د. محمد يوسف: احترم الحق في الانفصال ولا أوافق عليه.. الانفصال قفزة في الظلام ولن يزيل التهميش
حوار (الرؤى والرؤية) مع د. محمد يوسف أحمد المصطفى
احترم الحق في الانفصال ولا أوافق عليه للأسباب الآتية:
الانفصال (قفزة في الظلام) ولن يزيل (التهميش). وعلاج (التخلف) في التقدم..
رمز الحركة الشعبية يضم ثلاث كلمات.. التقدم – الوحدة - المساواة
كيف ننحسر جنوباً.. وإمكانات تقدمنا تشمل كل الوطن؟
لابد من نضال مستمر لتغيير الواقع (المزري)
معركة التغيير طويلة المدى وهي مهمة شاقة وسكتها طويلة ووعرة
الحركة تركت المهمشين في العراء واختارت الانكفاء جنوباً.
كيف نترك (الجمل بما حمل) بسبب عناد ومقاومة المؤتمر الوطني المستميتة لتمدد نفوذنا.
المهمشون لن ينالوا شيئا حال انهيار السودان وهم وقود الحرب القادمة
(الوطني) يسعي لإحداث حالة من الإرباك والإرهاب والتخويف وسط (الجنوبيين) الذين لايهمهم (حرمان من امتيازات) أو حتى (حقن).
بعض قيادات المؤتمر الوطني تتعامل مع الشأن السياسي (برعونة)
حاوره/ خالد فضل
توطئة:
كنت ميمماً شطر داره الرحيبة بحي الجامعة، شرق النيل الأزرق، ليس بعيداً عن كبري الجريف المنشية، وفي خاطري تدور فكرة أن أسمع من د. محمد يوسف أحمد المصطفى ما لم تعتد نقله الصحف عنه من تصريحات السياسة الساخنة التي عُرف بها، وزيراً سابقاً للدولة بوزارة العمل وتنمية القوى البشرية، ومرشحاً راجح الفوز - إن جرت الانتخابات على هدى نجاعة البرامج وقوة الطرح - بمنصب والي ولاية الجزيرة، ولكني في خاطري كانت تجول فكرة ود يوسف، الأستاذ الجامعي الرفيع، وابن البلد الطيب المملوء عشقاً للإنسان بالسودان الموحد، وسليل أسرة قيادية مناضلة عرفت بمواقفها الشرسة نصرة لحقوق المستضعفين وصداً لغلواء المهيمنين والمستعمرين والديكتاتوريين، وكأنما قرأ خاطري قبل أن أقابله فكان أول حديثه معي، عن الرؤية، التي ختم حديثه وهو يردد على مسامعي، المهم التمسك بالبوصلة الهادية، رؤية السودان الجديد، سواها لا أمل في تغيير.. معاً نذهب في قراءة عميقة لما طرحه د. محمد من مرافعة، لعلها الأقوى في صف الوحدة الحقيقية لم يوقر فيها حتى الحركة الشعبية التي ينتمي إليها مناضلاً في صفوفها منذ سنوات طويلة.. فإلى مداخل الحوار:
• بداية نود أن نسمع قولاً حول جدل الساحة وموضوع الساعة؟
• استفتاء حق تقرير المصير لجنوب السودان؟
- أولاً، أنا ضد الانفصال ولدي أسبابي التي تتعلق بالرؤية التي اقتنع بها (رؤية السودان الجديد) و(رؤية) الراحل د. جون قرنق، وأسبابي لا تتعلق إطلاقاً بمسألة وطن الجدود والحدود التي أورثونا لها وغيرها من مزاعم لا تقنع أحداً.
- أيعني هذا أنك لا توافق مسبقاً على نتائج الاستفتاء إن جاءت لصالح الانفصال؟
- لقد تحدثت مع باقان أموم طويلاً، أنا أحترم خيار الجنوبيين إن اختاروا الانفصال، ولكنني لا أقبله (قالها بالانجليزية "I respect it but I don’t accept it")، مثلما احترم ديانة المسيحي وغيره من معتنقي الديانات أياً كانت ولكنني لا اعتنقها، بالمثل أنا احترم خيار الانفصال ولكنني لا أقبله ولدي أسبابي التي سأوردها لك.
