سايكولوجيا الضعف والقوه بين المرأه والرجل
"رؤية تحليلية "
مازال الجدال واللغط يدور بحمية حول مفاهيم مرتبطه بالمرأه تقيم شخصيتها ومدى قوتها ومدى رجاحة عقلها مقارنة بالرجل . البعض يرى أنها ضعيفة بالفطره ، وللأسف ان هؤلاء البعض هم الغالبية "على حسب ماهو شائع" . والاكثر أسفا أن المرأه فعلا في غالب المواقف الحياتية تظهر ردة فعلها مؤيده لتلك الفكرة الشائعه . لكن مايجب أن ننتبه له هو : هل انها فعلا خلقت كذلك أم أن البيئه والمجتمع لهم دور في ذلك التكوين الذي اتسمت به شخصيتها وجعل الكثيرين يصفونه بالضعف ؟؟ هناك مدخل واقعي يمكن ان نستند عليه في التحليل للتوصل الى اجابة . انه مدخل الثقافة والعادات والتقاليد من جهه والنوع الاجتماعي من جهة " الجندر " .
من الضروره عندما نتحدث عن النوع الاجتماعي "جندر" ان نتطرق لثقافه المجتمع حيث انهما متغيران نفس اجتماعيان لاينفصلان عن بعضهما البعض ويكشفان عن تداخل يضع النوع الاجتماعي "جندر" كمصنف لهذه الثقافه نوعيا بمفهومها العريض ، ولكن في البدء دعونا نعرج علي توضيح ماهيه النوع الاجتماعي "الجندر" وماهي الثقافه .
فالنوع الاجتماعي "الجندر" يمثل التعريف الثقافي الاجتماعي للرجل والمرأة والطريقه التي تميز بها المجتمعات بينهما من خلال تحديد أدوار اجتماعيه مختلفه ، فهو الصوره التي يرسمها المجتمع للنساء والرجال والاسلوب الذي يتوقعه في تفكير كل منهما والمسؤليات التي يوكلها لكل منهما ، وتوقعاته "أي المجتمع" فيما يخص تصرفات كل منهما ويرجع ذلك الي ثقافه المجتمع وتنظيماته الاجتماعيه والاقتصاديه والسياسيه وخصائصه البيئيه . وعندها يعبر نحو كل من الجنسين ب"الذكوره" و"الانوثه". " كاملا بهاسين ، ماهية النوع الاجتماعي ، 2006،ص13"
أما الثقافه فهي وحده متكامله من المعلومات والأفكار والمعتقدات والمواصفات الاجتماعيه وطرق التفكير والتعبير والترويج وطرق كسب الرزق ، وتربيه الأطفال والصنائع اليدويه وغيرها من المظاهر السائده بين أفراد المجتمع والتي تنتقل بين جيل الي آخر ، ويكتسبها الأفراد عن طريق الاتصال والتفاعل الاجتماعي ،لا عن طريق الوراثه البيولوجيه ولكل ثقافه جانب مادي وآخر لا مادي ، الأول ماينتجه عقل الجماعه من أشياء محسوسه كهندسه البناء ونماذج الترويج ومورد الطعام ، والآخر يتألف من المعارف والمعتقدات والقيم والفنون والطبائع القوميه والنظره الي الكون . " أحمدعزت راجح ، أصول علم النفس ، 1999ص 23 ".
وبناءا علي ماتقدم نجد أن ثقافه المجتمع تلك بكل مكوناتها تسهم بقدر كبير في تشكيل شخصيه الفرد ، وفهمه لنوعه الاجتماعي حتي أن المحاور السابقه المكونه للبيئه الثقافيه في المجتمع وأخص"السوداني" مصنفه علي أساس النوع الاجتماعي بصوره دقيقه وواضحه فهي تخصص لكل جنس مظاهره المختلفه اجتماعيا ، وفكريا ، وسلوكيا ومن ناحيه المظهر الخارجي والأعمال الانتاجيه وحتي طريقه الكلام والتعبير وتوجيه الطموح وتكوين الميول المكتسبه ، وهو تشكيل مستمر لاجيال متعاقبه وضارب بجذوره في أعماق المجتمع عبر الزمن هذا لاينفي نسبيته داخل البيئة الاجتماعيه الواحده وفي أزمنة مختلفه نسبة لتأثير العرق والدين ومستوي التعليم .
