د.غازي صلاح الدين: قانون الإستفتاء وصفة حرب.. وهذه القضايا لابد من حسمها..!!

 


 

 

 

 1-2

 

رفض قانون الإستفتاء لجنوب السودان في نسخته الأولى داخل البرلمان، ولا يزال يرفضه رغم أنه أجيز في غيابه وبات أمراً واقعاً، هل (حرد) د.غازي صلاح الدين مستشار الرئيس ورئيس كتلة المؤتمر الوطني في البرلمان حقاً وغاب عن الجلسة، وما هي النقاط الخطيرة في القانون، وكيف يرى الحركة الشعبية، ومشروعها السودان الجديد، ولماذا سقطت الإشارة للمسيرية في قانون إستفتاء أبيي، وما قصة الجسر الذي لم يرغب الشريكان في عبوره، جميعها قضايا يفتحها هذا الحوار مع قناة النيل الأزرق، وتنشره (الرأى العام) لأهمية القضايا التي تطرق إليها.

* البعض إعتبر أنك غبت عن جلسة التصويت على قانون الإستفتاء لأنك (حردان)؟

- وصفتني بعض الصحف بأنني غاضب، لكنني عندما أتحدث للكثير من الشباب عما ينبغي أن يتميز به القائد أقول لهم أن يتجنبوا الطاقات السالبة مثل الغضب والحرد، وليست كالشجاعة أو الحب أو الرضا التي هي طاقات موجبة، لذلك لا أؤمن بالغضب والحرد في السياسة، ولكن من حق الإنسان أن يسجل موقفاً دون أن يوصف بأنه غاضب، وهذا ما حدث.

* حدث، ولكن خارج المؤسسات؟

- التعديل الذي أدخلناه نحن على المادتين «27» و«67» كان تعديلاً أقره المكتب القيادي للمؤتمر الوطني، وليس لدي علم أن المكتب القيادي إجتمع مرة أخرى لينقض ما أبرمه سابقاً ولذلك أعتبر نفسي ملتزماً تماماً بما أقره المكتب القيادي والمؤسسة.

* سنعود إلى ذلك، لو تأملنا الآن في المشهد السياسي لوجدنا أن الحركة الشعبية وظفت من قبل كل قوى المشهد السياسي الشمالي لتحقيق أهدافها منذ مؤتمر أسمرا في حق تقرير المصير والدولة العلمانية، ثم مذكرة الترابي قرنق، وكانت مطية لإتفاق للحركة مع المؤتمر الوطني، الجميع كانوا في هذه الساحة تحت التوظيف، والجميع كان يبحث عن بندقية قرنق لتكون إلى جانبه، وفي سبيل ذلك كانت هذه التنازلات؟