• أسباب يطرحها د. محمد يوسف القيادي بالحركة الشعبية جديرة بالاهتمام.. ما هي يا ترى؟
- أولاً، لدي قناعة بأنه لابد من نضال مستمر لتغيير الواقع المزري السائد، وعملية التغيير ليست رهناً بفترة خمس سنوات إن أنجزناه فيها ونعمت وإلا فاليأس والانكفاء جنوباً، إن معركة التغيير طويلة المدى ولا بد من الاستعداد الجاد لمهمة شاقة وسكتها طويلة ووعرة، ودوننا التجربة الأمريكية، فقد تم تجريب الانفصال ولكنه لم ينجح فعاد أبراهام لنكولن لتوحيد أمريكا، وتم تجريب خيار الهجرة من أمريكا وتركها بسبب المعاناة وشراسة المتاريس في وجه التغيير، ولم تنجح تجربة إنشاء (ليبيريا) ولكن ما ظلّ مستمراً هو النضال من أجل الحقوق المدنية، وقدمت في سبيل ذلك تضحيات جسيمة وأنفس كريمة حتى تكللت الجهود بالنجاح الباهر وجاء عصر أوباما من وسط سلالة الزنوج، هذا أسطع دليل على نجاعة طريق النضال من أجل الحقوق ومن أجل التغيير.
• ولكن المتاريس هنا تبدو أقوى وأعتى؟
- لا أجد تفسيراً مقنعاً لتبرير المكتب السياسي للحركة حول موقف الحركة من مسألة الوحدة بالقول إن المؤتمر الوطني لم يترك لنا فرصة العمل من أجل الوحدة، وأن الحركة لم تغير فكرها الأساسي القائم على مبدأ الوحدة على أسس جديدة، هذا تبرير ضعيف في تقديري، فمن الطبيعي ألا يترك لك المؤتمر الوطني الساحة فهو خصمك الفكري والسياسي الأساسي قبل أن يكون شريكاً في حكومة أنجبتها تسوية وصفها د. جون بأنها تشكل الحد الأدنى لبدء النضال من أجل سيادة وتطبيق مشروع بناء السودان الجديد.
• وحدوية قرنق غير قابلة للمزايدة؟
- إن أنسى فلن أنسى يوم 30 يوليو 1989م، بعد شهر واحد من قيام انقلاب الإنقاذ، كان ذلك بمنزل دينق ألور بأديس أبابا عاصمة اثيوبيا.
• ماذا حدث في ذلك اليوم حتى ظل عالقاً بذاكرتك؟
- كان قد تم تكليفي من جانب التجمع الوطني الديمقراطي، الذي بدأ يتخلق في تلك الفترة، بالسفر إلى أديس أبابا لأبلغ الحركة واستطلع رؤيتها حول مبادئ ميثاق إعلان ميلاد التجمع الوطني الديمقراطي، وقد كانت الفكرة تقوم على تقسيم السلطة بعد القضاء على الانقلاب بواقع ثلث للتجمع النقابي وثلث للأحزاب وثلث للحركة الشعبية، ذهبت، وبترتيب مع ياسر عرمان قابلت د. جون وكان يتأهب للسفر إلى غرب إفريقيا وبرفقته عدد كبير من قيادات الحركة، عرضت عليهم الفكرة ومبادئها الأساسية.
• ثم ماذا بعد؟
- تطرق الحديث لتقييم ونقاش حول الأوضاع الجديدة في السودان، وحول طريقة تفكير قائد الانقلاب عمر البشير، الذي كان قبل الانقلاب قد بدأ يظهر على ساحة الإعلام المحلي إثر قيادته لهجوم ناجح ضد قوات الحركة في ميوم، ورؤيته بأن يتم فصل الجنوب، وبسبب الصراعات التي ستتولد فيه سيلجأ قسم كبير من الجنوبيين للشمال طلباً للعون وساعتها يمكن فرض الوحدة بالشروط التي يريدها الشمال..
• وماذا كان تعليق د. جون على تلك الفكرة؟
- كان رده حاسماً وواضحاً لا لبس فيه ولا غموض وبانجليزيته الرصينة أجاب رداً على مثل ذلك التفكير الانفصالي: بأن على البشير أن يقاتل من أجل تحقيقه "he has to fight for that"
• ما السر الذي جعل د. جون يتمسك بالوحدة لهذه الدرجة رغم الشكوى التي تسندها الوقائع عن حالة الوحدة السودانية؟
- د. جون بحكم قراءاته الصحيحة العميقة يعرف أن التنمية لا يمكن أن تتحقق إلا بالارتباط بالنشاطات الاقتصادية الكبيرة، وبالغاً ما بلغ حجم الموارد المحلية فإنها لا تفِ بأشراط النهوض بعبء التنمية الشاملة، في الواقع، تفكير د. جون هذا يتفق تماماً مع كل الدراسات الأكاديمية في علم الاجتماع والانثربولوجي والاقتصاد السياسي، ذلك أن هذه الدراسات تتفق على أن القضية الأساسية لعلاقة الاضطهاد بين البشر سببها التخلف.