ان هذا التميز الثقافي في تشكيل شخصيه كل من الرجل والمرأه أضفي مازال يضفي بظلال سالبة علي تكوين النسيج النفسي والمعرفي لشخص المرأه ، مقارنة بالرجل ، مما يضحد بشكل تام كل الآراء التي تقول أن المرأة ضعيفة بالفطرة أي أنها تمتاز بنفسية هشة متأرجحة عاطفيا وأنها ناقصة العقل منذ ميلادها .
والسؤال الجوهري : كيف تضحد العلاقه بين المتغيرين "الثقافة والجندر" تلك المفاهيم التي أصبحت شبه معتقدات وانطباعات ثابته في الغالب الأعم ؟؟ وكيف يمكن ضحدها أيضا من نفس المنطلق الفطري الذي نبعت منه ؟؟
استنادا علي طبيعه التكوين البيولوجيه الأولي للانسان حيث تبدأ حياه الفرد باتحاد خليه من كل من الأبوين ، الحيوان المنوي للذكر والبويضه للمرأه ، وتحتوي هذه البويضه المخصبه علي مئات الآلاف من الجزيئات الدقيقه جدا والتي تسمي الموروثات وهي التي تنقل الي الطفل الصفات الوراثيه من الاب والام والاجداد الذين سبقوهم وتجتمع هذه الموروثات في مناطق علي الكروموسومات يطلق عليها الصبغيات ، وتحوي البويضه المخصبه علي 48كروموسوم وتنقسم البويضه المخصبه انقساما ذاتيا حتي ينتج عنها آلاف وآلاف من الخلايا وبالتدريج تبدأ الخلايا الناتجه في القيام بوظائف معينه وهي بدايات الأجهزه العصبي والعضلي والدوري وكذلك يبدأ الجنين في التخلق الي أجزاء : رأس وجزع وأطراف حتي انقضت تسعه أشهر تقريبا أصبح جنينا علي وشك الميلاد ، وكل طفل يرث نصف مالأبويه من موروثات "جينات" كما أن اطفال الأسره الواحده يختلفون فيما بينهم من حيث الاتحادات المختلفه بين الجينات التي يتوارثونها من الأب والأم ، بحيث يمكن في نهايه الأمر أن توجد بين الأخوه هذه الفروق الفرديه التي نلاحظها .
ومن المهم أن نركز على الآتي :
علي الاطلاق لايوجد في هذا التمرحل التكويني البايوفسيولجي اشاره اختلاف بين تخلق الذكر وتخلق الانثي بل الاختلاف الناتج من الاتحادات بين الجينات ينتج عنه فروقا فرديه وليست نوعية .
وعليه فالتفاعل البشري مع مجمل الموروث الثقافي انتاجا أو استقبالا هو في حاله حراك مستمر ومتداخل "دينامي" مع أجهزه الشخصيه المختلفه "نفسيه ، معرفيه ، بيولوجيه" ومع المكونين المادي واللامادي للثقافه الشيء الذي حتما يفضي الي تغيير تلقائي أو مستقصد في تلك الأجهزه . وهذا التغيير قد يكون تطور ايجابي أو نكوص سلبي.
فالواقع يحدثنا عن اختلاف كبير بين النساء والرجال في مايخص النشاط اليومي الذي يمثل مدخلات ومخرجات الثقافة والعادات والتقاليد، والفرق يكمن في ان المرأة غالبا معرضه للعدد الأقل والمحدود من المؤثرات البيئيه ، بعكس الرجل حيث التجديد والمؤثرات متحركه ومتطوره متجدده ومتنوعه تحمل في داخلها العديد من التفاصيل التي تحفز النشاط الذهني وتدعو الي التفكير والابتكار وتستوجب المبادره والتأهيل الشخصي علي كافه الأصعده ، مثل النشاط التجاري العريض العالمي والمحلي ، المشاركه في أجهزة الدولة النظاميه من جيش وشرطه وأمن ومخابرات ، التعليم العالي ، المشاركه في الابداعات الفنيه عالميا ومحليا بشكل محترف ومهني مثل الغناء والفن التشكيلي والتمثيل ، المشاركة في الفعاليات الاجتماعيه والسياسيه الكبرى من ندوات ومحاضرات داخل وخارج القطر...ألخ مما يجذر الثقه بالنفس ويحقق مستوي ناضج من التكوين الوجداني والمزاجي أي يفضي الي تكوين "أنا" متماسك والأنا هو الجهاز الاداري للشخصيه الذي يوجه الصراع بين "الهو" "والأنا الاعلي" فتكون الشخصيه أقل عرضه للاضطرابات النفسيه .