- هذا واضح، ولكن لماذا حدث ذلك، أنت في العمل السياسي تحتاج إلى حماية وإلى عصبة كما قال ابن خلدون، فأنت لا تستطيع أن تعمل مفكراً في الهواء غير ملتصق بالأرض ولابد أن تكون لديك جماعة تأوى إليها، والحركة الشعبية تمثل بالنسبة لبعض القوى السياسية الآن- وربما كان ذلك خطأ في الإتفاقية أو سلوكنا السياسي- تمثل حيزاً للحماية، فهي تحكم بلداً داخل السودان باسم آخر ولديها كامل السلطات السياسية والتنفيذية والأمنية والإقتصادية، وهي تعمل في الشمال أيضاً، لذلك كان تداعي بعض القوى السياسية لتحتمي بكنف الحركة، وكان سلوكاً غريزياً أضطرت إليه هذه القوى السياسية ولم يكن سلوكاً مبدئياً، وينبغي أن نتعمق في السؤال ونقول لماذا أضطرت هذه القوى السياسية لفعل ذلك، هذا سؤال وجيه بالنسبة لي كقيادي في المؤتمر الوطني، وأعتقد في الأطروحة التي تقدم أن واجبنا في المؤتمر الوطني أن نقيم كياناً واسعاً يشمل هذه القوى السياسية، ولا يستثني الحركة فأنا لست مع عزل الحركة لكنني ضد أن تترك لها مساحة المناورة لتستخدم المباديء المعلنة لتحقيق عكس تلك المباديء، أن تتحدث عن الوحدة الجاذبة ولكنها تسعى للإنفصال في الحقيقة، أن تتحدث عن التحول الديمقراطي وتفعل غير ذلك في الجنوب، الأحزاب تحتاج للحماية والمال، والحركة لديها يد مطلقة في أموال الجنوب وحولت لها حتى الآن أكثر من ثمانية مليارات دولار، وليس لدى حكومة الجنوب مراجع عام، وأعترف ممثل حكومة الجنوب في آخر جلسة إستماع في الكونغرس بوجود مشكلة في إدارة المال بحكومة الجنوب، هذه الأموال سيكون من الغباء ألا نفترض أنها تتسرب للشمال لتمويل الحركة السياسية والمظاهرات التي يقال إنها لدعم التحول الديمقراطي وهي ليست كذلك، وللحركة مقدرة على التلون حسب الظرف والساعة والحليف المرحلي، عندما تتحالف مع الوطني تتحدث عن الوحدة، وعندما تتحالف مع القوى السياسية الشمالية تتحدث عن التحول الديمقراطي، وعندما تتحالف مع القوى السياسية الجنوبية تتحدث عن الإنفصال، هذه ظاهرة لابد من دراستها لأننا في النهاية لا نريد أن نخترع أسماء وهمية نخدع بها أنفسنا لنتحدث عن أن السودان بلد ديمقراطي ولا يطبق ذلك في أرض الواقع، لدى تساؤلات أطرحها كشخص يفكر وليس من موقف حزبي، ما جدوى الصيغة القائمة الآن، وقلت ذلك لقيادي بالحركة ، قامت إتفاقية السلام على فرضيتين، أن تحقق الوحدة والسلام، فإذا انتهت إلى أنها لم تحقق الوحدة ولم تحقق السلام فما الفائدة منها، وأحتج هو على ذلك وأعتبره تنصلاً من قبل المؤتمر الوطني، فقلت له إنني حر في طرح آرائي لكن هذا سؤال يطرحه الشعب، وقانون الإستفتاء الذي أجيز هو وصفة حرب، تحديداً المادة «67»، أراه مثلما أنكم تنطقون، وتطبيق هذا القانون في ظل سوء النية سيؤدي إلى إنفصال وإلى حرب.

* سنعود إلى القانون، لكن السؤال يظل قائماً، ما الذي يحول دون التنازل للقوى الشمالية، وهم أقرب؟

- هناك فوضى فكرية، أو حوار طرشان كما يقال،  يبدو أن المقاصد النهائية والوسائل ليست واضحة عند كل القوى السياسية، ما يفكر به الوطني ليس ما يتحدث عنه حزب الأمة بالوفاق الوطني، ولا ما يتحدث به الإتحادي الديمقراطي، والتحدى أمام هذه القوى هو أن تجد وصفاً مشتركاً لما تعنيه بالوفاق الوطني، هل القضية هي قسمة كيكة السلطة، وأنت تعلم أنها كيكة لم يبق منها في هذه المرحلة إلا فتات وسيلتهم في الأيام القادمة لأننا بصدد إنتخابات بعد أربعة أشهر، هو عدم وضوح الرؤية الفكرية.

* في  جانب من ؟

- في جانب الجميع، كلهم يطرحون شعارات بنوايا حسنة، وهي صادقة لكنها في المحك العملي ليست قابلة للتوفيق لأن كل شخص يرى الصورة النهائية بشكل مختلف، عندما نتحدث عن الوفاق الوطني الآن، هل هو إعادة تشكيل للحكومة، أم المقصود إعادة تشكيل المجلس الوطني أم التنسيق حتى قيام الإنتخابات أم تقديم ضمانات بأن تكون الإنتخابات حرة ونزيهة، وكلها أطروحات في الساحة الآن، أعتقد أن الإخفاق الذي جرى أنه لم يحدث ترتيب متفق عليه لوضع تعريف دقيق لما نعنيه بجمع الصف الوطني، ولم تقدم الحركة نموذجاً جيداً لأن تجمع أحزاب جوبا بدأ كما لو أنه محاكمة للمؤتمر الوطني وتاريخ الشمال كله، وهذه من خصائص مشروع السودان الجديد، أنه مشروع تجريمي لكل تاريخ الشمال، حتى الإستقلال لا يعترف به، وبالتالي بدأ كأن مؤتمر جوبا محاكمة وضراراً للوطني وبذلك فقد كثيراً من مشروعيته الأخلاقية لدى الناس وتحول إلى مشروع مظاهرات في الخرطوم.

