رسالةٌ شعريّةٌ لا مُناسبَةَ لها سوى ذلك العيدِ الدّائمِ في رُوحي والذي هو حُبّي لكِ وحُبُّكِ لي!!‍‍

 


 

 

***

أصيلُ الجّمعةِ، 29\5\1992م، "وقتٌ ما بينَ السابعةِ والثّامنةِ والذي هو أصيلٌ هُنا في هذه الأيَّام!"

شوقي إليكِ يُسري فيَّ على راحتِهِ مثلُ الماءِ الرّائقِ المُتشَرِّبِ "نالاً" خلويَّاً ينمو بحُرِّيَّةٍ على الرّمالِ، في الهواءِ الطَّلْقِ الذي لا تخْدِشُهُ أنفاسٌ بشريّةٌ تتحرّكُ فيهِ ولو بلُطْفٍ هامسٍ كلُطْفِ سيرِ العاشقِين على رمالِ الشّواطئِ الريفيّةِ النَّائيةِ والمُوَشْوِشَةِ لهما بالعذوبةِ وبالغناءِ المَسْرُوْفَةِ بهِ حُنجُرةُ الأثيرِ المِزْمَارِيَّة..

شوقي إليكِ، هذه المرّة، صامتٌ ولا تَتَقَمَّصُهُ كرنفالاتُ حنينٍ عاصفةٍ تَرْسِمُ أو تبثُّ نفسَهَا على هيئةِ تشنُّجَاتٍ عنيفةٍ على جسدي.. "ألفِ مرَّة أقول اعاتْبَكْ ولمّا اشُوفَكْ اقُولْ احِبَّكْ"* أستمعُ الآنَ إلى هذه الأُغنيةِ الرّاعشَةِ "المُرْتَجِفَةِ" بحنينٍ هو أقربَ في طبعِهِ للضُّوءِ الخافتِ، للشِّمُوعِ، للقمرِ الشّاحبِ في ليالي الشّتاءِ الاستوائيّةِ منهُ للعاصفةِ الحارقَةِ الشَّيطانيّةِ والعاتيَةِ التي تتملّكُنِي أحياناً في غِيَابِكِ وليس لي ساعَتَذَاكْ إلا أن أتمنّى موتاً أو رُؤْيَاكْ ولا ثالثَ لهذينَ عندي يكُونُ آنَذَاكْ!

كيفَ أنتِ؟ هل ما تزالينَ تَحْلُمِيْنَ بِبُوْذَاكِ، بِمَجْنُوْنِكِ الذي يسكرُ بكِ كلّما يراك؟!

يُداهِمُنِي الآنَ "شيءٌ" مثلُ عزفِ العودِ النَّاعمِ الطَّرِيِّ الّذي دَغْدَغَنَا قديماً آنَ كُنّا سويَّاً- والآخرون- مُرتَمِيْنَ على عُشْبِ "حدائقِ أبريل" ومُوَشْوَشِيْنَ بصوتِ الصّديقِ المُغَنِّي "عُمر أُمْبَدِّي" الذي لم أكتُبْ لهُ- بلا مُبالاةٍ لا مفهومة- حرفاً واحداً حتّى الآن منذَ وُصُولي إلى هذه البلاد- أو هذا اللّبن المتخثّر بالرّطوبة!‍- المليئة بهذه المخلوقاتِ الباردةِ البيضاءِ اللون "أو حَمْرَائِهِ" التي يسمّونها ناساً وتبدو لي أنا أشكالاً غريبةً تموجُ بها الشّوارعُ والدّكاكينُ فحسبْ وتتحدّثُ رُطانَةً هيَ غريبةً عنّي ولا ألِيْفَةً مهما شعرتُ بأنّي "تطوَّرْتُ" في فقْهِ ما تقولُ وما تَعْنِي!!‍‍

لُغةٌ حميمةٌ وغريبةٌ وسحريَّةٌ هي الحبُّ الذي بيننا:- فهو هادئٌ مثلي أحياناً وحادٌّ وعاصفٌ وغضُوبٌ مثلُ نَفْسِكِ تماماً في أحيانٍ أُخَرْ. هذه المرّة كان الحبُّ هادئاً وخافتاً كأنّهُ ليسَ هُناك، كأنّهُ ليسَ بموجُود.. أو قُولِي كأنّني لم أعُدْ- بمعنىً خاصٍّ ولا مُمْسَكَ بِهِ- أُحبُّكِ ولم أعُدْ أهتَمُّ بِكِ!‍ هو يرسمُ في قلبي وفي جسدي في صورةِ "لا مُبالاةٍ" لطيفةٍ بِكِ وبما يجتَاحُكِ من غَضَبٍ أضحكُ منهُ وأقُولُ لنفسي مُوَشْوِشَاً "أو هاذِيَاً، إن شئْتِ":- يا لها من فتاةٍ حارّةٍ ولطيفةٍ مِثْلِ جمراتِ دُخَانِ البخُورِ المبثُوثِ من مَنُزِلِ مُتَصَوِّفٍ فردانيٍّ يتوحّدُ مع مِسبَحَتِهِ الألفِيّةِ الطَّويلَةِ ويُغمِضُ عَيْنَيْهِ على نداءاتٍ مائيّةٍ لا يعرفُ كيفَ يُسمّيها حتّى لنفسِهِ ناهيكَ عن قدرتِهِ على البوحِ بها لمن يخُصُّهُ من النّاس حتّى دَعْكَ من عامّتِهِمْ الفارّينَ من أنفُسِهِم منهم "ومن لا أنْفُسَ لهم‍!" والدَّاجِّيْنَ أحيجَاً وعَجِيْجَاً في الأسواقِ، مُتْرَبَةً كانت كما هي في هناك في بلادِ الذّكرى والقلب "في أفريقيا" أو ملساء صناعيّة كما هي هنا في هذه البلادِ "العقلانيّة" المضادَّة للسِّحرِ وللشِّعْر، الواضحة بغيظ والدَّقيقة بلا مُبالاة!‍

سلاماً لكِ يا سُكّرَ الأغاني التّي أُحِب و"بَوْسَةً" حَنَانِيَّةً مَسَائِيَّةً وهشَّةً كَكَعَكِ العِيْدِ، سرِّيَّةً وخافِتَةً كنسيمٍ تُمَرْجِحُ أو تُغْرِقُ جَسَدَكِ الأُنْثَوِيَّ في إِغْمَاضَةٍ بَهِيْجَةٍ لا مُنْتَهىً لها يا حَمَامَتِي!!

هامش:-

* من أُغْنِيَةٍ للمُغَنِّي السُّودَانِيِّ عبد المُنعم حَسِيْبْ.

 من مجموعتي الشعريَّة المُسمَّاة "خصوبة القداسة"، صدرت في 50 نسخة فقط عن منتدى أهل السُّودان، لندن، 2004م. تصميم الغلاف الصديق الرَّاحل: طارق أحمد أبوبكر.

 

khalifa618@yahoo.co.uk
//////////////////////////////

 

آراء