سافرت /عدت : ترنيمة إلى محمد محمد خير

 


 

 

 


1
إطلعت عليك وأنت تسافر وتعود في عدد "السوداني " ليوم الجمعة 28/11/ 2019 م ،. كان مقالك آسرا بالنسبة لي ونابضا كعادتك عندما تتناول "عجوة الوطن " ونسيمه ونقاء هوائه وجمال ناسه. وقد أحسست وأنا ا تأمل في محاسنك واتوسع في فنوني ، أن سربا من الكراكي الغر "يتاوق""من نافذة عمودك الشيق ليجد أن أماكن الطواف والسعى هناك بساحة الوطن ، حجزته سلفا أسراب قماري عادت لتوها إلى مقرن النيلين من وداع سرب من الطيور الأجنبية الملونة التي غادرت الوطن بعد فصل الخريف ورجعت إلى مواطنها لتحدث العالم عن بلادنا وتغني مع:
يا ليل أبقالي شاهد
على نار شوقي وجنوني
ربما حدثت تلك الطيور العالم عن تنوع وحلاوة تمورنا في معرض التمور لهذا العام..عن العراجين والقفاف والمناجل وجمال العارضين ووفرة معروضهم الذي يحدثك عن خمول الساسة وظلامات التنمية في ذلك الاقليم الآسر الصابر.
كنت هنالك بين تلال التمر المتنوعة .. "الكلم" و "التمود" و"البركاوي" و"ودلقاى" ، حتى "الجاو" كان حاضرا . وعندما حاول ذلك المشهد المعسول ، التسلل الى حلقي الذي حاصرته أوجاع السفر والعودة ، كان المجال في أرجائي محجوزا لأشجان أحسستها في مقالك والنبض الذي جال فيه معبرا عن حالة متجدةة تكتبها لنا دائما متجددة ومدهشة ورفيعة البيان ...تخرجها من بين شاربيك ومن ثيابك التي تفوح منها رائحة البعد ، بل القرب من الوطن من تورنتو إلى حيث تبدو الخرطوم كحلم غائم على حد تعبير الطيب صالح.
ليس هذا بالطبع اطراء أنت تستحقه ، ولكنه احساس أحد المرابضين مثلك بين خطوط الطول والعرض في متلازمة الوطن والغربة والسفر كأمر لم تحسمه الأيام ولا ظروف الوطن ولا حالاتنا الخاصة ، فمن "رزيم" صدر قطار التسفار وصالات السفر والمغادرة وصفوف الهجرة والجوازات ، يطير القلب فيحزن ذهتبا ويفرح عودة ويظل السؤال المكلف مع الكاشف " يا زمان هل من عودة هل"؟. سرت أحرفك في أوصالي كدبيب نمال في نقا يتهيل وأنا المتيم ب"المتاوقة " وصلة الرحم الفني مع العزيزة "السوداني" ضياء الدين البلال وطاقمه الرفيع, كتاباتك في تقديري عشبة طبية نادرة للباحثين عن دواء من أمراض العادي والمستهلك كدواء يتناوله الباحثون عن جمهورية فنية توطد سلطة الجمال في الأرض وهم يغنون:
من جنان رضوان أصلك
لذا كل ربيع فصلك
اتنفس وفوح
تتنفس ناس ورياض وبحار
2
تطرز كتاباتك بالجميل من مفردات أغانينا وفي ذلك لا يجد قاموسك الفني أى مشقة في المزاوجية بن "اسكيرت" الحالة و"بلوزة " مدلول الأغنية . توقفت لدى مناشدتك للوطن عائدا مترنما مع عتيق :
يا نسيم بالله أشكيلو
تباريح شوقي وهيامي.

وأردت أنا المواصلة في شأن الوطن:
دوام أنا شوقي ناميلو
جداول دمعي تهميلو
صرف عن حبي صار ميلو
وأنا اللازال أحاميلو
أحبو وئأفتخربو ,أهوى قربو

تجدني مثلك دائما مع نسيم هذا الوطن في مناظرة ...ومع هذا الوطن ديمة هديلي ساجع واجدا أن الفرق شاسع بين شعره الحالك وبين الأجنبي:
أعـاين فـيه وأضـحك وأجـري وأجـيه راجـع
مـتـلاعب لـيـس إلا مــا مـوضوع مـطامع
أقـيـس بـالليل شـعره ألـقى الـفرق شـاسع
دي مــا بـيـلقاها زول زي صـيـده نـاجـع
أن يكون الوطن عندنا مقبول بكل تفاصيله هو الواجب والأدوم وفي رحلاتي الى القرية شمالا ، أتأمل صحاريه وأشجاره هناك في بيوضة والعتمور والتي لا زالت مخضرة رغم عبوس المواسم وتبدل أمزجة الساسة.
وكىيلا تجذبنا خواطر السفر والعودة بعيدا، فدعني وفي تهويماتي هذه التي أنتجها مقالك عن السفر والعودة الاشارة الى أنني أجد متعة في البحث عن ذرات الوطن الغالي مسافرا وعائدا مترنما به على طنبوري العتيق كنسخة ثانية من نسخة طنبوري الكاليفورني على ايقاع الجابودي :
يا الربيتون يا الربيِّت
يا العيلمون بت بخيِّت
أصلي جزار قلبي ميت
لاني حى أنا لاني ميت
أبقى سيد مكنة وأخيت
في دكيكين ود بخيِّت
أبقى زرزورن غتيِّت
فوق عمود الكُجرة أبيِّت
وأنقد أم راس في السبيِّط
وربما وفي إطار التداعيات التي وجدتها في روح خواطرك عن السفر والعودة و حالتي كمتارجح بين مطار سانفرانسسكو وموقف البصات في السجانة نحو الشمال الاشارة إلى أن العلامة عبد الله الطيب اشار إلى أن الجابودي من أجود أنواع الشعر الغنائي العربي المحض مستشهدا بقول عنترة:
أنا الهجين عنترة
كل امريء يحمي حرة
أسوده وأحمرة
والشعرات الواردات مشفرة
تعجبني مذاكراتك مسافرا وعائدا وكما يقول العلامة عبد الله الطيب فإن المذاكرات جزء من الانسان وجزء من أدب المؤانسة . وإلى أن تنحل عقد الكلمات المتقاطعة في متلازمة الوطن والغربة والسفر ، دعنا نستمتع بلحظات التواجد فيه...نتأمل انتفاضات أجنحة القمري والدباس والقطا العابر الى موارد المياه . ولا بأس من التأمل في "محاسن حسن المحاسن " في القمري الآخر الذي تمر أسرابه أمامنا كل يوم فلا تبقي من درننا شيء!!! من دون أن ننسى ترديد:
تقول العاذلات علاك شيب
أهذا الشيب يمنحني مراحي
فأجيب : نعم وأيم الله.

abdelrmohd@hotmail.com
///////////////

 

آراء