* هل هناك سودان جديد بعد مشاكوس، ومقايضة مشروع بمشروع، أن تقر بأن يحكم الشمال إسلامياً، ومشروع السودان الجديد الذي نعرفه يقوم على دولة علمانية، فقيل إن المقايضة تمت على أساس دولة إسلامية في الشمال مقابل تقرير المصير؟

- هذا هو الإلتزام الأخلاقي بالطبع، لأن زعيم الحركة آنذاك قال نحن لم نحقق مشروع السودان الجديد والمؤتمر الوطني لم يحقق مشروعه الحضاري كما طرحه، لكننا توصلنا إلى شيء بين الإثنين، وبالتالي كان الموقف الأخلاقي ألا تحاكم الشريك على أنه لم يلتزم بالسودان الجديد، ولماذا نلتزم بالسودان الجديد، وهو مشروع تجريمي لتاريخ الشمال، بما فيه كل القوى الشمالية التي شاركت في مؤتمر جوبا، ومشروع السودان الجديد لا يستأنس بأطروحات مثل الحركة الإتحادية، أنا إسلامي لكنني أعرف أن الإستقلال كان نتيجة لهذه الحركة السياسية التي أنتمي إليها بوجه من الوجوه وإن لم يك تنظيمياً أو عضوياً، والسودان الجديد منبت ويعتبر أن كل ما تم في الأربعينات على يد مؤتمر الخريجين والخمسينات والستينات، كان مجرد مؤامرة ضد الجنوب، وينادى المشروع بنصرة المهمشين بينما نرى أن تحالفهم في مؤتمر جوبا كان مع أقطاب السودان القديم، الذين يمثلون السودان القديم بأقوى مما يمثله المؤتمر الوطني.

* هل هو إستغفال إرادي، هل تستغفل القوى الشمالية وهي تمضى إلى جوبا نفسها، هذه مسائل تبدو واضحة للغاية للمراقب؟

- الإخفاق لا يحدث أحياناً من عدم وضوح الرؤية بل من شلل الإرادة، ومشكلتنا أقرب لأن تكون مشكلة إرادة، الرؤى المختلفة يمكن أن يوفق بينها، ولكن لابد من إرادة سياسية تقتضي تضحيات لابد من تقديمها، والإتفاق على مراحل ومعالم طريق، وهذا لم يحدث، وكتبت عن ذلك، أن هناك مشكلة في فكرة الحزبية نفسها، هل الحزب الآن يمثل الأداة التي يمكن أن تتوسل بأطروحاتها إلى الجماهير لتكتسب مشروعية، هناك الآن  أطروحات جديدة تتمثل في المجتمع المدني وهناك أشخاص زاهدون في الحزبية، والاحزاب تعاني من مشكلات تمويل وتنظيم، ومشكلات تقريب المقربين وإبعاد المبعدين، ويتمظهر ذلك في شكل شلل سياسي وفكري.

* هل هي معلومات مؤكدة أن الحركة الشعبية تقوم بتمويل بعض القوى الشمالية؟

- المعلومات تقول ذلك، ولكن الأمر لا يحتاج لمعلومات، ظللنا نتساءل أين ذهبت الثمانية مليارات دولار ولم نتحصل على إجابة.

* وهل يعني ذلك أنها ذهبت للقوى الشمالية بالضرورة؟

- إذا كنت لا تستطيع أن تقتفي أثر النقود فيمكن أن تفترض أنها انفقت في استراليا أو أمريكا ويمكن أن تستنتج أنها أنفقت في شمال السودان ولا يحتاج ذلك لذكاء شديد.

