسب الفائدة التعاقدية ونسب الفوائد الجزائية مما يزيد نسب السداد من الموارد المحلية.وهذه العملية تساهم في خفض الصرف التنموي علي مشاريع ذات أولوية قصوي وخفض الصرف التنموي يعني ارتفاع أعباء المعيشة وارتفاع معدلات الفقر. تراكم الديون الخارجية يساهم في تشويه العلاقة مع العالم الخارجي ويساهم في تقليل فرص التعامل مع الاسواق المالية العالمية. تراكم الديون الخارجية يتسبب في قلة تدفق العملات الاجنبية مقارنة بالطلب وبالتالي تضطر الدولة لتخفيض قيمة عملتها المحلية.من أخطر الآثار لتراكم الديون الخارجية هي خلق بيئة غيرة مواتية للاستثمارات الأجنبية بجانب العجز في الحصول علي قروض وتسهيلات بشروط ميسرة تسهم في معدلات نمو الاقتصاد الوطني.كما تكون الدولة عرضة لحرمانها من الاستفادة من المبادرات الدولية المطروحة لمعالجة عبء المديونية ( مبادرة الدول الفقيرة المثقلة بالديون). كما يؤدي تراكم الديون الخارجية الي إعلان صندوق النقد الدولي السودان دولة غير متعاونة ويترتب علي ذلك توقف كل المؤسسات ذات الصلة بالصندوق مع السودان وهذا يعني مقاطعة اقتصادية تضعف فرص السودان للاستفادة من التمويلات التنموية الميسرة. 


Taha Bamkar [tahabamkar@yahoo.com]

 

آراء