• هل تنطبق توصيفات الدراسات الأكاديمية على حالة السودان؟
- بالطبع، فبالنسبة لبلد كالسودان، ترتبط معضلة الاضطهاد والتمييز والاستعلاء بصورة أساسية بغياب التنمية، وعندما أقول التنمية لا أقصد بها النمو الاقتصادي، وعليه يمكن تفصيل هذه القضية وتوضيحها، فمن المعروف أن الموارد الضخمة الموجودة لم تفِ بحاجة كل الناس، لأن ثمارها ضئيلة، ومع ذلك كانت معظم هذه الثمار تصب لصالح المستعمر على أيام الاستعمار أو تصب في مصلحة "السودان غير المتكافئ" فيما بعد الاستقلال، وما تبقى من الفوائد الضئيلة أصلاً شكلّ عنصر تنافس وصراع بين المجموعات السودانية المحلية، والأقوى وسط هذه المجموعات الضعيفة أصلاً يحاول السيطرة على باقي الثروة رغم أنه فتات ثروة، ويسعى في سبيل ذلك لإضفاء مسوغ ايدلولوجي يبرر به سيطرته وسطوته فيتم ابتداع الإشارات الثقافية (العروبة مثلاً) أو العرقية "الجذور" أو الدينية "الإسلام" من أجل إضفاء مشروعية على ممارسة الهيمنة والتكالب التي سبق توصيفها، هذا الواقع أوجد بيئة التخلف والاستعلاء والاضطهاد بين هذا الجانب وذاك.
• كيف تُفك شفرة التهميش والتخلف هذه؟
- أنظر إلى رمز الحركة الشعبية الذي تستخدمه رسمياً ستجد في وسطه بين غصنين ثلاث كلمات على شكل مثلث قاعدته (progress) التقدم وضلعاه الآخران (unity) الوحدة، و(equality) المساواة، ورود هذه المفردات ليس اعتباطياً ولكن لحقيقة الرباط بينها كوسيلة لإزالة التخلف والتهميش، فالتهميش لا يمكن إزالته إلا بتقدم شامل يحل الإشكالية الأساسية المتمثلة في التخلف، والتقدم ببساطة وفي ظل الظروف التاريخية والعالمية التي يعيش فيها السودان مستحيل من دون الوحدة التي تحقق وجود أكبر كتلة ممكنة من الشعوب والبشر في حيزّ واحد.
• تكتل بشري كيفما اتفق؟
- ما ذكرته لك عن "رمز الحركة" يجيب عن تساؤلك، ولكن دعني أفصل أكثر، فمن ناحية اقتصادية معلومة بالضرورة أن وجود سوق كبيرة مدعاة للازدهار ومحفز أكيد للتخطيط القائم على استقلال الموارد المتاحة في البلد، ولعلك تلحظ أن تبني الرئيس البشير مثلاً لدعوة الوحدة قد جاء نتيجة لسطوة وعلو كعب التجار وأصحاب الأموال داخل حزبه، فهؤلاء يهمهم وجود السوق والموارد بتكلفة أقل، ويهمهم وجود استقرار أمني ميسور التكلفة، فهم، أي أصحاب الأموال في حزب المؤتمر الوطني يعتبرون من أحرص الناس على الوحدة لأنهم يدركون مخاطر الانفصال على أعمالهم وتنمية ثرواتهم وزيادة كلفة الاستقرار وحفظ الأمن إذا حدث الاضطراب.
• ........................................!!؟
- هنالك طريقان للتقدم، أحدهما تجربة البلدان الاستعمارية في احتلال البلدان ذات الموارد والسيطرة عليها واستغلال مواردها لصالح تقدمها هي، هذا الطريق يبدو مستحيلاً إتباعه في حالة السودان، أما الطريق الآخر فهو الإذعان لشروط التبعية للاقتصاد الرأسمالي العالمي، وعيب هذه التبعية أنها تحقق نمواً اقتصادياً مؤقتاً دون أن تحدث تنمية مستدامة، لذلك فإن تجربة النمور الآسيوية مثلاً عُرضة للانهيار في أي وقت لأنها قامت على طريقة التبعية لاقتصادات ضخمة وعملاقة حققت طفرات في معدلات النمو دون أن تحقق التنمية الشاملة التي تزيل التخلف والتهميش، كما أن التبعية للنظام الرأسمالي العالمي في صورته الإمبريالية لابد أنه طريق يعيد إنتاج التخلف.