* الحركة بدأت السباق نحو الإنفصال، ولكن هل وصل المؤتمر الوطني بالفعل إلى هذا اليقين وبدأت ورشة في جنوب أفريقيا تناقش كيف يكون الإنفصال سلساً وجاذباً؟

- أحب أن أذكر الناس بحقيقة تغيب حتى على الموقعين على إتفاق مشاكوس، بخلاف تجارب الإنفصال التي رأيناها في كثير من الدول، فإن الإلتزام السياسي للقوى الموقعة كان في نيفاشا، أن الطرفين كانا يناديان بالوحدة، وفي إنفصالات أخرى كباكستان كانت هناك حركة إنفصالية مشروعة، في أريتريا كان هناك تيار عارم نادى بالإنفصال، ولكن هنا كان الإلتزام نحو الوحدة، وبالتالي يجب أن يحاسب الطرف الذي لا يلتزم بها سياسياً، أنا مؤمن بالوحدة وأعتقد أن تقرير المصير ينبغي أن يفهم في هذا السياق لكننا نحترم القرار إذا صدر في النهاية من القاعدة الشعبية في الجنوب، لكن الحركة تثبت كل يوم أنها أصبحت في جوهر مشروعها حركة إنفصالية، وسبب ذلك تراجع مشروع السودان الجديد، وكان واضحاً من دفاع الحركة عن بعض بنود قانون إستفتاء جنوب السودان أنها إنفصالية.

* على ذكر القانون، المادة «27» موضوع الجدل، كان بندها الثالث يقول، لا يجوز للناخب المذكور أدناه التسجيل والإقتراع في المواقع الأخرى، وهو كل من تعود أصوله إلى أحد الأصول الإثنية في جنوب السودان ولم يكن مقيماً إقامة دائمة دون إنقطاع في جنوب السودان قبل أو منذ الأول من يناير 1956م.

ب- مقيم إقامة دائمة متواصلة دون إنقطاع أو أياً من الأبوين أو الجدين مقيماً إقامة دائمة متواصلة دون إنقطاع في جنوب السودان قبل أو منذ الأول من يناير 1956، ما الذي تخشاه الحركة من وراء إلغاء هذا النص؟

- سألت أحد كبار قادة الحركة أثناء جولات المباحثات الثلاثية التي كان يرعاها المبعوث الأمريكي، لماذ تريد تقييد حق الجنوبي الدستوري في التصويت، ونحن اعتمدنا تعريف الجنوبي كما ورد في دستور حكومة جنوب السودان، وكنت أقول له لماذا يذهب إلى الجنوب ليسجل، ثم ليصوت، هذا شرط تعجيزي، وهذا يقدح في نواياكم ويقدح في حرية ونزاهة الإستفتاء، لكنه أصر وقال لي في النهاية نحن نخشى من التزوير في الشمال، فقلت له ونحن نخشى أن يحدث التزوير في الجنوب، والدواء للتزوير هو إحكام آليات الرقابة، ويمكن أن يحدث التزوير في أي مكان، لذلك فهذا النص نص تمييزي، بين الجنوبي والجنوبي الآخر، والتعديل الذي دخل على النص في المادة «4» كان جيداً، ويقول التعديل، دون الإخلال بالمذكور أعلاه يجوز للجنوبي المولود في الشمال التصويت في أي مركز، وهذه الفئة ربما تصل إلى مئات الآلاف من الجنوبيين، وبذلك النص القديم فإن أي جنوبي ولد في الخرطوم أو حلفا خلال العشرين سنة الماضية لن يستطيع التسجيل أو التصويت في الخرطوم أو حلفا، ولابد أن يذهب للتسجيل على حسابه والتصويت على حسابه إلى قريته التي جاء أهله منها للشمال، لكن القانون أبقى على ضرورة عودة الجنوبيين من أصول جنوبية والتي هاجرت من الجنوب قبل 6591، ويبقى السؤال لماذا تميز هؤلاء؟

نقلا عن الرأي العام

 

آراء