في حين أن المرأه تحرم من هذا الجانب من التأهيل الشخصي لتدور في دوامه متكرره من النشاطات المحدوده مثل الأعمال المنزلية من كنس وطبخ وغسل وتعليم في مستويات أقل وحتى اذا أصبحت منتجة يكون ذلك في مجال الأعمال اليدويه أو تربية الحيوانات المنزلية أو زراعة الشتول الصغيرة أو تطريز الثياب ،أو البرامج الثقافية داخل الحي كالجمعيات الدينية أو جمعيات التكافل الاجتماعي أو الأسعافات الأولية ...ألخ كل ذلك وهي تتصرف داخل اطار يعد بمثابه "قالب" لسلوكها وتفكيرها يجب أن تحرص على عدم الأفلات منه هذا القالب فيه صفات مثل الخجل وعدم التعبير المبالغ فيه عن الفرح أو الانفعال أيا كان نوعه خصوصا في الأماكن العامه ، خفض الصوت ، طريقة المشيه ، الرزانة ، وغيرها من الصفات التي تضغط على فطرتها لتبدو بمقاس ذلك القالب ، كل ذلك يؤدي الى تقليل فاعلية العمليات العقليه العليا وطرائق التفكير : " الادراك ، الاستتباط ، الاستلال ، الملاحظه ، الاستنتاج ، التحليل ، الابتكار ، ويجعلها تتبلور في مراحل أقل تطورا ، وتختفي مظاهر الحيويه الذهنيه ، وسيما أن الدراسات أثبتت أن الذكاء مكتسب بقدر كبير منذ الطفوله الأولي مرهونة ارتفاع نسبته باحتكاك الموروث البيولوجي بكم ونوع المتغيرات البيئية .
فتنعدم في تلك الحالة أوشبه تنعدم مهارات حل الصراع النفسي الداخلي والتصدي للازمات الخارجيه وايجاد الحلول وواقعيه تنفيذها مما يفتح المجال للتفكير الخرافي والتعلق بالأوهام "أكثر رواد الدجالين والسحره من النساء وأكثرهم ممارسه في الدجل للعادات الاجتماعيه السالبه مثل الزار " كما وأكثر مصابي مرض الهستريا اضطراب توهم المرض من النساء ". وتقول الدكتوره الطبيبة نوال السعداوي بهذا الشأن : " ان الكبت هو عدم الفعل وقد كبتت المرأة وحرمت من الفعل ، ولذلك لم تستطع ان تعيش الحقيقة ، وعاشت في أحلام وخيالات وهذا يعرضها دائما للصدمه النفسيه حين يصطدم الواقع بخيالها ، فاذا بها تعيش صراع العالمين الحقيقي والخيالي في ذهنها " "الانثى هي الأصل ص 199" . ويتضح مما سبق أن الاحتكاك بالواقع وخوض التجارب كلما اتسع كلما اتسعت معه مدارك الفرد وقوية شخصيته ونضج نسيجه النفسي وأصبح أكثر قدرة على مواجهة الحياة .
فمبدأ العداله النوعيه يحتم ايجاد فرص متساويه لكلا الجنسين من حيث النشاط ، يتبع ذلك نظره علميه لشخص المرأه مجرده من سلبيات المفاهيم الدونيه التي تضعها في مرتبة اجتماعيه أقل . كي نتجنب تدمير عقول لها الحق الانساني في التطور ، وكي نفتح المجال للطاقات الكامنه التي تتعطش للتعبير عن وجودها . وبالتالي نصل الى مجتمع فيه نسب أقل من المرض ونسب اعلى من الانتاج الفكري والمادي .
انه أخطر أنواع العنف لأنه متخفي في تلافيف عباءه التنشئه والعادات والتقاليد والأنماط الثقافية والمفاهيم المتأصله جيلا بعد جيل ، وهذا لاينفي نسبيته داخل المجتمع الواحد لتأثير عوامل ايجابيه مثل التعليم وانتشار الوعي الذي صحبه خروج المرأه للعمل والمشاركه السياسيه الا أن عدم التوازن النوعي مازال موجود ، ومعاناه المرأه كائنة ، ومازال المجتمع ذكوري .
ندي حليم / اختصاصية نفسية وناشطه في مجال حقوق الانسان
Nada Haleem Saeed [nadahaleem19@yahoo.com]