• ما هي أفكار د. جون في هذا المضمار؟
- تفكير د. جون، أساساً معادٍ للإمبريالية وكان لا يرى أية إمكانية تنمية تحت إبطها ولعله كان متأثراً بأدبيات مدرسة دار السلام للعلوم الاجتماعية، ولأن طريق التقدم غير الإمبريالي كان لابد أن يمر عبر وحدة كل الناس المهمشين، لذلك اتسعت رؤية د. جون لتضمه إلى كبار مؤيدي فكرة (البان آفريكا). من هنا كانت تنبع فكرة د. جون للوحدة، وليس جراء عاطفة الأناشيد ووادي النيل الذي يربطنا، فهو لم يكن يعرف اللغة العربية حتى، وقد تعلمها لاحقاً، إذاً نظرته للوحدة تكمن ضمن نظرته لوحدة مصالح المهمشين في السودان، لتتسع وتضم كل إفريقيا، وفي أكثر من مناسبة كان د. جون يرد على من يطلب إليه دعم الانفصال بأن ذلك لا يتسق مع رؤيته الداعية لوحدة إفريقيا.. فكيف يدعم انفصال الجنوب؟
• ولكن ما يزال السؤال قائماً.. ما هي شروط هذه الوحدة؟
- من أهم شروطها أن يتساوى هؤلاء البشر المتوحدون، لإنجاز التقدم ودحر التهميش الذي قاعدته الأساسية هو التخلف، وهذا هو أساس وحدة قرنق التي يرفضها بالفعل نافع علي نافع ويفضل عليها الانفصال.
• ألهذا أنت ضد الانفصال؟
- نعم لقناعاتي، وللأسباب التي شرحتها، أنا أقف ضد الانفصال، إذ أنني أتساءل وأسأل الانفصاليين بإلحاح وأرجو أن يجيبوا عن سؤالي المركزي وهو كيف يمكنهم حلّ قضية التخلف وعدم المساواة عبر الانفصال، هذه قفزة في الظلام دون شك، وفكرة الانفصال ظلت مطروحة منذ 1955م، ولكن د. جون عندما قاتل ضد الانفصاليين كان يعرف بذكائه أنّ الانفصال لن يحل هذه القضايا، وكذلك أنا الآن مقتنع بأن الانفصال لن يحلها.
• وهل من مزيد من أسباب قناعتك هذه؟
- الانفصال بالطريقة السائدة الآن سيقود إلى انقسام في الحركة الشعبية، أكاد ألمس ذلك بوضوح شديد، بين دعاة الوحدة ودعاة الانفصال، كما أنه من جانب آخر خطر جديد، يؤدي إلى فقدان الثقة في الحركة الشعبية من جانب قوى السودان الجديد في مناطق الشمال لأن قضايا تهميش هذه المناطق ما تزال موجودة، وإذا تم حلها جزئياً في الجنوب بانفصاله، فإن المهمشين في الشمال سيظلون يعانون من ذات الأدواء.
• الحرب القادمة وقودها المهمشون!!؟
- في حالة نشوب حرب، وهذا أمر راجح الحدوث وفق المعطيات الماثلة حتى الآن، وعلى العكس مما كان سائداً على أيام حرب التحرير التي قادتها الحركة الشعبية، حيث تحالفت غالبية قوى الهامش في الشمال مع الحركة بقيادة د. جون، الآن، في الغالب، أن هذه القوى سوف لن تقف إلى جانب الحركة إن لم تقف ضدها، خاصة مع توقع حملات تعبئة عنيفة من جانب المؤتمر الوطني باعتباره قائد الدفاع عن العقيدة والعرض والتراب.. الخ.. الخ من أدبيات الحشد المعتادة من جانبه، وسيكون المبرر لموقف قوى الهامش هذه أنّ الحركة قد تركتها في العراء لتواجه مصيرها واختارت الانكفاء جنوباً.
• مرافعات متصلة ضد الانفصال؟
- هنالك شيء مهم يجب ملاحظته هو أن اتفاقية السلام الشامل حققت مكاسب ضخمة لصالح المهمشين، بعضها تم تنفيذه وبعضها لم ينفذ، وعدم التنفيذ تتحمل جزءاً من مسئوليته الحركة نفسها، إذاً هنالك مسألة نضال مستمرة من أجل تحقيق هذه المكتسبات كلها والتأسيس عليها باعتبارها الحد الأدنى للشروع في بناء السودان الجديد، والفشل الآتي في انتزاع هذه الحقوق والمكتسبات لا يعني التخلي عنها والركون للحل السهل - الانفصال- بل على العكس، كان يجب تطوير هذه المكتسبات وتنظيم الصفوف من أجل استكمال بناء السودان الجديد.
• الحركة ضمور بعد تمدد؟
- ستخسر الحركة الشعبية من ناحية سياسية كذلك، إذ أنها تسيطر الآن على حكومة الجنوب بصورة شبه مطلقة، وتمتلك تأثيراً ونفوذاً قوياً في الشمال، قابلاً للتمدد والازدياد، كما لديها إمكانات تحالف واسعة وضخمة مع قوى مؤثرة وقواعد منتشرة في كل ولايات السودان، فليس من المصلحة في ظل فرص التقدم هذه الانكفاء وتقليص النفوذ بأيدينا، وترك (الجمل بما حمل) جراء عناد ومقاومة المؤتمر الوطني المستميتة لتمدد نفوذنا.
• وماذا عن فرضية انهيار السودان؟
- أنا أسأل كذلك، ما هي مصلحة المهمشين والفقراء في كل أنحاء البلد في انهياره؟ إنّ الحديث عن أنه لا بأس من انهيار السودان يعتبر حديثاً يائساً كان يمكن قبول صدوره عن المؤتمر الوطني مثلاً باعتباره بدأ يخسر فعلياً وينحسر حيث كل الطرق مسدودة أمامه، إذ لا برنامج يسعفه ولا فكر يهديه ولا ممارسة تشفع له ليكسب، في وقت بدأت فيه الحركة تكسب المزيد وتمدد فكرتها ومشروعها السياسي، فكيف يفكر من لا يأبه بانهيار السودان..
• ........................؟
- أكرر القول، بأنه لا مصلحة إطلاقاً يمكن أن ينالها المهمشون إذا انهار السودان، خاصة بعد أن بدأ هؤلاء المهمشون في تذوق ثمرة كفاحهم ونضالهم الطويل والمرير، ويتوقون لإكمال استحقاقاتهم عبر مواصلة مسيرة النضال المستمرة، هذا فوق أن الحرب الوارد اندلاعها، وما شروط المؤتمر الوطني الأخيرة للاعتراف بنتائج الاستفتاء إلا عربون حرب قادمة، فهي شروط مستحيلة التحقيق كذلك، في حالة اندلاع الحرب، سيكون أكبر ضحايا هم المهمشون أنفسهم إذ وسطهم يزداد القتل والموت والنزوح واللجوء، كما أنّ غالبية المهمشين يعتمدون في حياتهم وإنتاجهم على العمل اليدوي كالرعي والزراعة التقليدية والعمال، هؤلاء في حالة اندلاع الحرب ستعم وسطهم المجاعات والأوبئة، وستعاني النساء (مهمشات المهمشين) الأمرين بصورة خاصة وكذا الأطفال.. وتتأثر الخدمات التعليمية والصحية ومياه الشرب.. الخ.. الخ.
• أخطر نتائج الحرب؟
- أخطر نتائج الحرب إن قامت، هي نهاية الأمل تحت ظل الخوف والرعب والمآسي التي تولدها الحرب، أما الاحتمال الأرجح فهو وقوع الحرب وليس حدوث الانفصال.
• الفرص المهدرة؟
- لقد ضاعت الفرصة بالفعل عندما كانت الظروف مواتية لإضعاف المؤتمر الوطني، وذلك عبر الانتخابات، وقد كانت تقديرات د. جون وتوقعاته أن تكتسح الحركة الانتخابات في الشمال أو على الأقل بنسبة مؤثرة جداً مما يفتح المجال أمام بدء تطبيق مشروع بناء السودان الجديد، هذه سانحة تبددت بالتردد، والعمل على إرضاء المؤتمر الوطني في وقت كان يجب الضغط عليه وخلخلته بنضال جماهيري، إذ أنه - أي المؤتمر الوطني- لم يكن في يوم من الأيام حليفاً للمهمشين وتطلعاتهم المشروعة.
• ختاماً، ما رأيك فيما يشيعه قادة وإعلام المؤتمر الوطني مؤخراً من إشارات ورسائل؟
- الغرض واضح، وهو إحداث حالة من الإرباك والإرهاب والتخويف والتردد وسط الجنوبيين المقيمين في الشمال بغية جذبهم – قسرياً - للتصويت لصالح الوحدة، ولأن بعض قيادات المؤتمر الوطني تتعامل مع الشأن السياسي برعونة، فإن أثر مثل هذه الرسائل والتصريحات تجد في المقابل رد فعل مضاد لدي المواطنين في الجنوب، الذين لا يهمهم (حرمان من امتيازات) أو حتى (حقن) بينما تخدم مثل هذه التصريحات قضية الانفصاليين أيما خدمة..
Mohamedyousif Almustafa [myalmustafa53@yahoo.com]